صالون الرأي
انظروا إلى أبناء شرق آسيا
By amrأكتوبر 27, 2019, 14:17 م
1406
ليس من أجل سواد عيون الفارين والهاربين من جحيم أوطانهم، فتحت لهم أبواب أوروبا فى بادئ الأمر، وحينها وقفت «أنجيلا ميركل» المستشارة الألمانية فى وجه هجمة الأحزاب المناهضة لهجرة مسلمى سوريا والعراق وأفغانستان وإريتريا، ولكن لغاية استراتيجية وهى إنقاذ القارة العجوز من تفشى الشيخوخة فى أوصال قطاعاتها الاقتصادية، ومواجهة النقص الحاد فى المواليد بعد تحذير خبراء منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بالاتحاد الأوروبى من ارتفاع نسبة انتشار النساء والمسنين فى سوق العمل، والتراجع الحاد فى نسبة الشباب، وأكدتها إحصائيات ومؤشرات وجهات أخرى رسمية عن هبوط معدلات عدد السكان فى ألمانيا وإسبانيا وبولندا وفرنسا، مما قد يترتب عليه تراجع محتمل فى النمو الاقتصادى، ومن أجل هذا السبب استقبلتهم بشكل مهين لا يحمل أدنى معانى الترحيب، فضلًا عن رحلتهم الشاقة فى عرض البحر وغرق العديد منهم، ثم مسيرتهم مشيًا على الأقدام عبر الحدود، وبعدها بدأت دول أوروبا وعلى رأسها ألمانيا فى تشجيع تحركهم داخل حدودها، ومحاولة الاستفادة من المهاجرين بأكثر درجة ممكنة، ومع ذلك مازال الاتحاد الأوروبى فى حاجة على المدى المتوسط والطويل إلى جذب عدد كبير من العمالة المهرة، ويحاول قادة وخبراء الاتحاد الأوروبى إقناع الأحزاب المعارضة بحقيقة إذا أغلقت أوروبا الباب فى وجه المهاجرين ستدفع ثمنًا اقتصاديًا باهظًا.
وفى المقابل لا نرى مثل هذا الهروب والفرار من مواطنى دول كالصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة واليابان، وقد تخرج هجرات من روسيا والصين والهند إلى أوروبا وأمريكا وأستراليا، ولا تتعجب أيضًا أن تجدها بين مواطنى بريطانيا التى وصل عددهم حسب الإحصائيات إلى ما يقرب من 5 ملايين شخص، مقتربين من عدد السوريين، ولكن هجرتهم ليست تحت وطأة الاضطهاد أو المجاعة، إنما بحثًا عن العلم وكسب المزيد من الربح.
وعلى الجانب الآخر من بين دول بالشرق الأوسط وفى أفريقيا، يغامر كثير من شبابها بأرواحهم ويذهبون إلى مصير مجهول، والسبب ندرة فرص العمل فى كافة التخصصات المهنية، ولذا المسئولية تقع على كل مسئول ومفكر وداعية، فى أن يمد يد العون إلى أبنائها، وينظر إليهم بعين الرحمة، ويبتعد عن تخديرهم بالشعارت البراقة والوعود الآجلة، ولا أبالغ حين القول بأن الاستثمار الرابح وصاحب العائد السريع يتمثل فى التوظيف الجيد لقدرات وإمكانيات شبابنا، ويعد أحد العوامل الرئيسية فى القضاء على التضخم وانحساره، بخلاف أنه علاج ناجح لمشاكل المجتمع وبدون وقوع أى آثار جانبية، وقد فطنت إليه دول عديدة منذ زمن بعيد، وتصنف حاليًا من الدول الرائدة، فالصين تخطت حاجز الفقر، وأحسنت توظيف العامل البشرى، واعتمدت ذاتيًا على نفسها، غير أن هناك دولا كثيرة مثلها اكتشفت سر قوتها فى ثرواتها البشرية، ونجحت فى إعدادها من خلال منظومة علمية جادة، وتحت أعين رقابة صارمة تطال الجميع، وبدأت حكومتها برعاية ثروتها البشرية منذ الولادة، والتزمت بتوظيفهم طبقًا لكفاءاتهم، ولهذا يعشقون حب الانتماء لأوطانهم، ويبذلون الجهد والعرق دون ملل.
أما فى حال وطننا الحبيب المخلصون فيه بكثرة، وتتملكهم روح العزيمة والإصرار على النجاح، ولكن الصورة توضح تكرار السلبيات من البعض لغياب الرؤية وضعف الكفاءة، برغم أن فى الأدراج مشروعات كبرى لا يسعون لتنفيذها، وبمنتهى البساطة يمكن توظيف الطاقات المهدرة من الأيدى العاملة، وعلى سبيل المثال السعى نحو إحياء مشروع منخفض القطارة الذى تبلغ مساحته 20 ألف كيلو متر مربع، وفكرة المشروع تقوم على شق مجرى يوصل مياه البحر المتوسط إلى حافة المنخفض فى مصر، ويسمح باندفاع مياه البحرة بقوة هائلة على توربينات لتوليد طاقة كهربائية رخيصة ونظيفة وبتكلفة أقل كثيرًا، ويمكن استغلال زراعة ملايين الأفدنة واستيعاب آلاف الأيدى العاملة، وستصبح البحيرة بالمنخفض من أكبر مصادر الثروة السمكية لأجود الأصناف المعروفة فى المياه المالحة، واكتشف حديثًا بالمنخفض ثروة هائلة من الملح الصخرى يرفع حجم الإنتاج لنحو 10 ملايين طن سنويًا، ويستطيع أن يدر أرباحًا توازى الثروة البترولية بمصر.
وروشتة العلاج تكمن فى عدم التباطؤ وسرعة التنفيذ للمشروعات التى أثبتت الدراسات نجاحها بأقل تكلفة وفى أقصر وقت وخاصة المكدسة فى الأدراج، مع حرص الجميع على الاستفادة من أخطاء الحكومات السابقة ومن تجارب الناجين فى دول آسيا بسبب أنها كانت تواجه معوقات قريبة الشبه بواقعنا، ولينظر أبناؤنا إلى أبناء شرق آسيا.