https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

سيناريوهات مُعقدة لحل أزمة النيجر

787

روضة فؤاد

بين التدخل العسكري وتأهب روسيا ومصالح الغرب

إلى ماذا ستؤول الأمور فى النيجر بعد الانقلاب العسكرى الذى وقع قبل أكثر من أسبوعين؟ وهل تنفذ «إيكواس»–المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ، تهديدها لقادة الانقلاب بالتدخل عسكريًا لإعادة الرئيس «محمد بازوم»، للسلطة مرة أخرى، أم تحدث تسوية سياسية ويقبل الغرب بالوضع الراهن؟ أسئلة عديدة تُطرح فى ظل الوضع القائم على الأرض فى النيجر .

سيناريو تدخل «إيكواس» عسكريًا يبدو أنه لا يلقى القبول لدى العديد من الدول الإفريقية، حيث أعلنت مالى وبوركينا فاسو، أن أى تحرك أجنبى ضد النيجر سيكون بمثابة «إعلان للحرب» ضدهما أيضًا، كما أن الجزائر التى لديها حدود طويلة مع النيجر، تصل إلى حوالى ألف كيلومتر، أبدت معارضة لأى تدخل عسكرى لتغيير الأوضاع فى النيجر، وأكد الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون على تحفظ بلاده على الخيار العسكرى لحل أزمة النيجر.

وفى نيجيريا، رفض مجلس الشيوخ إعطاء رئيس البلاد أحمد تينوبو، تفويضا للمشاركة فى هذا التدخل. وتُعد نيجيريا القوة الأكبر ضمن مجموعة «إيكواس»، كما أنها تترأس حاليًا مؤتمر رؤساء المجموعة، ويعتبر مراقبون أن أى تدخل عسكرى من قبل المجموعة فى النيجر سيعتمد بشكل أساسى على نيجيريا، التى يتألف جيشها من 223 ألف فرد، فضلا عن امتلاكه طائراتٍ ومقاتلات حديثة.

ويقول خبراء إن أهمية نيجيريا لا تعود فقط إلى قدراتها العسكرية فقط، بل لأن لها حدودًا بطول 1600 كيلومتر مع النيجر أيضا.
ورغم مواقف الدول الرافضة للتدخل العسكرى، إلا أن «عبد الفتاح موسى» مفوض الشئون السياسية والسلام والأمن فى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس»، قال إن قادة الدفاع فى دول غرب إفريقيا وضعوا خطة لتدخل عسكرى محتمل فى النيجر للتصدى للانقلاب، وأن الخطة تتضمن كيفية وموعد نشر القوات، مضيفًا أن المجموعة لن تكشف لمدبرى الانقلاب متى وأين ستكون الضربة، ومؤكدًا أن القرار سيتخذه رؤساء الدول.

ومع ذلك، ذكرت «بى بى سى» فى تقرير لها أن التدخل العسكرى من قبل مجموعة «إيكواس» لإنهاء الانقلاب فى النيجر بات صعبًا وهو يزداد صعوبة يوما بعد يوم، خاصة فى ظِل التفاف قطاع كبير من الشعب، حول قادة الانقلاب فى النيجر، مضيفة أنه فى نفس الوقت لن يكون الأمر سهلاً بالنسبة لمجموعة «إيكواس»، التى تواجه مشكلة فى احتواء حالة التراجع الديمقراطى فى منطقة غرب إفريقيا، فى ظل توالى سلسلة من الانقلابات التى شهدتها المنطقة على مدار العقد الماضى، بعد فترة تراجع للظاهرة كانت واضحة فى مطلع الألفية.

