سيظل الجيش المصرى هو درع الوطن وسيفه وعمود خيمته الذى لا يتزعزع ولا تتغير عقيدته التى تستهدف الحفاظ على الدولة المصرية، ومواردها والذود عنها.
كان للجيش المصرى دور مهم خلال تاريخ مصر الحديث، ورغم أنه لم يشتغل بالسياسة إلا أن ابناء الجيش المصرى كانوا دائما متابعين بدقة شديدة ما يدور داخل الدولة المصرية، وما يحاك لها، وما يسعى الاحتلال لترسيخه بعد أن وهن الملك وانشغل بحاشيته، وما يدور فى قصره، وواصل الاحتلال وأعوانه استنزاف موارد الدولة المصرية، ولان يمين الولاء لمصر وليس لشخص.
كان لابد من تحرك الجيش لاسترداد الدولة (الضباط الأحرار)، فى ظل حكم حول الشعب إلى عبيد، كما كان الخديوى توفيق قد ذكر من قبل، ردا على مطالب الجيش والشعب التى قالها للزعيم أحمد عرابى:”إن انتم الا عبيد إحساناتنا” ورد عليه الزعيم أحمد عرابى ابن الجيش المصرى بجملته الشهيرة ” لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا .. فوالله الذى لا إله إلا هو لن نورث ولا نستعبد بعد اليوم ” واستجاب الخديوى.
منذ بداية عام 1952 تدهورت الحياة السياسية ولم تعد وزارة الوفد قادرة على مواجهة الأحداث بعد إلغاء معاهدة 1936م وما يترتب على ذلك من قيام القوات الإنجليزية بأعمال وحشية ضد المدنيين العزل فى البلاد دون أن تستطيع الوزارة وضع حد لها وتوالت على مصر أربع وزارات فى فترة لا تتجاوز ستة شهور دل ذلك على مقدار ما تعانيه البلاد من اضطراب سياسي واقتصادى وعجز هذه الوزارات عن مواجهة هذا الموقف.
لم يكن ضباط الجيش ببعيدين عن تلك الأحداث خاصة فى القاهرة والإسكندرية وفيما تعانيه البلاد من فساد ولم يجد هؤلاء الضباط سوى الاعتماد على النفس و الشعب المصري وحرصت خلايا الضباط الأحرار أن يكون لها ممثلون فى كل الأسلحة وفى كل المدن حيث كان لها ممثلون فى البحرية وفى سلاح الدفاع الجوى والطيران وغيرها من الأسلحة.
كانت ثورة يوليو في البداية حركة عسكرية قادها نفر من ضباط جيش مصر ضد فساد الحكم الملكي في 23 يوليو1952 وعرفت في البداية باسم “الحركة المباركة” ثم أطلق عليها ثورة 23 يوليو عقب حل الأحزاب السياسية واسقاط دستور 1923 في يناير 1953.
في أثناء وأعقاب الحرب العالمية الثانية وظهور مدى ضعف الملك فاروق الأول أمام سلطة الإنجليز، وانتشار حالة الفساد السياسي والحزبي واضطراب الأحوال الاقتصادية في مصر، فكر عدد من ضباط الجيش المصري أنه لابد من إنهاء هذه الحالة بأي وسيلة. وقام عدد منهم، بقيادة “البكباشي جمال عبد الناصر، بتكوين تنظيم سرى يسمى “الضباط الأحرار . وانضم إليه كثير من الضباط الشبان ومتوسطي الرتب من مختلف أسلحة الجيش المصري . ومن أشهرهم أنور السادات، وعبد اللطيف بغدادي، وخالد محيى الدين، وعبد الحكيم عامر، وجمال وصلاح سالم.
وبعد حرب 1948 وضياع فلسطين أظهر تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري غضبه الشديد من سوء الأحوال وعدم دعم الجيش الذي دخل معركة كان من المفترض عدم خسارتها، ولكن بسبب تزويد الجيش بأسلحة فاسدة في الحرب خسر معركة حماية فلسطين رغم تقدمه في البداية.
اعتبر الضباط الأحرار قضية الأسلحة الفاسدة القشة التي يجب أن تقصم ظهر الفساد في كافة أنحاء البلاد وكافة قطاعاتها، ولم يعودوا يستطيعون التحمل فزاد نشاطهم داخل الجيش وخارجه واستقطبوا عددًا أكبر من الضباط الذين يشاركونهم فكرهم وتوجههم التحرري.
