صالون الرأي
من يملك الـ G يحكم العالم
By amrفبراير 04, 2019, 17:45 م
1580
يتغير مفهوم الأمن القومي من وقت لآخر ومن دولة إلى أخرى ومن إقليم إلى إقليم وهذا في الحق مقبول نظرا لمرونة مفهوم الأمن القومي, فهو يتغير بتغير التهديدات والتحديات والمصالح كما أنه نسبى وليس مطلقا، وقد شهد العالم خلال العقود السابقة ثورات علمية سريعة للغاية تسارعت عليها الدول التي تريد أن يكون لها مكان وسط العالم المُتقدم وتواكب التكنولوجيا الحديثة، بل وتُقدم ما يميزها عن غيرها حتى تتقدم وتكون رائدة في هذا المجال وبالتالي تحقق مصالحها سواء اقتصادية أم سياسية، فظهرت علينا مفاهيم وعبارات غربية جديدة ومنها تكنولوجيا المعلومات والحروب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي وانتشار مصطلح جيل «GENERATION»
فنجد مثلا حروب الجيل الرابع 4GW» fourth generation warfare»، والجيل الرابع للشبكات الخلوية «4G» وتشير إلى الجيل الرابع من أجيال الاتصالات اللاسلكية الخلوية وهو تطوير لمعايير «2G3G» وينتظر العالم خلال الفترة القادمة انطلاق شبكة الـ «5G» أي تكنولوجيا الجيل الخامس ذات السرعة العالية في نقل البيانات قد تصل إلى عشرة أضعاف الجيل الرابع، كما أنها تمكن عددا كبيرا جدا من الأجهزة المتصلة ببعضها بما يسمح بتحقيق إنترنت الأشياء «IOT» التى تتطلب الاتصال بآلاف الأجهزة بعضها البعض، وتكنولوجيا الجيل الخامس لم تقتصر على مجال الاتصالات فقط، ولكنها لها جوانب متعددة ومجالات كثيرة، ومن جهة أخرى استخدم لفظ «الجيل» حتى مع تطور الجماعات الإرهابية إلى أن وصلنا إلى جماعات الجيل الرابع ولا شك أن الأخيرة هى إحدى الأدوات التى تم تطويرها من قبل دول كبرى لتحقيق أهداف ومصالح لها عوضا عن الحروب التقليدية نظرا لسرعة الإرهاب فى تحقيق أهدافه وتكلفته المنخفضة، كما أن الداعم للجماعات الإرهابية غير واضح أمام المجتمع الدولى.
شهدت تكنولوجيا العلوم Information Technologies» IT» طفرة غير مسبوقة فى العصر الحديث خاصة فيما يتعلق بتطوير كل من الهواتف المحمولة المُرتبطة بالإنترنت، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى، والتكنولوجيا ذاتية التوجيه وهى تكنولوجيا تجمع بين الذكاء الاصطناعى والقُدرة على التوجيه والسيطرة، ومن أهم نماذجها المركبات فائقة التوجيه Autonomous VEHICLES، والطائرات بدون طيار «Unmanned Aircraft Systems»، والإنسان الآلى «Advanced Robotics»، وإنترنت الأشياء «IOT» وتكنولوجيا الحوسبة السحابية Cloud computing، فضلا عن تكنولوجيا التصنيع المُتقدمة التى سوف تغير شكل العالم المُستقبلى Advance Manufacturing Technologiesومن أهمها التصنعية الذاتية ثُلاثية الأبعاد «3D Printers»، ولاشك أن النصيب الأكبر من هذا التقدم يذهب لصالح المجال العسكرى، حتى تنفرد كل دولة بقوة وشخصية خاصة، تُميزها عن غيرها من الدول وتعظم من نفوذها وتواجدها فى مجال التفاعلات الدولية، كما أن الطفرة التى حدثت فى تطوير المُعدات العسكرية «غير المأهولة» برا وبحرا وجوا سوف يُغير من أشكال الصراع وطبيعة وشكل حروب المُستقبل ويغير ايضا من العقائد القتالية «Military Doctrine»، والأنظمة غير المأهولة Unmanned Systems هى أنظمة تعمل ذاتيا من خلال التحكُم فيها عن بُعد فى مجال المُراقبة والاستطلاع والإنذار المُبكر والكشف عن الألغام والأسلحة غير التقليدية (كيماوية و بيولوجية ونووية)، ونماذج الأنظمة غير المأهولة مُتعددة وكثيرة ومنها على سبيل المثال الطائرات بدون طيار والعربيات المُدرعة والمزودة بأجهزة استشعار عن بعد وبرامج توجيه وبرامج ذكاء اصطناعى، فضلا عن قوارب ومركبات مائية منها ما يعمل فوق سطح الماء والآخر تحت سطح الماء.