وكانت المجموعة قد تعهدت بعدم التسامح مع أى انقلاب جديد، بعد الانقلابات العسكرية التى شهدتها ثلاث دول من دول المجموعة، هى مالى، وبوركينا فاسو، وغينيا خلال العامين الماضيين.
واستخدمت «إيكواس» القوة العسكرية فى السابق لإعادة النظام الدستورى فى جامبيا عام 2017، عندما رفض الرئيس يحيى جامع التنحى بعد خسارته فى الانتخابات، لكن مراقبين يعتبرون أن تدخلًا مشابهًا فى النيجر سيكون أصعب بكثير، إذ إن مساحة النيجر تعد أكبر من مساحة جامبيا، وهو ما يجعل حسابات إرسال قوات عسكرية إليها محفوفة بمخاطر أكبر.
فى نفس السياق، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن مجموعة «إيكواس» أقوى تجمع إقليمى فى منطقة غرب إفريقيا، وتُمثل 15 دولة يصل عدد سكانها الإجمالى إلى نحو 400 مليون نسمة. وتأسست المجموعة بهدف دعم الاقتصادات الإقليمية، لكنها عادةً ما تتدخل فى الصراعات الإقليمية أيضاً.
وكانت آخر مهام المجموعة فى جامبيا عام 2017، عندما ساعد جنود المجموعة فى منع الرئيس السابق، يحيى جامع، من قلب نتيجة الانتخابات التى خسرها.
وقالت الصحيفة إن بعض دول المجموعة أرادت تكرار ذلك المثال فى النيجر، لكن فى الوقت نفسه يشكك العديدون فى أن المجموعة ترغب فى خوض حرب بسبب النيجر فعليًا، إذ تعد جامبيا مثلاً أصغر دولة فى بر إفريقيا الرئيسى، ولديها جيش ضعيف، فى حين تمتلك النيجر مساحة تعادل ضعف مساحة فرنسا، بينما تدرّب جيشها المخضرم فى المعارك على يد القوات الخاصة الأمريكية والأوروبية.
وبعيدًا عن «إيكواس»، هناك سيناريوهات أخرى تتحدث عن تدخل موسكو فى الصراع، حيث ذكرت «سكاى نيوز»، أن التنافس الدولى بشأن النيجر ووجود عناصر فاجنر فى الدول المجاورة للنيجر، بالإضافة إلى ضعف الجيش النيجرى أمام ضغوط فرنسا، كل ذلك قد يفتح الباب أمام موسكو للتدخل فى النيجر، ويعيد سيناريو أوكرانيا فى غرب إفريقيا.
وقد اتفقت صحيفة «نيويورك تايمز» مع الطرح السابق، إذ ذكرت أن المسئولين الروس ينظرون إلى أزمة النيجر باعتبارها فرصة كبرى، بينما عرض يفجينى بريجوجين خدماته على قادة انقلاب النيجر.

ويتمركز حاليًا المئات من مقاتلى فاجنر فى مالى بدعوة من المجلس العسكرى للبلاد، لقمع التمرد الذى يتصاعد فى منطقة تلتقى فيها حدود مالى وبوركينا فاسو والنيجر.

وإذا كان هذا هو الموقف الروسى، فماذا عن الغرب، وهل يمكن أن توافق الدول الغربية على استئناف علاقتها مع المجلس العسكرى الحاكم فى النيجر؟ فى هذا السياق، ذكرت مجلة «فوريس بوليسى» الأمريكية أنه من المستبعد أن يسلك المجلس العسكرى الجديد فى النيجر مسارًا متشددًا مناهضاً للغرب، على غرار ما فعلته الأنظمة العسكرية فى مالى وبوركينا فاسو، وإذا لم يتبن الجنرال عبد الرحمن تشيانى، رئيس المجلس العسكرى أجندة مناهضة للغرب أو يقبل بوجود عناصر فاجنر فى بلاده، فمن المحتمل أن تستأنف فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى تعاونها الأمنى مع النيجر مستقبلاً.

إذ ترغب الولايات المتحدة فى الحفاظ على قاعدتيها للطائرات المسيرة فى النيجر، اللتين تسمحان لها بجمع المعلومات الاستخباراتية فى دول الساحل وشرق إفريقيا، فضلاً عن أن التدريب والتعاون الأمنى الأمريكى مع جيش النيجر فى مجال مكافحة الإرهاب يضمنان بقاء تلك المنشآت، كما ينظر الاتحاد الأوروبى إلى عدم الاستقرار فى النيجر باعتباره تهديداً لمصالحه، لأن النيجر كانت مركز عبور مهماً للمهاجرين الأفارقة المتجهين إلى أوروبا، أى إن التفاعل البراجماتى مع المجلس العسكرى فى النيجر من الممكن اعتباره أفضل سيناريو، وذلك عند مقارنته بالفراغ الأمنى الذى قد يؤدى إلى صعود الجماعات المتشددة وزيادة الهجرة غير الشرعية.