صالون الرأي
القوانين والتشريعات.. وبناء الإنسان المصري
By mkamalنوفمبر 19, 2018, 14:19 م
2386
القانون بشكل عام هو مجموعة القواعد التى تنظم علاقات أفراد المجتمع ببعضهم البعض، وعلاقة القانون والمجتمع علاقة قوية، فلا يمكن أن يوجد قانون بدون مجتمع والعكس، ويتأثر القانون بالمجتمع ويؤثر فيه.
ومن أهم أدوار القانون تحقيق أمن واستقرار المجتمع، وهو وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعى، ويعتمد عليه المجتمع فى تنظيم وضبط سلوك أفراده، وللقانون دور أساسى فى الحفاظ على تلاحم أفراد المجتمع وتماسكهم واستقرارهم من خلال تحقيق العدالة.
ويجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن تكون لديه معرفة كافية بالقانون، وأن تكون لديه معرفة بما له من حقوق وما عليه من واجبات.
فاحترام القانون يجب أن يكون منهج حياة، ويحقق القانون العدالة والمساواة عن طريق رفع الظلم الواقع من شخص على آخر فى المجتمع.
والقوانين والتشريعات عامة ومجردة وموجهة للأفراد بشكل عام، وهى تطبق على الجميع، ومن هنا نجد أن جميع الأفراد متساوون أمام القانون.. وفى إطار منظومة بناء الإنسان المصرى نجد أن هناك مجموعة من القوانين وثيقة الصلة بعملية بناء الإنسان ومنها قوانين العدالة الاجتماعية، الحريات، الأحوال الشخصية، الإجراءات الجنائية، وقوانين التعليم والصحة.
العدالة الاجتماعية منظومة فكرية ومنهج أخلاقى وأحكام تشريعية تضمن للناس المساواة أمام القانون ونيل جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية باعتبارها حقوقًا أساسية من حقوق الإنسان.
وأكد دستور 2014 على أن العدالة الاجتماعية ليست ترفًا اجتماعيًا بل هى ضرورة لتحقيق السلام الاجتماعى وتماسك بنية المجتمع واستقراره السياسى، وهى ضرورة أيضًا لاستمرارية النمو الاقتصادى.
وقد نص الدستور فى العديد من المواد التى تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.. وذلك على النحو التالى: تنص المادة (8) على أن يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سُبل التكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين على النحو الذى ينظمه القانون.
وتنص المادة (9) على تكافؤ الفرص، حيث جاء فيها: «تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز»، وتطرقت المادة (11) إلى المساواة بين الجنسين والتى تعد إحدى المقومات الأساسية للعدلة الاجتماعية، فنصت على أن «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور»، وهناك ضرورة لإصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالعدالة الاجتماعية لضمان تحقيقها.
إن الحريات والحقوق العامة للمواطنين ليست منحة من حاكم أو مسئول، بل هى حقوق مشروعة للمواطن لا يجوز الانتقاص منها أو تعطيلها حتى ولو بالقانون، وقد جاءت المادة (92) من الدستور لتنص على مبدأ رئيسى أن «الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها»، ويضم الدستور بابًا به سبعة وأربعون مادة تفصل الحريات والحقوق المفروض أن ينعم بها المصريون، والواجبات التى يتحملون مسئولياتها، ومنها أن الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها.
ويؤكد الدستور على المساواة بين المواطنين أمام القانون وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، وأنه لا تمييز بين المواطنين بسبب الدين أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو لأى سبب آخر، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز.
ويؤكد الدستور أن الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس، كما يؤكد الدستور أن للحياة الخاصة حُرمة وهى مصونة لا تمس، ومن مبادئ الدستور أن الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، هذه النصوص الدستورية تعتبر تنظيمًا شاملاً للحريات التى يجب أن يتمتع بها المصريون، وهى ترسم صورة مشرقة لمجتمع يتمتع بحقوق وحريات يحرم ويجرم الدستور الانتقاص منها ويلزم الدولة بصيانتها وحمايتها.