وفى إطار هذا التطور السريع فى مجال التكنولوجيا ,خاصة تكنولوجيا تطوير برامج «الذكاء الاصطناعى» والتى تكتسب قُدرات مُستمرة كانت تُميز العقل الإنسانى عن غيره، وتُعد بحوث تطوير «الذكاء الاصطناعى» «Artificial intelligence» من البحوث عالية التقنية والتخصص وشبيهة إلى حد ما بأبحاث علم النفس البشرى أو علم الأعصاب، لأنها تُحاكى القُدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، كما تقدم خدمات تشابه تلك التى يُقدمها الإنسان البشرى، فتتناول مثلا أبحاثا فى «التفكير المنطقى والمعرفة والاستنتاج ورد الفعل والتخطيط والتعلم والتواصل والإدراك والإبداع والقدرة على تحريك وتوجيه الأشياء 000إلخ»، وأصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى تتوغل فى كل المجالات الحياتية سواء الطبية أوالاقتصادية أوالتجارية أوالعلمية والهندسية والعسكرية00000إلخ. والذكاء الاصطناعى هو مستقبل العالم أجمع وأن الدولة التى سوف تفرض هيمنتها على هذا المجال سوف تحكم العالم.
ولذلك فقد عكف العديد من مراكز الأبحاث العلمية على وضع تصوراتها للعالم خلال الخمسين عاما القادمة فمنها من تنبأ بانتهاء عصر القنوات الفضائية ليحل محلها قنوات الإنترنت، وآخر تنبأ بانتهاء الصحف والمجلات الورقية ليحل محلها الإلكترونية، ويتوقع مركز «بيركمان» للإنترنت والمجتمع، فى جامعة هارفارد أن تصل قيمة سوق إنترنت الأشياء إلى تريليونات الدولارات خلال العقد المقبل، الأمر الذى قد يغير بشكل كبير طريقة تفاعل الناس سواء مع بعضهم أو مع الأشياء، وفى عام 2025 ستحل الطائرات بدون طيار العسكرية والمدرعات المصغرة مكان الجنود على أرض المعارك بشكل شبه كامل، حيث يقوم الإنسان بتشغيلها عن بعد، ولكن مع مرور الوقت ستصبح لديها قدرة اتخاذ القرارات بمفردها، وبحلول عام 2040 ستُصبح معظم السيارات على الطرق ذاتية التحكم وكهربائية، كما أن الولاءات بعد أقل من ثلاثين عاما سوف تكون للشركات العملاقة متعددة الجنسيات بدلا من الولاءات للدول والأقاليم نظرا لحجم الخدمات التى يمكن أن تقدمها تلك الشركات كالتعليم عن بُعد ومنح شهادات لأكبر جامعات فى العالم، وتقديم خدمات التأمين الصحى العالمى والعديد من الخدمات التى تُقدمها شبكات الفيس بوك أو تويتر أو جوجل وغيرها من شركات قد تظهر مستقبلا، وتتصارع دول العالم على امتلاك التكنولوجيا الحديثة وعلى إصدار أجيال جديدة من هذه التكنولوجيا خاصة وأن لديهم معتقدا وهو من سوف يملك الـ «G»الجديد أى «new generation» سوف يحكم العالم، من منطلق قوانين الحياة من لا يتطور يموت.
