رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أكتوبر.. تفاصيل الحكاية

323

على متن الطائرة الرئاسية فى طريق العودة من المملكة العربية السعودية للقاهرة بعد قمة جمعت الرئيس السادات والملك خالد بن عبد العزيز آل سعود، جاء السكرتير الخاص بالرئيس السادات يدعو الأستاذ أنيس منصور للقاء الرئيس فى حجرته.

مجرد أن سلم على الرئيس قال له: أنيس بدون مقدمات.. أنا عاوزك تطلع مجلة.

 الفكرة كانت لدى الرئيس السادات بداية عام 1976، خاصة وهو يتحرك باتجاه مسار محدد لاستكمال استرداد الأراضى المصرية والعربية.

هنا قرر الرئيس أن يكون هناك صوتا لهذا المسار يدافع عنه ويوثق أعظم انتصار فى تاريخ الدولة المصرية.

قال الرئيس السادات فى أحد لقاءاته مع عدد من رؤساء التحرير لم يكن يحضره أنيس منصور؛ سنصدر مجلة 6 أكتوبر 10 رمضان، وقال على الجمال لـ «أنيس منصور» ذلك، وكان الأخير فى ذلك الوقت رئيسا لتحرير مجلة آخر ساعة.

 واقترح الجمال على الرئيس السادات أن تصدر عن مؤسسة الأهرام، لكن الرئيس السادات كان له رأى أخر.

فقد كان يستهدف أن يكون الإصدار الجديد يحمل طابعا صحفيا مختلفا تماما يكون له تأثير قوى فى مواجهة محاولات تشويه المسار المصرى والرؤية المصرية بشأن استرداد الأرض، وتكون نموذجا لصحافة رشيقة متزنة ومشاغبة أيضا دفاعا عن قضايا ومكتسبات الوطن.

التكليف الرئاسى كان واضحا، مجلة مصرية ناطقة باللغة العربية تصدر أسبوعيا تحمل عنوان النصر، تفاصيل الرؤية لهذا المسار كانت فى ذهن الرئيس محمد أنور السادات فقط.

الأستاذ وفيلسوف الصحافة المصرية أنيس منصور تلقى التكليف، ولأن الرئيس لم يفصح عن التفاصيل بدأ الأستاذ فى التحرك بحثا عن مسار لتلك المجلة التى أصدر الرئيس قرارا بإصدارها عن مؤسسة لم يكن لها أى إصدار صحفى فى ذلك الوقت، لكنها هى من أعرق وأعظم دور النشر العربية.

لم يكن الاختيار صدفة لكن الرئيس كان يرغب فى أن تصبح المجلة الوليدة هى أيضا من أعظم وأكثر المجلات العربية انتشارا مثل المؤسسة الصادرة عنها.

كما أنه كان يريد أن تصبح المجلة منفردة بتوثيق تفاصيل النصر، ولم ينس الرئيس وهو يكلف أنيس منصور أن يقول له، لا تقلق أنا معك.

لم يكن أنيس منصور قد التقى بالرئيس السادات قبل ذلك سوى مرتين فقط.

الأولى فى عام 1969 عندما كان السادات رئيسا للجمهورية والثانية فى عام 1970 عندما طلب منه أن أن يصدر صفحة أدبية فى الأخبار، فقد تابع السادات سلسلة من المقالات لـ «أنيس منصور» اسمها «ديانات أخرى».

ظل أنيس منصور على مدى شهرين يحاول أن يعرف اسم المجلة فاتصل بـ «يوسف السباعى» وزير الثقافة فى ذلك الوقت وأيضا ممدوح سالم رئيس الوزراء وإسماعيل فهمى وزير الخارجية ليعرف ميزانية المجلة أو شكلها أو حجمها أو ميزانيتها لكنه لم يجد جوابا شافيا رغم حديث على الجمال معه فلم يجد ما يؤكد رواية الجمال بشأن اسم المجلة.

فى 15 مايو 1976 وخلال مؤتمر صحفى بفيينا قال الرئيس السادات إنه سيصدر مجلة وعين أنيس منصور رئيسا لمجلس إدارة دار المعارف و6 أكتوبر، لهذا الغرض، وستصدر فى 23 يوليو 1976.

هنا اقترح وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء فى ذلك الوقت على الرئيس السادات أن يصبح اسمها “مجلة أكتوبر” فقط وليس 6 أكتوبر.

لكن الاسم الذى اختاره الرئيس لذلك الإصدار الوليد ظل عقبة كبيرة من وجهة نظر أنيس منصور، فهو يرى أنه لم يسبق أن سميت مجلة باسم شهر من الشهور خاصة أن البعض تناولها بالسخرية قائلا: “أكتوبر ستغلق فى نوفمبر”.

