صالون الرأينجوم وفنون
«السباحتان» .. ميدالية الإنسانية ومشكلات المعالجة
By amrأبريل 30, 2023, 13:28 م
894
يمثل الفيلم البريطانى «السباحتان»، للمخرجة المصرية سالى الحسيني، محاولة طموحة للغاية للمزج بين نوعيتين من الأفلام، الأفلام التى تستعرض مسيرة بطل رياضى من التهميش إلى الانتصار والفوز، وأفلام اللاجئين التى تستعرض رحلة معاناة الهاربين من الخطر والموت، وصولا إلى شاطئ النجاة.
النوعيتان ظهرت منهما فى السنوات الأخيرة أفلام مهمة وناجحة، وأفلام اللاجئين صارت اليوم بندًا ثابتًا فى مسابقات وأقسام مختلفة فى المهرجانات الدولية، ولا ننسى النجاح الجماهيرى والنقدى لفيلم «الملك ريتشارد» عن بطلتى تنس أمريكيتين شهيرتين هما سيرينا وفينوس ويليامز.
الفكرة ذكية بالفعل، والتقاطع واضح بين النجاة والإنقاذ من الموت على آخر لحظة على طريقة جريفيث، وبين الصعود والكفاح للفوز فى مسابقة رياضية، على آخر لحظة أو ثانية فى رياضة مثل السباحة، فما بالك لو كان الفيلم قائما على قصة حقيقية؟ حيث يتناول فيلم «السباحتان»، الذى افتتح مهرجان تورنتو 2022، حياة وكفاح سباحتين سوريتين شابتين هما يسرا وسارة ماردينى، اللتان هربتا من بلديهما بسبب الحرب فى سوريا فى العام 2015، ثم كافحتا مع اللاجئين للوصول إلى ألمانيا، بعد معاناة شاقة برا وبحرا، ونجحت يسرا فى أن تكون ضمن فريق اللاجئين، الذى شارك فى دورة ريو دى جانيرو الأوليمبية، وفازت بالفعل بميدالية ذهبية فى المسابقات، أى أننا أمام مزج فى الواقع بين كفاح اللاجئين وكفاح الرياضيين، تحول بدوره إلى مزج بين نوعيتين على شاشة السينما، تحمست نتفليكس لإنتاجه كفيلم روائى طويل.
يمكن القول إننا أمام فيلم يعرف فكرته وشخصياته، مع ملاحظة مشكلة أساسية واضحة جدا على السيناريو، الذى لم ينجح فى رأيى فى تذويب المسافات بين أجزاء ثلاثة للفيلم:
الجزء الأول يدور فى سوريا، حيث نتعرف على أسرة يسرا وسارة، والدهما السباح السابق (على سليمان)، الذى يريد تعويض إخفاقه بتدريب بنتيه لتكونا بطلتين أوليمبيتين، ونتعرف أيضا على الأم التقليدية العطوفة (كندة علوش)، والشقيقة الصغيرة شهد، وابن العم نزار (أحمد مالك)، وبينما يقترب خطر الموت من الشقيقتين، يكون الحل فى أن تهاجرا مع ابن عمهما إلى ألمانيا، ومن هناك ترسلان دعوة للأسرة من أجل «لم الشمل»، وينتهى هذا الجزء بالسفر إلى تركيا.
الجزء الثانى يتناول ببراعة مشهودة رحلة يسرا وسارة ونزار ضمن ألوان من المهاجرين، أولا عبر البحر فى قارب مطاطى معطل الموتور، ثم بريا من خلال مساعدة بعض المهربين، حتى يصل الثلاثى يسرا وسارة ونزار إلى المجر، ومنها إلى برلين، بعد معاناة قاسية.
هذا الجزء مدهش فى تفاصيله، وفى دقة تنفيذه، ويضارع أفضل ما شاهدنا من نوعيات مشاهد الغرق والإنقاذ مونتاجيا وبصريا، وسمعيا ومن حيث المؤثرات، كما أن خط اللجوء يمتزج بذكاء مع خط البطولة فى السباحة، عندما تقوم يسرا وسارة بالعوم سباحة وصولا إلى اليونان، لإنقاذ القارب من الغرق بسبب زيادة حمولته، إنها بطولة رياضية مستقلة تستحق أرفع الميداليات، لولا أنه بطولة واقعية، بل لعلها أخطر من بطولة يسرا فى الأوليمبياد، لأن الشقيقتين تنتصران فيها على الموت، وينتهى هذا الجزء بالوصول إلى برلين.
