رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أبطال دسوق

2430

أحمل لمدينة دسوق فى نفسى مكانة خاصة وذكريات الطفولة والصبا تلك المدينة التى كانت هادئة والتى كان يعرف سكانها بعضهم البعض، وتقبع على النيل فرع رشيد وتبعد عن الإسكندرية ساعة واحدة ويعيش أهلها فى سلام، منذ أيام شاهدت تلك الضجة حول زيارة الفنان محمد رمضان وكيف قوبل من أهلها ، وكيف انتقد البعض خروج الآلاف لمشاهدته ، وهذا أمر طبيعى خاصة أن المدن الصغيرة والأقاليم قلما يزورها أحد المشاهير ، فأهلها عادة بعيدون عن الاهتمام والأضواء. لكن الأسبوع الماضى حمل أيضا صورة مشرقة ليس لعمال وأسطوات دسوق فحسب ، ولكن لكل عمال مصر ، فقد استطاع عمال وأسطوات مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ أن يقدموا بتلقائية وشهامة صورة رائعة للعامل والحرفى المصرى الوطنى ، تلك الصورة التى اختفت باختفاء الطبقة العمالية المثقفة لتحل محلها طبقة مخترقة غاب الوعى عن عدد لا بأس به من أفرادها ، صحيح أنه مازال هناك بقايا عمال مسئولون وواعون ويراعون ضميرهم ويدركون قيمة وطنهم لكن بكل أسف أصبحت سلوكيات ومهارة العامل المصرى فى أدنى مستوياتها، إلا قلة.
منذ أيام عرضت قناة DMC تقريرا مصورا عما قام به عدد من «الصنايعية» فى مدينة دسوق الجميلة بعمل صيانة لمستشفى دسوق العام تطوعا، وعرض التقرير صور «الصنايعية» وهم يصلحون كل شئ فى المستشفى بداية من الأسِرة المتهالكة ودهانات الحوائط وتجديد المقاعد ، وإصلاح الأدوات الصحية والكهرباء. كل شىء استطاعوا إصلاحه وتجديده وقد فعلوا ذلك بمبادرة جادة منهم.
الحقيقة أن هذا السلوك هو ما نحتاجه ليس فى مستشفى دسوق فحسب ولكن فى كل مستشفيات مصر، وليس فى قطاع المستشفيات وحسب ولكن فى كل القطاعات الخدمية، ثم إن تلك الروح التى تجتمع على مصلحة الوطن وحبه يجب أن تدعم وتنمو وتُشجع وتُكرم وتقدم كنموذج يُحتذى به.
ما فعله الحرفيون فى دسوق لو فعل مثله نصف مواطنى مصر لكان حالنا غير الحال، بعد أن تمكن منا الكسل والتواكل والفساد وأشياء كثيرة ضربت فى عضد هذا الوطن ، وجعلتنا نشعر باغتراب فى بلدنا ! فليست هذه مصر العظيمة بشعبها ، هذا شعب آخر بدلته أسباب كثيرة حتى باتت مظاهر سلبياته أكبر بكثير من مظاهر إيجابياته، وجرى على طبقته العاملة ما جرى على بقية طبقات الشعب ، وبدلا مما كانت تتعرض له الطبقة العمالية من استغلال أصبحت هى من تمارس الاستغلال سواء فى القطاع الخاص أو فى قطاعات الدولة، وأصبح العامل المصرى مضربا للأمثال فى الإهمال والتسيب وعدم المهارة، بعد أن كانت سمعة العامل المصرى فى عنان السماء .
ففى حقبة بناء الدولة العثمانية فى اسطنبول كان حكامها يجلبون العمال المصريين المهرة فى تشييد وبناء القصور، وكانت مهارة العامل المصرى لا تقل عن مثيله فى الدول الكبرى، وكان «الأسطى» المصرى بمثابة مدرسة مهنية وأخلاقية واجتماعية، ينقل حرفته لعماله ويقسو ويحن عليهم ويعلمهم الحرفة والحياة، كان قنوعا ماهرا خلوقا، ثم أصبح من يضطر اليوم للتعامل مع العمال سواء فى مؤسسة أو بشكل شخصى يعلم أنه سيتعرض لكل أنواع الخداع والإهمال وعدم الدقة!
لهذا فإن الخطوة التى اتخذها عمال مدينة دسوق هى خطوة تستحق كل تكريم وكلى أمل أن يحذو حذوهم زملاؤهم فى ربوع مصر، ربما استطعنا أن نرمم ما حطمناه بأيدينا.




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.