عقب انتصار أكتوبر 1973 وتوقيع اتفاقية السلام قررت الدولة المصرية تنمية سيناء لمواجهة أية محاولة للاعتداء على تلك البقعة المباركة من أرض الوطن، لكن مشروع التنمية واجهته الكثير من العراقيل، منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وحتى أحداث يناير 2011، التي أعادت سيناء مجددا إلى صدارة المشهد بعد أن استغلتها التنظيمات الإرهابية والعناصر التكفيرية وقوى الشر لتهديد الأمن القومي المصري.
ومن هنا بدأت مصر، وتحديدا منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، مواجهة الإرهاب في سيناء على مسارين متوازيين، الأول المواجهة الأمنية المسلحة؛ والثاني، بالتنمية.
اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء، في تلك السطور تحدث لـ «أكتوبر» عما آلت إليه الأمور في تلك البقعة الغالية من أرض مصر، وكيف خططت الدولة لتنميتها.
أجرى الحوار: محمد أمين
فى البداية نود أن نطمئن من سيادتكم على الأوضاع الأمنية فى شمال سيناء؟
– الأوضاع الأمنية فى شمال سيناء مستقرة خاصة مع نجاح القوات المسلحة والشرطة فى دحر الإرهاب وإعادة الاستقرار، وتستطيع أن تسير بنفسك فى شوارع المدن والقرى بالمحافظة لتشاهد عودة الحياة الطبيعية، ونظرة على حجم المشروعات التنموية التى انتهت والتى يجرى العمل فيها، دليل على استقرار الأوضاع.
وهنا لا بد أن نوجه التحية لرجال الجيش والشرطة لما يبذلونه من جهود للحفاظ على الأمن القومى المصرى.
تختلف الصورة فى شمال سيناء على أرض الواقع تماما عن صورتها التى تتداولها بعض صفحات مواقع التواصل؟
– مواقع التواصل الاجتماعى، من المؤكد لا تعبر دائما عن الحقيقة، والبعض يستغلها للترويج للأكاذيب وكما ذكرت لك من قبل، حجم المشروعات التنموية التى انتهى العمل بها، والأخرى التى يجرى العمل فيها خير شاهد على استقرار الأوضاع فى شمال سيناء، بعد أن كنا فى مرحلة من المراحل لا تجرؤ على السير منفردا فى الشارع.
ومجددا أجدها فرصة لتوجيه التحية والتقدير لزملائى فى القوات المسلحة والشرطة، الذين أخذوا على عاتقهم حماية البلد وتأمينها ونجحوا فى الوفاء بعهدهم، واليوم المحافظة تنعم بالأمان.
وهنا أيضا دعنى أقل لك إن هذه المحافظة رغم بعدها عن قلب الدولة إلا أن أى سلع موجودة بها لا تزيد أسعارها عن نظيرتها فى أى مكان فى مصر.
وعندما أزور القاهرة وأقوم بشراء بعض الاحتياجات اليومية الغذائية أجدنى سعيدا جدا عندما أجد أنها نفس الأسعار وأحيانا أقل فى العريش، بل إننى فى إحدى الزيارات لبورسعيد عقب انعقاد مجلس المحافظين تجولت فى الأسواق هناك ووجدت أن الأسعار بالعريش أقل منها.
التحدى الأهم
ما التحديات التى تواجهها محافظة شمال سيناء؟
– التحدى الذى يواجهنا فى شمال سيناء ويواجه مصر كلها هو تحدى كورونا، وما نتج عنها، وقد تم بالفعل اتخاذ العديد من الإجراءات فى شمال سيناء لمواجهة هذا التحدي، وأهم تلك الإجراءات، التطعيم باللقاحات المضادة للفيروس، وهو هدف قومى ومهمة استراتيجية أن نصل بالتطعيم إلى الجميع، خاصة العاملين بالعملية التعليمية، وفعلا وضعنا ثلاث أهداف رئيسية، الأول كل من يتعامل مع الطالب وهم (المدرس وكل من هم داخل سور المدرسة)، وهذا الهدف أنجزنا منه نحو 98 %، وقبل انطلاق العام الدراسى نكون أنجزنا 100% من المستهدف تطعيمهم.
أما الهدف الثاني، فيشمل الكيانات الإشرافية على العملية التعليمية مثل الموجهين والإدارات والمديرية، وأخيرًا الإدارات والمديريات والعناصر الإدارية.
وأؤكد على توفر اللقاحات للجميع، وهنا يجب أن نوجه الشكر لوزارة الصحة لما تقدمه من تعاون كبير مع المحافظة، إذ تم زيادة عدد النقاط الخاصة بتقديم اللقاحات للمواطنين.
