ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي على الهواء ويرسل مجموعة من الرسائل للداخل والخارج، لكنه منهج اتخذه الرئيس منذ توليه قيادة سفينة الوطن، بل ومنذ كان وزيرًا للدفاع والإنتاج الحربي، أن يكون حديثه مع الشعب صادقًا ويرد على كل ما يشغل المواطن من قضايا الوطن.
حمل خطاب الرئيس رسائل مهمة لها عدة دلالات. . فقد جاءت رسائل الرئيس خلال افتتاح مجمع الإصدارات المؤمنة والذكية بالعاصمة الإدارية تأكيدًا على حرصه دائمًا على الرد عما يشغل المصريين ليوضح لهم كيف تتحرك دولتهم فى اتجاه معالجة مختلف قضايا الوطن.
إنه منهج لبناء دولة جديدة تعتمد على الشفافية والصدق والعمل المتواصل والبناء، من أجل غد أفضل لهذا الوطن.
منذ انتخاب الرئيس السيسي عام 2014 وهو يستعرض مع المواطن تحركات الدولة والتحديات التي تواجهها لأنه دائمًا ما يؤكد أن البطل فى معركة التنمية وبناء الدولة هو المواطن.
على مدى 7 أعوام استطاعت الدولة المصرية أن تحقق قفزات كبيرة لتعوض ما فاتها خلال حقب زمنية عدة وتسترد مكانتها وتعيد مجدها وسط منطقة تعيش حالة من عدم الاستقرار فهى ما زالت تعانى آثار الفوضى.
لم تكن تلك القفزات سوى تحقيقًا لوعد وعد به الرئيس الشعب المصرى عام 2014 ولم يكن ذلك ليحدث لولا التخطيط الدقيق، والعمل المتواصل والاحترافية فى التنفيذ لرؤية متكاملة لكافة قضايا الوطن.
(1)
فى 24 فبراير 2016 (عام الشباب) وبالتحديد من مسرح الجلاء للقوات المسلحة قال الرئيس السيسى فى كلمته: «أنا عارف مصر زى ما انا شايفكم قدامى كده.. وعارف علاجها زى ما أنا شايفكم قدامى كده»، كلمات قالها موجهًا حديثه للشعب وللحضور بالقاعة من الشباب ومن المسئولين.
لم تكن عبارة عادية فهو يعرف كل تفصيله لمشروع وكل مشكلة تواجه الوطن فى كافة قطاعاته لأنه مهموم بهذا الوطن، وهو ما يجعله يدقق فى تفاصيل كل ما يواجه من مشكلات وتحديات للوصول به إلى بر الأمان؛ ولم يكن ذلك ليحدث إلا إذا عملت الحكومة المصرية فى كافة الاتجاهات، وفى توقيت متزامن، ولم يكن ذلك لينجح ما لم يكن هناك تخطيط دقيق ورقابة قوية فى التنفيذ، وعمل متواصل لا يتوقف.
تحدث الرئيس عن مشروعات البنية التحتية التى ركزت عليها الدولة المصرية منذ عام 2014 وما زالت تواصل العمل على تطويرها والنهوض بها إلى المستوى الذى يليق بجودة الخدمة المقدمة للمواطن المصري.
كان الرئيس واضحًا عندما قال: «عندنا نقص حقيقى وضعف فى البنية الأساسية هى ليست بنية دولة» (يقصد الوضع الذى كانت عليه البنية الأساسية قبل 2014؛ الطرق، مياه الشرب والصرف الصحي، الطاقة، وغيرها).
وعليه، تم العمل على تلك المحاور بالتوازى ليتم القضاء على مشاكل قطاع الطاقة بالكامل (الكهرباء والبترول والغاز الطبيعى) خلال عامين وتشهد مصر تطورًا فى مجال الطرق غير مسبوق، يُحسِّن من جودة الخدمات ويضمن ترشيد الاستهلاك ويقلل من حجم حوادث الطرق، لتتقدم مصر أكثر من 90 مركزًا فى هذا المجال؛ كذلك الحالة بالنسبة لمياه الشرب والصرف الصحى لتغطى شبكة مياه الشرب النقية كافة ربوع الدولة المصرية، ويرتفع حجم تغطية مشروعات الصرف الصحى إلى40% للقرى، وعقب اكتمال المراحل الثلاث لمشروع حياه كريمة سيغطى المشروع القرى المصرية كافة.
ومع مشروعات البنية الأساسية، كانت تسير وفى توقيت متزامن لتلتقى فى نقطة الهدف (رفع مستوى الخدمة للمواطن) خدمات أخرى لمشروعات قومية «المشروع القومى لتطوير التعليم – مشروع التـأمين الصحى الشامل – المبادرات الصحية – المشروعات الصناعية الكبرى».
فكانت مبادرات، 100 مليون صحة، والقضاء على فيروس «سى»، والقضاء على قوائم الانتظار، والكشف عن الأمراض غير السارية، والحفاظ على صحة المرأة، وغيرها من المبادرات التى استهدفت الحفاظ على صحة الإنسان المصري.
(2)
مع تلك القفزات التى جعلت الدولة المصرية تستطيع الانتهاء من 15 ألف مشروع خلال 6 سنوات، والعمل على 4 آلاف مشروع حاليًا، لم تغفل القيادة السياسية والحكومة ملفات مصر الخارجية والتحديات والتهديدات التى تواجهها.
