صالون الرأي
“الهوى سلطان “.. متاهة الحب ومتاهة السيناريو!
By amrديسمبر 11, 2024, 18:53 م
185
خطر لى بعد أن شاهدت فيلم “الهوى سلطان”، أول أفلام هبة يسرى الروائية الطويلة كتابة وإخراجا، أن الاسم الأنسب للفيلم هو “الهوى توهان”، بالنظر إلى “توهان” بطلى الفيلم سارة وعلى عن مشاعرهم الحقيقية، ولعبة اللف والدوران بينهما، حتى إننا أمضينا نحو الساعتين فى حوارات ومشاهد طويلة، حتى اعترفا بأنهما يحبان بعضهما البعض، فتنفسنا الصعداء، وحمدنا الله على توفيق رأسين فى الحلال، ثم خطر لى أيضا أن الفيلم يستحق عنوانا أكثر طرافة هو “الهوى بهاء سلطان”، لأن بطلته سارة مفتونة بالمطرب الرائع، وتكرر اسمه وأغنياته، ثم نسمع بهاء شخصيا فى أغنية على التترات، ولعل نسبة العنوان إلى بهاء يتماشى مع خلطة المؤلفة المخرجة بالجمع بين الرومانسية والفكاهة فى معظم مشاهد الفيلم، وعلى موجة الإفيهات الشبابية المعاصرة.
لفتت هبة نظرى منذ فترة طويلة عندما شاهدت فيلمها وهى طالبة فى معهد السينما، وكان بعنوان “المهنة امرأة”، وكان الفيلم تسجيليا قصيرا عن إحدى عاهرات الشوارع، وبدا واضحا أننا أمام مشروع مخرجة طموحة، تلتفت إلى تناقضات المجتمع، وزاد تقديرى لهبة عندما شاهدت فيلمها التسجيلى الطويل “ستّو زاد”، عن حكاية جدتها لأبيها المطربة العظيمة شهر زاد، مع انتقاد حاد لتحولات المجتمع باتجاه تحريم الفن، وظهرت هبة فى الفيلم وهى تناقش والدها بجرأة، وكانت التجربة مهمة عموما، لولا بعض التطويل، ثم تأكد تميز هبة وطموحها وهى تكتب وتخرج حلقات “سابع جار”، الذى كان عملا تليفزيونيا يشرّح العلاقات الإجتماعية، ويناقش قضايا صعبة ومعقدة وحساسة، بكثير من الجرأة أيضا.
فى فيلم “الهوى سلطان” دراسة لحكاية لم تقدم كثيرا، أو قدمت كخطوط فرعية فى أفلام سابقة، وهى العلاقة القوية بين شاب وفتاة، فى صورة أقرب إلى الأخوة والصداقة القوية، ولكنها صداقة تخفى تحتها حبا حقيقيا، لا يريد الطرفان أن يعترفا به، والحب حقا عاطفة معقدة ومراوغة، والفيلم بذلك يعمل فى منطقة الدراسة العاطفية والاجتماعية للعلاقة بين الرجل والمرأة، وهى المساحة التى اشتهر بها تامر حبيب، ثم ترك السينما بعد أفلام قليلة، ليقدم نفس العالم تقريبا فى المسلسلات التليفزيونية.
نحتاج فعلا إلى هذا النوع من الدراما، خاصة مع مزجها بروح المرح والخفة، ولكن الكتابة عن هذا العالم، الذى يتعمق فى دراسة المشاعر والأحاسيس، أمر صعب للغاية، ومع الأسف، فإن “الهوى سلطان”، حافل بالمشاكل، سواء فى عدم التأسيس الجيد للشخصيتين المحوريتين، نفسيا واجتماعيا، أو فى التطويل فى الحوار، أو فى عدم ضبط بناء السيناريو كله، والذى يستغرق وقتا طويلا جدا قبل الوصول إلى إدارة صراع حقيقي، وكلها مشكلات واضحة، كان يمكن إصلاحها قبل التصوير، حتى لا يأخذ الفيلم هذا الشكل الحوارى المسلسلاتي، رغم أن هبة مخرجة جيدة جدا، ولديها حلول بصرية، وخيال متميز، يمكن أن يقدم معادلا سينمائيا أفضل، لدراما الحجرات المغلقة، وهى دراما ينافس بها التليفزيون، والفضائيات، والمنصات، وربما الإذاعة ألمسموعة أيضا.