وتشهد كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية حاليا سباقا للوصول بقيمتها السوقية إلى تريليون دولار، حيث تأتى شركة «آبل» فى مُقدمة الشركات وتبلغ قيمتها السوقية نحو 934 مليار دولار، وهى الشركة المنتجة للـ «iphone» وقد باعت الشركة فى عامها المالى 2017 نحو 217 مليون هاتف بما يعادل 242مليار دولار، وهو ما شكل 62%من مبيعات الشركة فى ذلك العام ويأتى بعدها شركة «Amazon» بعدما ارتفع سعر سهمها فى 2018 لأكثر من 55% بما جعل قيمتها السوقية تصل إلى 880 مليار دولار ولم يعد للشركة إلا ارتفاع على السهم بنسبة 14% حتى تصل إلى التريليون دولار وليس هذا غريبا على عملاق التجارة الإلكترونية بعدما حققت إيرادات فى عام 2017 وصلت إلى 193 مليار دولار، فيما تشير الأرقام إلى أن هناك 30 مليون مستخدم شهريا لموقع «أمازون» وأن الشركة تقوم بشحن 35 منتجا فى الثانية الواحدة.
وتأتى فى المرتبة الثالثة على سباق التريليون دولار هى «جوجل» فالقيمة السوقية لـ «Alphabet» هى 836 مليار دولار، فقد وصلت إيرادات جوجل فى 2017 إلى 110 مليارات دولار؛ جاء نحو 95 مليارا منها من الإعلانات على المتصفح، ثم تأتى فى المرتبة الرابعة شركة «Microsoft» بقيمة سوقية بلغت 816 مليار دولار، فالحوسبة السحابية هى مفتاح النجاح للشركة فإيرادات مايكروسوفت فى هذا القطاع عام 2018 وصل إلى 32 مليار دولار لتحصل على 13% من سوق الحوسبة العالمية.
ولم ينج الاقتصاد من سحر التطور التكنولوجي الذى استطاع اختراق كل القطاعات الاقتصادية والخدمية بل وساهم فى تحقيق الارتقاء لتلك القطاعات مثل سرعة الخدمات وزيادة كفاءتها وتطوير برامج الذكاء الاصطناعى لإيجاد حلول يحتاجها المجتمع ومنها تحسين أساليب العمل الإدارى والاجتماعى، وقد حقق الاقتصاد الرقمى نجاحات سريعة فى العديد من اقتصاديات العالم، فضلا عن مساهمته فى تطوير المنظومة الاقتصادية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد ساهم الاقتصاد الرقمى «Digital economy» فى زيادة تبادل السلع والخدمات بسبب انخفاض تكلفة تبادلها فى ضوء استخدام الإنترنت أو عبر ما يعرف بالتجارة الإلكترونية، ويتم هذا النوع من التبادل التجارى من خلال القنوات الرقمية، حيث يتم عرض السلع والخدمات فى شكل رقمى وبالتالى يمكن تسميته بالتبادل التجارى الإلكترونى وبالتالى تتقدم الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التى تستخدم التبادل التجارى الإلكترونى على شركات التصدير التقليدية.
