صالون الرأي
الأزهر وقانون الأسرة الجديد..
By amrديسمبر 16, 2018, 18:59 م
1690
لا يوجد قانون يؤثر فى المجتمع ويتفاعل معه أكثر من قانون الأحوال الشخصية الذى يمثل أهمية خاصة لما يتضمنه من قواعد تنظم الشكل القانونى لتكوين الأسرة والعلاقات المختلفة بين أفرادها، وينعكس تأثيره على المجتمع بأسره.
فهو الذى يعالج أحوال الإنسان الشخصية كالزواج والطلاق والبنوة والنفقة والنسب والمسائل المتعلقة بالأهلية والولاية على المال والميراث والوصية، وكل ما يخص الأسرة من أحكام ومبادئ منظمة للعلاقات داخلها، وعلاقتها بالتغيرات التى تحدث فى المجتمع ومدى مواكبتها لهذه التغييرات.
وقد تعددت القوانين المنظمة للأسرة، حيث ينفرد قانون الأحوال الشخصية بكثرة التعديلات، وذلك اعتبارًا من القانون 25 لسنة 1929، والقرار بقانون 44 لسنة 1979، والقانون 100 لسنة 1985، وأخيرًا القانون 1 لسنة 2000.
وأصبحت هذه القوانين مثارًا للجدل فيما يتعلق بدستوريتها، ووجود مشكلات تتعارض مع الواقع الاجتماعى، حيث تزداد مشكلات قوانين الأحوال الشخصية نتيجة ما يشهده المجتمع من تغيرات دائمًا ما تكون فى حاجة إلى مواكبتها فى الإطار القانونى، وأصبح هناك ضرورة لتعديل قانون الأحوال الشخصية ليتواكب مع مشكلات الحياة الآن، بعد أن تعرضت الأسرة المصرية للتفكك وأصبح هناك 9 ملايين طفل يعانون عواقب طلاق الأبوين.
وأصبح تعديل القانون أو إصدار قانون جديد يمثل أهمية كبرى لاستقرار الأسرة المصرية من خلال الحفاظ على حقوق الزوج والزوجة والأبناء، بما يضمن استقرار المجتمع.
وانطلاقًا من مسئولية الأزهر الشريف فى مواجهة التحديات التى يتعرض لها المجتمع وتهدد سلامته، أصدر فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د. أحمد الطيب قرارًا فى أكتوبر 2017 بتشكيل لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المصرية المتعلقة بالأحوال الشخصية، لضمان توسيع نطاق الحفاظ على حقوق الأسرة المصرية.
وقد يتساءل البعض.. ومن هم أعضاء اللجنة، بالطبع من حق الجميع أن يتساءل: ولكن الجواب بأن أعضاء اللجنة قامات فقهية وقانونية تصدوا من واقع مسئوليتهم لهذه المهمة العظيمة.
وسأذكر تشكيل اللجنة حتى نغلق باب التساؤلات أو حتى التشكيك من البعض، تشكلت اللجنة من د. شوقى علام مفتى الجمهورية، د. عباس شومان وكيل الأزهر السابق، المستشار محمد الدكرورى نائب رئيس مجلس الدولة السابق، د. نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق، د.محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بكلية حقوق الإسكندرية، د. عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، د. محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم، المستشار محمد عبد السلام المستشار التشريعى والقانونى لشيخ الأزهر، المستشار وليد صديق ممثلاً عن وزارة العدل، المستشار أمل عمار ممثلة عن المجلس القومى للمرأة.
كما يعاون اللجنة فى عملها «أمانة فنية» تضم نخبة من أساتذة القانون والخبراء المتخصصين.
وحرصت اللجنة على أن يتضمن مشروع القانون الجديد آلية محكمة لتنفيذ الأحكم القضائية الخاصة بالأسرة، وتهدف اللجنة وضع حلول نهائية لمشاكل الأسرة، والمعاناة الناجمة لدى البعض حيال القانون بوضعه الحالى، وإيجاد بدائل تشريعية تقضى على تلك المشاكل بشكل قانونى وشرعى، ويلبى احتياجات المجتمع من بناء أسرة قوية قادرة على تخريج نشء يستطيع مواجهة التحديات ولديه القدرة على العطاء.