خط دفاع
شهر أكتوبر شهر عزيز على كل مصري، لكنك كأحد أبناء القوات المسلحة وأحد أبناء النصر كيف تراه؟
– الحمد لله كنت أحد المشاركين فى حرب أكتوبر 73 وكنت أخدم فى وحدات الصاعقة والجميع يعرف طبيعة عمل الصاعقة؛ وإذا كنت أديت واجبى فى الحرب فأنا أعتبر نفسى ما زلت مقاتلا فى سيناء لأن 75 % من حياتى العملية قضيتها فى تلك البقعة الغالية من أرض مصر وأحمد الله على ذلك.
ونحن دائمًا نؤكد أن هذا قدر أن تكون سيناء هى خط الدفاع الأول الشرقى للدولة المصرية وقدر أبناء سيناء على وجه العموم وشمال سيناء على وجه الخصوص أن يكونوا خط الدفاع الرئيسى عن مصر منذ آلاف السنين بداية من الهكسوس والصليبيين، حتى العصر الحديث فى حروب 56 و67 وانتهاء بنصر 73، وأنتهز الفرصة لكى أحيى الشهداء سواء من رجال القوات المسلحة أو أهالى سيناء وأؤكد دائما أن كل حجر فى أرض الفيروز له قصة مع أهالينا فى سيناء.
أمس واليوم
توليت مسئولية محافظة شمال سيناء مرتين.. ما الفرق بينهما؟
– توليت محافظة شمال سيناء فى 2008 ثم جنوب سيناء 2010 ثم شاءت الأقدار أن أعود لشمال سيناء 2018، ومؤكد أن هناك اختلافا بين المرتين فى طبيعة العمل، فالمرة الأخيرة كانت محافظة شمال سيناء تعانى من تداعيات الإرهاب، والآثار السلبية للأوضاع السياسية التى مرت بها مصر منذ 2011، وما ترتب عليها والتى كان لشمال سيناء فيها نصيب كبير من المعاناة نتيجة الإرهاب.
والآن نحن نركز على المشروعات الزراعية ومشروعات التعدين بالإضافة إلى البنية التحتية والإسكان والتعليم والصحة كما أننا نستهدف توطين 3 ملايين و500 ألف مواطن من أنحاء الجمهورية إلى شمال سيناء وبالمخطط الذى عملناه سنحقق أكثر من ذلك.
وخلال العام المقبل وبالتنسيق مع فضيلة الإمام الأكبر سنضع حجر الأساس لأول كلية أزهرية فى العريش.
زراعة البشر
هناك عدد كبير من مشروعات التنمية التى تشهدها شمال سيناء، منها العمل فى بحيرة البردويل و المدن السكانية الجديدة واستصلاح الأراضى وغيرها.. ما نسبة الإنجاز فى تلك المشروعات؟
– بالنسبة لمحور الزراعة، هناك ثلاثة اتجاهات نعمل عليها، الأول التجمعات التنموية وهى مخصصة لأهالى شمال سيناء ومواطنى مصر، الذين من حقهم التقدم للمشروع، للحصول على بيت وخمسة أفدنة مع إمكانية زيادة خمسة أخرى ليصبح للمواطن 10 أفدنة.
هذا البيت والخمس فدادين بالعامية «تسليم مفتاح» بمعنى أن المواطن سيتسلم البيت جاهزا تماما للسكن، والأرض الزراعية، بها شبكة رى كاملة، وما على المواطن إلا وضع الشتلات ورعايتها.
كما نعمل حاليا على حفر العديد من الآبار لتوفير مياه الرى للزراعة، وإن كنا نواجه مشكلة فى بعض الأماكن خاصة فى وسط سيناء حيث يصل عمق البئر إلى ١٢٠٠ متر، وبالتالى ترتفع تكلفته لتتراوح ما بين ٧ إلى ١٠ ملايين جنيه للبئر الواحدة نعمل بالتوازى، على مشروع عملاق للزراعة بالمياه المعالجة، ولدينا محطة رئيسية لمعالجة مياه «بحر البقر» افتتحها الرئيس خلال الأيام الماضية، هذه المحطة تخرج مياهًا للزراعة بقدرة 5.6 مليون متر مكعب فى اليوم لكى يتم استصلاح الأرض فى وسط وشمال سيناء وزراعتها، ويجرى حاليا تركيب الشبكات الرئيسية لـ ٢٧١ ألف فدان كمرحلة أولى وتقوم به الهيئة الهندسية لتوصيل المياه المتيسرة من «محطة معالجة بحر البقر» كمرحلة أولى، بينما ستتضمن المرحلة الثانية 231 ألف فدان.