يبدأ بعد ذلك الجزء الثالث فى معسكر اللاجئين، وحرص يسرا على التدريب فيه بأقل الإمكانيات، ثم تذهب إلى حمام سباحة، وتطلب التدريب من المدرب سفين، الذى يتحمس لموهبة يسرا تحديدا، بينما تبتعد سارة عن الرياضة، وتخصص جهدها لخدمة واستقبال اللاجئين فى اليونان، وينتهى هذا الجزء بالفوز بالميدالية الذهبية مع فريق اللاجئين، واحتفال يسرا وسارة بالفوز فى البحر، وهى نفس نهاية الفيلم.
هناك وعى كما تلاحظون بفكرة المزج بين حياة ومعاناة اللاجئين، ومعاناة وكفاح بطلة سباحة استثنائية، ولكن هذه التجزئة جعلت بناء الفيلم يتضمن ثلاث ذرى درامية، وكأنها ثلاث نهايات، تبدأ بعدها الأحداث من جديد: الذروة الأولى موافقة الأب على هروب ابنتيه مع ابن عمهما إلى ألمانيا بعد رفض متكرر، والذروة الثانية، هى وصول يسرا وسارة ونزار إلى برلين بعد طول معاناة، والذروة الثالثة هى فوز يسرا بميدالية أوليمبية فى دورة ريو.
هذا الشكل يشبه كثيرا قفلات حلقات المسلسلات التليفزيونية، ويجعل المشاهد أمام أجزاء شبه مكتملة أو منفصلة، صحيح أنه قصة كفاح متعددة الحلقات، ولكنك لا يجب أن تكتب كل قصة منفصلة أو مكتملة أبدا، وإنما تجعل كل قصة جزءا من بناء متماسك، يتطور إلى ذروة واحدة.
كتّاب السيناريو المحترفون يفعلون ذلك بحيلة بسيطة جدا، وهى البدء من لحظة مهمة (قبل المباراة النهائية مثلا فى ريو)، ويعودون إلى الماضى (الأسرة فى دمشق ثم معاناة اللاجئين والهاربين)، وينتقلون فى النهاية من جديد إلى الفوز بالمباراة النهائية فى السباحة.
المباراة إذن هى الذروة الأساسية، وليست ذروة الهرب من دمشق أو ذروة الوصول إلى برلين، وهى مشكلة دقيقة قد لا يصفها المتفرج أو يحللها، ولكنه يشعر بها بالتأكيد، ويتمثل هذا الشعور فى الحماس والتوتر، الذى يعقبه هدوء البدايات الجديدة فى كل مرة.
لكن الفيلم نجح فى المقابل فى بناء مشاهد كاملة جيدة ومؤثرة، مثل مشهد وصول قنبلة إلى قاع حمام السباحة، الذى تتسابق فيه يسرا ومثل مشهد مطاردة الشقيقتين يسرا وسارة لطائر داخل غرفتهما، وهذا الطائر يمثل لهما البيت والعائلة والحرية معا، ومثل كل مشاهد القارب فى الماء.
لا شك أننا أمام مولد مخرجة ممتازة، ومعها مدير تصوير فذ، ومونتير متميز جدا، نجحوا فى خلق الجو والتوتر، وقدموا مشاهد ناجحة لحبس الأنفاس، كما كانت مشاهد السباقات والتدريبات فى حمامات السباحة جيدة التنفيذ أيضا، ولولا أن الموسيقى كانت صاخبة فى مشاهد كثيرة، لأصبح تنفيذ الفيلم أكثر اتقانا.
يضاف إلى ذلك أداء جيد من بطلتى الفيلم ناتالى عيسى ومنال عيسى، وحضور أحمد مالك الممتاز فى دور نزار السورى، وإن كنت لم أفهم سبب أن يكون الحوار بين الشقيقتين أو بينهما وبين ابن عمهما، مزيجا من الإنجليزية والعربية، حتى لو كانت الشخصيات تفعل ذلك فى الواقع، لأن اللغة العربية هنا جزء أساسى من هوية الوطن، والشخصيات مسكونة بوطنها، رغم هروبها واغترابها.
يشير الفيلم أخيرا فى عناوينه النهائية إلى معاناة نحو 6 ملايين لاجئ سورى حتى اليوم، وإلى اختيار يسرا متحدثة باسم اللاجئين فى العالم، وكأنه يذكرنا من جديد بأن ميدالية السباحة لا يجب أن تنسينا محاولة الفوز بميدالية الإنسانية، بإنقاذ أرواح الهاربين من أوطانهم، وتوفير حياة كريمة لهم حتى يوم العودة.