رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

لماذا يستهدفون ثورة يوليو؟

1474

التاريخ مرآة الأمم يوثق حاضرها ويعكس ماضيها،  لتظل أحداثه الوطنية بمثابة مشاعل تنير الطريق للأجيال، وتقوي انتمائهم للأوطان، وتبني ذاكرة الأمة الزاخرة التي تظل مبعث فخر للشعوب.

ولأن الاحتفال بالأحداث الوطنية لا يقتصر على الفعاليات المقامة فى تلك المناسبات، لما لها من أثر فى وجدان الشعوب والتأثير على الولاء والانتماء للأوطان، الأمر الذي جعلها هدفًا لتشويه تاريخ الشعوب واستهداف قيم الولاء والانتماء بالتشكيك فى تلك الأحداث، إما بهجمات لتشويه الصورة أو بتغيير المفاهيم والمسميات لتتحول المناسبات الوطنية بعد فترة إلى مجرد حدث عابر فى تاريخ الوطن.

وتستهدف هذه المحاولات تحويل نقاط القوة فى تاريخ الأوطان إلى حالة جدلية بين مؤيد ومعارض ومع تقادم الزمن وغياب شهود الأحداث يصبح من السهل رسم صور جديدة لتلك الأحداث.. إما بشكل مشوه أو بجعل الأحداث الوطنية تمر ذكراها دون التأثير فى وجدان الشعوب أو تجديد حيويته وروحه الوطنية.

وتتجدد تلك الهجمات بين الحين والآخر معتمدة على بعض الشخصيات مستهدفين التاريخ الوطني للدولة مشككين فى قادة الأحداث أولًا ثم ينسحب الأمر بعد ذلك على الحدث ذاته، فيتم خلق حالة من انعدام الثقة فى التاريخ الوطني للدول.

إنها أحد أدوات الحرب التي تستهدف تزييف وعي الشعوب وتحويل الأحداث الوطنية إلى مجرد تاريخ.

(1)

مع احتفال مصر بالعيد الـ69 لثورة يوليو المجيدة تتجدد الهجمة ويحاول بعض الباحثين عن الشهرة أو أعداء الوطن النيل من رموز الثورة ومحاولة تغيير المفاهيم مستغلين آفة حارتنا، كما قال نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان» وهنا يكمن الخطر.

فقد حاولوا النيل من الثورة عندما أطلق البعض منهم، وفى مقدمتهم يوسف زيدان تصريحاتهم مستهدفة الضباط الأحرار وهنا لن أتوقف عند تلك الشخصيات الباحثة عن إحداث حالة يستهدفون منها البحث عن مكان خاصة عندما يتحدثون عن حدث غير مجرى التاريخ ليس فى مصر وحدها بل غير وجه التاريخ فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية.

ودائمًا ما يحاول زيدان ومن على شاكلته أن يطرح رؤاه وأفكاره غير الدقيقة على هيئة تساؤلات، وهي فى الحقيقة ليست كذلك أبدًا، بل هي مفاهيم ورؤى يستهدف ترسيخها ورسم صورة جديدة بها حول رجال الثورة.

ولأن لكل ثورة رجالها، فقد كان الضباط الأحرار هم رجال الثورة والذين كانوا يحملون «الحلم الوطني» لتحرر الوطن من قيد الاستعمار، وأن ينعم أبناء الشعب المصري بخيرات وطنهم وموارد بلادهم.

وليست ثورة 23 يوليو 1952 فقط المستهدفة من قبل هؤلاء، ولكن أحداث وطنية كثيرة وشخصيات كان لها تاريخ وطني استهدفوا الخير لوطنهم، وقد أشرت فى عدة مقالات سابقة عن محاولات تشوية الثورة العرابية وكيف تم استهداف شخصية أحمد عرابي لتشويه رموز الوطن.

وكذلك محاولات التشكيك فى معارك الوطن الكبرى وانتصاراته.. وهو ما سوف أتعرض له فى أسابيع قادمة لما لمثل تلك المحاولات المسمومة من تأثير فى عقول الشباب وتؤثر فى تشكيل وجدانهم الوطني وتشويه صور الشخصيات الوطنية.

هنا وبمناسبة العيد الـ69 لثورة يوليو، أجدني أتوقف عند بعض النقاط للرد على التساؤلات التي أطلقها زيدان مستهدفًا بها التشكيك فى الدور الوطني للضباط الأحرار وهم الذين حملوا أرواحهم على أكفهم من أجل تحرير بلادهم.

وأتوقف عند نقطة طرحها زيدان قائلًا: “من يريد أن يحكم على ثورة 23 يوليو فلينظر كيف كنا قبلها وبعدها؟” وهو هنا لا يتساءل مستهدفًا استجلاء الحقيقة، لكنه يتسأل متهكمًا!

(2)

هنا لابد من أن يكون الرد بلغة قوية، ولأن لغة الأرقام دائمًا ما تكون أكثر دقة، بل وتعد كاشفة للأحداث، فقد كانت نسبة المعدمين من سكان الريف المصري تجاوزت الـ80% قبل عام 1952، ووصلت نسبة البطالة إلى نحو 46%، بينما حققت معدلات المرض أرقامًا قياسية حتى أن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا.

