الرئيسية الاتصالات بعد التهديدات الأمريكية الأوروبية باستبعاد موسكو منه.. «سويفت» زلزال مالي يهدد أمن النظام العالمي
الاتصالاتسياسةشئون دولية
بعد التهديدات الأمريكية الأوروبية باستبعاد موسكو منه.. «سويفت» زلزال مالي يهدد أمن النظام العالمي
By amrمارس 06, 2022, 16:26 م
1689
وقف عامر شاردا، وعينه مثبتة على أقفاص الدجاج التي وضعها أمامه طلعت تاجر الجملة، بعد أن أخبره أن الفترة المقبلة ربما لن يجدوا أعلافا لإطعام وتربية الدجاج، لأن أمريكا وأوروبا سيخرجون روسيا من نظام «سويفت» المالي العالمي..
طلعت واصل حديثه الموجه لعامر بقوله: «الموضوع كبير العالم كله يريد عقاب روسيا بعد نزاعها مع أوكرانيا، وبالتالي ستحدث أزمة في الأعلاف لأننا لن نتمكن من استيراد الذرة»، ورغم أن عامر أو حتى طلعت لا يعرفون ما هو «سويفت»، لكنه بدا لهم على كل حال، عقوبة عظيمة ستتسبب لهم وللعالم كله في أزمة كبيرة، ما يفكر فيه عامر ومن قبله طلعت، هو ما فكرت فيه حنان، الأم لثلاثة أطفال وواحدة من الملايين المستفيدين من دعم الخبز، عندما ذهبت للفرن للحصول على حصة أسرتها اليومية من الأرغفة، واستمعت للحوار بين عرفة صاحب الفرن وأحد زبائنه عن نفس القضية وتأثيرها على استيراد القمح، وبالتالي حصة أسرتها من أهم جزء في طعامهم اليومي.
كتبت : علا عبد الرشيد
ولكن ما هذا «السويفت» الذي تسبب فى انشغال الجميع به، فعلى الرغم من كونه مصطلحا ليس غريبا خاصة على المتعاملين مع البنوك، إلا أن معناه أو وظيفته ليس معروفا وربما لم يتوقف أحدنا يوما ليتساءل عن ماهية هذا المصطلح ودوره ، وما هو ارتباطه بعقاب روسيا ولماذا وصفه البعض بـ «السلاح النووي المالي».
فى هذا يوضح، محمد عبد الوهاب، المحلل الاقتصادي والمستشار المالي للاتحاد العربي للتطوير والتنمية التابع لمجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، أن المقصود بـ «السويفت» الذي تهدد أوروبا بحذف روسيا منه بعد النزاع مع أوكرانيا، هو نظام دفع مالي إلكتروني عالمي، يعتمد على التشفير أو الترميز استحدث فى عام 1973 ليحل فى الاستخدام محل نظام التلكس المعمول به فى البنوك خلال هذا الوقت، لتسهيل حركة التدفقات النقدية العالمية ولجعلها أكثر سهولة وأمانا، واستخدم النظام رسميا فى عام 1977 بعضوية 200 دولة، والمقر الرسمي له جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك فى العاصمة البلجيكية بروكسل، ومنذ ذلك الوقت أصبح «السويفت» بمثابة العمود الفقري للنظام المالي العالمي، إذ تتضمن عضويته 11 ألف مؤسسة مالية (بنوك وأشباه بنوك) تغطي جميع دول العالم، ويصل متوسط عدد العمليات اليومية من خلاله قرابة الـ 42 مليون مستخدم، ارتفع هذا العدد إلى 50 مليون عملية خلال العام الماضي الذي أعقب العام الذي سبقه 2020، وعانى منه العالم إغلاق كورونا، بمعدل نمو قدره 11.2 %.
