رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

السجل الأسود للممارسات الإثيوبية

2168

صفاء مصطفى

سجل أسود تحمله إثيوبيا فى تعطيش الشعوب وإلحاق الضرر بدول الجوار يدفع بالقارة الإفريقية نحو صراعات غير مسبوقة وحالة من عدم الاستقرار تهدد الأمن والسلم العالمي، ما لم يتحرك المجتمع الدولى لمحاسبة إثيوبيا على الممارسات أحادية الجانب والخارجة عن القوانين والمواثيق الدولية فى انتهاك الحقوق المائية لدول الجوار بإنشاء السدود على الأنهار العابرة للحدود مع دول الجوار، هذا ما أكدته منظمات دولية ووسائل إعلام عالمية، حذرت من تكرار أزمات المياه فى كينيا والصومال نتيجة لإقامة السدود الإثيوبية فى دول أخرى، وسلطت الضوء على مخاطر السياسات الإثيوبية المشبوهة، على المستوى الإقليمى والعالمي، وأيضا الداخل الإثيوبى فى وقت تتزايد فيه الاحتياجات المائية والتنافس عليها.

تقارير دولية

أكدت تقارير صادرة عن منظمات دولية نشرتها وسائل إعلام عالمية أن الممارسات الإثيوبية بحق 7 دول هى جنوب السودان وإريتريا وجيبوتى والصومال وكينيا، مجاورة لإثيوبيا ومشاركة معها فى 22 نهراً، وقيامها بإنشاء 15 سداً بقرارات منفردة دون تشاور مع هذه الدول، يعد انتهاكًا غير مسبوق للقوانين الدولية لإدارة الأنهار الدولية المشتركة، ويتعارض مع الأعراف والمواثيق الدولية، نتيجة للأضرار التى لحقت بدول المصب، جراء الآثار السلبية المباشرة، وغير المباشر لهذه السدود على دول المصب، التى أحدثت ارتباكا شديدا واختلال التوازن فى نظم استخدام وإدارة مياه هذه الأنهار فى دول المصب، علاوة على العديد من الأزمات المصاحبة لعدم الإفصاح والتشاور، من الجانب الإثيوبى مع دول الجوار قبل الشروع فى الإنشاء، حول تصميم وحجم هذه السدود وخطط ملء خزاناتها وعدم إشراك دول المصب فى خطط التشغيل وفى المنفعة المشتركة من هذه السدود.

وهذه السدود موزعة بواقع 4 سدود على النيل الأزرق المشترك مباشرة مع السودان ثم مصر، وسد خامس على أعالى نهر السوباط المشترك مباشرة مع جنوب السودان ثم السودان ومصر، وسد سادس على أعالى نهر عطبرة المشترك مباشرة مع إريتريا ثم السودان ومصر.
كما أنشأت أديس أبابا 4 سدود على نهر الأواش المشترك مع جيبوتي، وسدين على نهر شبيلى المشترك مع الصومال، و3 سدود على نهر أومو المشترك مع كينيا.
وأكدت تقارير المنظمات الدولية على ضرورة تحرك المجتمع الدولى لوقف استمرار إثيوبيا فى هذه السياسات، مشيرة إلى استمرار الممارسات أحادية الجانب حيث جارٍ الآن إنشاء سدود أخرى أهمها سد النهضة على النيل الأزرق الذى يهدد حياة الملايين فى السودان ومصر، وسد غيلغيل غيبى الرابع والخامس على نهر أومو الذى يزيد من الآثار المدمرة لهذه السدود على دولة كينيا.

الفيضانات الطبيعية

ومن جهتها، تدين منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» الممارسات الإثيوبية فى بناء السدود، مؤكدة أنها تلحق أضرارا بالغة بملايين البشر، معربة عن قلقها من التأثيرات المستقبلية للسدود الإثيوبية على النشاط الاقتصادى للعديد من دول الجوار، مشيرة إلى أنه على سبيل المثال السدود التى أنشأتها إثيوبيا على نهر أومو الذى يشكل 80% من المياه المتدفقة إلى بحيرة توركانا، أكبر بحيرة صحراوية على مستوى العالم بدولة كينيا، سيؤدى إلى زوال الأنشطة الاقتصادية لمئات الآلاف من المواطنين فى كينيا.