فمنذ عام 2014 بدأ العمل على أهم الملفات الخاصة بالأمن القومى المصرى (الأمن المائي)، وجاء التحرك وفق عدد من الثوابت المصرية (حق مصر فى مياه النيل وفق الاتفاقيات الدولية الموقعة بينها وبين كلا من إثيوبيا والسودان.. حصة مصر من المياه خط أحمر لا يمكن المساس به، خاصة أن مصر تقع ضمن الدول التى تعانى من الفقر المائى.. حق إثيوبيا فى التنمية ولكن دون المساس أو الإضرار بحق مصر وحصتها من المياه، تطوير استخدام المياه المتاحة لدى مصر وفق حصتها المنصوص عليها وفق الاتفاقيات الدولية.
ووفق تلك الثوابت كانت تحركات الدولة المصرية، ففى الوقت الذى تسير فيه مصر والسودان فى مسار التفاوض مع إثيوبيا، ورغم تعنت الأخيرة قامت الدولة المصرية بإعادة تدوير مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى وفق دورة معالجة ثلاثية ليُعاد استخدام تلك المياه فى الزراعة والاستفادة منها رغم التكلفة الكبيرة التى تتحملها الدولة المصرية.
لم يكن ذلك هو الخيار الوحيد فى مواجهة تلك الأزمة، ولكن وبحسب ما قاله الرئيس السيسى فى كلمته خلال افتتاح مجمع الإصدارات المؤمنة والذكية يوم الأربعاء الماضى: «كل الخيارات مطروحة ولن نسمح بالمساس بنقطة مياه من مصر» – وقبل ذلك بأسبوع وخلال المؤتمر الصحفى العالمى الذى عُقد عقب تعويم السفينة البنمية الجانحة قال الرئيس: «محدش هيقدر يمس مياه مصر.. واللى عايز يجرب يجرب».
تلك هى رؤية الدولة المصرية لعدالة قضيتها وفق ثوابت ومواثيق دولية وإصرار مصرى أن يكون المسار التفاوضى هو الأفضل حال التزام الدولة الإثيوبية، لكن ذلك لا يعنى أن مصر ستتنازل عن أى حق من حقوقها.
فقد أكد الرئيس السيسى خلال عام 2016 قائلًا: «ليس معنى طولة بالى وخلقى الحسن.. إن البلد دى تُقع – قسمًا بالله اللى يفكر يوقع البلد دى لأشيله من فوق وش الأرض.»
رسالة حاسمة وصل مفادها لكل من يحاول المساس بأمن واستقرار الدولة المصرية وحقوقها المشروعة.
كما لم تغفل مصر ملفاتها الخارجية وإعادة علاقاتها الدولية، فخلال عام 2014 و 2015 استطاعت مصر أن تعود إلى عمقها الإفريقى لتعود بقوة إلى القارة الذهبية.
لم يكن ملف العلاقات الدبلوماسية فقط من الملفات التى نجحت فيها الدولة المصرية بجدارة، فبالنسبة للملف الاقتصادى، استطاعت مصر أن تنجح فى تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى طموح كان محل إشادة المؤسسات الاقتصادية الدولية فكان أحد أدوات الدولة فى مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد.
(3)
فى الوقت ذاته كان سعى الدولة المصرية لمواجهة الخطر الذى يدمر اقتصاديات الدول ويؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة للمواطن.. إنه الفساد – هنا كان تحرك الدولة المصرية وفق منهجية مدروسة بإطلاق استراتيجية مكافحة الفساد والتى ارتكزت على أكثر من محور منها تطوير البنية التشريعية، وتدريب الموظفين على مكافحة الفساد من خلال الوعى بخطورة إهدار المال العام وخطورة الفساد على اقتصاد الدولة وأثره السلبى على ثقة المواطن فى الحكومة.
كما تم إنشاء الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، وعملت الأجهزة الرقابية على مواجهة الفساد وذلك فى إطار الحفاظ على ما حققته الدولة من إنجازات وجودة الخدمات المقدمة للمواطن.
وكان المشروع القومى للرقمنة أحد أدوات مكافحة الفساد، وفى الوقت ذاته الارتفاع بمستوى جودة الخدمات.
ثم كان مشروع المجمع الخاص بالإصدارات المؤمنة والذكية والذى يعد الأول من نوعه فى الشرق الأوسط، بل ويعد أحد أهم مراكز تأمين الوثائق على مستوى العالم، إذ يعمل على إنشاء بنية معلوماتية متكاملة يكون لها دورًا فى وضع خطط التنمية ومواجهة التحديات وعلاج المشكلات التى قد تواجه المجتمع.
بالتوازى مع تلك التحركات من جانب القيادة السياسية والحكومة من أجل البناء والتنمية، كان العمل على بناء قوة مصر الشاملة لمواجهة التحديات والتهديدات.
نجحت مصر فيما تحركت من أجله.. بناء دولة حديثة تعبر بها مرحلة فارقة فى تاريخ الوطن استعدادًا للجمهورية الجديدة، لتدخل عصر الثورة الصناعية الرابعة بعد أن غابت عن الثورة الثانية والثالثة.
إن ما تحقق من إنجاز ترتب عليه زيادة المخاطر والتحديات، لكن يبقى الإعداد الجيد والجاهزية ومواصلة العمل والإخلاص والقدرة على مواجهة تلك التحديات والثقة فى القيادة أحد أهم أدوات المواجهة وطريق النصر.
إن كلمات الرئيس: «احنا نقدر كل يوم نفتح مشروع زى كده ولكنى خايف عليكم» – تلك كانت رسالة مهمة، فكلما استطاعت الدولة المصرية أن تحقق إنجازًا جديدًا وسط تلك المنطقة المضطربة زاد حجم التحديات ومحاولات تعطيل مسيرة هذا الوطن.
لكن هيهات أن يحدث ذلك فقد تحركت السفينة بقيادة ربان يدرك تلك المخاطر ويعى كيف يحافظ عليها ويضمن لها الاستقرار والوصول بها إلى بر الأمان.