ولما كان معظم الضباط من صغار السن، الذين قد لا يروق لأبناء الشعب أن يقودهم من هم في سن لا يجاوز الـ 35 عاما، فقد رأى قادة الحركة وعلى رأسهم “جمال عبد الناصر” أن يختاروا أحد الضباط الكبار الذين يحظون بشعبية جيدة في الجيش وممن لهم آراء تحررية توافق آراءهم وأن يضموه إلى صفوفهم ليكون رمزا لثورتهم . ورأوا في “اللواء محمد نجيب” الشخص الذي يمكن أن يحمل هذه الصفات. ولذا فقد دعموه، أولا، في معركة انتخابه لرئاسة “نادي الضباط”أمام مرشح القصر الملكي. وفاز فيها نجيب بالفعل. وقبل اللواء “محمد نجيب” فكرة قيادة الثورة بروح وطنية تحسب له
وفى صباح يوم الاربعاء 23 يوليو1952 قام الضباط الأحرار بثورة بيضاء لم ترق بها دماء أي مصري أو أجنبي، ونجح في السيطرة على كافة المرافق الحيوية في البلاد وخاصة وزارة الحربية والداخلية وكافة الثكنات العسكرية والأمنية وأذاع البيان الأول للثورة بصوت القائم مقام أنور السادات وكان نصه:
«من اللواء أركان حرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري، اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم. وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين.
وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها.
وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب.
وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال. وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس. وإني أُطَمئِن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويَعتبر الجيش نفسه مسئولاً عنهم
والله ولي التوفيق.»
ولم يكن الضباط الأحرار ينتوون في البداية السيطرة بصورة كاملة على الحكم بل مجرد تطهير الجيش من الفاسدين . لكن الأمور تطورت بسرعة بعد الترحيب الشعبي الكبير بالحركة وعدم وجود أي مقاومة شعبية أو سياسية لها، وهذا ما شجعهم على المضي بخطوات أكبر لتخليص البلاد من الحكم الملكي الفاسد وأصدر الضباط الأحرار إنذارا يوم السادس والعشرين من يوليو 1952 يطلب من الملك التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد في خلال 6 ساعات من الإنذار .
وأمام التأييد الشعبي الجارف للثورة رضخ الملك “فاروق الأول ” لمطالب الثوار وتنازل عن العرش لولي عهده ” الأمير أحمد فؤاد” وغادر مصر على متن يخت “المحروسة مساء يوم 26 يوليو1952، وهو نفس اليخت الذي حمل جده الخديوي إسماعيل إلى خارج مصر حين عزله السلطان العثماني ووضع ابنه توفيق على عرش مصر..
وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش ولكن إدارة الأمور كانت في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابطًا برئاسة محمد نجيب كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار.
في عام 1953 رأى الضباط الأحرار أن بقاء مصر بنظامها الملكي في ظل حكم فرد من أسرة “محمد علي “يمثل تهديدا لثورتهم ومبادئها وربما يشكل عملا لعدم الاستقرار لذا أجمعوا أمرهم على إلغاء النظام الملكي وإنهاء حكم أسرة محمد علي، الذي سيطر على البلاد أكثر من 148 عاما.
وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953. وأصبح اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية الوليدة.
كان القائد المعلن للحركة التي سميت فيما بعد بالثورة هو اللواء محمد نجيب والواقع أنه تم اختياره – من قبل الضباط الأحرار – كواجهة للثورة لما يتمتع به من سمعة حسنة داخل الجيش وكان اللواء الوحيد في التنظيم.
ثم تولى جمال عبد الناصر بعد ذلك حكم مصر من 1954، كرئيس للوزراء، ثم رئيسا منتخبا لجمهورية مصر في عام 1956 حتى وفاته عام 1970 واستمد شرعية حكمه من ثورة يوليو .
كان الضباط الأحرار يحملون أنفسهم مسئولية تحقيق كل طموحات وآمال الشعب المصري، ولذا وضعوا مجموعة من المبادئ التي تعهدوا بتنفيذها ولم تُعلن هذه المبادئ إلا عام 1956:
1. القضاء على الإقطاع.
2. القضاء على الاستعمار.
3. القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم.
4. إقامة جيش وطني قوي.
5. إقامة عدالة اجتماعية.
6. إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
أعضاء مجلس قيادة الثورة
محمد نجيب
جمال عبد الناصر
عبد الحكيم عامر
يوسف صديق
حسين الشافعي
صلاح سالم
جمال سالم
خالد محيي الدين
زكريا محيي الدين
كمال الدين حسين
عبد اللطيف البغدادي
عبد المنعم أمين
محمد أنور السادات
جمال حماد