هذا هو حال الدولة المصرية قبل الثورة. بل أكثر من ذلك أن وزارة حسين سري باشا كانت تستهدف مشروعًا قوميًا لمقاومة الحفاء وتعهد فى خطاب العرش بأن يرتدى المصريون النعال فى أقدامهم مثل الدول المتقدمة.

وفى 2 مارس 1941 نشرت صحيفة الأهرام خبرًا عن تكوين لجنة مركزية برئاسة عبد الخالق بك حسونة، لوضع الخطط التفصيلية لشكل الحذاء المنتظر.

هكذا كان حال الدولة المصرية قبل يوليو 52 أما بعد يوليو 52 فقد أصبح المصريون هم أصحاب الأرض وزارعوها، وليسوا مجرد عمال وسية تذهب فى نهاية العام نتائج كفاحهم وعرقهم إلى جيوب الباشوات والمقربين من الأسرة الحاكمة.

أعود إلى لغة الأرقام فقد بلغ حجم النمو الاقتصادي 8% عام 1968 وأصبحت نسبة البطالة صفر بعد أن تم زيادة الرقعة الزراعية بنسبة 15% وزيادة مساحة الأرض المملوكة لصغار الفلاحين من 2.1 مليون فدان إلى 4 مليون فدان.

أُنشئت أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث لتصل إلى 1,200 مصنع منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية، تم إنشاء المصانع الحربية، زاد عدد الشباب الملتحقين بالتعليم بنسبة 300 %.

ارتفعت مساهمة الصناعة فى الناتج القومي بحسب تقرير البنك الدولي وبلغت نسبة النمو 7% فى الفترة من 57 إلى 67 وشُيِّد أكبر مجمع للألومنيوم بتكلفة بلغت 3 مليار جنيه، كانت الأولوية للصناعات الكيماوية والغزل والنسيج والصناعات المعدنية خاصة الحديد والصلب والأسمنت، ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك، ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية، وتوليد طاقة كهربائية من السد العالي تستخدم فى إدارة المصانع وإنارة المدن والقرى.

كما تم بناء المناجم فى أسوان والواحات البحرية، وأقيمت المصانع الحربية لسد حاجة الجيش المصري من الأسلحة والذخائر.

ونتيجة بناء تلك القلاع الصناعية فُتحت أبواب العمل أمام الملايين من أبناء مصر فى كل المجالات الصناعية والخدمية، وتمكن الاقتصاد المصري عام 1969 من تحقيق زيادة فى فائض الميزان التجاري لأول مرة فى تاريخ مصر بفائض بلغ 46.9 مليون جنيه.

انعكست النهضة الاقتصادية فى عهد الثورة على مستوى التعليم حيث انخفضت نسبة الأمية من 80% قبل 1952 إلى 50% عام 1970 بفضل مجانية التعليم فى كل مراحل الدراسة.

هذا جانب بسيط مما أحدثته ثورة يوليو 1952، بل حملت مشعل النور إلى المنطقة وكانت أيقونة التحرر من الاستعمار فى القارة الأفريقية والمنطقة العربية.

(3)

أما محاولات تشويه رموز الثورة أو النيل منهم فهي خطة ممنهجة لا تستهدف رموز ثورة يوليو فحسب، بل تستهدف كافة رموز الوطن لإفقاد المواطن الثقة فى رموزه وانعدام القدوة واستغلال ضعف المعلومات لدى البعض من أجل تقديم صورة مغلوطة وتشويه الحقيقة.

ومع بناء الدولة حرصت ثورة يوليو على بناء الإنسان، فأنشأت أول وزارة للثقافة جاء على رأسها الراحل ثروت عكاشة كأول وزير للثقافة والإرشاد القومي فى عام 1958، كما أُنشئت الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديمقراطي للثقافة، وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته القاهرة.

كما تم إنشاء أكاديمية الفنون التي تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والموسيقى والفنون الشعبية، بالإضافة إلى إنشاء دار الأوبرا، كما تمت رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية، والسماح بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل، بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية.

فى عام 1956 صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كهيئة مستقلة ملحقة بمجلس الوزراء، تسعى إلى تنسيق الجهود الحكومية والأهلية فى ميادين الفنون والآداب، وكان المجلس بهذه الصورة هو الأول من نوعه على المستوى العربي، الأمر الذي دفع العديد من الأقطار العربية إلى أن تحذو حذو مصر وتشكل مجالس مشابهة.

هذا غيض من فيض ما أحدثته ثورة يوليو المجيدة.. وهكذا قال الرئيس جمال عبد الناصر: “الوطن مش فرد ولا عدة أفراد.. الوطن تفاعل أجيال وتفاعل أعمال.. هذا الجيل الشاب كُتب عليه أن يتحمل تتبعات الكفاح لتحقيق آمال المستقبل، لقد جاء هذا الجيل فى موعده مع القدر ليكافح ويضمن من أجل نهضة مصر والأمة العربية كلها وبعون الله ستذوق حلاوة النصر ونجنى ثماره.”

إن محاولات تشويه الرموز لن تتوقف ولكن علينا أن نكون أكثر وعيًا لمواجهة تلك الهجمات الممنهجة التي تستهدف فقد الثقة فى رموز قدموا الكثير من أجل الوطن وكانو ويظلوا نماذج يُقتدَى بها.. فتحية فى ذكرى ثورة يوليو إلى أرواح الأبطال (الضباط الأحرار) الذين حملوا أرواحهم على أكفهم لإنقاذ وطنهم.