الأحد الماضي وفي الساعة 1700 – أي قبل آخر ضوء تقريبًا، كان هجوم مجموعة من العناصر الإرهابية على كمين 15 بالشيخ زويد، المسمَّى بكمين “الزلزال”؛ وظنت العناصر الإرهابية أن قيامها بالعملية سوف يمنحها صورة في المشهد المصري الذي يتحدث عنه العالم بعد قيادة مصر للقارة الإفريقية على مدى عام كامل خلال رئاستها الاتحاد الإفريقي.
لم تدرك أجهزة المخابرات وقوى الشر التي دفعت بتلك العناصر الإرهابية، أنها تدفع بهم إلى المقبرة .. بعد أن صورت لهم أنهم سيستطيعون إحداث خسائر في الكمين وتحقيق نصر زائف، خاصة بعد ظنهم أن انشغال مصر بالحدث الضخم ـ تسليم رئاسة الاتحاد لجنوب إفريقيا، وفوز مصر بعضوية مجلس السلم والأمن الإفريقي بأغلبية ساحقة (43 صوتًا من إجمالي 44 صوتًا)، سيجعلهم قادرين على استهداف الكمين، والتغطية على النجاح الذي حققته الدولة المصرية.
كانت قوة الكمين بالمرصاد لتلك العناصر التكفيرية، واستطاعت أن تتصدى للهجوم الإرهابى وقتلت 10 عناصر إرهابية مع تدمير عربة دفع رباعى كانت تستخدمها تلك العناصر؛ ونتيجة لتبادل إطلاق النيران، استشهد النقيب أحمد خالد صلاح، والملازم أول احتياط أحمد رضا، والجندى مقاتل أحمد جمال عبده وأشرف رفعت نعيم ومحمد ممدوح وجمعة رضا جمعة وربيع فتحي.
قامت القوات الجوية عقب تلقى البلاغ بتمشيط المنطقة وملاحقة العناصر الإرهابية التى حاولت إفساد ما تحقق من نجاح، وهكذا دائمًا، منذ عام 2013 وحتى الآن، تسعى قوى الشر لإفساد فرحة المصريين، ولكن الأبطال دائمًا لهم بالمرصاد، فقد كانت يقظة الأبطال وراء إحباط الهجوم الإرهابي.
ولأن الدول القوية لديها تكامل وتعاون بين مؤسساتها المختلفة.. كما أن الحرب على الإرهاب تعتمد بشكل كامل على توفر المعلومة، وهو ما نجحت فيه أجهزة المعلومات من (القوات المسلحة، والشرطة)، والتى تمثل رأس الحربة فى معركة القضاء على الإرهاب.
كانت الضربات الاستباقية ضد العناصر الإرهابية دليلًا على قوة أجهزة المعلومات، وقد نجح جهاز الأمن الوطنى يوم الثلاثاء الماضى فى القضاء على 17 عنصرًا إرهابيًا بمنطقتى العبيدات والحوص بالعريش.
لم يكن ما سبق رصدًا لأحداث وقعت الأسبوع الماضى، بقدر كونه دليًلا على أن دولة يونيو 2013 هى دولة بناء المؤسسات سيرًا على نهج الدول القوية، مما جعلها تواصل تحقيق النجاح فى مختلف القطاعات والميادين وعلى كافة الأصعدة.
استعرضنا فى الحلقة الماضية كيف بدأ التخطيط للوصول إلى الهدف الاستراتيجى فى مختلف القطاعات فى اتجاه تحقيق الغاية القومية للدولة، بدءًا من تحديث القوات المسلحة كى تحمى الوطن فى ظل منطقة تموج بالأحداث وانهيار الدول.
ثم كانت الأولوية للبنية التحتية ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:
– تعتبر مشروعات البنية التحتية (من طرق وكبارى وإسكان وصرف صحى مياه شرب وكهرباء) من المشروعات كثيفة العمالة، التى توفر مزيدًا من فرص العمل وتؤدى إلى رفع مستوى معيشة الأسر.