آلية ربط
وعن آلية عمل الـ «سويفت» يشير عبد الوهاب إلى أن النظام مستخدم للربط بين البنوك والمؤسسات المالية داخل حدود الدولة وخارجها حيث لا تستطيع إجراء أي عمليات تحويل أموال بدون الحصول على كود السويفت المكون ما بين 8 إلى 11 رقم من اليسار 4 خانات تمثل رمز المؤسسة المالية ثم خانتان اسم الدولة وخانتان اسم المدينة ثم اسم البنك أو رمز الفرع، والتلويح بالطرد منه يعنى الحرمان من آلية التداول العالمية للأموال، متابعا: تم التلويح سابقا باستخدام آلية الطرد خارج ذلك النظام كنوع من الردع الاقتصادي القاسي فى 2014 أثناء حرب شبه جزيرة القرم، وتم استخدامه فعليا خلال الفترة ما بين 2012 و2016 كعقوبة على إيران .
وأكد أنه إذا ما استخدمت القوى الكبرى تلك العقوبة الاقتصادية ستضع الحكومة الروسية واقتصادها فى مأزق وسوف تصيبه بالشلل خاصة وأنه يأتي فى المرتبة الثانية من حيث عدد مستخدمي النظام عبر 300 مؤسسة مالية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، مستطردا: ولكن هذا التصور يكون صحيحا فى حالة أن روسيا لم تنتبه لذلك ولم تستعد.
استعداد روسيا
وفى رأى عبد الوهاب أن موسكو استعدت لتلك العقوبة، إذ أطلق البنك المركزي الروسي نظام مشابه لـ «سويفت» فى 2014 باسم «SBFS»، وأعلنت أن عدد الدول المشاركة فى النظام والتي تتعامل من خلاله بلغت 23 دولة من الدول الحليفة صاحبة المصالح المشتركة، ووفقا للبنك المركزي الروسي، فإن عدد المراسلات على هذه الشبكة بلغ نحو مليونين فى 2020 أي حوالي خُمس حركة التراسل الداخلية الروسية ويستهدف «المركزي الروسي» رفع النسبة إلى 30 % فى 2023.
واستطرد: هذا إلى جانب إطلاق الصين الحليف الاستراتيجي لروسيا نظاما ماليا خاصا بها فى عام 2015 باسم «CIPS» وتم الإعلان عن الربط الفعلى بين النظامين فى 2019، متوقعا أن روسيا وحلفائها استعدوا بشكل جيد للمعركة الاقتصادية التي دوما ما تلوح بها أمريكا والدول الأوروبية.
وأكد على أن النظام الاقتصادي العالمي سوف يشهد تغيرا كبيرا فى المرحلة المقبلة، ولن تفلح أمريكا الضعيفة صاحبة اليد المرتعشة وأوروبا العجوز لن تفلح صرخاتهم فى مواجهة موجة التغيير القوى تلك ووجب عليهم الاستعداد للنظام العالمي الجديد ووجب علينا أن نحدد على أي طرف يجب أن نكون وفق مصالحنا وأهدافنا الاستراتيجية.
مزايا النظام
وخلال نقاش بين أحمد الطالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وصديقه أيمن الطالب فى كلية التجارة عن تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية، تساءل الأخير، هل تملك الولايات المتحدة، وأوروبا إخراج روسيا من «السويفت»، عن هذا السؤال أجاب الخبير المصرفى، د.أحمد شوقي بقوله: أي نظام مالي فى العالم، لابد وأن يتمتع باستقلالية تامة، بعيدا عن «التسييس»، يفقد هذا النظام مصداقيته وقوته بخروج بعض أطرافه، ومن ثم فإن خروج روسيا من هذا النظام سيؤثر سلبا على استقراره.
وأضاف: «السويفت» شبكة دولية لاستلام وتسليم المعاملات المالية، أهم مميزاته السرعة والأمان والموثوقية، فإذا فقد أحد مزاياه سقط وتطلب الأمر نظاما بديلا.