وأكدت على أن هذه السدود تهدد باختفاء نظام زراعى رعوى قائم على الفيضانات الطبيعية للنهر، بالعديد من المناطق منها كويجو وبودى وداساناش ومجتمعات أخرى، كما سيتسبب فى انخفاض الصيد فى بحيرة توركانا؛ نظرًا لانخفاض منسوب المياه، مما يؤدى إلى خفض الموارد السمكية للبحيرة وتشريد مئات الآلاف من الصيادين، مما ينعكس سلبيا على الاستقرار والسلم المجتمعى ليس فقط على المستوى الأفريقى بل أيضا على المستوى الإقليمى والعالمي.
وأوضح تقرير صادر عن اليونسكو أن سلسلة السدود التى أنشأتها إثيوبيا ألحقت أضرارًا بالغة ببحيرة توركانا على المستويين الكمى والنوعى حيث انخفض منسوب المياه بالبحيرة بمعدل مترين بعد انخفاض كمية المياه المتدفقة من النهر إلى البحيرة بنسبة 50 % بسبب تبخرها خلف السدود وعلى الجانب الآخر ارتفعت نسبة ملوحة مياه البحيرة الأمر الذى أثر بالسلب على النظام البيئى فى البحيرة وعلى السكان، بالإضافة إلى انحسار شاطئ البحيرة وتراجعه إلى 1.7 كم فى خليج فيرجسون الذى يُعد منطقة حيوية لصيد الأسماك الذى يعتمد عليه المجتمع المحلى المقيم على شواطئ البحيرة.

حوض جوبا

وحذّر تقرير صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، من استمرار أزمات المياه فى حوض جوبا شبيلي، حيث تشترك إثيوبيا وكينيا والصومال فى حوض جوبا شبيلي، الذى تبلغ مساحته452000 كيلومتر مربع، ويلتقى نهرا شبيلى وجوبا داخل الصومال. وبدأت إثيوبيا فى أوائل العقد الأول ببناء سلسلة للسدود على نهر «جنال داوا» وهو منبع نهر جوبا الذى يجرى فى الصومال ليصب فى المحيط الهندي. وأقامت إثيوبيا مشروع جنال داوا ويتكون المشروع من سد ومحطة للطاقة الكهرومائية.

واكتمل فى سبتمبر 2016، ويبلغ ارتفاع السد 110 أمتار، وعرضه 456 مترا وطوله 450 متراً، بسعة تخزين 2.57 مليار متر مكعب وقد بدأ التشغيل فى 4 فبراير 2020. وتشير التوقعات إلى أن المشروع سيلحق أضرارًا بالغة بالصومال، ونظرا لأن كل من إثيوبيا والصومال جزء من الاتفاقية الأفريقية لحماية الموارد الطبيعية 1968، ووفقا لهذه الاتفاقية ينبغى التنسيق بين الدول فيما يتعلق بتخطيط مشروعات الموارد المائية، وإنشاء لجان مشتركة لدراسة المشكلات الناشئة عن الاستخدام المشترك لهذه الموارد، إلا أن إثيوبيا لم تقم بأى تنسيق مع الجانب الصومالى فيما يتعلق بإنشاء مشروع جينال داوا، لا سيما وأن الصومال تعتمد اعتمادا كبيرا على نهر جوبا ومن ثم تأثرت بالسلب نتيجة بناء سد جينال داوا مما أدى إلى اختلال توازن المياه.

