الرئيسية حوارات رئيس الجالية اليونانية بالإسكندرية لـ «أكتوبر»: نموت لو تركنا مصر.. !
حواراتهام
رئيس الجالية اليونانية بالإسكندرية لـ «أكتوبر»: نموت لو تركنا مصر.. !
By amrمايو 07, 2018, 20:25 م
3178
الإسكندرية: إبراهيم رضوان
تصوير: محمد بدوي
مبادرة «العودة للجذور» ستجلب مزيدًا من الاستثمارات
عددنا 5 آلاف يونانى يحملون جميعا الجنسية المصرية
رفضنا حكم الإخوان من اليوم الأول .. وأردوغان “نصاب”
عملنا فى جميع المهن وشاركنا فى صد العدوان الثلاثي
المرشدون اليونانيون بقناة السويس رفضوا خيانة الأمانة
نمارس شعائرنا الدينية بأمان .. ومصر أقوى من الإرهاب
تضرب علاقة اليونانيين بالمصريين بجذورها فى قلب التاريخ، فقد زار المؤرخ اليونانى الشهير هيرودوت مصر فى القرن الخامس قبل الميلاد بعدما رست السفن اليونانية الآتية من جزيرة كريت على حدود الإسكندرية، كما بنى الإسكندر المقدونى المدينة التى تحمل اسمه لتكون عاصمة لمملكته.
ازداد عدد اليونانيين فى عهد محمد على باشا، وكانت مصر حاضنة لهم لسنوات طويلة لم يكتفوا خلالها بترك بصمة واضحة فى مختلف الجوانب الحياتية بل أصرّ بعضهم على أن يدفنوا فيها، ثم زاد عدد اليونانيين القادمين للعمل فى مصر، وخاصة فى الإسكندرية وكانت وطنا ثانيا لهم ، بل إن كثيرا منهم رفض مغادرتها فى أصعب الأوقات بل واشترك بعضهم فى المقاومة الشعبية دفاعا عنها.
فى رحلة مع الذكريـــات، يقـــول «إدموند نيقولا كاسيماتس» رئيس الجالية اليونانية فى الإسكندرية إن دعوة الحكومة المصرية الجاليات اليونانية والقبرصية لزيارة الأماكن التى عاشت فيها من قبل، فى مبادرة تحت عنوان «العودة إلى الجذور» مناسبة متميزة تقرّب الأجيال الشابة من الزمن الذى عاش فيه آباؤهم وأجدادهم فى مدن مصر خاصة القاهرة والإسكندرية وأنها ستعود على شعوب هذه البلاد بالخير، مشيرا إلى أن أن مبادرة العودة إلى الجذور سيكون لها تأثير قوى على المستوى الاقتصادى والسياحى من خلال جذب المزيد من الاستثمارات، وفتح مجالات جديدة من التعاون توفر العديد من فرص العمل. وأكد رئيس الجالية اليونانية، أن اليونانيين الذين عاشوا فى مصر جزء لا يتجزأ من الشعب المصرى، وهذا الشعور يزيد من إصرارهم على تلبية أى مطالب تعزز من وضع مصر على كافة المستويات.
«أكتوبر» التقت رئيس الجالية اليونانية بالإسكندرية «إدموند نيقولا كاسيماتس» أحد المهاجرين الأوائل الذى قال إن اليونانيين كانوا فى كل مكان بمصر منذ أواخر القرن الـ 18 وازداد وجودهم فى ظل حكم محمد على باشا، واشتهروا بعملهم فى التجارة، وفى مختلف الحرف والمهن، حتى أن عددهم بلغ نصف عدد سكان الإسكندرية فى عهد الخديوى إسماعيل. وكان عددهم قد بلغ 37 ألف نسمة عام 1882، و120 ألف نسمة عام 1917 وتقلصت أعدادهم بسبب سياسة التأميم فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهاجر معظم أفراد الجالية إلى البرازيل وكندا وأمريكا وأستراليا، وهى المجتمعات التى وفرت لهم مناخا يشبه حياتهم فى الإسكندرية حيث تعدد اللغات والجنسيات، لكنهم ظلوا مترابطين يعيشون على أمل العودة، فأسسوا روابط واتحادات خاصة بهم بوصفهم مصريى الهوية.