وقد أدركت الدول أهمية المعلومات والقيام بتعزيز استخدامها أكثر من الأسلحة العسكرية فى إدارة الصراعات مع الدول، بعدما أصبحت طبيعة الصراعات فى العالم تعتمد على أدوات تكنولوجيا المعلومات أكثر من الأسلحة التقليدية، وبالتالى سعت العديد من الدول إلى امتلاك الأدوات التى تُمكنها من التحكم فيما ينشر من معلومات وتوظيفها لصالحها، ليس فى إقليمها فقط ولكن فى كل أنحاء العالم، فيمكن من خلال الاستخدام الجيد لتلك الأدوات قياس توجهات رأى عام لأى دولة، تغير الرأى العام وإعادة توجيهه، بل وخلق رأى عام جديد، ويعتبر هذا نموذجا للدعاية السياسية يعتمد فى نجاحه على تدفق مكثف للمعلومات المغلوطة والمقنعة فى نفس الوقت «FIRE HOSE OF FALSHOOD»، ولهذا أدركت أجهزة الاستخبارات موخراً خطورة حرب الفضاء الإلكترونى والتى أضحت ساحة جديدة لجمع المعلومات وتحليلها وعمل التحريات عن الأفراد والشركات والمؤسسات لمعرفة بياناتهم وآرائهم والوقوف على توجهاتهم ومُعتقداتهم، ومن خلال تطبيقات برامج الذكاء الاصطناعى وبرامج تحليل البيانات يمكن ربط هذه المعلومات بعضها البعض لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لتلك الدول التى تمتلك هذه الأدوات.
يُعد مفهوم القوة الإلكترونية من المفاهيم الحديثة التى شغلت العديد من الباحثين سواء كانوا المُهتمين منهم بالعلوم السياسية أو المهتمين بمفهوم الأمن القومى، حيث فرضت القوة الإلكترونية نفسها لتكون ضمن عناصر القوة الشاملة، تستطيع الدولة خلالها تحقيق مصالحها وأهدافها من خلال التأثير فى الفضاء الإلكترونى للحصول على نتائج محددة والسيطرة على تلك النتائج وإدارتها، ولهذا تم دمج هذه القوة ضمن عناصر الأمن القومى، كما يمكن توظيفها أيضا لوضع استراتيجيات ورؤية مُستقبلية للدول.
وفى سياق آخر قد تشكل تلك القوة واحدة من أخطر التهديدات على الأمن القومى لأى دولة، ولاشك أن القدرة التكنولوجية والمعرفية فى معادلة القوة الشاملة للعالم سوف تجعل الكثير من الدول النامية تتراجع وتتخلف أكثر ماهى عليه، بل قد تصل إلى أن تتخلى عن إرادتها وتفقد سيطرتها على مواردها رغم امتلاكها لتلك الموارد، فقد كانت معادلة القوة الشاملة فى السابق ترتبط بتزايد القوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية والمجتمعية وتستخدم هذه القوة لردع الآخرين، إلا أنه بظهور الفضاء الإلكترونى أثبت أنه قادر على تغيير طبيعة وخصائص الأمن والقوة والصراع وأصبح له تأثيرات فاعلة فى شكل العلاقات الدولية.
لعل السمة الأكثر بروزا فى أدبيات العلاقات الدولية الأمريكية خلال العقود الثلاثة الماضية تتجلى فى القلق على مستقبل المكانة الأمريكية فى بنية النظام الدولى، ثم يخرج علينا «جوزيف ناى» فى كتابه «مستقبل القوة» ليقف ضد النزعة التشاؤمية ويسعى لنزع حتمية التراجع الأمريكى، لكنه يشترط ضرورة إعادة النظر فى مفهوم القوة بما يتناسب والسياق التطورى لبنية المجتمع الدولى، وقد تناول «جوزيف ناى» مفهوم القوة الإلكترونية وتأثيراتها على شبكات الإنترنت وقُدرتها على التأثير، كما تعد البديل عن أساليب القوة العسكرية الصلبة لتحقيق الأهداف الوطنية وتبنى مفهوم القوة الناعمة التى يشترط لتحقيقها توافر الجاذبية والإقناع، وينظر «ناى» إلى القوة الناعمة على أنها مفهوم وصفى «Descriptive» «لا معيارى Normative» كما لا يراها شكلا من المثالية أو الليبرالية لكن المشكلة فيها فى كيفية دمج القوة الناعمة فى استراتيجية الدولة، لاسيما أنها تعتمد على الجذب لا الدفع، والتى تتضمن وسائل غير مادية مثل الثقافة (البعد الجاذب من هذه الثقافة)، والقيم السياسية (المقبولة داخلياً وخارجياً )، والسياسات الخارجية (بمقدار شرعيتها)، ثم الموارد الاقتصادية والموارد العسكرية (من خلال قنوات التعاون والتدريب أو التوظيف فى أغراض إنسانية كالكوارث الطبيعية وغيرها )، وتقول المجلة الإلكترونية لوزارة الخارجية الأمريكية: «لقد وضعنا العالم بين يدى أصابع المستخدمين مما يؤدى إلى برمجة الأفراد المستخدمين لهذه الشبكات على أنماط التفكير الأمريكى وسلوكياته ومنظومة قيمة.