– كانت البنية التحتية فى مصر تعانى أزمة حقيقية، فثمة نسبة كبيرة من القرى المصرية كانت تفتقر إلى خدمات الصرف الصحى، وبلغ حجم القرى التى بها شبكات للصرف الصحى 20% فقط، فى حين كانت تعانى 80% من قرى مصر من عدم وصول شبكات الصرف الصحى إليها وهو ما دفع وزارة الإسكان إلى وضع خطة مكثفة بدأت عام 2015.
بدأت الخطة بتوصيل شبكات الصرف إلى 40% من قرى مصر، خلال عامين (حتى 2017)، ثم يتم استكمال الباقى تباعًا حتى تصل إلى نسبة تغطية للقرى 100% خلال السنوات القليلة القادمة.
لطالما تحدث الخبراء عن استحالة تنفيذ المشروع فى تلك المدة خاصة أن الدولة خلال 50 عامًا لم تنفذ سوى 20% فقط من المشروع فى القرى، ولكن استطاعت الدولة تغطية أكثر من 70% من القرى المحرومة من شبكة الصرف الصحي، وخلال العامين القادمين ستصبح جميع القرى مزودة بشبكات الصرف الصحي.
كما أن العمل من أجل توفير بيئة استثمارية جاذبة يتطلب إنشاء شبكة قوية من الطرق والموانئ والمطارات، وهو ما تم بالفعل من خلال المشروع القومى للطرق الذى تضاعف أكثر من ثلاثة أضعاف ما كان مخططًا له، وذلك لتمتلك مصر أقوى وأكبر شبكة طرق وفق المواصفات العالمية خلال الست سنوات الماضية.
لتتخطى مصر 90 مركزًا فى مؤشر جودة الطرق خلال خمس سنوات لتحتل المركز 28 على مستوى العالم.
وكذا مشروعات الإسكان التى أشادت بها المنظمات الدولية خاصة فى مشروع القضاء على العشوائيات وتطويرها، ومدن الجيل الرابع، ومشروع المليون وحدة سكنية الذى يعد بمثابة طفرة كبيرة فى مجال الإسكان الاجتماعى لتوفير السكن اللائق.
خفضت تلك المشروعات من حجم البطالة التى بلغت 13.3% عام 2013، ليصل إلى 7.5%، وهو ما يدلل على أن النهج الذى انتهجته الدولة كان يسير وفق خطة دقيقة ساهمت فيها كافة المؤسسات للوصول إلى الهدف الاستراتيجي.
كما تم العمل على زيادة حجم الطاقة الكهربائية بعد أن كانت مصر تعانى من عجز كبير فى الطاقة منذ عام 2010 وحتى 2013، مما جعلها بيئة طاردة للاستثمار.
اتجهت الدولة إلى زيادة حجم إنتاج الطاقة فتم بناء عدد من المحطات التى ضاعفت من انتاج الكهرباء لتتحول مصر من العجز إلى الوفرة خلال عامين ويبلغ الفائض 8.4 آلاف ميجا وات.
كما اتجهت الدولة أيضًا لسد عجز المواد البترولية من خلال العمل على زيادة الإنتاج وطرح مناطق جديدة للتنقيب بعد ترسيم الحدود مع السعودية وقبرص واليونان.
كل ما سبق كان الهدف الأساسى منه، مع تثبيت أركان الدولة وتقوية مؤسساتها، هو الانتقال إلى مرحلة مهمة وأن تصبح الدولة دولة مؤسسات.
وبالفعل تحول قطاع البترول أيضًا من مرحلة العجز إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى التحرك لتصبح مصر مركزًا إقليميا للطاقة مما يجعلها منطقة تخزين للمواد البترولية فى حوض المتوسط.
الأمر الذى دفع الدولة نحو التوسع فى صناعات البتروكيماويات، وبالفعل كان العمل على أكثر من المحور مما جعل ذلك القطاع من القطاعات الواعدة (مجمع البتروكيماويات بالعين السخنة ومجمع البتروكيماويات بالإسكندرية ومجمع البتروكيماويات بأبورواش).
كما تم إنشاء منطقة قناة السويس الاقتصادية، بالإضافة إلى عدد من المدن الصناعية المتخصصة، (مدينة الجلود بالروبيكى ومدينة الأثاث بدمياط)؛ وتم اختيار مواقعها وفق المخطط الاستراتيجى لتكون قريبة من شبكة الطرق والموانئ لمنحها فرصة أفضل للوصول إلى الأسواق الخارجية.