أكبر الخاسرين
وأكد شوقي، أن أكبر الخاسرين من خروج روسيا من «السويفت» لن يكون روسيا، وإنما ستكون الولايات المتحدة، موضحا أن تسوية 60 % من معاملات العالم تتم بالدولار، ومن مصلحة واشنطن أن يظل هذا الوضع قائما، وبالتالي فإن خروج روسيا ومن قبلها الصين التي تقف رأسا برأس أمام الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى تقريبا، من نظام السويفت وتفكيرهم فى تفعيل خططهم البديلة بقوة عنه، يفقد الولايات المتحدة جزءا كبيرا من سيطرتها وهيمنتها كقوة عظمى على العالم، مستطردا: وبالتالي فمهما بلغت العقوبات التي ستفرضها أوروبا أو الولايات المتحدة على روسيا فلن تصل لحد الاستبعاد من «السويفت».
البنوك الإلكترونية
ورأى أن روسيا يمكنها تفعيل استخدام الشيكات من خلال البنوك الإلكترونية التي يتم تسوية تعاملاتها دون المرور على شبكة «السويفت»، موضحا أن حجم عمل تلك البنوك حتى الآن صغير، ولكن تهديد الدول بالاستبعاد من «السويفت» يمكن أن يؤدي لتنشيط عمل تلك البنوك .
واختتم الخبير المصرفى، بقوله: 40 % من استهلاك الغاز فى أوروبا روسي، وبالتالي لابد أن تظل موسكو جزءا من «السويفت»، لتستمر فى ضخ غازها إلى القارة العجوز، وبالتالي فالحديث عن عقوبات بالاستبعاد تهديدات لن تخرج عن كونها فرقعات إعلامية كالتقرير الذي بثته «رويترز» منتصف الأسبوع الماضي، بشأن قرار أصدره حلفاء غربيون بفصل مجموعة «مختارة» من البنوك الروسية من «سويفت» دون أن تفصح عن أسماء بنوك بعينها .
مزيد من الابتكار
وفى تفاصيل تقرير «رويترز»، الذي أشار له د. أحمد شوقي، قال إدوارد فيشمان خبير العقوبات الاقتصادية فى مركز أوراسيا بمجلس الأطلسي فى تغريدة على تويتر، إنه إذا شملت العقوبات أكبر بنوك روسيا مثل «سبير بنك» و«فى.تي.بي» و«جازبروم بنك» فسيكون أثرها «هائلا جدا»، فيما أكد البنكان الأول والثاني، أنهما مستعدان لأي تطورات.
وقال خبير إن قرار استبعاد بعض البنوك من شبكة سويفت وليس كلها قد يدفع بعض الكيانات الروسية إلى التحول لبنوك ومؤسسات كبرى متعددة الجنسيات غير خاضعة للعقوبات، ومثل هذا التحول قد يسبب مشكلة للبنوك العالمية.
وقال كيم مانشستر الذي تقدم شركته برامج تدريب على الاستخبارات المالية للمؤسسات «هو فعلا خنجر فى قلب البنوك الروسية»، مستطردا: لكن من الممكن التخفيف من حدة التداعيات إذا اقتصرت البنوك المعنية على البنوك المفروض عليها عقوبات بالفعل وأتيح للبنك المركزي الروسي وقتا لنقل أصول لجهات أخرى حسب ما قاله مصرفى روسي كبير سابق اشترط عدم نشر اسمه.
وأضاف أن الحظر سيجبر البنوك الروسية على مزيد من الابتكار فى التواصل مع النظام المالي.
