رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

“هارلي”.. النسخة “المودرن” لمحمد رمضان!

325

بالإضافة إلى ثغرات الكتابة المعتادة، فإن ما يلفت النظر أكثر إلى فيلم العيد “هارلي”، من تأليف محمد سمير مبروك وهبة عبد الحليم، أن محمد رمضان هنا يقدم نسخة “مودرن” من البطل الشعبى الذى اشتهر به، وكأننا أمام “جعفر العمدة” ولكن فى سياق آخر، و بتوليفة معاصرة أمريكية، وإنما فى نفس الإطار العام، حيث تدور الأحداث حول شخصية قوية مسيطرة وجذابة قادرة على تغيير مسار حياتها وحياة من حولها، مرتبطة جدا بالأسرة، وتستخدم قوة العقل والجسد بالتبادل، بل وتطرح سؤال الحلال والحرام على نفسها.

الفارق الأهم بين النسخة “المودرن”، ونسخة الحارة من هذا البطل الشعبى الذى كرّسته أعمال رمضان، يرتبط بإمكانيات السينما، وضرورة مخاطبة جمهورها الأصغر سنا، مما استدعى مزيدا من مشاهد الحركة، باستخدام الموتوسيكلات، مثل قفزة رمضان فوق كوبرى قصر النيل، فى استعادة أصعب لقفزة أحمد السقا فى فيلم “تيتو”، كما أن الجو العام عموما يذكرنا بأفلام الحركة الأمريكية المعاصرة، التى تستعين بالسيارات والموتوسيكلات، وهيئة رمضان وأسلحته وتسريحة شعره كلها على موجة الأجيال الجديدة، وهو يغنى ويرقص على إيقاعات الراب، وإن كان فى جوهره هو نفسه الشخصية الشعبية المنتمية لأسرتها، والقوية والمسيطرة، التى تصارع نفسها قبل أن تسيطر على الجميع، وتهزمهم.

هكذا تحددت خطوات رمضان فى شخصيتين (مودرن وشعبي) بينهما صلات قوية جوهرية، تمسكان بتوليفة فيها ملامح ميلودرامية واضحة، وبدعم واضح من حضور رمضان نفسه، ولكن بينما تبدو شخصية “جعفر العمدة” أكثر ثراء من الناحية الدرامية، فإن شخصية محمد هاشم الشهير بـ “هارلى” أكثر حضورا حركيا وجسديا، ولعلك تلاحظ أن الشخصية تجمع فى اسمها أيضا بين العربى والأجنبي، وكأنها تترجم رغبة رمضان فى الاحتفاظ بالنسختين المودرن والمصرى معا، مثلما يرتدى الجلباب فى المسلسل، والسويتر الجلد فى الفيلم، ومثلما يظهر بالعباية فى المسلسل، يقود موتوسيكل ماركة هارلى الفاخرة فى الفيلم، ومثلما يرقص عارى الصدر فى الحفلات، ويجلس فى حارة المسلسل، لإقامة مجلس العدل بين المتخاصمين فى حى السيدة زينب.

“هارلى” الفيلم فيه الكثير من الخفة فى الكتابة، فالبناء كله قائم على انحراف شاب مهندس ناجح جدا، ليعمل مع إحدى العصابات فى عمليات للسرقة، دون أن تفهم لماذا فعل ذلك أصلا؟ ولماذا انتهى بنفسه إلى الشم؟ ولماذا وافق أن يعمل مع المعلم الكبير  ياسين (محمود حميدة)؟ ولماذا لم يعمل مثلا لحسابه الخاص إذا كان يمتلك هذه الشخصية القوية؟

ولكن السيناريو يريد لهارلى أن يتحول إلى الحلال، بعد أن مات شقيقه المدمن نوح (أحمد داش) نتيجة لحادث موتوسيكل، هنا يستيقظ هارلي، ويقرر أن يتعافى بنفسه من شم المخدرات، وبدون أى مساعدة، وينتقل إلى تجارة الموتوسيكلات، لكى تكون أمواله حلالا بلالا، بعد أن ترك عصابة ياسين، وصمد أمام مطالبات المعلم الكبير له ومناشدته بالعودة إلى الحرام، وإن كان هارلى لا يزال محتفظا ببعض الحرام (على السريع)، الذى يتمثل فى بعض العشيقات، حتى تظهر فى حياته الجميلة الغنية المدللة و المدمنة أسيل (مى عمر)، التى تحبه وتفتتن طبعا بشخصيته وقوته، بعد أن هزم خطيبها السابق، كما يقوم هو بدوره بتخليصها من الإدمان، والحقيقة أن قدرة هارلى على تحقيق التعافى لنفسه، وللآخرين من الإدمان، يجب أن تجعله يفكر فى افتتاح مركز خاص للتعافى، أو على الأقل تسجيل تجاربه الرائدة فى كتاب خاص.