المحور الثالث بالنسبة للزراعة على ترعة السلام مخطط أن يتم زراعة 275 ألف فدان.
وإذا جاز التعبير وكانت هناك الدلتا القديمة ثم الدلتا الجديدة التى أطلقها الرئيس السيسي فى منطقة الغربية.. أنا بقول إن الدلتا الثالثة العملاقة هى دلتا سيناء إن شاء الله من خلال زراعة آلاف الأفدنة.
هل هذا تطبيق لاستراتيجية زراعة سيناء بالبشر؟
– تماما، ونحن فى التجمعات التنموية، لا نعتمد على أهالى سيناء فقط، فى تسكينها بل المصريين ككل، من مختلف محافظات مصر بحيث إن كل منطقة مثلا مكونة من ٢٠ ألف فدان أطلق عليهم اسم محافظة، كالشرقية أو الدقهلية بحيث إن محافظات مصر كلها تكون موجودة.
أعتقد أن التجربة التى تم طرحها هل بدأت تأتى ثمارها خاصة مع وجود إقبال كبير جدا من المواطنين؟
– دعنا فى هذا الأمر نعيد الفضل لأهله، وهو الرئيس عبد الفتاح السيسي، فعندما عرضنا عليه المشروع، عرضنا تقديم منزل و١٠ فدادين لكل مواطن، لكنه طلب أن تكون المساحة خمسة فدادين ليزيد عدد المستفيدين من المشروع.
شهرة عالمية
لأسماك البردويل شهرة عالمية «تريد مارك» ماذا حدث بشأن تطوير البحيرة؟
– فى الوقت الذى نتحدث فيه حاليًا موجود فى قلب البردويل أربع كراكات من هيئة قناة السويس تعمل على القنوات الشعاعية داخل البحيرة، وأنا أتابع الموضوع كاملا وفى انتظار كراكة عملاقة بحيث يتم التطهير من داخل البحر، وباكتمال تطهير الشعاعات الداخلية والتطهير من البحر إن شاء الله، ستشهد بحيرة البردويل تطورا كبيرا يترجم إلى زيادة فى كميات الأسماك بالسوق المصرى.
وأيضا باعتبار بحيرة البردويل «علامة مسجلة دوليا» فى عالم الأسماك يمكننا أن نعيد التصدير من إنتاجها لتعود كما كانت فى سابق عهدها.
مجتمعات جديدة
محافظة شمال سيناء لها نصيب كبير من عدد المدن الجديدة التى تنشأ.. ما حجم الإنجاز فى تلك المشروعات؟ وما هو المستهدف؟
– لدينا حاليًا ثلاث مدن جديدة، تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية، الأولى مدينة السلام وتوجد فى الحدود الغربية لمحافظة شمال سيناء وهذه المدينة أنجزت بنسبة تتراوح بين 60 و70%.
المدينة الثانية بئر العبد الجديدة وتعتبر منطقة سياحية بامتياز تشبه العلمين.
أما المدينة الثالثة والتى اعتبرها شخصيا هى القمة، هى مدينة رفح الجديدة، وأصدر الرئيس القرار بإنشائها على مراحل، وتم بناء ٤١ عمارة تم تشطيبها بنسبة 100%، ثم ٤٣ عمارة تم تشطيبها بنسبة 76% ومنذ حوالى شهر بدأنا نبنى ١٨٨ عمارة مرحلة ثانية والوضع الطبيعى هو إنشاء ٢٦٠١ عمارة سيتم بناؤها فى رفح، هذا بخلاف البيوت البدوية الخاصة بأهلنا البدو والتى يفضلون التواجد بها وعددهم ٤٠٠ بيت بدوى سيتم إنشاؤها.
ونحن نقوم بكل ذلك من أجل أهلنا الذين أضيرو من العمليات الإرهابية فى مدينة رفح ليعودوا إلى أماكنهم مجددا، وخلال عام إلى عامين سيتم تسليم المرحلة الأولى.
ثروة تعدينية
حجم البنية التحتية بوسط سيناء يبدو ضخما جدا خاصة بحجم الطرق والمحاور فهل نشهد مشروعات أخرى؟
– كما ذكرت فإن سيناء جغرافيا تنقسم لثلاثة قطاعات شمال ووسط وجنوب؛ القطاعان الأول والثانى يتبعان محافظة شمال سيناء، والجنوب محافظة مستقلة.
وقد شهدت سيناء ككل بشمالها وجنوبها، عمرانًا، ولكن كانت أفقر منطقة فى سيناء هى منطقة وسط سيناء، هذا الفقر جعل الحياة فى وسط سيناء صعبة، وأيضا جعلها بيئة لبعض المخالفات والممارسات غير القانونية، على الرغم من ثراء تلك المنطقة بالثروات التعدينية، حيث يوجد بها ١٦ مادة محجرية ذات جدوى اقتصادية مهمة.