قبول غير كاف
يتفق ما ذهب إليه «مانشستر» مع رأي الخبير الاقتصادي المصري د.ناصر عبد المهيمن، الذي يرى أن عملية حجب روسيا عن النظام المالي «سويفت» كإجراء عقابي، ما زالت لا تحظى بقبول كاف بين كافة أعضائه الأوربيين والأمريكان وغيرهم، وهذا يوضح خطورة القرار، فمثلاً يواجه القرار مخاوف ألمانية، إذ أكدت برلين على ضرورة دراسة وتحليل ما يحدثه القرار من آثار بقولها «نفكر فى العواقب»، فى حين أعلنت دول مثل فرنسا وبريطانيا تأييدها للقرار، مستطردا: «وعليه، فإن إعلان البيت الأبيض، بالتنسيق مع المفوضية الأوروبية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا، استبعاد بنوك روسية من نظام «سويفت» البنكي الذي يربط آلاف المؤسسات المصرفية حول العالم. سيجعل من الصعب تحويل الأموال داخل أو خارج روسيا، مما يؤدي إلى صدمة للشركات الروسية وعملائها الأجانب، وخاصة مشتري صادرات النفط والغاز المقومة بالدولار الأمريكي.
وعن تجربة العقوبات على روسيا أسوة بما تم مع إيران فى 2012، رأى د. ناصر عدم جدوى الاستشهاد بتلك الواقعة، نظراً لاختلاف ثقل كل من روسيا وإيران اقتصادياً وعسكرياً، مضيفا: «أود التأكيد على أن عزل البنوك الروسية من نظام «سويفت» للمدفوعات الدولية سيوجه ضربات موجعة للاقتصاد الروسي؛ إلا أنه سيلحق أذى كبيراً بشركائها ومؤسساتهم فى الوقت ذاته.
عائق التجارة
الحيرة والقلق اللذان سيطرا على حنان، ومن قبلها عامر وطلعت، والملايين من المصريين بشأن تأثير الصراع الروسي – الأوكراني، على مصر، أثار تساؤلا يبدو مشروعا، هل يمكن لمصر الانضمام إلى النظم الروسية البديلة؟، يجيب د. نصر بقوله: تعتبر مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، وبالرغم من أن القاهرة بدأت فى شراء القمح من موردين آخرين، لا سيما من رومانيا، فقد استحوذت روسيا على نحو 50% من وارداتنا من القمح فى عام 2021.
وأضاف: مع عزل روسيا من الـ «السويفت» سيكون على القاهرة اتباع ما ستطبقه البنوك الروسية من نظم بديلة للتعامل، إلا أنني أرى أن هذا قد لا يكون متاحا فى وقتنا الحالي، خاصة وأن العمليات الحربية المستمرة الآن بين الجانبين الروسي والأوكراني تعتبر عائقا أمام تنفيذ العمليات التجارية نظراً لتعليق العمل فى موانئ الدولتين، كما أن المخزون الاستراتيجي المصري من القمح يقترب من خمسة ملايين طن فى الصوامع أو المطاحن وهو يكفى لنحو تسعة أشهر.
شح متوقع
ورأى د. ناصر عبد المهيمن، أنه فى الفترة الحالية، أن كل من سيعتمد على النظم الروسية البديلة لسويفت سيتم النظر إليه على أنه مساند للجانب الروسي، لذلك تحتاج مصر لإيجاد مصادرَ جديدةٍ للقمح، وهذا لن يكون من السهل خاصة فى ظل الشح المتوقع فى السوق العالمي، وما ستشهده الأسعار من تقلبات حادة، فقد بدأت ملامح الأزمة الروسية الأوكرانية تظهر، حيث أعلنت منظمات روسية أن صادرات الحبوب الروسية سيتم تعليقها على مدى الأسبوعين المقبلين على الأقل، وقالت منظمة التجارة العالمية إن الأمر سيؤثر سلباً فى أسعار القمح بشكل كبير الفترة المقبلة، كما تم إلغاء مناقصة أخيرة للقمح بمصر فى
24 فبراير نظراً لمشاركة عدد ضئيل من المصدرين الرئيسيين، وذلك على الرغم من توافر أسواق بديلة لواردات القمح إلى مصر تشمل الولايات المتحدة وفرنسا ورومانيا وكازاخستان وألمانيا، كلها دول يتوافق إنتاجها من القمح مع المواصفات المصرية الخاصة بدرجة الرطوبة.