كما أن الحرب الإلكترونية الحالية والمعروفة باسم الحرب السيبرانية «Cyber war» أضحت شبيهة بالحرب الباردة إلا أنها تُستخدم وقت السلم ووقت الحرب وهى حرب غير مرئية لا تخضع لقيود وقواعد دولية، وصعب السيطرة عليها، وتصنف وزارة الدفاع الأمريكية « الفضاء اللإلكترونى « خاصة الإنترنت بأنه ميدان رابع من ميادين الحروب بعد البر والبحر والجو، وتعتبر الحكومة البريطانية أن الهجمات الإلكترونية واحدة من أكبر أربعة تهديدات لبريطانيا، كما أن الصين لديها كتائب إلكترونية تضم 100 ألف جندى، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية تقوم سنويا بإجراء مناورة تحت اسم «سيبر ستورم» لاختبار استعدادها لمواجهة هجمات إلكترونية معادية وتشارك فيها مُعظم الأجهزة الأمنية الأمريكية. كما أضحت أطراف هذا الصراع قوة فاعلة على الساحة الدولية ، وفى ازدياد دائم ضم الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيران وكوريا والهند.
(الفضاء الإلكترونى هو المجال الكهرومغناطيسى لتخزين وتعديل البيانات المتصلة والمرتبطة بشبكة البيئة التحتية ويُدمج فى مجالة الإنترنت والمحمول وأجهزة الاتصالات والأقمار الصناعية، وبالتالى يُعد الفضاء الإلكترونى أكبر من الإنترنت لما يحتويه من قدرات توجيهية للطاقة التى توجد فى جزء من الموجات الكهرومغناطسية).
وتعتمد الأسلحة السيبرانية «Cyber weapons» على نُظم حديثة فى المعرفة والتكنولوجيا ووسائل جمع المعلومات ومعدات إلكترونية شديدة التطور، وبالمقارنة بالأسلحة التقليدية فهى غير مُكلفة على الإطلاق وسهلة الإستخدام، وبدون قيود، وصعب اكتشافها لأنها تستخدم بشكل ناعم وخادع، ويمكن استخدامها من أى مكان ومن قبل أى شخص سواء من الجماعات الإرهابية أوالقراصنة أو أجهزة استخبارات الدول أو المجرمين الإلكترونيين أو الشركات الاقتصادية والتجارية، وأسلحتها عبارة عن برامج تم تصميمها لأداء مهام مختلفة مثل الفيروسات والبرامج الخبيثة التى تقوم ببعض العمليات مثل الإزالة والتعديل والتغير والتخريب، بغرض تقويض أجهزة الدول، كما تُستخدم أيضا لتعطيل شبكات البنية التحتية، كما توجد برامج أخرى لقطع الاتصال عن الشبكة أو سرقة البيانات أثناء تصفح المستخدم للإنترنت كما يمكنها مسح جميع بيانات المستخدم ومنها ماهو شديد الخطورة لديه القدرة على تدمير الأقراص الصلبة، ويتم تحديث تلك البرامج بصورة سريعة حتى يصعب اكتشافها حيث أحيانا تتواجد فى صورة مشفرة مختبئة فى برامج ذات جماهيرية عالية.
