متابعات
المؤسسة الدينية تنتصر فى معركة «المولد»
By amrأكتوبر 18, 2021, 21:02 م
937
يوم بعد الآخر يتأكد انتصار المؤسسة الدينية ممثلة فى الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف فى معركة الفكر التى خاضتها لمواجهة الأفكار والفتاوى المتشددة.
فهذه الفترة من كل عام كان يطلق عليها البعض «موسم التحريم السنوي»، وتبدأ معركة الحلال والحرام بين السلفيين والمؤسسة الدينية، لكن فى الفترة الأخيرة وتحديدا آخر عامين أو ثلاثة اختفت هذه النغمة، لدرجة أن الفتاوى التى يطلبها المصريون والتى تتعلق بالمولد النبوى أصبحت بصيغة كيف أحيى ذكرى المولد النبوى الشريف؟ وعن الصوم فى يوم مولد الرسول احتفالا به؟ وحكم شراء حلوى المولد؟ وسماع أغانى المديح؟
محمد أبو السول
قالت دار الإفتاء عن تأصيل الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، إن أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: «إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِى وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه الحاكم فى «المستدرك»، وقال عَقِبَهُ: [صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ] اهـ.. ورواه مسلم فى رواية طويلة عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ».
ولفتت دار الإفتاء، إلى أن هذا الحديث أصل فى الاحتفال والاهتمام بالمولد النبوى الشريف، حيث إنه صلى الله عليه وآله وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع فى تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهى معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبي، ووجوده بين أظهرنا، وهدايتنا لشريعته، مما تقره الأصول.
قراءة القرآن
وأضافت دار الإفتاء، أنه كان الاحتفال هنا من قبل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منصبًّا ومبنيًّا على أصغر وحدة بنائية فى الزمن الكامل، وهو اليوم، فلم يصم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة فى السنة، ولا مرة فى الشهر، ولكن نفس اليوم، كل يوم اثنين، وبالتالى كان صيام ذلك اليوم مرات كثيرة جدا، الله أعلم متى بدأها سيدنا النبى عليه الصلاة والسلام من عمره الشريف.
وشددت على أن المظاهر الدينية للاحتفال بذكرى مولد النبى الشريف؛ كقراءة القرآن الكريم، وتلاوة السيرة العطرة، وإحياء مجالس الصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم، والإنشاد والتغنى بمدائحه الكريمة وشمائله العظيمة، كل ذلك جائز ومستحب شرعًا.
وقالت الدار موجهة كلامها لجمهور المسلمين: «احتفلوا بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحيوا سنته ولا تلتفتوا إلى من يحرم ذلك، فالسنة النبوية ذكرت الكثير من الأدلة على أن الصحابة الكرام كانوا يحتفلون بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم مع إقراره لذلك وإذنه فيه، فعن بُرَيْدَةَ الأسلمى رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فى بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداءُ فقالت: «يا رسول الله، إنِّى كنت قد نذرت إنْ ردَّكَ الله سالمًا أن أضربَ بينَ يَديْكَ بالدَفِّ وأتغنَّى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إن كنت نَذرت فاضربي، وإلا فَلا».
وأوضحت: «النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتفل بميلاده الشريف، وسنَّ لنا بنفسه الشريفة الشكرَ لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صحَّ عنه أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول: «ذلك يومٌ ولدتُ فيه» رواه مسلم من حديث أبى قتادة رضى الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفة».
وتابعت: «جماهير العلماء سلفًا وخلفًا منذ القرن الرابع الهجرى أجمعوا عَلى مَشروعية الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، بل ألَّف فى استحباب ذلك جماعةٌ من العلماء والفقهاء، وبَيَّنوا بالأدلة الصحيحة استحبابَ هذا العَمل، بحيث لا يبقى لمن له عقلٌ وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، فقد كانوا يقومون بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نص على ذلك غيرُ واحد من المؤرخين مثل الحافظَين ابن الجوزى وابن كثير، والحافظ ابن دِحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطى رحمهم الله تعالى».
وقالت: «مما يلتبس على البعض دعوى أن النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة رضى الله عنهم والسلف الصالح فى القرون الثلاثة الأولى الفاضلة لم يقوموا بالاحتفال بالمولد النبوى كأمثال هذهِ الاحتفالات اليوم، وهذه الدعوى غير صحيحة؛ لأنه لا يشك عاقل فى فرحهم رضى الله تعالى عنهم بمولده صلى الله عليه وسلم، ولكن للفرح أساليب شتى فى التعبير عنه وإظهاره، ولا حرج فى الأسَاليب والمسالك؛ لأنَّها ليست عبادة فى ذاتها، فالفرح به صلى الله عليه وسلم عبادة وأى عبادة، والتعبيرُ عن هذا الفرح إنما يكون بأى وسيلة ما دامت مباحة».
وشددت على أن سلفُنا الصالح دأب على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما نصَّ على ذلك غيرُ واحد من المؤرخين مثل الحافظَين ابن الجوزى وابن كثير، والحافظ ابن دِحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطى رحمهم الله تعالى.
