رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أبغض الحلال.. أزمة تدمر أجيال

2043

دعاء عبد العزيز
” (روحي انتى طالق).. ( طلقنى) جمل ترددت كثيرا على ألسنة الرجال والنساء وهي فى حقيقة الأمر بداية طريق شاق وصعب يدفع ثمنه 9 مليون طفل بدون أب أو أم نتيجة الطلاق المباشر و 15 مليون طفل آخرين بدون أب أو أم نتيجة الانفصال غير المباشر، أي الانفصال غير الموثق الخفى أو ما يسمى بــ (الخرس الزوجى). هذا الرقم الضخم يدق ناقوس خطر كبير يهدد أمن المجتمع وأمانه ما لم يتكاتف بكل طوائفه ومؤسساته لمواجهته وإيجاد الحلول الجذرية للقضايا المتعلقة به والتي من أخطرها عدم الوعي وابتداع الأعراف والتقاليد واستخدام الأطفال كسلاح للانتقام.. وفي السطور التالية نكشف المزيد. وفقا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الصادرة خلال عام 2017 م فقد شهدت معدلات الطلاق ارتفاعا بلغت نسبته 29.5% تقريبا، بينما تراجع معدلات الزواج بنسبة 44.8% تقريبا، فى مقابل 9ملايين طفل من أبناء الأزواج المطلقة (الطلاق المباشر)، و15 مليون طفل نتيجة الانفصال غير المباشر وأصبحت مؤشرا لخطر مجتمعي كبير يحمل في طياته العديد من القضايا الخاصة بالأسرة وعادات الزواج والفهم الخاطيء للدين وبعض العادات والسلوكيات والمفاهيم والقوانين التي يجب على المجتمع أن يناقشها بعمق ويجد لها حلا جذريا.

فى البداية تقول الدكتورة رانيا يحيى عضو اللجنة التنفيذية بالمجلس القومى للمرأة، أن المجلس لا يدافع عن المرأة لتقويتها ضد الرجل بل والأم هى الحضن الأول للطفل خصوصا أن فى كثير من حالات الطلاق يكون الأطفال رضع وهنا لابد أن يراعى المصلحة الفضلى للطفل، فالمجلس لا يغفل حق الرجل بل يراعى مصلحة الاسرة ككل باعتبارها نواة المجتمع.

توعية
وتقول الدكتورة رانيا عضو اللجنة التنفيذية بالمجلس القومى للمرأة، أن ظاهرة الطلاق ترتبط بشكل كبير بثقافة المجتمع، ففى الماضى كان لا يتم الطلاق بين الزوجين بسهوله لأن الناس كانت متخوفة من فكرة الطلاق أما حاليا للأسف أصبحت كلمة سهلة تتردد على أفواه الرجال لأقل الأسباب، ونحن بحاجة إلى إصدار حزمة من القوانين للحد من هذه الظواهر وخصوصا الزواج بأخرى والطلاق وخاصة مع انتشار التكنولوجيا بشكل كبير وحالة الانحدار الأخلاقى لدى الطرفين وليس طرف واحد والتحرر بالفهم الخاطىء مما يضر بالأسرة ككل،مشيرة إلى النسب التى قالها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى فيما يتعلق بإحصائية أطفال الانفصال والتي بلغت حوالي 24 مليون طفل تقريبا، للأسف نسب كبيرة وربما تصل أكثر لمن هذا الرقم، لأن كثير من الأزواج يحدث بينهما انفصال داخلى أي داخل المنزل بدون حدوث الطلاق وهذا يؤثر سلبا على الأطفال، وتضيف الدكتورة رانيا أن المرأة هى الطرف الأكثر حرصًا على استمرار البيت والحفاظ على الأسرة مشيرة إلى تأييدها الكامل لإعلام الزوجة بالزواج الثانى والطلاق عن طريق المحكمة وتقول أن لجنة الشباب بالمحكمة بالمجلس القومى بإطلاق مبادرة «معًا لنبقى» للتوعية الأسرية وزيادة الثقافة المجتمعية من أجل الحفاظ على الأسرة والحد من ظاهرة الطلاق.