بلد آمنة
ويضيف «إدموند نيقولا كاسيماتس»: «عمل المهاجرون من اليونان إلى الإسكندرية فى جميع المهن والحرف حتى أنهم وصلوا للريف، فكان منهم الترزى والنجار والجرسون وأصحاب البقالات وبائعو الأقمشة وأصحاب مصانع الزيوت والأفران ودور السينما، وفى شارع كنيسة الأقباط بالإسكندرية يوجد مقهى “طناشي” الذى كان يجتمع فيه سائقو التاكسى اليونانيون وأصحاب الحرف البسيطة وكان مصنع الخواجة زيربينى فى كفر الزيات من أكبر مصانع الزيوت فى مصر بالإضافة إلى مصانع السجائر والأخشاب، «فحين تسير فى شوارع الإسكندرية أو القاهرة كنت ترى التنوع والاندماج بين المصريين واليونانيين والجاليات الأخرى من خلال أسماء لافتات المحلات المكتوبة بالعربية واليونانية».
ويضيف: «خلال النصف الأول من القرن العشرين، كان لليونانيين 16 مدرسة ومستشفيان ودار للأيتام وأخرى للمسنين ويعتبر النادى البحرى اليونانى أول نادٍ رياضى بحرى تأسس فى مصر عام 1909 و«كانت تمارس فيه مسابقات الرياضات المائية بين جميع طوائف الشعب» وكانت الجمعية اليونانية أول جمعية يونانية تأسست خارج اليونان فى 25 أبريل 1843، بمبادرة من القنصل الأول لدولة اليونان ميخائيل توسيتسا، وحملت بدايةً اسم «الجمعية اليونانية المصرية للسكندريين»، وفى عام 1888 تم تغيير اسمها إلى «الجمعية اليونانية بالإسكندرية»، إضافة إلى المؤسسة اليونانية للثقافة ومتحف «كفافيس». ويشير إلى أن الجالية اليونانية أنشأت ثمانين مدرسة ونحو عشرة مستشفيات كبرى وحوالى 55 كنيسة عدا عشرين مؤسسة خيرية تقدم شتى المعاونات للفقراء والمحتاجين؛ وكان ميشيل توسيتاس – أول عميد للجالية اليونانية فى الإسكندرية- والذى أنشأ من ماله الخاص مدرسة ومستشفى وكنيسة، ولا يزال المستشفى قائما يخدم أهل الإسكندرية من اليونانيين والمصريين. وأيضًا جورج أفيروف الذى جمع فى مصر مالاً طائلاً، ثم أقبل يوزعه على أعمال الخير فى اليونان ومصر على حد سواء، ففى مصر قد بنى مدرسة ووقف عليها 1160 فدانًا. وهناك السيدة أنجليكا بانايوتاتو عميدة أطباء اليونان فى مصر .
ويقول «إدموند نيقولا كاسيماتس»: وجود الجاليات الأجنبية فى مصر إثبات أن مصر آمنة ولم تتخل عنهم، موضحًا أنه بالرغم من التقلبات التى شهدتها مصر مازالت تحاول أن تنمو وتنهض بنفسها، مستشهدًا باستمرار كافة أنشطة الجالية اليونانية وعدم تأثرها بهذه التقلبات.
طابع خاص
ويؤكد رئيس الجالية اليونانية بالإسكندرية أن وجود اليونانيين لم يقتصر فقط على الأحياء الراقية، بل كانوا يرتبطون أكثر بالمناطق الشعبية، مثل حى «العطارين»، وعملوا بكل المهن بما يخالف الصورة الذهنية عنهم، التى تُظهرهم فى الأفلام على أنهم أصحاب حانات، أو خمارات، كما تملكوا المقاهى والتى من أشهرها «قهوة فاروق» التى تأسست منذ ١٥٩ عامًا، واكتسبت اسمها من تفضيل الملك فاروق الجلوس عليها، عند زيارته للإسكندرية، وظلت على اسمها بعد انتقال ملكيتها لأحد المصريين كما ضم شارع كنيسة الأقباط بمنطقة محطة الرمل، مقهى يونانيًا اسمه «بانايوتى» تحول حاليًا إلى محل ملابس، أما محال البقالة والأفران فتمركزت فى منطقة «العطارين» كما سكنوا مناطق كامب شيزار، والإبراهيمية، وجناكليس، والإبراهيمية، والشاطبى وغيرها من المناطق البعيدة، مثل أبوقير، التى اشتهر بها محل «زفريون» وهو مطعم سمك شهير، تابع للخواجة بيركليس، الذى توفى قبل عامين فقط، بل أن أحياء بأكملها مازال يطلق عليها أسماء يونانية مثل «جليم، زيزينيا، جاناكليس» وهى أسماء لشخصيات يونانية بارزة، ويضيف: «رغم انتقال إدارة بعض المحال اليونانية إلى أشخاص مصريين، إلا أن الكثير منهم قد احتفظ بطابعه الخاص مثل «هانو» و«شيكوريل».