وفى إطار ما سبق فالتنافس يزداد يوما بعد يوم على امتلاك الفضاء الإلكترونى وتطوير أدواته وزيادة حجم الاستثمار فى مجالاته المختلفة وقيام الدول والشركات العملاقة بتخصيص جزء كبير من ميزانياتها للإنفاق على الأبحاث والدراسات الخاصة بتطوير ذلك المجال، وقد عكست تلك الصراعات عبر شبكات التواصل الاجتماعى فى إدارة الصراع السياسى بدول الربيع العربى محاولات للهيمنة والسيطرة على الآخر سواء بين الفاعلين من الدول أوبين الفاعلين من غير الدول من منطلق دوافع سياسية واقتصادية وأمنية ، ولانستطيع تحديد التحالفات بين الدول خاصة لأنه صراع غير واضح وغير مرئى وتكون تداعياته خطيرة وتعمل الدول فيه على إخفاء هويتها لإجراء عمليات إلكترونية هجومية ضد دول منافسة لها، سواء على مستوى سرقة المعلومات أوانتهاك سريتها أو تعديلها أو منع الوصول إليها أواختراق الأنظمة المالية وسرقة الأموال أو الهجوم على البنية التحتية المعلوماتية وتدمير المواقع على النت أو نسفها بعدد هائل من الفيروسات أو تشكيل رأى عام له تداعياته السلبية على مسارات الانتخابات الوطنية، فضلا عن أن الصراع الإلكترونى عابر للحدود.
وفى النهاية يجب إعادة التفكير مرة أخرى فى مفهوم الأمن القومى ومحاولة إعادة صياغته طبقا للتهديدات المستحدثة، وحتى يتماشى مع المفهوم العصرى لعناصر القوة مع الوضع فى الاعتبار أن الأمن الإلكترونى لم يقتصر فقط على أبعاد تقنية بل تعداه إلى أبعاد أخرى فى ظل تراجع سيادة الدولة وتزايد العلاقة بين الأمن والتكنولوجيا وتأثيرات تلك الترابط على الدول، كما يجب أيضا العمل على امتلاك تلك القوى ومحاولة الاستحواذ على عناصرها الأساسية فى العلاقات الدولية، خاصة وأن الفضاء الإلكترونى أضحى مسرحا للصراعات المادية والفكرية، يشهد حروبا ونزاعات تختلف فى شكلها عن الحروب والصراعات السابقة ولا تنطبق عليها قوانين وأعراف الحروب التقليدية حيث يستطيع فيها أحد أطراف الصراع أن يوقع خسائر فادحة للطرف الآخر وأن يتسبب فى شل البنية المعلوماتية والاتصالية الخاصة بالطرف الآخر ، مما يُسبب خسائر عسكرية واقتصادية فادحة ,كما أنه صراع حول القيم والمبادئ والمصالح باستخدام أدوات ناعمة يمكن من خلالها الحصول على المعلومات والبيانات وصولا إلى التأثير فى مشاعر وأفكار الآخرين، بل والسيطرة على عقولهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعى لتدمير منظومة القيم وهدم الإنسان وتسريب شائعات مغرضة تفقده الثقة بنفسه ووطنه، وهو صورة معدلة متطورة للحرب النفسية والإعلامية على الشعوب، قد تعصف باستقرار الطبيعة البشرية، من خلال تلك الحروب الإلكترونية البشعة، التى قد تغسل العقل وتغيب الوعى وتستبيح الحُرمات وتشوه الضمير الإنسانى حتى يُصبح الانسان مستباحا جسديا ومعنويا وفكريا أمام تلك المؤامرات الإلكترونية الشرسة دون تمييز.
كما يجب النظر إلى الجانب الآخر المضىء للتكنولوجيا وأهمية مواكبة التطورات المتسارعة فى كل مجالاتها باعتبار أن العمل فى مجال التكنولوجيا المتقدمة وإنتاجها وتطويرها وتخصيص ميزانية للأبحاث العلمية هو قمة الرشد حتى نلحق بسباق الأمم من حيث انتهى الآخرون .