نجوم وفنون
المحكمة المزيد من الميلودراما المزعجة
By amrديسمبر 13, 2021, 17:21 م
1468
من حق مؤلفي الأفلام أن يختاروا نوعية المعالجات لموضوعاتهم، ولكن من حق المتفرج والناقد أن يقولا مشكلات هذه الإختيارات الفنية، فالنقطة الأهم ليست فى الموضوعات، وإنما فى طريقة معالجتها، وفي الشكل الذي تقدم به.
من هذه الزاوية، فإن من حق المؤلف أحمد عبد الله، وقد استهوته الدراما المستعرضة، التي تختار زمانا ومكانا محددين، لتحكي قصص عدد كبير نسبيا من الشخصيات، أن يواصل ذلك فى فيلمه «المحكمة»، بعد أن قدم فى هذا النوع من الدراما، أفلاما متتالية متفاوتة المستوى مثل «كباريه» و«الفرح» و«ساعة ونص» و«الليلة الكبيرة» وفيلم «200 جنيه»، وجاء الدور فى فيلمه الجديد على قاعة المحكمة وقضاياها وشخوصها، لكي يقدم عنها فيلما كاملا.
ومن حق المخرج أمحمد أمين أن يكمل المشوار مع أحمد عبد الله مخرجا لفيلم «المحكمة»، بعد أن أخرج له فيلم «200 جنيه»، وكان أمين قد اختبر نفسه بشكل أفضل فى الكوميديا، سواء فى أفلام لم يخرجها، واكتفى بكتابتها، مثل «أفريكانو» و«جاءنا البيان التالي»، أو بأفلام كتبها وأخرجها مثل « فيلم ثقافي» و«ليلة سقوط بغداد»، وإن كانت معالجاته الساخرة كانت، للأمانة، لأفكار لا تخلو من مأساة، كما ظهر ذلك بشكل أوضح فى «فبراير الأسود» (كتابة وأخراج)، كما كتب وأخرج عملا تراجيديا صريحا هو «بنتين من مصر».
لكن من حقنا، بالمقابل، أن نرى فى فيلمي الثنائي أحمد عبد الله مخرجا، ومحمد أمين مخرجا، وهما على التوالي «200 جنيه» و»المحكمة»، أعمالا تفتقر إلى التكامل والنضج فى المعالجة، وتنزلق مع الأسف إلى الميلودراما، رغم أهمية أفكارها وموضوعاتها، ورغم أن بعض شخصياتها كان يمكن أن تصنع أعمالا ممتازة وناضجة.
ومثلما تحول «200 جنيه» من تأمل أحوال شخصياته، إلى بكائية ميلودرامية مزعجة، فإن «المحكمة» يسرد مجموعة من أبرز القضايا التي تثير الجدل، وتحديدا سبع قضايا هامة، ولكنه يفعل ذلك على طريقة برنامج اجتماعي تليفزيوني قديم بعنوان «حياتي»، كان هذا البرنامج من أبرز برامج التليفزيون التي تمزج المشكلة ومناقشاتها، بمشاهد تمثيلية بسيطة ومباشرة.