القناة والعدوان
ويكمل رئيس الجالية اليونانية فى الإسكندرية فيقول: زادت أعداد اليونانيين فى مصر حتى الحرب العالمية الثانية، ووصلت لعدد ضخم فى عام 1945، بعدها تم احتلال اليونان من الألمان، وجاء الملك ورئيس الوزراء والحكومة للقاهرة وعاشوا فى مصر، وتحول مقر إقامة السفير اليونانى فى الزمالك إلى دولة، حيث تم تقسيم المكان لغرف وكل غرفة أصبحت تمثل وزارة معينة، وقال كاسيماتس: «فاليونان عندما تم احتلالها جاءت حكومتها إلى مصر وهذا يدل على عمق العلاقات الوثيقة».
وعن دور المرشدين اليونانيين فى تأميم قناة السويس أوضح أنه «من أسباب هجرة اليونانيين لمصر كانت فترة تأميم قناة السويس، وعاشوا فى محافظات الإسماعيلية والسويس وبورسعيد ومعظمهم كان يعمل فى القناة وعند قرار التأميم قامت الشركة الأجنبية حين ذلك بتقديم عرض على المرشدين اليونانيين وقتها بالرجوع لليونان نظير حصولهم على معاش شهرى مدى الحياة وأن يتركوا العمل فى قناة السويس، والحصول على راتب 3 أشهر إذا انقطعوا عن عملهم بالقناة»، ولفت رئيس الجالية اليونانية إلى أن اليونانيين العاملين فى قناة السويس وقتها رفضوا هذه العروض ولم يترك أى مرشد يونانى عمله فى قناة السويس مع إخوانهم المصريين، بل كان اليونانيون يعملون ساعات إضافية لمتابعة الملاحة فى القناة دون تعطيل، قائلا: «هذه أكبر صفعة على وجه المحتلين لمصر»، واصفًا ذلك بأصالة معدن اليونانيين تجاه المصريين الذين يعتبرون مصر وطنهم الثانى، وأيضا يتذكر كيف انخرط اليونانين مع المصريين فى الدفاع عن مدن القناة خلال العدوان الثلاثى على مصر، لأنهم اعتبروا أن هذه حرب ظالمة وان مصر قدمت لهم الكثير وواجب عليهم الدفاع عنها .
حكم الإخوان
ويستطرد «إدموند نيقولا كاسيماتس» أن حجم الجالية اليونانية فى الإسكندرية حاليا أصبح ٥ألاف شخص، وأنه بالتوازى مع انطلاق مبادرة العودة إلى الجذور سيكون هناك زيارات للجالية وأنشطة متعددة مشيرا إلى أن اليونانى المصرى مثل السمكة «يموت لو طلع بره»، لأن مصر هى بلدنا الثانى والإسكندرية بلدنا الأول، ومعظم الجالية هنا من اليونانيين المصريين، بمعنى أنهم يحملون الجنسية المصرية واليونانية معا، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعى ويتحدثون العربية، ويعيشون فى سلام وسط إخوانهم من المصريين كنسيج واحد لن يفرق بينهم أحد، يمارسون كافة شعائرهم الدينية فى امن وامان، بل إن كثيرًا منهم تزوج بمصريات والعكس، ويؤكد أنهم لم يرحبوا بحكم الإخوان، لأن مصر دولة كبيرة وعظيمة وقلبها مفتوح للجميع وليس لفصيل أو تيار واحد، والحكم الدينى فشل فى كل مكان مشيرا إلى أن ما يحدث فى تركيا هو نوع من الخداع وأن أردوغان يخدع الشعب باسم الدين فهو أكبر لاعب بالبيضة والحجر واكبر نصاب من أجل تدعيم حكم الإخوان ونشر الفوضى والعودة إلى صولجان الدولة العثمانية القديم، مؤكدا أنهم لم يفكروا فى مغادرة مصر خلال فترات الفوضى التى اعقبت ثورة يناير لأنهم مصريون قلبا وقالبا وان مصر فوق الإرهاب كانت وستظل.
لم تنته القصة بعد، وعلى الرغم من توافد الجاليات الأجنبية على مصر فى عصور وحقب زمنية مختلفة، فإن الجالية اليونانية تظل لها رائحة خاصة فى التاريخ، ولا تزال ظلال هذه الرائحة تتناثر فى شوارع وأزقة ومحال ومقاهى مدينة الإسكندرية.