للصمود الفلسطيني تاريخ فقد مرت مائة يوم على صمود الشعب الفلسطيني فى وجه آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة المحتلة، قدم خلالها الشعب الفلسطيني أكثر من 23084 شهيدًا بينهم 10 آلاف طفل و7000 سيدة و 112 صحفيًا و326 من الطواقم الطبية وما يقارب من 63 ألف جريح، ليصنعوا ملحمة صمود فلسطيني جديدة فى وجه المحتل، فالأرض الفلسطينية لا تنبت مع أشجار الزيتون العتيقة سوى الأبطال المرابطين على أرضهم.
ومنذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة والضفة، والدولة المصرية لا تألو جهدًا فى العمل على حل الأزمة وتقديم الدعم للأشقاء الفلسطينيين ومواجهة أخطر مخططات المرحلة الحالية التي أعدها المحتل وكشفتها الدولة المصرية، وهو مخطط التهجير القسري للفلسطينيين والدفع بهم خارج أراضيهم من أجل تصفية القضية.
لم يكن التحرك المصري بشأن القضية الفلسطينية والدفاع عنها هو الأول لأن مصر تعتبرها قضية القضايا بحسب تعبير الرئيس عبد الفتاح السيسي، فهو يأتي امتدادًا لتحركات مصرية متواصلة لا تتوقف بدءًا من تقديم الشهداء كما فى حرب 48 ومرورًا بالتحركات الدبلوماسية والدعم الاقتصادي والإنساني والعمل مع الشركاء الدوليين والقوى الدولية على إحلال السلام وإعلان دولة فلسطين وعاصمتها القدس وفق حدود الرابع من يونيو عام 67.
التحركات المصرية والدعم للأشقاء الفلسطينيين لا تتوقف لحظة والعمل على وحدة الصف الفلسطيني هو الشغل الشاغل للدولة المصرية لمواجهة مخطط شيطاني استغل لفترة طويلة حالة الانقسام الداخلي، ليحصل على مزيد من المكتسبات والأراضي الفلسطينية ويوسِّع من حجم المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية فى غزة والقطاع.
وقد أثر ما سمي بالربيع العربي بشكل كبير على وضع القضية الفلسطينية وأصابت حالة عدم الاستقرار والتوتر فى المنطقة القضية الأولى للعرب فى مقتل، فتراجعت كثيرًا أمام أكبر عملية تدمير ممنهج للدول العربية من أجل رسم خارطة ما أطلق عليه بالشرق الأوسط الجديد.
لكن الدولة المصرية سعت بقوة لإعادة القضية إلى صدارة المشهد من جديد، مؤكدة أن إحلال السلام فى منطقة الشرق الأوسط لن يتحقق ما لم يتم إعلان دولة فلسطين وفق حدود الرابع من يونيو 1976، مؤكدة أنه لن يكون هناك سلام حقيقي بدون ذلك.
وتصدت مصر بقوة لمحاولات تصفية القضية على مدى أكثر من 70 عامًا، والتي شهد العقد الأخير منها أقوى محاولتين بدءًا من صفقة القرن ثم مشروع اللواء بالاحتياط «جيورا أيلاند»، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والذي عُرف باسم «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين»، ونُشر هذا المشروع فى مركز بيجن – السادات للدراسات الاستراتيجية.
ثم المخطط الأخير والذي كشفته وثيقة لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية بعنوان «خيارات التوجيه السياسي للسكان المدنيين فى قطاع غزة» وقد واجهت الدولة المصرية كل المخططات بإعلانها الرفض الكامل لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وطالبت بضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على أراضي الضفة والقطاع، وضرورة الوصول إلى طريق السلام الحقيقي المبني على إعلان الدولتين وفق القرارات الدولية.