وكانت مشاكل النفقة والحضانة والطلاق من أبرز التحديات التى واجهت عمل اللجنة، خاصة وأن هناك الكثير من الشكاوى داخل محاكم الأسرة من قطاع عريض من السيدات بأن القانون الحالى لا يعطى للمرأة حقوقها فيما يتعلق بالنفقة والحضانة، فبعض الأزواج ليس لديهم رواتب ثابتة، ويمارسون أعمالاً حُرة، الأمر الذى يتعذر معه تقييم الدخل الحقيقى للزوج، وبالتالى لا تحصل المرأة على النفقة المناسبة.
كما سجلت مسألة الطلاق مرتبة كبرى فى مقدمة المشاكل التى تنجم عن القانون الحالى، خصوصًا الحالات التى يرفض فيها الزوج توثيق طلاقه، رغم قيامه بتطليق زوجته شفويًا، وبالتالى تصبح الزوجة فى حُكم الشرع مطلقة، وفى نظر القانون غير مطلقة، وليس بوسعها أن تطالب بحقوقها كمطلقة، كما تحتل قضية زواج القاصرات مكانها فى قائمة التحديات التى واجهت عمل اللجنة، خاصة وأن مصر احتلت المراكز الأولى فى ظاهرة الزواج المبكر، وخلت التشريعات المنظمة لمسألة الزواج من عقوبات رادعة للقائمين على ظاهرة الزواج المبكر أو زواج القاصرات.
وأيضا مشاكل الحضانة، خاصة فى الحالات التى تتزوج فيها المطلقة بزوج آخر، وتذهب الحضانة للأم أو الأب، وفى المقابل تكون الحضانة للأب فى أضيق الحدود وغيرها من المشاكل التى باتت تعانى منها الأسرة المصرية جراء القانون الحالى، كما راعت اللجنة تقديم نفقة عادلة للمرأة فى حالة الانفصال، بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، ووضع نصوص محكمة للالتزام بضوابط الحضانة، ومعالجة المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق.
وكانت إزالة هموم المواطنين وحل مشكلاتهم من القانون الحالى المعيار الأهم فى عمل اللجنة، حيث اهتمت بإزاحة كافة العقبات الموجودة فى القانون الحالى أمام حصول جميع الأطراف على حقوقهم، وفى مقدمتهم المرأة والطفل بما يتماشى مع الشرع الحنيف ومستجدات الواقع، ولا تعمل اللجنة بمعيار إنصاف طرف على الآخر، بقدر ما تحاول الحفاظ على كيان الأسرة بشكل عام، وجلب جميع الحقوق لأصحابها.
واستهدفت المقترحات فى المقام الأول معالجة مسائل النفقة والطلاق والحضانة، ومن أجل هذا الهدف عملت اللجنة وبكامل أعضائها من أجل هذه الرسالة، وعملت اللجنة على صياغة المقترحات بما يتماشى مع الشرع ومستجدات الواقع وتلبية احتياجات الأسرة.
وعقدت اللجنة منذ بدء عملها أكثر من 30 اجتماعًا، انتهت خلالها من صياغة 110 مادة من مواد القانون المقترح، والذى يجمع لأول مرة أحكام الأحوال الشخصية والأسرة فى إطار نسق قانونى واحد يتسم بالشمول والتجانس.
ويهدف مشروع القانون إلى استقرار الأسرة وتماسكها، والحد من حالات الطلاق الذى تضاعف لدرجة جعلت مصر فى مقدمة الدول التى تشهد حالات الطلاق، والتى أصبحت مشكلة تؤرق الأسرة والمجتمع.
وقد انتهت اللجنة من صياغة مواد القانون المقترح بشكله النهائى، وتم تقديمه إلى هيئة كبار العلماء لمناقشة وإبداء الآراء عليه، حيث يتم مناقشته حاليًا وبعد الانتهاء منه سيتم تقديمه لمجلس النواب ليأخذ مساره التشريعى.