عشوائية الاختيار
وتقول الدكتورة سوسن فايد أستاذة علم النفس السياسي بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، مما لا شك فيه أن تماسك الأسرة يعنى وجود الاستقرار النفسى والاجتماعى والصحى لدى الطفل، وتشكيل وجدانه وشعوره بالأمان، فضلا عن تعلم القيم الاجتماعية، بينما فى حالة انفصال الزوجين يعنى غياب الاستقرار والأمان النفسى والرعاية للطفل ويصبح مشتتًا اجتماعيًّا ودينيًا وثقافيًا وبلا هدف فى الحياة، ومن الممكن أن يكون هذا الطفل أكثر عرضة للانحراف. وتفسر فايد، أن عدم وجود التوعية الأسرية الصحيحة لدى الزوجين يعتبر عاملًا كبيرًا في انتشار وزيادة معدلات الطلاق، فالثقافة لها دور كبير جدا فى بناء أو هدم المجتمع، لذا تطالب بضرورة تبنى مشروع ثقافى هدفه التنوير وتوعية جميع فئات المجتمع للحد من الظواهر السلبية، فلابد من توافر ركيزتين مهمتين جدا لإنجاح العلاقة الزوجية وهما التوافق الاجتماعى والتكافؤ.

وفى الإطار نفسه، تشير فايد إلى أن عشوائية الاختيار والزواج السريع أحد أسباب الطلاق فى السنة الأولى من الزواج، والتى تعد أصعب السنوات فى علاقة الزوجين وهذا يرجع إلى عدم الوعى بمفاهيم الزواج فضلا عن غياب قيم التسامح والتعاون وقوة التحمل والشعور بمسئولية الزواج، ثم بعد ذلك تأتى مرحلة إنجاب الأطفال متسائلة هل يمكن لأباء وأمهات لديهم قصور ثقافى وفكرى أن ينشئوا جيلا سويا.

الخرس الزوجى
وطالب الدكتور أحمد على عثمان أستاذ سيكولوجية الأديان بالجامعة الأمريكية، بعمل دورات تدريبية عن الحياة الزوجية للشباب والشابات قبل الزواج لتوعيتهم بمفاهيم الزواج قائلا إن مصر يقع فيها أكبر نسبة طلاق فى العالم وهذا لم يحدث فى تاريخ مصر القديم أبدا، وهذه النسبة ترجع إلى أن الاختيار يكون خاطئ ويترتب على ذلك أن تكون المعاملة خاطئة أو غير سوية. ويوضح عثمان، أن الإسلام أقر الطلاق فعلا لكنه جعله يمر بعدة مراحل مثل الصلح، ثم التبيين من أهل الدين وهو أن يبين أهل الدين للزوجين معنى كلمة الطلاق وما هو المقصود من كلمة (أبغض الحلال عند الله) أى أنه لا يكون إلا فى حالة اقتناع الطرفان اقتناعا تاما بأنهما غير قادرين على الاستمرار بمعنى إنهما إذا استمرا سيحدث ما لا يحمد عقباه ولا مفر من الطلاق، أما أن يكون الزوجان رسما لأنفسهما حياة وردية حالمة ومن ثم يصطدمان بمسئوليات الأسرة والزواج والأبناء، فلا يستطيعا أن يتحملا هذه الأعباء والضغوط، فتحدث مشاكل ومن ثم يتم حدوث الانفصال أو الطلاق ويكون للأسف فى أغلب الأحوال لأتفه الأسباب. ثانيا يجب أن يكون هناك توعية من جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة عن التراحم العاطفي بين الزوجين فالشريعة الإسلامية حددت درجات للعلاقة بين الرجل والمرأة، المرتبة الأولى وصفت المرأة بلقب الزوجة وفيها تكون علاقة المرأة بالرجل ينطبق عليها كل شروط الزواج كما جاء في قوله تعالى « وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ»، و«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ»، أما المرتبة الثانية جاء لفظ امرأته فذكر سبحانه وتعالى امرأة نوح وامرأة لوط وذلك لأنهما مختلفان عقديا ومتزوجان فامرأته هنا هى أنثاه، ومثلها ذكر إمرأة فرعون وامرأة.