واختتمت الدار بأن الأقوال التى تحرم على المسلمين الاحتفال بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم والتعبير عن سرورهم بمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بشتى وسائل الفرح المباحة فإنما هى أقوال فاسدة وآراء كاسدة، لم يُسْبَقْ مبتدعوها إليها، ولا يجوز الأخذُ بها ولا التعويلُ عليها.
نبى الرحمة
كما احتفلت وزارة الأوقاف بالمولد النبوى على طريقتها حيث أطلقت مبادرة «نبى الرحمة» بفعاليات واسعة، بالتزامن مع الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، بقصد التذكير بجوانب الرحمة الواسعة فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وفى سيرته وسنته وفى ديننا الحنيف.
وصاحبت هذه المبادرة تلاوات قرآنية وابتهالات دينية ومسابقات ثقافية وإصدار عدد خاص من كل من مجلة منبر الإسلام ومجلة الفردوس، اللتين يصدرهما المجلس الأعلى للشئون الإسلامية حول تلك المعانى السامية والجوانب الأخلاقية الراقية فى حياته وسيرته وسنته صلى الله عليه وسلم.
الحلوى
كما نظم المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف فى ضوء المبادرة، معسكرًا تثقيفيا مشتركا للأئمة والطلاب الوافدين بالإسكندرية، تحت عنوان: «النبى القدوة»، وتضمن البرنامج التدريبى للمعسكر جوانب علمية وثقافية وأخرى لزيارة المعالم السياحية والأثرية بالمحافظة، بالإضافة إلى مسابقة «الأخلاق الكريمة» للأئمة والواعظات وغيرهم، وتضم 20 سؤالا، مع جوائز قيمة للفائزين.
وقال د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن المولد النبوى الشريف ليس حراما والاحتفال به جائز، وللاحتفال بالمولد النبوى أصل فى الشريعة الإسلام، حينما سُئل النبى صلى الله عليه وسلم عن صومه يوم الإثنين، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه».
وأضاف أنه فيما يخص حلوى المولد وتناولها ليس مُحرما وحلال أكلها احتفالًا بالنبي، خاصة وأن الله عز وجل شرع بعدم منع زينته، موضحا أن التيار السلفى يحاول تعكير فرحة وصفو المصريين كل عام.
وقال الشيخ على وصفى، من علماء الأزهر الشريف: «إن النبى صلى الله عليه وسلم احتفل بمولده الشريف وكذلك العلماء الأجلاء الأفاضل ومن بينهم الإمامين السخاوى والشافعي»، مشيراً إلى أن هناك أمورًا مستحبة لإحياء ذكرى النبى صلى الله عليه وسلم من شأنها أن تبرهن للعالم أجمع من أتباعه صلى الله عليه وسلم فى إحياء ذكرى المولد النبوي.
وأوضح أن من بين هذه الأمور المستحبة من أن يكون المسلم متبع لسنته، أن يصل الرحم، أن يعيد المسلم المرضى، أن يجبر بخاطر الناس، أن يقف بجوار المرضى ويكون عوناً لهم، أن يقف بجوار المستضعف، أن يعطف على الجائع والفقير والمساكين.
وعن حكم شراء حلوى المولد؟، قال إن هذه الحلوى ليست من قبيل الأصنام كى يحرمها البعض فى الاحتفاء والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، مؤكداً أن من يحرمون يعيشون خرافات ويستخفون بعقول الناس ويفترون على النبى صلى الله عليه وسلم.
ولفت وصفى إلى أن الاحتفال بالمولد نوع من إظهار نعم الله تبارك وتعالى علينا، موضحاً أن هناك فارقًا بين الأصنام التى كانت تعبد من دون الله تعالى فى وقت من الأوقات وبين حلوى يشتريها الناس فى مصر وغيرها من دول العالم الإسلامى ولم نر أو نسمع عن أحد عبدها.
وشدد على ضرورة الاعتدال فى شراء الحلوى وألا يشق الناس ويسرفون فوق الطاقة والقدرة من أجل المواسم وغيره، مطالباً بضرورة احترام التخصص وعدم فتوى الناس بغير علم فالله سبحانه وتعالى يقول «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».
المديح
وعن الاحتفال بالإنشاد المصاحب للموسيقى، فيؤكد الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن المصريين لهم عادات تختلف عن بعض البلدان فمظاهر الاحتفال بالمولد النبوى فى مصر متعددة وتأخذ صورا شتى، لكن الملاحظ أن الكل يتفق على المديح من بلاد الشام إلى المغرب العربى، فسماع المديح فى النبى صلى الله عليه وسلم، وذكر شمائله وصفاته الجميلة وأخلاقه التى كان عليها فهذا أمر محمود وغالبا لا تجد خلافا فى ذلك.
أما إلحاق الموسيقى بمديح الرسول صلى الله عليه وسلم فيه خلاف بين العلماء، وطالما الأمر فيه خلاف فلا ينكر الأمر على المخالف.