أما قانون الأحوال الشخصية فهو القانون الذى يعالج أحوال الإنسان الشخصية كالزواج والطلاق والبنوة والنفقة والنسب والمسائل المتعلقة بالأهلية والولاية على المال والميراث والوصية، وكل ما يخص الأسرة من أحكام ومبادئ منظمة للعلاقات داخلها، وعلاقتها بالتغيرات التى تحدث فى المجتمع ومدى مواكبتها لهذه التغييرات وتلبيتها لاحتياجات الأفراد لحل مشكلاتهم،
ويمثل قانون الأحوال الشخصية أهمية خاصة نظرًا لما يتضمنه من قواعد قانونية تنظم الشكل القانونى لتكوين الأسرة والعلاقات المختلفة بين أفرادها، وينعكس تأثيره على المجتمع بأسره.
وقد تعددت القوانين المنظمة للأسرة، وربما ينفرد قانون الأحوال الشخصية عن غيره من القوانين الأخرى بكثرة التعديلات، وذلك اعتبارًا من القانون 25 لسنة 1929، والقرار بقانون 44 لسنة 1979، والقانون 100 لسنة 1985، وأخيرًا القانون 1 لسنة 2000.
وتشكل هذه القوانين مجالاً للجدل خاصة فيما يتعلق بدستوريتها، ووجود مشكلات تعارضت مع الواقع الاجتماعى، وتزداد مشكلات قوانين الأحوال الشخصية نتيجة ما يشهده المجتمع من تغيرات دائمًا ما تكون فى حاجة إلى مواكبتها فى الإطار القانونى، وبالفعل هناك ضرورة لتعديل قانون الأحوال الشخصية ليتواكب مع مشكلات الحياة الآن، بعد أن تعرضت الأسرة المصرية للتفكك مما أنتج 9 ملايين طفل يعانون عواقب طلاق الأبوين، وتستعد لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب لمناقشة تعديلات قانون الأحوال الشخصية، ومن المقرر عقد جلسات حوار مجتمعى حول القانون للاستماع إلى جميع الآراء والجهات المعنية فى ظل وجود اشتباكات وتفاصيل كثيرة محيطة بتعديلات القانون.
يعد قانون الإجراءات الجنائية القانون الأهم لضمان عدالة المحاكمة، وعليه قام المشرع خلال السنوات الماضية بإدخال تعديلات متكررة عليه، فتم تعديل القانون منذ عام 2011 خمس مرات فى أعوام 2013، 2014، 2015، 2017، بالإضافة إلى تعديل القانون الخاص بطرق الطعن أمام محكمة النقض، وهى التعديلات التى تؤدى إلى إلغاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطى فى بعض الجرائم، كما تعطى الحق للمحكوم عليه بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أن يطلب تشغيله خارج السجن بدلاً من تنفيذ العقوبة فى السجن، ويعد مبدأ «سيادة القانون» من أهم الضمانات التى تكفل الحماية المنشودة للحقوق والحريات العامة، وهو ما حرص عليه دستور 2014، حيث أكدت المادة (94) على أن: «سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات».
وقد حرص الدستور أيضًا على تأكيد الحق فى الحرية الشخصية من خلال المادة (54) بأن «الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه، أو حبسه أو تقييد حريته إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق».
كما نصت المادة (94) على أن: «العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون».
وتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية غاية فى الأهمية، لاسيما وأنه يعتبر الدستور الثانى للدولة، لتعلقه بحرية المواطن وتضمينه ضمانات المحاكمة العادلة، وحتى كتابة هذه السطور ننتظر إدراج مشروع القانون فى جدول الجلسات العامة للبرلمان حتى يصدر، وذلك لاحتياج المواطن المصرى له.
وكان مجلس النواب قد وافق الإثنين الماضى على تعديل قانون «التعليم» رقم 139 لسنة 1981، ووجه د. على عبد العال رئيس المجلس التحية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أعلن تحت قبة البرلمان أن «بناء الإنسان المصرى يبدأ من التعليم والصحة» مضيفًا: «هانحن نبدأ البناء بهذا القانون الذى تمت مناقشته ووافقتم عليه»، وكان البرلمان قد وافق فى ديسمبر الماضى على مشروع قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، وبدأ بالفعل تطبيق مرحلته الأولى فى يوليو الماضى، وهو القانون الذى كان بمثابة الحلم الذى طال انتظاره من أجل الحصول على خدمات طبية لائقة، وهكذا أصدرت الدولة – أو فى سبيلها لإصدار – مجموعة من القوانين وثيقة الصلة بحياة الإنسان المصرى، ولها دور كبير فى إعادة بناء الشخصية المصرية.