https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

ممالك النار.. وهويتنا المفقودة

1623

هكذا وبانتهاء عرض الحلقة الأخيرة من المسلسل التاريخى الضخم «ممالك النار» يثبت بالدليل القاطع أن تدنى الذوق العام وانهياره ليس بسبب ذوق الجمهور، أو «الجمهور عاوز كده»، إنما هذا الادعاء هو مجرد شماعة يعلق عليها أنصاف الموهوبين والذين يتاجرون بعقول الناس ووعيهم – تقصيرهم وسوء إنتاجهم، وبسبب تراخى وضعف القائمين على الحالة الفنية فى مصر وفى العالم العربي، وأنا هنا لن أتناول الفن فى الوطن العربى لأن الماضى والحاضر يؤكد أن مصر كانت المنتج الرئيسى والأهم لمختلف أنواع الفنون، بداية من مسرح يوسف وهبى وفاطمة رشدى الذى وصل حتى المغرب العربي، مرورا بأم كلثوم وعبد الحليم فى الغناء، وصولا إلى الأفلام السينمائية والمسلسلات والبرامج حتى سنوات قليلة مضت.

المهم أن الاستقبال الكبير والمتابعة وردود فعل الجماهير العربية على هذا المسلسل بقدر ما هى تؤكد سلامة ذوق الجمهور، بقدر ما تؤكد الخلل فى الإبداع.. أما المسلسل نفسه فمن المؤكد أن الإمكانات الهائلة التى توفرت له والتى تجاوزت الأربعين مليون دولار، كانت أحد أهم عوامل نجاحه وإبهاره بكل ما استخدم من تقنيات حديثة وملابس وديكور..إلخ، لكن يبقى العنصر البشرى هو الحاسم والأهم فى أى عمل فني، بداية من المؤلف محمد سليمان عبد المالك الذى وصل أخيرا إلى المحطة الأهم فى حياته الإبداعية ليملأ فراغا كبيرا فى مجال الدراما التاريخية، حقق فيها المعادلة الصعبة بالحفاظ على الأحداث والحقائق التاريخية بقدر المستطاع، ومزجها بخيال وإبداع المؤلف دون تشويه فى صلب الحقيقة، على الرغم من انحيازه الكبير لأبطاله وشخوصه.

أما الفنانون فيأتى فى مقدمتهم نجمنا المصرى الكبير خالد النبوى الذى استطاع أن يصل إلى العالمية بلا مبالغة أو تهويل، فى أداء يمثل نقطة فارقة فى تاريخه الفني، والفنان الكبير رشيد عساف فى دور قنصوه الغورى ومحمد حاتم وكنده حنا، ونضال نجم ومحمود نصر فى دور سليم الأول على الرغم من المبالغة فى أدائه لبعض المشاهد.

الحقيقة إن مسلسل ممالك النار هو تجسيد رائع للعمل الدرامى التاريخي، وإن كان ينقصه الإعلان عن مصادره وعن المراجعة التاريخية، فليس من المعقول أن المؤلف يتحمل هذه المسئولية وحده، كما يثبت هذا العمل بالدليل القاطع أنه يمكن أن نرى تعاونا عربيا مشتركا فى مجال الدراما، بعد أن يأسنا من تحقيقه فى مجالات أخرى، ففيه رأينا رأس المال أو الإنتاج إماراتي، والمؤلف مصري، والفنانون من مصر وسوريا ولبنان والتصوير فى تونس، وبالتالى هى تجربة جديرة بالدراسة واستعادتها فى أعمال أخرى.

نتمنى أن يكون هذا النجاح الذى حققه هذا المسلسل الذى قدم فى ١٤ حلقة دون مط أو تطويل هو بداية وليس نهاية لأعمال جيدة، تعمل على إضاءة العقل العربى وتوعيته وحثه على إعادة قراءة تاريخه، وتحريك المياه الراكدة فى الدراما العربية التى أهملناها لسنوات تحت حجج واهية حتى كدنا نفقد هويتنا.