وهنا طلب أنيس من الرئيس السادات توجيه رسالة للمحررين الذين انضموا إليه فى ذلك الإصدار الواعد رغم حملة التشكيك الضارية التى استهدفته خلال فترة الإعداد على مدى 5 أشهر ليثبت لهم أن هذا المشروع الوليد حقيقة وليست مشروعا وهميا.

وقام الرئيس السادات بتسجيل رسالة كان لها عظيم الأثر فى نفوس كافة الزملاء حيث جمع أنيس منصور كافة المحررين ليستمعوا إلى رسالة الرئيس لهم.

كما طلب أيضا من الرئيس أن يوجه بأن تنشر رسالته لمحررى أكتوبر فى كافة الصحف وفى الإذاعة والتليفزيون، فى يوم صدور العدد الأول لكى تكتسب قوة لدى القارئ أيضا.

وكانت رسالة الرئيس بمثابة شهادة ميلاد مختلفة للمجلة عن المجلات الأخرى ومنحتها قوة دفع غير مسبوقة، خاصة وأن الرئيس كان يريد لـ «أكتوبر» أن تصبح مثل الحوادث اللبنانية، التى كانت تعكس جو الحرية.

كما كانت المجلة الوليدة بمثابة منهج جديد فقد اختصها الرئيس السادات بعدد من الأحاديث بلغ 12 حديثا، ليصل بأحاديثه إلى العالم، على عكس ما كان يفعل الرئيس عبد الناصر فلم يدلى بأى أحاديث لمجلة مصرية بينما أدلى بمئات الأحاديث إلى الصحف والإذاعات العربية والأجنبية.

كما اختصها بجزء من مذكراته التى حملت عنوان “الجليد يذوب بين موسكو والقاهرة” وكانت وجهة نظر الرئيس أن يوصل وجهة نظره للشباب ويشرح لهم حقيقة العلاقة بين مصر والاتحاد السوفيتى خصوصا بعد التطور الذى شهدته من مرحلة علاقة وثيقة جدا إلى مرحلة علاقة عادية أو شبه مجمدة.

لقد كان لـ أوراق الرئيس التى كانت جزءا من مذكراته وكذا أحاديثه الخاصة للمجلة دورا كبيرا فى أن جعل منها مركزا مهما ليس لنشر الأخبار بل مركزا لصناعة الاخبار للعديد من وكالات الأنباء العالمية.

فأصبحت المجلة الأكثر تأثيرا فى العالم العربى متفوقة على الحوادث اللبنانية، لما لا وقد وجه الرئيس دعوة لأسرة تحرير مجلة أكتوبر للجلوس معهم فى ميت أبو الكوم، واستمع إليهم؛ وهو ما لم يحدث مع أى إصدار صحفى آخر فى مصر.

(2)

واصلت مجلة أكتوبر منذ انطلاقها نهاية شهر أكتوبر 1976 الصعود بعد أن جذبت إليها عمالقة الأدب والثقافة والفكر، وأهم وأشهر المؤرخين، وعلى صفحاتها سطرت تفاصيل معركة السلام، التى لم تكن بالأمر الهين فالعدو مراوغ، بل ويزداد فى المراوغة بعد أن التقط أنفاسه وحصل على دعم غير مسبوق من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، والبعض على الجانب الآخر لم يقرأ المشهد قراءة مستنيرة أو واعية، فحاول استهداف الدولة المصرية وقيادتها؛ والشارع بات فى حالة ارتباك ما بين مؤيد للسلام ومعارض له.

لقد اتهموا من يدعون للسلام بأنهم فرطوا فى دماء الشهداء.

مشهد كانت تفاصيله كثيرة وبناء الوعى فيه ليس بالأمر الهين فكان لمجلة أكتوبر دور كبير فى تلك المعركة، لم لا وعلى صفحاتها كانت تنشر تفاصيل ما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي، الأمر الذى دعا رئيس تحرير صحيفة معاريف أن ينقل مكتبه للقاهرة لأكثر من 6 أشهر وعندما سأله أنيس منصور لم  فعلت ذلك، فقال فى القاهرة تصنع الأخبار.

كانت أكتوبر تطبع بالقاهرة وبيروت فى آن واحد فقد كان لدار المعارف فرع ومطبعة فى بيروت.

جمعت أكتوبر عمالقة الأدب مثل إحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ويوسف السباعى ونجيب محفوظ وشهدت جنبات مبناها زيارة العديد من الوزراء والرؤساء العرب.