إلى جانب العمل فى مجال البنية التحتية، كان من المعروف أن بناء الدولة القوية يجب أن يعتمد بشكل أساسى على بناء الإنسان، فكان المشروع القومى لتطوير التعليم والذى تواكب معه إطلاق بنك المعرفة؛ وعلى نفس المسار كان التحرك للحفاظ على صحة الإنسان المصرى من خلال مبادرة 100 مليون صحة والقضاء على فيروس «سى» وكذا قوائم الانتظار، وذلك تمهيدًا للمشروع الحلم الذى أطلق فى محافظة بورسعيد (التأمين الصحى الشامل) وقريبًا يتم الاستعداد لتطبيقه فى خمس محافظات أخرى.
ولأن بناء الإنسان كان وفق المخطط الاستراتيجى لبناء الدولة القوية، خاصة أن الشعوب هى من تبنى الأوطان، والشباب هم الطاقة وقوة الدفع الكبرى لعجلة الإنتاج، كما أن الدولة المصرية تتميز بأن أكثر من نصف تعداد سكانها من الشباب، فكان تأهيل الشباب للقيادة وفق البرنامج الرئاسي، الذى قام بتدريب أكثر من 1500 شاب وفتاة من خيرة الشباب المصري، كما تم إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب التى توسعت فى عملها لتشمل تدريب القيادات فى كافة التخصصات وتتعاون مع مختلف الهيئات، ليصبح فى مصر لأول مرة معلومات كاملة عن الكوادر المؤهلة للقيادة، ويصبح الاختيار حسب الكفاءة.
واصلت الدولة مسيرتها نحو بناء دولة قوية، بعد أن نجحت فى برنامج الإصلاح الاقتصادى وإطلاق حزم الرعاية الاجتماعية لتخفيف حدة تأثير البرنامج على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فكانت برامج وزارة التضامن «تكافل وكرامة»، و«الأسر الأولى بالرعاية»، و«سكن كريم» وغيرها من البرامج.
فى الوقت ذاته كانت الدولة تسعى للسيطرة على الأسعار وفق معطيات السوق من خلال زيادة المعروض من السلع، مما ساهم فى انخفاض الأسعار بعد قيام القوات المسلحة والشرطة ووزارة الزراعة بافتتاح عدد من المنافذ لبيع السلع الأساسية بأسعار مخفَّضة، كما تم زيادة الإنتاج من خلال مشروع الصوب الزراعية الذى ساهم فى خفض أسعار الخطر، وكذلك مشروع المليون ونصف المليون رأس ماشية الذى ساعد فى انخفاض أسعار اللحوم، ومشروع المزارع السمكية الذى ما زال تحت التنفيذ وفق أحدث النظم العالمية.
وعقب تثبيت أركان الدولة وبناء مؤسساتها بدأت المرحلة المهمة فى عمر الوطن وهى الانتقال إلى الصناعة باعتبارها الأكثر تأثيرًا ودلالة على قوة اقتصاد الدول، لذا جاءت توجيهات الرئيس خلال الاجتماع الذى عقده أوائل الشهر الجارى مع د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزى ووزراء التخطيط والتنمية الاقتصادية، والتعاون الدولي، والمالية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وقطاع الأعمال العام، والتجارة والصناعة، وكذلك نائب وزير المالية للسياسات المالية، ونائب وزير التخطيط لشئون التخطيط، ونائب محافظ البنك المركزي.
كان التوجيه من الرئيس باتخاذ الإجراءات الفورية التى تدعم الكيانات الاقتصادية المتعثرة وتمكنهم من استعادة ممارسة نشاطهم الصناعي، بما فى ذلك الاتفاق مع البنوك لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة بكامل طاقتها وتوفير التمويل اللازم لمستلزمات الإنتاج من خلال مبادرات البنك المركزى المختلفة ذات الفائدة المنخفضة على الإقراض، بالإضافة إلى رفع الإجراءات الحكومية التى كانت ضد تلك الشركات وتخفيف الأعباء البنكية عليها.
تلك الخطوة المهمة للدولة لم يكن لها أن تحدث قبل الخطوات التى سبقتها من إنشاء بنية تحتية قوية، وتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل تلك المصانع.