منظمات حقوقية

وهاجمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية، السياسات الإثيوبية فى إقامة السدود، مؤكدة أنها تعرض ملايين البشر للجوع وارتفاع معدل الجريمة ومن ثم عدم الاستقرار، وأشارت المنظمة إلى أنه على سبيل المثال السد الضخم الذى أنشأته إثيوبيا على نهر أومو، ومجموعة السدود الأخرى على نفس النهر قطعت إمدادات المياه عن جزيرة توركانا شمال كينيا التى تعد أكبر بحيرة صحراوية، مما يعرض حياة مئات الآلاف من سكان المنطقة للخطر.

وانتقدت هيومن رايتس ووتش الحكومة الإثيوبية أيضا لتهجيرها السكان على طول النهر لتحويل الأراضى إلى مزارع سكر.

وأوضحت المنظمة أن السدود الإثيوبية ومزارع السكر على طول النهر تسببت فى نقصان عمق بحيرة توركانا بمعدل 1,5 مترا عن مستوياتها السابقة منذ بدأت إثيوبيا فى ملء السد فى 2015، واستمر منسوب المياه فى البحيرة فى الانخفاض إلا أنها قاربت على الجفاف فى الوقت الحالي.
وأضافت أنه فى إحدى مناطق البحيرة التى تعتبر أكبر بحيرة صحراوية، انحسرت المياه لمسافة تقارب كيلومترين مما ألحق الضرر بنشاط الصيادين.