أعنى بذلك إن تحدى هذا النوع، ليس فقط فى الدراسة الجيدة للشخصيات فقط، وليست فحسب فى الابتكار والخيال، لأن كل فيلم تقريبا فيه قصة حب، ولكن كذلك فى إيجاد معادل سينمائي، يوسّع بصريا وسمعيا من هذا العالم، ويعمقه، ويضيف إليه، ويجعله يستحق النزول لمشاهدته فى قاعات العرض، بدلا من الفرجة عليه فى حلقات مسلسله، مع كميات كبيرة من الفيشار، مثلما حدث ويحدث مع المسلسلات المكسيكية والتركية، وهى أعمال تقوم أصلا على هذه العلاقات الطويلة المتأرجحة، وحافلة كذلك بالحوارات التى لا تنتهي.
هنا مشكلة “الهوى سلطان” المحورية، ففى حكاية تتتحدث عن تلك المنطقة الملتبسة التى يتحول فيها الحب إلى صداقة، لا يجد الفيلم وسيلة للتعبير، فى معظم مشاهده، إلا الحوار الطويل بين سارة ( منّة شلبي) وعلى (أحمد داود)، ويصلان أحيانا إلى درجة الثرثرة، وتبادل الإفيهات.
أفهم طبعا أن السيناريو يريد أن ينقل إلينا حميمية طرفين تربيا معا، وهما أكثر من الإخوة، ولكن المعنى وصل فى مشهد أو مشهدين، وبدلا من اللجوء مثلا إلى النظرات وحركة الجسد، كبديل عن الحوار، بحيث يتناقض مع ما تقوله كل شخصية، أو يتوافق معها، فإن الحوار وحده، باستثناءات شحيحة، هو ملك التعبير، وفى كل الأوقات.
وبعد ساعتين كاملتين، خرجت من الفيلم حائرا فى سبب عدم معرفة شخصيتين ناضجتين بحقيقة مشاعرهما تجاه بعضهما البعض، سارة تقول إنها خائفة، ولا تشعر بالأمان، والفيلم يتحدث عن علاقة مضطربة لها مع والدها (عماد رشاد)، الذى تزوج بعد وفاة أمها، ولكن هذا الخوف نفسه يُفترض أن يأخذ علاقتها مع صديقها الأعز على إلى خانة العشق، خاصة أن الهوى سلطان كما نعرف، وهو موجود من الأصل، ولكنه مستتر، ووالدة على التى لعبت دورها سوسن بدر تلح عليها فى أن ترتبط بابنها، ولكن سارة ترفض، وتبدو علاقتها مع على مثل علاقة طفلين صديقين، بما لا يتناسب مع حواراتهما الطويلة.
أما على فيبدو إحساسه بعدم التحقق عارما، وهو يريد كسر الملل والحياة العادية، التى يعيشها، فما الذى يمعنه من أن تكون سارة ضمن اهتماماته فى علاقة زوجية ولو من باب التجربة والمغامرة؟ ما الذى منعه من ذلك خاصة أنه، كما قال لها تحت تأثير الخمر، يراها نموذجا للمرأة الأنثى المغرية؟
من الوارد أنهما لا يعرفان حقيقة مشاعرهما، ولكن مجرد تفكير على فى الزواج، وحديثه مع سارة عن ذلك، كان سيحرك المشاعر، وسيغير ولو قليلا فى اتجاه علاقة جدية بين الطرفين، بل إن مجرد اهتمام بطرف بآخر غيره سيظهر تأثيره ولو فى النظرات، ولكن شيئا من ذلك لن يحدث، وسنصبح أمام إزدواجية غريبة مشوشة: طرفان مثل أخ وشقيقته أمام الناس، ومثل زوج وزوجة بمفردهما، إلى درجة أننى أخذت وقتا طويلا فى تصديق أنهما غير متزوجين.