تحتمل أفلام الحركة الكثير من المبالغات الحركية، ولكن ثغرات الكتابة تزيد من المبالغات، فالبناء مرة أخرى سيعتمد على أمر لا يمكن تخيله، وهو عدم استغناء ياسين عن هارلى فى عملياته، رغم أننا لم نره يصنع شيئا خارقا أو استثنائيا، فلا هو مثلا يقوم بفتح الخزائن، ولا تحتاج العمليات التى شاهدنا طرفا منها سوى سرعة الحركة بالموتوسيكل، التى يشاركه فيها كثيرون أما التحول الأهم باكتشاف هارلى أن أسيل هى ابنة زوجة ياسين، فلم يستفد منه السيناريو إلا فى الربع الأخير من الفيلم، وبعد فترة طويلة من استئثار علاقة حب أسيل مع هارلى ثم علاجها بالأحداث، فغاب الصراع الأصلى بين هارلى وياسين، مما أثر على إيقاع العمل كله، وحتى عندما عاد هذا الصراع، فإنه بدا أقل من المطلوب، خاصة أن ياسين كشخصية درامية لا يهتم سوى بنفسه، يحب أسيل ولكن ليس أكثر من عشقه للسرقة وللحرام والعياذ بالله.

تعود الأسرة من جديد ممثلة فى والد هارلي، الذى يلعب دوره إسماعيل فرغلي، وزوجة والده التى تلعب دورها مى كساب، فقد اختطفهما ياسين لإجبار ملك الأسفلت على العمل معه، ولكن الأسرة تتأكد أخيرا أن ابنها قد اختار الحلال والتعافى، ولن يرتضى بهما بديلا، فقد ذاق حلاوة السكة اليمين، بعد أن عاش طويلا فى السكة الشمال، ولم يعد باقيا سوى هزيمة ياسين وعصابته، ولكن ليس قبل رد هارلى للصفعة التى أخذها والده من رجل العصابة، تقريبا بنفس طريقة رد جعفر العمدة للصفعات التى أصيب بها أخوه فى المسلسل الناجح.

الإتقان هنا أقل، وحتى رمضان كممثل يبدو أقل اعتناء بالإلقاء والتعبير، موفرا طاقته لمشاهد الحركة، بينما يحاول محمود حميدة إعطاء لمسة خاصة مرحة لدور الرجل الكبير، وتبدو مى عمر أكثر اهتماما بالاختلاف عن أدوار سابقة، ويظل أحمد داش عنصرا محوريا فى عالم رمضان المودرن، مثلما كان محركا للدراما فى جعفر العمدة.

اللافت أن الفيلم كان يمكن أن يستوعب مشاهد أكبر وأخطر للحركة، كما أن المشاهد التى رأيناها كانت عادية بالنسبة لهذه النوعية من الأفلام، واللافت بشكل إيجابى أن أغنيات الراب وظفت بشكل جيد جدا ضمن الأحداث، إنها جزء أساسى من الحكاية، ومن هذا العالم، الذى يقدم مصريا بصورة أمريكية، وهو عالم “هجين” ينافس البطل الأمريكي، مثلما ينافس رمضان فى “جعفر العمدة” نجوم شخصية المعلم فى سينما الخمسينيات، مثل محمود إسماعيل فى فيلم”سمار”.

هذه توليفات معقدة جدا وإن بدت بسيطة، ولاشك فى موهبة رمضان، ولا شك فى حضوره كبطل شعبي، ولكنه لا يمتلك الكثير من موهوبى الكتابة والإخراج الذين كانوا حول البطل الشعبى الأشهر فريد شوقي، ولذلك لا نعلم بالضبط إلى أين ستأخذه هذه التوليفات سواء فى السينما أو فى الدراما التليفزيونية؟