رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

زهراوات تنتظر مريديها

352

حسين خيرى

أن تتفتح زهرة واحدة فى أرضها، وتنثر شذاها على أهل الدنيا، قد يراه البعض أمرا مألوفا، وهو أمر ليس ببعيد عن أرض بكر نقية التربة، ولكن من دلالات الإعجاز ينشق من أرضها عشرات بل مئات الزهراوات كقناديل يسطع نورها من المشرق إلى المغرب، وظلت الحضارة الإسلامية فى ريعان شبابها قرونا طويلة، تنبت فتيانا وشبابا من نوابغ الزمان فى العلم والفقه والفكر.

وهذا شيخنا مالك بن أنس يعتلي كرسي الأستاذية وعمره سبع عشرة سنة، ويتبوأ مالك مجلس العلم فى سن صغير بعدما أجاز العلماء الكبار له درجة الأستاذية، وشبيبة أبناء الحضارة الإسلامية امتدت نبوغها إلى العلوم الطبيعية، بعد حفظه للقرآن ودراسة الأدب فى سن العاشرة.

وفى نفس المضمار، يصير أبوعلي الحسين “ابن سينا” مرجعا لكثير من العلوم لعدة قرون، وها هو ينبغ فى علم الطب، وقد اكتمل عمره الـ 16 عاما، وكان شغوفا بالمعرفة منذ صغره، ونهل فى صباه من علوم الطب والحساب والجبر، وقال عنه المؤرخون إنه كان فى شبابه رساما موهوبا وأديبا وموسيقيا ماهرا.

وخصوبة الحضارة الإسلامية منحتها ولادة الآلاف من عبقريات شابة، ومع كل إشراقة صباح يبزغ بريق شمسها عن عالم أو قائد فذ، وهذا الفقيه والعالم جلال السيوطى يعتلى درجات علم الفقه واللغة فى عمر دون السنوات العشر، ونهل من علمه كثير من الفقهاء، وكان ينشده العديد من أنحاء الأمة، ونشأ السيوطي فقيرا يتيما، ولم يعجزه ذلك عن التعلم والدراسة.

ويتوهج بريق شباب الحضارة الإسلامية فى بلاد الأندلس مع نبوغ الطبيب الأندلسى أبى العلاء ابن زهر بن عبدالملك، ومنذ صغره كان ولعا بعلم الطب وذلك فى أيام المعتضد بالله حاكم الأندلس، وأثرت نشأته فى نضوج عبقريته مبكرا، فتعلم على يد والده الطبيب الفقيه أبو مروان ابن أبي بكر، وهو من عائلة طبية، أطلقوا عليها عائلة بني زهر، ويصفه تلاميذه بأنه أعظم طبيب سريري بعد الرازي، ولا يطمئن له بالا إلا وقت مباشرته لمرضاه داخل أروقة المستشفى.

ولم تنحصر شبيبة الحضارة الإسلامية فى العلم والفقه والأدب، وطالعتنا بشباب قادة وملوك، وفى عمر 15 عاما يقود هارون الرشيد جيشا، ويفتح بلادا، ويتولى خلافة الأمة الإسلامية فى العشرين عاما، وتزدهر الدولة فى عهده، وكان ملوك أوروبا يتوددون إليه موالاة وخوفا.

وصقر قريش عبد الرحمن القرشي أسس دولة الأندلس وعمره 25 عاما، ونجح فى وأد الفتنة بعقلية شابة وبأيدٍ فتية، وبدأ فى بناء الأندلس، ورفع من شأن العلماء، وزاد فى توقيرهم، وجاهد فى نشر العلم داخل دولته الفتية، وأسس مؤسسات للدولة، واهتم باقتصادها، وجلب  الزهور والشتلات من أنحاء العالم، وصارت بلادا غنية بالحدائق، وكانت من دلائل عبقريته الشابة، ومازالت باقة الحضارة الإسلامية تذخر بالزهرات الشابة تنتظر مريديها.