رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

سلوك عالمي لمواجهة ارتفاع الأسعار وندرة الموارد والجفاف.. نعم لترشيد الاستهلاك.. ولا للإسراف

2176

كتبت : صفاء مصطفى

يُعدّ التّرشيد ركيزةً من الرّكائز الاجتماعيّة المهمّة التي تُبنى عليها المُجتمعات السّليمة؛ وأكد عليها رب العزة بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلك قَوَامًا)، وترشيد الاستهلاك يجب أن يشمل كافة مجالات الاستهلاك كالتّرشيد في استهلاك الطّاقة والأدوية، والسلع الغذائية، والسلع المعمرة.. وغيرها.
وفي ضوء التوجه العالمي للحد من الاستهلاك والحفاظ على الموارد الطبيعية تشهد الدولة بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية حالة من الانتفاض للتحذير من الإسراف والاستهلاك غير الرشيد.

«أكتوبر» تناقش مختلف أبعاد القضية فى سياق السطور التالية بدءًا من جهود الجهات الرسمية ومرورًا بوجهات نظر المواطنين ووصولا لتحليلات الخبراء.
على صعيد الجهات الرسمية حذر د. محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والرى فى تصريحات سابقة، من عدم الاهتمام بترشيد استخدام المياه، والحفاظ عليها من الإهدار والتلوث، لافتًا النظر إلى الجفاف الذى تتعرض له مدينة «كيب تاون» فى جنوب أفريقيا، على مدار 3 سنوات، حيث أدت موجة الجفاف الشديدة، إلى تجفيف بحيرات أكبر السدود هناك، مشددًا على ضرورة تكاتف المواطنين مع مجهودات الحكومة، للحفاظ على المياه.
وأضاف أنه فى ضوء الاتجاه نحو ترشيد الاستهلاك، تكثف الوزارة ممثلة فى كافة القطاعات لتدشين حملة مجتمعية تستهدف الحفاظ على الموارد المائية وترشيد الاستهلاك.
ومن جانبه، أوضح المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية فى تصريحات إعلامية أن الدولة تسير فى منظومة متكاملة للإصلاح الاقتصادى لتحسين كفاءة الإنتاج والأداء بشكل عام، مضيفًا أن رفع الدعم يزيد من ترشيد الاستهلاك، وزيادة الإنتاج المحلى، مما ينعكس على حجم الخدمات المقدمة للمواطن.
وشدد الملا على أن البترول والغاز موارد ناضبة ولا بد من حسن استخدامها بهدف الاستدامة وتوفير متطلبات التنمية.
غياب الوعي الجماهيري
المراقب للشارع المصرى يكتشف بسهولة زيادة إقبال المواطنين على الأسواق والسلاسل الكبيرة والتزاحم فى المطاعم والمولات الشهيرة مما يجعل من السهل يتبادر للذهن غياب الوعى بأهمية ترشيد الاستهلاك ولمعرفة الأمور عن قرب العديد من المواطنين لرصد مختلف وجهات النظر فى تفسير الممارسات الاستهلاكية للمواطن المصرى.
من أمام أحد المطاعم الشهيرة التى ينتظر أمامهما مئات المواطنين دورهم للحصول على وجبة شهية يقول يسرى توفيق 47 سنة المواطن المصرى تعود على نمط معيشى معين من الصعب تغييره أنه رغم الزيادة المضاعفة فى تكاليف الحياة إلا أن المواطن يحاول قدر استطاعته الحفاظ على نمط معيشته وتحمل مزيدا من الأعباء.
وأضاف يسرى أنه على الرغم من ذلك إلا أن المواطن بدأ فعليًا فى البحث عن بدائل تعتمد على ترشيد الاستهلاك تحت ضغط الارتفاع المستمر للأسعار.
ومن جانبها، ذكرت هويدا عبد الفتاح 50 سنة أن مصر بها 100 مليون مواطن مما يجعل من الصعب رصد السلوك الاستهلاكى للمواطن وأن ذلك يسمح بالتنوع فى السلوك الاستهلاكى للمواطنين .
ومن داخل أحد المقاهى الشهيرة أخبرنا شادى منير 35 سنة التواجد بكثرة داخل المقاهى لا يعنى وجود وفرة لدى المترددين فمن الممكن أن يكون بالنسبة للكثيرين حالة من الهروب من عدم القدرة على تلبية المتطلبات المعيشية.
ومن داخل البيوت البسيطة ذكرت شيماء ربة منزل 32 سنة أنها تضطر لطبخ الخضار بدون لحوم للاقتصاد فى النفقات حتى تستطيع توفير المتطلبات الضرورية، كما أصبحت تشترى الفاكهة بكميات قليلة للغاية حتى تستطيع توفير المتطلبات المعيشية الضرورية، وتقول سامية 38 سنة إنها تستغل سطح المنزل فى تربية الطيور لتوفير احتياجاتها من اللحوم والبيض لمواجهة ارتفاع الأسعار.
المردود السلبي
أكد د. مختار الشريف الخبير الاقتصادى أن السلوك الإعلانى الخاطئ يعد الأخطر فى تأثيره على النمط الاستهلاكى ومن أهم معوقات ترشيد الاستهلاك على المستوى العالمى وفقًا لنتائج العديد من الدراسات وتقديرات المراكز البحثية عالمية، وبالانتقال إلى الحالة المصرية أوضح أن الإعلانات تلعب دورا كبيرا فى زياد معدلات الاستهلاك من السلع والمنتجات غير الضرورية ونشر أنماط استهلاكية خاطئة تساهم بشكل غير مباشر فى رفع الأسعار، موضحًا أن استجابة المواطنين للنداءات المتكررة بأهمية ترشيد الاستهلاك تتسم بالبطء لعدة أسباب من أهمها غياب الوعى وارتفاع معدلات الأمية، مؤكدًا أن ذلك يتطلب جهودًا مكثفة من جانب أجهزة صناعة الوجدان ممثلة فى المساجد والكنائس والمدارس وغيرها من الجهات المعنية بالعمل الاجتماعى لنشر الوعى بأهمية ترشيد الاستهلاك ومساعدة المجتمع على الإقلاع عن الأنماط الاستهلاكية الخاطئة.