ولذا أؤكد أن المستقبل لوسط سيناء، ولذلك ركزت الدولة فى هذا الأمر، وجعلنا السنتر الرئيسى الخاص بالتنمية مدينة «نخل» وما حولها.
وتدير القوات المسلحة مصنعا للرخام فى منطقة «الجفجافة»، وآخر للأسمنت، كذلك لدينا منطقة للصناعات الثقيلة فى منطقة بغداد، وهذه المشروعات تعد حجر أساس لنهضة تعدينية كبرى ستكون نقلة نوعية كبيرة لأبناء وسط سيناء.
محافظة شمال سيناء تأتى ضمن المرحلة الحالية الخاصة بمشروع التأمين الصحى الشامل فماذا بشأن التجمعات البدوية وكيف ستصل إليهم الخدمة الصحية؟
– بالتأكيد طبيعة كل مكان تختلف فى آلية تقديم الخدمة الصحية، ففى وسط سيناء على سبيل المثال نعتمد على القوافل الطبية، ونحن فى شمال سيناء لدينا ثلاث محاور رئيسية، الرئيسى هو الشريط الساحلي، ثم المحور الأوسط الطريق الأوسط الذى يبدأ من الإسماعيلية وحتى العوجة ثم بعد ذلك، الطريق الجنوبى يبدأ من نفق الشهيد أحمد حمدى فى السويس وحتى رأس النقب.. هذه المحاور المترامية تتطلب جهدا كبيرا لتوفير الخدمات لها، ولذلك نعمل بجد فى هذا الاتجاه، فتم إنشاء مستشفى «نخل المركزى» ويخدم الطريق الجنوبى والطريق الأوسط ثم مستشفى العريش ومستشفى بئر العبد يخدم الطريق الساحلى الشمالي، بالنسبة لأهالينا فى وسط، عن طريق القوافل الطبية بالإضافة إلى وجود المستشفى بالإضافة إلى وجود الوحدات الصحية يعنى ليست لدينا قرية من القرى الرئيسية لم يتم تغطيتها صحيا، بالإضافة إلى الخدمة الصحية فى الحسنة ونخل والوحدات الصحية تقدم مستوى طبيًا متميزًا بالإضافة للمستشفيات.
ماذا بشأن جامعة العريش وعدد الكليات التى ستضاف إليها لتصبح جامعة مكتملة؟
– لدينا جامعتان فى محافظة شمال سيناء، الأولى جامعة سيناء الخاصة، والثانية جامعة العريش الحكومية، التى دخل فيها ١٠ كليات ومنتظر خلال الأيام المقبلة، إضافة كليتين جديدتين، هما تكنولوجيا ونظم المعلومات وكلية الطب.
وبالطبع وجود كلية الطب كان شرطا أساسيا لوجود مستشفى، فتم توقيع برتوكول بين وزارة الصحة وجامعة العريش بأن تستخدم مستشفى العريش كمستشفى تعليمى «جامعي»، ما يعنى ارتفاع مستوى الخدمة الصحية المقدمة للمواطن لأن الكادر التعليمى فى كليات الطب يقدم خدمة طبية متكاملة وهى التى نبتغيها.
أضف إلى ذلك لدينا تطور كبير فى زيادة أعداد المدارس ضمن مشروع تطوير التعليم فالدولة حرصت على أن تكون هناك مدرسة فى كافة التجمعات السكانية بمحافظة شمال سيناء وذلك فى إطار حرص الدولة على تطوير المنظومة الصحية والتعليمية ضمن استراتيجية بناء الإنسان.
بيئة متفردة
وماذا عن القطاع الثقافى؟
– المجتمع السيناوى نهم للثقافة.. وهو شعب بطبيعته البدوية جاذب للآخرين لأن ثقافته تأتى من البيئة المتفردة، وقد كان أبناء شمال سيناء الأوائل فى كافة المسابقات الثقافية بكل أنواعها قبل توقف النشاط، وبعد عودته وافتتاح الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة لقصر ثقافة العريش وعودة النشاط، هناك تقدم كبير، فلدينا فرقة فنون شعبية متميزة، على مستوى مصر بالكامل، وقد حصلت على المركز الأول منذ شهر تقريبا خلال احتفالية فى جنوب سيناء.
وخلال احتفالات أكتوبر هناك تخطيط لتقديم العديد من الفعاليات، لكى نذكر أبناءنا وبناتنا بما كان من ملاحم فى المعركة، ولدينا فى شمال سيناء الكثير من التراث القديم القادر على إثراء ذاكرة الأجيال الجديدة.