أبو لهب حمالة الحطب وفي شكوى سيدنا زكريا لرب العزة سبحانه وتعالى قال « قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا» ولما انجبت قال: فهنا ارتقت إلى مرتبة الزوجة، وينتقل عثمان إلى زاوية أعمق فيقول : يحدث الآن أن بعض الأسر يكون فيها الزواج منفصلان فى الواقع والزواج لايزال قائما على الورق أو ما يطلق عليه (الخرس الزوجى)، وقد عالج القرآن الكريم هذه القضية فى قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة : «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، وللأسف الشديد نشهد فى الواقع الفعلى أمورا مؤسفة فبعض الأزواج يتحولون إلى أعداء بمجرد إتمام الطلاق على الورق ويستخدمان القانون ورؤية الأبناء كسلاح للانتقام من بعضهما ويرجع هذا إلى أن الأزواج الآن يرتكبان أفعالا غير شرعية فى إجراءات الزواج مثل تلك الكارثة الكبرى التى تسمى (القائمة) والتى يقصد بها قائمة المنقولات من أثاث ومتاع، وهى اختراع لا يوجد فى شريعة الإسلام، فالله عز وجل قال إن الرجل يدفع مهرًا ولم يقل أن يتم كتابة قائمة، فالمهر يدفع مقدما ومؤخرا، المقدم تمسكه الزوجة بيدها سواء كان (ربع جنية) أو كان (مليون جنية ) كما جاء في سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى « وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (*) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا»، إذا القائمة هى اختراع وليست من الدين، لهذا يحدث مشاكل لأننا ابتعدنا عن الدين وعن الشريعة واخترعنا شريعة جديدة تكبل الرجل وتنكل به فى حالة الخلاف ويتطور الأمر للوصول إلى المحاكم الجنائية وسجن الرجل.

ويضيف عثمان أن هناك مشكلة أخرى وهي أن بعد الزواج بعشر سنين يكون هناك بعض المشاكل التي تحدث بسبب جهل البعض مثل أن يرغب الزوج أو الزوجة أن ينجبا ولد فتخبرنا الشريعة الإسلامية أن الزوجة إذا نامت على جنبها الأيمن تنجب ولدا فهناك باب فى الفقة الإسلامى اسمه فقه النكاح يتحرج بعض مشايخنا أن يشرحوه على المنابر وعلى وسائل الإعلام رغم أن الأزهر يدرسه لطلابه والغرب يفعل ذلك أيضا تحت اسم sexology أو الصحة الإنجابية وللأسف الشديد نحن فى مصر لا ندرس الصحة الإنجابية على الإطلاق لذلك أطالب وزارة التربية والتعليم بأن تكون هناك مادة وليكن اسمها (الأسرة والزواج) فى مرحلة الثانوية لكى يتعلم الشاب والشابة من خلالها كيف يكونان بيتا وأسرة وكيف يتعامل الرجل وزوجته والعكس، فعندما يتزوجان دون أن يكون عندهما الدراية الكافية أن كلًّا منهما يتعامل مع كائن آخر يحدث أن الرجل يعامل زوجته كما يعامل أصدقائه وتعامله هى كما تتعامل مع صديقاتها وأقرانها أى أن بعضهم لا يفهم أن للطرف الآخر طبيعه خاصة تختلف تماما عن طبيعة، فالله سبحانه وتعالى خلق الرجل ناقصا فى شىء، والمرأة ناقصة فى شىء فيكمل بعضهما البعض. ويختتم عثمان حديثه قائلا : إن الطلاق يؤثر على المجتمع وعلى أمنه وأمانه واقتصاده وهذا ما جعل الرئيس السيسى يتحرك ويهتم بهذه القضية الاجتماعية الخطيرة التى اعتبر أنها قضية أمن قومي لا تقل خطورة عن الشائعات والإرهاب والرئيس لن يعمل بمفرده فهو يريد أن يتحرك الأزهر معه لمواجهة هذه الظاهرة الاجتماعية تحركا مؤسسيا على نطاق واسع يشمل التواصل مع وزارة الأوقاف والكنيسة وخبراء علم النفس والاجتماع وجميع مؤسسات الدولة المعنية والمجتمع حتى يتم علاج هذه المشكلة علاجًا جذريًا.