وقال الشريف إن نشر التوعية الصحيحة بأهمية ترشيد الاستهلاك يجب أن يتصدر أولويات اهتمام المؤسسات الإعلامية فى مختلف مجالات الإعلام، وصنف الوعى المطلوب إلى وعى عام بأهمية ترشيد الاستهلاك فى كافة أوجه الأنشطة الاستهلاكية على مستوى استهلاك المياه وموارد الطاقة المختلفة والسلع الغذائية، والوعى الصحى الذى يستهدف نشر الوعى بالأغذية الصحية والكميات التى يستفيد منها الجسم والتحذير من مخاطر الإفراط فى تناول الكثير من الأطعمة.
وأضاف أنه من الضرورى أن تأخذ الجهات الرسمية المعنية على مستوى أجهزة الدولة فى الاعتبار ضرورة الاهتمام والتركيز على نشر الوعى بأهمية البيع بالتجزئة الصغيرة عبر مختلف وسائل الإعلام، علاوة على خلق الأدوات المطلوبة لنشر هذا النمط من البيع مما يستهدف الحد من الهدر وترشيد الاستهلاك، مؤكدًا ضرورة أن يكون لمؤسسات المجتمع المدنى دور فاعل فى هذا الشأن.
السلوك الاستهلاكي
ويتفق مع هذه الرؤية د. عبد الرحمن عليان، أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس، حيث أكد أن المجتمع وخاصة المرأة والشباب بحاجة إلى التأهيل النفسى والسلوكى والوجدانى لضبط السلوك الاستهلاكى، لمواجهة التأثيرات السلبية للإعلانات على الممارسات الشرائية للمجتمع حيث توجه الإعلانات رسائلها للشراء وزيادة الاستهلاك، ودائمًا ما تخاطب الجمهور بما يضاعف من معدلات الاستهلاك ويعرقل الاستجابة لترشيد الاستهلاك.
وشدد عليان على ضرورة أن تتولى مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية دورها فى بث الرسائل المضادة للتأثيرات السلبية للإعلانات خلال التركيز على النشاط الاجتماعى الذى يساعد على تبادل الخبرات وتأكيد أهمية وضرورة الحد من الاستهلاك وتغيير الأنماط السلوكية الاستهلاكية بما يلبى متطلبات المرحلة ويساعد على نجاح برامج التنمية.
وأكد على ضرورة الاهتمام بترشيد الاستهلاك فى المقررات الدراسية بمختلف مراحل التعليم للاسهام فى نشر الوعى المبكر لدى النشأ بأهمية ترشيد الاستهلاك للفرد والمجتمع.
ومن جانبه، أكد محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار ضرورة وضع الآليات اللازمة لتطبيق سياسات ترشيد الإنفاق على كافة المستويات، مشيرًا إلى أن نجاح سياسات ترشيد الاستهلاك أصبح مطلبًا ملحًا لعدة اعتبارات من أهمها أنها يساعد فى خفض عجز الموازنة مما يؤدى بدوره إلى إتاحة الفرصة للإسهام فى إعادة توجيه موارد الدولة لخدمة مختلف مجالات العمل التنموى.
وقال محسن عادل إن سياسة خفض الإنفاق وترشيد الاستهلاك يجب أن يتم تطبيقها فى إطار استراتيجية طموحة تستهدف زيادة الإيرادات، وخفض الإنفاق، وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع القطاع الخاص، مما يوفر الأدوات اللازمة لتحقيق الهدف من ترشيد الاستهلاك وضبط عمليات الانفاق.
الترشيد التلقائي
تزاحم المواطنون فى أماكن بيع السلع والمنتجات بكافة أنواعها لا يعد مقياسًا موضوعيًا للحكم على السلوك الاستهلاكى للمواطنين هذا ما أكدته د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، مؤكدة أن المجتمع المصرى يشهد حالة من ترشيد النفقات جاءت بشكل تلقائى للتعايش مع ارتفاع الأسعار مشيرة إلى أن ذلك يتضح من انخفاض معدل ما يتم شراؤه من السلع وكافة الاحتياجات.
وأضافت أن هذه الحالة من الاتجاه التلقائى نحو الترشيد ساعدت على خلق حالة من المعاناة النفسية لدى المواطنين انعكست بدورها على مستوى العلاقات الاجتماعية، موضحة أن هذه الحالة من المعاناة النفسية المصاحبة لعملية ترشيد النفقات ترجع إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية فى المجتمع المصرى والتى توجد فى المجتمعات التى تطبق أدوات ترشيد أكثر حدة وأن المواطن المصرى بتكوينه الاجتماعى سيستطيع مع الوقت حل المعادلة الصعبة وهى إتباع سياسة ترشيد استهلاك ناجحة والحفاظ على مستوى العلاقات الاجتماعية.




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.