لقد حرصت الدولة المصرية منذ بدأت الأزمة الأخيرة على مساندة الشعب الفلسطيني والعمل على تقديم الدعم من المواد الإغاثية الطبية والأدوية والأغذية والمياه وإيصال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الذي لم يغلق منذ بدأت الأزمة الأخيرة وحتي الآن، بل إن قوافل المساعدات لم تتوقف سوى خلال الأوقات التي تقوم فيها قوات الاحتلال بمهاجمة المعبر من الجانب الفلسطيني للحيلولة دون وصول المساعدات، وفى تلك الأثناء تعمل الدبلوماسية المصرية ليل نهار للضغط دوليًا على قوات الاحتلال من أجل إنفاذ المساعدات للأشقاء فى غزة، ونقل الجرحى للعلاج داخل مصر، فى ظل خروج العديد من المستشفيات الفلسطينية عن الخدمة بسبب القصف الإسرائيلي الإرهابي لها، بزعم وجود عناصر مسلحة بداخلها وهو ما لم تستطع إسرائيل حتى الآن إثباته رغم ترويجها لذلك إعلاميًا، فالأمر أشبه بأسلحة الدمار الشامل المزعومة من قبل الولايات المتحدة من أجل تدمير العراق.
إن محاولات تصفية القضية على حساب دول الجوار الفلسطيني لن يقبلها الفلسطينيون وسوف يواصلون الصمود كما لن تقبلها مصر أو الأردن وسيواصلون دعم الأشقاء فى قطاع غزة والضفة.
وسيواصل الفلسطينيون الصمود فى وجه المحتل الذي لن يجني يمينه المتطرف سوى مزيد من الدماء التي تلطخ أياديهم وتاريخ أسود من المذابح التي ارتكبوها وسط صمت عالمي وعجز دولي على محاسبة مجرمي الحرب من قادة إسرائيل.
لقد جاء تحرك جنوب إفريقيا نحو محكمة العدل الدولية التي بدأت أولى جلساتها الخميس الماضي، حيث اتهمت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، معتبرة أن الهجوم الذي شنته حركة حماس فى السابع من أكتوبر لا يمكن أن يبرر ما ترتكبه فى قطاع غزة.
وهي خطوة نحو إدانة إسرائيل لكنها ستصطدم بمجلس الأمن الذي تتلاعب به الولايات المتحدة الأمريكية التي تستخدم حق الفيتو دائمًا لحماية إسرائيل، معتمدة سياسة الكيل بمكيالين.
فى الوقت نفسه تتحرك مصر بقوة نحو إيجاد حل لوقف إطلاق النار، والعودة إلى عملية السلام لكن على أسس وثوابت يتم تطبيقها على أرض الواقع ووفق المرجعيات والقوانين والقرارات الدولية، التي تحمي الحق الفلسطيني.
لقد واجه الصمود الفلسطيني منذ نكبة 1948 العديد من اللحظات الفارقة، وكان الشعب الفلسطيني دائمًا يثبت للعالم أنه أكثر قوة وصمودًا فى مواجهة المحتل المغتصب للأرض.
كما أن التدمير والقتل لن يثني الفلسطينيين عن الدفاع الشرعي عن أراضيهم.
لقد أدهش الفلسطينيون العالم بصمودهم، فذلك الشيخ الذي ظل 40 عامًا يعمل لبناء منزله وفى لحظة قصفت قذائف المحتل البيت فأصبح كومة من الركام فوقف أمام منزله فى قطاع غزة يقول «كله فدا فلسطين».
وهؤلاء الأطفال الذين يواجهون دبابات المحتل بحجارتهم وفى مقدمتهم الأيقونة «فارس عودة» الطفل الفلسطيني الذي كان يحمل حقيبته المدرسية على ظهره ويقذف الدبابة الإسرائيلية بحجر والذي استشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي هم رمز من رموز الصمود الفلسطيني.
لقد أعد المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) فى مارس من عام 2021 وثيقة بعنوان «دعم الصمود الفلسطيني عبر الحوار» وأعدت الوثيقة وفق مقاربة تشاركية واسعة، شملت انخراط قطاعات وفئات متنوعة فى التجمعات الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 وبلدان اللجوء والشتات، فى بناء السيناريوهات ذات العلاقة بحالة الصمود الفلسطيني، إضافة إلى مشاورات مع شخصيات على المستويين الإقليمي والدولي.