لم يعد ينقص فيلمنا سوى استضافة من يناقش القضايا التي تم تمثيلها، بصورة ميلودرامية صاخبة فى معظمها، ليكتمل التشابه، وإذا كان صناع برنامج «حياتي» معذورين لأنهم يقدمون برنامجا بالأساس، وليس عملا دراميا، فما هو عذر عبد الله وأمين فيما شاهدناه من فيلم فيه عدد كبير من الممثلين؟ وما ذنب المتفرج أن تحاصره هذه المعالجة الكئيبة والتي لا تخلو من ثغرات واضحة دون أن تتيح له مسافة ليتأمل أو أن يخرج من المكان المغلق إلا للهروب بعد انتهاء المشاهدة؟
الميلودراما نوع من الدراما يعتمد على التأثير العاطفي المبالغ فيه باستخدام كل العناصر وخصوصا الموسيقى وأداء الممثلين، ويعتمد كذلك على تنميط الشخصيات، ويحفل أحيانا بالمصادفات، وتقال فيه الفكرة (أو المغزى الأخلاقي) من خلال الخطب المباشرة، وكل هذه الملامح حاضرة بدرجات متفاوتة فى معالجة «المحكمة»، مضافا إليها مسألة تكدس القضايا المطروحة: فهناك مشكلة التحول الجنسي فى قصة جميلة عوض، ومشكلة الأخذ بالثأر بكل كليشيهاتها القديمة ( قصة أحمد خالد صالح)، ومشكلة خيانة الزوجة ( قصة بطلتها يسرا اللوزي)، ومشكلة القتل الرحيم ( قصة غادة عادل مع أمها)، ومشكلة اغتصاب فتاة وقتلها (قصة أبطالها أحمد داش ومايان السيد وصــــلاح عبد الله)، ومشكلة ميراث بين الأقارب (قصــــة بطلتهـــا سلوى عثمــــان)، ومشكلة أغنيات الفيديـــو كليـــــــب الخارجة ( قصة بطلتها نجلاء بدر ) ، ومشكلة رجل متهم فى قضية تحرش ( قصة بطلها فتحي عبد الوهاب).
لعلك تلاحظ أننا أمام خليط غير متجانس من القضايا التي لا يجمع بينها سوى أنها معروضة أمام القضاء، مثل قضايا الثأر والخيانات الزوجية، تبدو وكأنها قادمة من أفلام عتيقة قديمة، بينما تبدو حكاية تحرش الرجل السوري بفتاة كقصة أفسدتها الصدفة، ولا يمكن تصديق ألا تحل إلا أمام القاضي، مع أنها كان يمكن أن تحل فى قسم الشرطة، وإنما هي الرغبة فى التأثير العاطفي المبالغ فيه، الذي ستجد له أمثلة كثيرة جدا، مثل موت أب حاول ابنه أن يتصل به لدفع الكفالة، ومثل تغير موقف الأبوين فى المحكمة فجأة بعد حديث ابنتهما المتحولة جنسيا أمام القاضي، ومثل شعور الأب بالذنب لأنه لم يمنح ابنته نقودا للتاكسي، فاغتصبها سائق ميكروباص، وطبعا معظم هذه التاثيرات تترجمها انفعالات أو بكائيات الممثلين، وموسيقى عمرو اسماعيل الصاخبة والحزينة، إلا مع بعض الإستثناءات فى الأداء، أبرزها أداء جميلة عوض الهاديء، وهي أفضل ممثلي وممثلات الفيلم على الإطلاق، مما نندهش ونتساءل: لماذا لم يقم المخرج بضبط أداء الممثلين بنفس الطريقة ؟ ولماذا بدت غادة عادل جامدة التعبيرات فى مشاهدها مع أمها حنان سيلمان أو فى مشاهد المحكمة بخلاف كل الممثلين والممثلات؟
ورغم أن أحمد عبد الله حاول أن يجعل من قضية الحكم على مغتصب الفتاة وقتلها محور البناء، إلا أن كثرة القضايا، وتفاوتها من حيث الأهمية والخطورة وعمق المعالجة، وفشل حكاية المحامي المرتبك (كريم عفيفي) الذي يبدأ قضيته الأولى، فى التخفيف من البكائيات، والمبالغات العاطفية، كل ذلك جعل النتيجة غير متوازنة، فانقسم الفيلم بين تقديم الشخصيات وملامح عنها، وبين مرافعات واتهامات وخطب فى قاعة المحكمة، وظهر تفاوت واضح بين حكايات اكتملت تقريبا قبل انعقاد المحكمة مثل قصة الثأر، ومغنية الفيديو كليب، والميراث.
كلها اختيارات فنية، ولكنها تعيدنا إلى سينما قديمة جدا، فى طريقة السرد والتأثير، ولن تكون فى صالح القضايا المطروحة.
الموضوع وحده لا يكفي، فالأهم هو المعالجة، وربما يكون من الأفيد أن يختار صناع السينما ما يجيدون فعلا، لا ما يزعجون الناس به.
هذا قرارهم وحدهم، وهذا رأينا سسنكتبه دائما، سواء أعجبهم أو لم يعجبهم