السياسات الفاشلة
وتحذر العديد من الصحف والمجلات العالمية من حالة عدم الاستقرار المتوقعة على المستوى الإقليمى والعالمى جراء الانتهاكات الإثيوبية للحقوق المائية لدول الجوار، حيث حذرت مجلة (فورين بوليسى الأمريكية) من المخاطر المستقبلية المتوقعة الناجمة عن السياسة التى تتبعها إثيوبيا على مدار السنوات الأخيرة فى تنفيذ إجراءات أحادية لإنشاء وتشغيل السدود على الأنهار العابر لحدودها، مما ألحق الضرر بدول الجوار نتيجة لجفاف الأنهار والبحيرات، مشيرة إلى أن سيناريو كينيا والصومال من المستحيل أن يتكرر فى مصر نظرا لقوة وثقل الدول المصرية، وأكدت المجلة العالمية فى مقال تحليلى حول السياسات الإثيوبية، أن المخاطر المستقبلية المحتمل لهذه السياسات لا تقتصر فقط على دول الجوار بينما تمتد إلى الداخل الإثيوبي، متوقعة أن يؤدى الفساد والسياسات الاقتصادية غير المدروسة إلى تقسيم إثيوبيا إلى ثمانية أقاليم متصارعة فيما بينها.
وشددت فورين بوليسى على أن هذه المخاطر علاوة على ارتفاع معدلات الجوع واندلاع الصراعات فى دول الجوار نتيجة نقص المياه تهدد المصالح العالمية.
من جانبها، أكدت مجلة «ناشونال أنترست» الأمريكية على أن الإجراءات الإثيوبية تهدد بشكل منهجى سبل العيش والاستقرار، ليس فى مصر والسودان فحسب، ولكن أيضًا فى الصومال وكينيا، والعديد من دول الجوار وتطالب المجلة بضرورة اتخاذ موقف رادع ضد السياسات الإثيوبية المنحرفة.
استراتيجية الخداع
من جانبه، انتقد فيلكس هورن، الباحث الحقوقى والناشط بمنظمة هيومان رايتس ووتش العالمية، الممارسات الإثيوبية، على مدار السنوات الأخيرة مشددًا على أنها تنتهج استراتيجية لخداع الشعب الإثيوبي، والرأى العام العالمي، للتغطية على فشلها فى تطبيق سياسات اقتصادية ناجحة، مؤكدًا أن هذه السياسات الإثيوبية أضرت بملايين البشر ليس فقط على مستوى دول الجوار ولكن أيضا على مستوى الداخل الإثيوبي، لافتًا إلى أنه على سبيل المثال أصبح على امتداد خط المياه مواطنون إثيوبيون مهمشين تماما، ومستبعدين تماما من السياسات الإثيوبية التى تزعم أنها تستهدف التطوير وتنمية المجتمع.
القوانين الدولية
من جانبه، أوضح مايكل روبين، الخبير فى قضايا الشرق الأوسط، والمستشار السابق بـ«البنتاجون»، أن حكومة إثيوبيا تتصرف بشكل أحادى فى ملفات السدود، مشددًا على أنها لها سجل مخزٍ فى عرقلة المفاوضات مع دول الجوار بشأن إنشاء السدود على الأنهار العابرة للحدود، وهو ما حدث مع كينيا والصومال وتكرره حاليا مع مصر والسودان فى عرقلة المفاوضات.
وأوضح الخبير فى قضايا الشرق الأوسط أنه بموجب القانون الدولي، فإن الدول التى تخطط لإنشاء سدود أو تحويلات على الأنهار التى تعبر الحدود الدولية، عليها إخطار تلك الدول التى تشاركها النهر بمشاريعها المخططة، والتشاور معها بشأن مواصفات التصميم.
وحذر روبين من أن تعنت إثيوبيا واستمرارها فى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب فيما يتعلق بقضية سد النهضة، مؤكدًا أن الممارسات الإثيوبية تهدد الاستقرار الإقليمى والعالمى ويتطلب ضرورة اتخاذ إجراءات داعمة للجهود المصرية السودانية لحل مشكلة سد النهضة منعًا لحدوث مثل هذه التطورات.
وأكد أيضا على ضرورة سعى المجتمع الدولى للتوصل لاتفاقيات ملزمة لإثيوبيا لحل أزمات عجز تدفق المياه فى كينيا والصومال.
ولفت المحلل السياسى الأمريكى إلى أنه ينبغى الأخذ بعين الاعتبار سدود «جيبي» التى بنتها إثيوبيا على حوض نهر أومو بقرارات منفردة، (أربعة سدود أنشأتـها إثيوبيا على نهر أومو جنوبى البلاد)، مشيرًا إلى أنها أدت إلى تدمير بحيرة توركانا المدرجة فى قائمة اليونسكو بكينيا، كما خلقت بؤرًا جديدة للصراع وأدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع، فى المناطق المحيطة.
كارثة كينيا
ولفت الباحث الأمريكى إلى أن الممارسات الإثيوبية فى كينيا تكررت فى الصومال، مشيرا إلى أن أديس أبابا اتخذت إجراءات أحادية الجانب أيضا بشأن نهرى جوبا وشبيلي، اللذين يرويان جنوب غرب الصومال، ويعتبر كلا النهرين من المصادر الرئيسية للمياه العذبة فى الصومال، التى أصبحت تعانى عجزا فى تدفق المياه، مما يزيد من تردى الأوضاع الاقتصادية فى الصومال وزيادة معدلات الجوع، علاوة على تسمم مياه النهر فى حالة تدفق المياه نتيجة لإلقاء القمامة فى قاع النهر.
تحذيرات
وحذر مايكل روبين من أن الإجراءات الإثيوبية تؤدى إلى تجفيف نهر جوبا فى غضون عقد من الزمن، وكذلك من استمرار اتخاذ إجراءات أحادية الجانب فى حالة عدم وجود اتفاقية دولية ملزمة لإثيوبيا، مطالبًا بتنفيذ معايير القوانين الدولية، التى تتطلب التشاور المسبق مع الدول المتشاطئة.
ووصف المحلل السياسى والمستشار العسكرى للبنتاجون ممارسات آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى ضد دول الجوار ممثلة فى دول حوض نهر النيل وكينيا والصومال، فيما يتعلق بإنشاء السدود، ومنع تدفق المياه بالممارسات الاستعمارية، التى تستوجب موقفا عاجلا من الولايات المتحدة والغرب والجامعة العربية ودول الديمقراطيات الأفريقية لردع هذه الممارسات.