يمكنك أن تقارن بناء هذه العلاقة الغامضة بمراجعة علاقة مشابهة بين تيمور وشفيقة فى فيلمهما الشهير، فرغم طفولية مشاكلهما، وقوة صداقتهما، وكثرة ادعائهما، إلا أن بوادر الحب المستتر تظهر فى تفاصيل صغيرة، والبناء النفسى لكل شخصية واضح ومحدد، بل إن ابتعاد الطرفين لن يؤثر على مشاعرهما، التى تظهر على الرغم عنهما فى مواقف مكتوبة بذكاء.
لا أظن أن الدراسة النفسية لسارة وعلى كانت موفقة، فليس منطقيا ألا يبذل الطرفان جهدا على الأقل لتأخير ارتباط الطرف الآخر، لأن الغيرة، ولو كانت قليلة، هى إحدى علامات الحب الساطعة، وزاد الأمر سوءا أننا استغرقنا وقتا معتبر فى حوارات سارة وعلي، قبل أن تبدأ علاقة على المفاجئة مع ليلى (جيهان الشماشرجي)، وعلاقة سارة مع الطبيب رامى (أحمد خالد صالح)، وهما علاقتان نعرف مصيرهما، ولا تعالجهما عبارات الأسف، وإن كان الفيلم سيحل هذا الألم النفسى لكل من ليلى ورامى بمنتهى البساطة، ويبدو أن هبة تتعامل فعلا من بطليها سارة وعلى باعتبارهما طفلا وطفلة يجب مسامحتهما دائما.
كان يمكن الحذف ببساطة من الساعة الأولى من الفيلم، فهناك مشاهد طريفة فى ذاتها، ولكنها لا تضيف شيئا، مثل احتفال أحد الأصدقاء (خالد كمال ) بخطوبته، وتفانين العروسة الغريبة، وبينما تظهر زميلات عمل سارة، لا نرى الأب، الذى يفترض أنه شخصية مهمة فى حياة سارة، إلا قرب نهاية الفيلم، بينما تظهر ليلى فجأة، وقد ارتبطت عاطفيا فعلا مع علي، وطوال الفيلم كنت أتساءل عما إذا كانت طبقة سارة وثقافتها تسمح لها بسهولة بالذهاب الى شقة رامي؟ وما إذا كانت طبقة على وظروفه تسمح له بأن يكّون صداقات ويقوم برحلاتمع شخصيات من مستوى أعلى؟
لاشك عندى فى أن هبة يسرى مخرجة موهوبة، ولو كانت مخرجة ضعيفة، لا تحسن اختيار ممثليها، ولا إدارتهم، لكان احتمال الفيلم صعبا حتى النهاية، ولكن الممثلين الأربعة كانوا جيدين، ومشاهدهم ممتازة، والثنائى منّه شلبى وأحمد داود بالذات كانا فى أفضل أحوالهما، وكانت سوسن بدر، وكذلك عماد رشاد، فى دورين مميزين قصيرين، وهذه بالتأكيد بصمة هبة كمخرجة تعرف كيف تختار وتدير ممثليها، وتعرف أيضا كيف تستفيد من أكثر من فنان متميز مثل : المونتير باهر رشيد، ومديرة التصوير نانسى عبد الفتاح، والمؤلف الموسيقى شريف ثروت ، الذى أتوقع له أن يكون نجما فى مجاله.
مشكلة الفيلم كما ذكرت فى الكتابة، عناية أفضل وأعمق وأنضج كانت ستحقق نتائج أحسن، مع كل التقدير لمغامرة تناول علاقات صعبة وشائكة، ولتقديم التحية لجيل التسعينيات وبداية الألفية، ولأغنيات ولأعمال فنية بعينها، ولروح السخرية والنقد الإجتماعي، ولمحبة بهاء سلطان العارمة، الذى أشطر فيها صناع الفيلم.