لقد ولدت مجلة أكتوبر عملاقا وواصلت مسيرتها لتحقيق الهدف الذى حدده لها الرئيس السادات واتفق مع الأستاذ أنيس منصور عليه فى كلمته الافتتاحية للعدد الأول التى عنونها بعبارة “من كل قلبى أدعو لأسرة مجلة أكتوبر بالتوفيق”.

حرص أنيس منصور على أن يكون محررو أكتوبر من المتميزين.

كما ضمت أهم المؤرخين وعلى رأسهم المؤرخ الكبير عبد العظيم رمضان، والمؤرخ العسكرى الكبير جمال حماد، والعديد من القادة العسكريين، فضمت حوارات خاصة مع كافة وزراء الدفاع بدءا من المشير محمد عبد الغنى الجمسى وزير الحربية وانتهاء بالمشير محمد حسين طنطاوى الذى أجرت معه مجلة أكتوبر حديثين واختصها بمقال فى عام 2009 فى عدد خاص صدر بمناسبة حرب أكتوبر.

كما أجرت عدة لقاءات مع عدد من وزراء الداخلية؛ واختصها عدد من الوزراء منهم وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء بعدد من المقالات نشرت بالمجلة.

وكانت صفحات مجلة أكتوبر بمثابة أول حلقة نقاش وتوثيق لحرب أكتوبر على مدى 18 حلقة من مذكرات المشير الجمسى أعقبها تعليق عدد من القادة من بينهم الفريق سعد الدين الشاذلي، والذى نشر تعليقه بالكامل دون حذف لكلمة واحدة، ورد عليها المشير الجمسى لتوثق تفاصيل أكبر حرب وأعظم ملحمة عسكرية فى العصر الحديث.

وواصلت أكتوبر مسيرتها وانفرادها بحوارات وتحقيقات وتقارير ودراسات ومذكرات واشتباكات فكرية بين مختلف التيارات فكانت وما زالت صاحبة المساحة غير المحدودة فى الحرية التى تستمدها من الدولة المصرية صاحبة التاريخ والحضارة.

ونحن فى هذا العدد التذكارى نعمل على مواصلة مسيرة مجلة أكتوبر متسلحين بتاريخ صنعه الأساتذة وشغف يملأ الشباب وعشق للوطن وحفاظا على مكتسباته ودفاعا عن هويته نستلهم الرؤية من القيادة الوطنية الحكيمة، ونستمد القوة من ذلك الشعب الأبى صانع البطولة، ونؤمن بأن هناك متغيرات عديدة جعلت من الحروب الحديثة شكلا مغايرا عن تلك الحروب التقليدية، فألقت بالعبء على الصحافة والإعلام وأصحاب الفكر لمواجهة من يحاولون أن يغيبوا العقول ويهزموا الشعوب من الداخل، فيصبح احتلال الأوطان أكثر سهولة وأقل كلفة.

لقد أخذنا عهدا على أنفسنا أن نستكمل مسيرة بدأها أساتذة عظام، فى بناء الوعي.

فكان العدد التذكارى 2500 بمثابة انطلاقة نحو مرحلة جديدة من مراحل التطوير لمجلة أكتوبر، تشمل المحتوى والشكل الفنى والإخراج والاستفادة من التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم عمل ماكيت جديد للمجلة تستعد به للاحتفال بمرور نصف قرن على صدورها، ويتوافق مع كافة الفنون الصحفية، ويربط بين الصحافة الورقية والالكترونية، ففى هذا العدد تجد عزيزى القارئ استطلاعات رأى على الموضوعات المنشورة وكذا مساحة نتلقى منك خلالها أى تعليق، عبر ربط المحتوى المنشور فى المجلة الورقية بالمحتوى الإلكتروني.

وكما كان لهيئة قناة السويس فضل فى العدد الأول من مجلة أكتوبر عندما منح المهندس مشهور أحمد مشهور أحدث ماكينات الطباعة فى العالم لمجلة أكتوبر فاستوجب على ذلك تقديم الشكر.

 ونحن فى العدد التذكارى قدم لنا المصرفى الكبير عاكف المغربى الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لبنك قناة السويس الرعاية الكاملة لهذا العدد فاستوجب على ذلك تقديم الشكر واستحق كل العرفان والتقدير.

وقريبا فى العدد بعد القادم تكشف أكتوبر أسرارا جديدة لم تنشر عن حرب أكتوبر ننفرد بها لنكمل توثيق أعظم نصر فى التاريخ الحديث.