هل من المتصور أن يكون الخلاف على اختصاص فى محاربة وكشف الفساد والرشوة ومحاسبة المسئولين عنه هو محل قضية ينظرها مجلس الدولة بين أكبر هيئتين وهما هيئة النيابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات وكيف يصل هذا الخلاف إلى منصة القضاء ليفصل فيه؟ ومتى ينتهى هذا الخلاف حتى نتوقف عن ضياع أوقات المحققين والرقابيين وأعضاء هيئة النيابة الإدارية فى ذود كل منهم عن اختصاصه فى المجالس والندوات والاجتماعات وبالتالى فى المحاكم؟!
أطرح هذه القضية لأن ما حدث يمثل السابقة الأولى فى تاريخ هيئة النيابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات وكل منهما يترأسه شيخ من شيوخ القضاء فالمستشارة أمانى الرافعى تترأس هيئة النيابة الإدارية ويترأس المستشار هشام بدوى رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات وهو من رجال القضاء المحترمين والذين أدوا مهامهم فى كل منصب تولوه باقتدار واجتهاد ومهارة منقطعة النظير حيث كان يتولى لفترة طويلة منصب المحامى العام الأول لنيابات أمن الدولة العليا ثم رئيسًا لمحكمة الاستئناف جالسًا على منصة القضاء فى عهد الإخوان وهى السنة الكئيبة فى تاريخ مصر ثم أصدر الرئيس السيسى قرارًا بندبه نائبًا لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وأخيرًا حينما أصدر السيد رئيس الجمهورية قراره بتولى المستشار هشام بدوى رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات ولكن ما هى قصة هذه القضية وهذا الخلاف؟!
دعونا نؤكد أن بداية هذه المشكلة تمثلت فى القرار الذى قامت «هيئة النيابة الإدارية» بتعميمه على الجهات الإدارية بأنها «سلطة تحقيق واتهام»
و «توقيع الجزاء والتظلم منه». هذا الأمر دفع الجهاز المركزى للمحاسبات إلى الاحتكام لمجلس الدولة ورفع الدعوى القضائية أمامه باعتبار أن المجلس هو صاحب الاختصاص الأصيل فى محاكمات القرارات الإدارية التى تصدر من أى من الجهات الإدارية ومنها مدى أحقية سلطة الجهاز المركزى للمحاسبات فى الإشراف والرقابة والمتابعة للمخالفات التى تقع فيها الجهات الإدارية والمسئولون عن هذه المخالفات وملاحقتهم تأديبيًا وتصويب الأخطاء.
وفى عهد الرئيس الأسبق لهيئة النيابة الإدارية المستشار سامح كمال ازدادت هذه الأزمة اشتعالاً مع بدء هيئة النيابة الإدارية تفعيل القرار بالتنبيه على جميع فروع النيابة الإدارية بعدم إحالة قضايا الفساد والقرارات التى تتخذ بشأنها للجهاز المركزى للمحاسبات للرقابة والتعليق عليها وإعادتها فى حالة عدم رضاه عن العقوبة.
وهنا نؤكد أن هيئة النيابة الإدارية تستند فى قرارها إلى المادة 197 من الدستور التى تنص على أن الهيئة ليست جهة إدارية لإحالة القرارات التى تنتى إليها للجهاز المركزى للمحاسبات للتعقيب عليها كما أن قرارات النيابة الإدارية ليست نهائية فالقرار تتم إحالته للمحكمة التأديبية العليا لنظره حيث أن الكتاب الدورى رقم 2 لسنة 2016 الصادر عن إدارة التفتيش بهيئة النيابة الإدارية نص على أنه نفاذًا لأحكام المادة 197 من الدستور المصرى فإنه لا رقابة للجهاز المركزى للمحاسبات أو أى جهة أخرى على قرارات النيابة الإدارية الصادرة بالحفظ أو توقيع الجزاء وإنما يكون لذوى الشأن الطعن على تلك القرارات أمام المحكمة التأديبية المختصة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قام الجهاز المركزى للمحاسبات برفض قرار هيئة النيابة الإدارية جملة وتفصيلًا حيث أكد الجهاز فى دعواه التى رفعها أمام مجلس الدولة بأن النيابة الإدارية تخطت اختصاصاتها وجارت على اختصاصات الجهاز المركزى للمحاسبات المنصوص عليها فى الدستور أيضًا. حيث أضافت الدعوى أيضًا أن قرار رئيس هيئة النيابة الإدارية يخالف ما نص عليه قانون الجهاز المركزى للمحاسبات من اختصاصه بفحص ومراجعة القرارات الصادرة من الجهات الخاضعة لرقابته بشأن المخالفات المالية التى تقع بها للتأكد بأن الإجراءات المناسبة قد اتخذت بالنسبة لتلك المخالفات وأن المسئولية عنها قد حددت وتمت محاسبة المسئولين عن ارتكابها.
وأمام هذا الخلاف على الاختصاص بين هاتين الهيئيتين الرقابيتين وهما هيئة النيابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات أصدرت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة قرارها بتأجيل نظر هذه الدعوى لجلسة 5 يناير القادم فى الدعوى رقم 34055 لسنة 70 قضائية لحسم هذا الخلاف فى الاختصاص بين هيئة النيابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات حول اختصاص كل منها طبقا للدستور الذى أصدرته لجنة الخمسين عام 2014.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل يتم حسم هذا الخلاف حول الاختصاص فى مجلس الدولة ليصل فى النهاية إلى المحكمة الإدارية العليا أم سيصل إلى المحكمة الدستورية العليا للاحتكام لنصوص الدستور أم سينتهى عند نقطة معينة أوحد معين من التقاضى؟!
ونتساءل: هل سيتنازل أى من الجهتين عن بعض الاختصاص للآخر أم سيستمر الخلاف وتستمر الدعوى؟
ونتساءل فى النهاية: متى سيأتى الوقت الذى تنتهى فيه الخلافات بين الجهات والهيئات على اختصاص كل منها علمًا بأن الهدف واحد فى النهاية وهو محاربة وكشف الفساد المالى والإدارى ومحاكمة المسئولين عنه!
وأخيرًا نتمنى أن تتفرغ كل هيئة وكل جهاز وكل جهة لعملها الأساسى وتمارسه دون أن تجور على اختصاص الجهة الأخرى وفى النهاية هل ستحسم الشهور القادمة هذه القضية وتنتهى بين هاتين الجهتين؟ سؤال ستجيب عنه المحكمة فى الشهور القادمة!!
صالون الرأي
متى يتم حسم الخلاف بين “النيابة الإدارية” و “المركزي للمحاسبات”؟!
By amrسبتمبر 21, 2018, 18:24 مالتعليقات على متى يتم حسم الخلاف بين “النيابة الإدارية” و “المركزي للمحاسبات”؟! مغلقة
1832