وأخذت هذه الوثيقة بعين الاعتبار دراسة الوضع القائم فى السياق الفلسطيني، والعوامل والسياسات الخارجية المؤثرة فيه، استنادًا إلى فهم الأسباب والعوامل التي أوصلت الفلسطينيين إلى النقطة التي يقفون فيها اليوم، وتوظيف تقنيات الدراسات المستقبلية لدراسة البدائل المختلفة لمسارات الأحداث والظواهر الراهنة فى سياق تطورها فى المديين القريب والمتوسط حتى العام 2025، بما يترتب على ذلك من تحديد فرص تقدم أو تراجع كل من هذه المسارات أو السيناريوهات.
تأتي هذه الوثيقة فى الوقت المناسب لتسليط الضوء على مكونات الصمود والعوامل المؤثرة فيه، ولدراسة مدى تماسك الشعب الفلسطيني فى جميع أماكن تواجده، من خلال حوار مجتمعي يشمل كل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى التجمعات الفلسطينية المختلفة.
وقد طرحت الوثيقة ثلاثة سيناريوهات للصمود الفلسطيني لمواجهة المحتل، السيناريو الأول: الوضع القائم باستمرار الانقسام ومجتمع هش؛ هذا السيناريو يحاكي الوضع الراهن الذي هو حصيلة الأوضاع السياسية بالدرجة الأولى، التي تعكس نفسها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ورغم أن الوثيقة رأت أن هذا السيناريو هو الأقرب احتمالية للاستمرار خلال السنوات الأربع، حيث اعتمدت فى دراسة سيناريوهات الصمود على الفترة من 2021 إلى 2025.
كما رأت أن وصول بايدن للحكم فى الولايات المتحدة سيعد بارقة أمل، إلا أن الواقع العالمي يثبت أن الإدارة الأمريكية مسارها واحد سواء فى ظل وجود ترامب أو بايدن، حيث تعمل على حماية إسرائيل على حساب الحق الفلسطيني.
أما السيناريو الثاني وهو سيناريو «الانهيار والفوضى» وهو ما أرى أنه لا يتوافق مع الواقع الفلسطيني خاصة أن الشعب رغم ما يواجهه من محن وتحديات إلا أنه يواصل الصمود على الأرض والتمسك بها.
لكن ما جاء فى السيناريو الثالث للوثيقة هو ما استوقفني وأرى أنه أقرب إلى الواقع حيث أكد «استمرار وتنامي الصمود» على الرغم من كل المؤشرات السلبية فى الحالة الفلسطينية، فإن هناك بيئة إسرائيلية ودولية وإقليمية بحاجة إلى العمل المكثف لاستغلالها لكي تمنع الانهيار الفلسطيني، وتعزز الصمود إلى حد ما.
هناك عوامل لا تزال صالحة لاستغلالها فى تدعيم الصمود الفلسطيني، تستند إلى عدالة القضية الفلسطينية وتفوقها الأخلاقي، وإلى تمسك الشعب بقضيته واستعداده لمواصلة الكفاح لتجسيدها، ويمكن تنفيذ ذلك من خلال خطوات مثل: إنهاء الانقسام، إعادة بناء التمثيل الوطني فى إطار منظمة التحرير، من خلال إجراء الانتخابات على كل المستويات المحلية والعامة، حيثما يمكن ذلك، واستنهاض طاقات جميع الفلسطينيين، خاصة فى الشتات، ومعالجة مشكلاتهم، وتغيير شكل السلطة ووظائفها وموازنتها، والتوافق على استراتيجية وطنية شاملة، وتطوير أشكال المقاومة، وتوسيع المقاطعة، ودعم القطاعات الاقتصادية التنموية والإنتاجية وغير ذلك.