عمرو فاروق
لا تزال جماعة الإخوان تعيش الوهم وتنشر الأكاذيب والشائعات، التى ترغب من خلالها فى الإساءة للدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، من خلال المؤتمرات والندوات، التى تعقدها فى عدد من الدول الأوروبية، وفى مقدمتهم الحليف البريطانى، الداعم الرئيسى لمشروع حسن البنا منذ عشرينيات القرن الماضي.
وفى إطار المتاجرة بالمواقف السياسية التى حولتها لمشروع دينى يخدم أهدافها التنظيمية، عرضت الجماعة وقياداتها فى لندن فيلماً وثائقياً بالأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (BAFTA)، عن الذكرى العاشرة لفض «تجمع رابعة» المسلح، الذى نفذته الأجهزة الأمنية المصرية، عبر ممر بشري فى 14 أغسطس 2013، بعد سقوط حكم «المرشد» والإطاحة بمحمد مرسى فى يونيو 2013.
الفيلم من إنتاج شركة (Noon Multimedia) البريطانية، التى تأسست عام 2015 وتحمل رقم (5609646)، ويمتلكها الفلسطينى عبد الرحمن أبو دية، أحد رجالات التنظيم الدولى، ونفذته نيكى بولستر، المخرجة فى قناة BBC، وITN ، Netflix ، Apple TV، عرض على منصة «Egypt Watch»، التى تأسست فى فبراير 2021، بالعاصمة البريطانية، بتمويل من التنظيم الدولى للإخوان، تحمل رقم (13192374)، ويديرها الإخوانى أسامة جاويش.
تضمن الفيلم الوثائقى شهادات لعدد من الشخصيات الغربية القريبة من جماعة الإخوان، أمثال، كريج سامرز، رئيس الأمن فى سكاى نيوز، وديفيد كيركباتريك، الصحفى بالنيويورك تايمز، ومصعب الشامي، مصور الأسوشيتد برس، فضلاً عن مشاركة عدد منهم فى جلسة نقاشية عقب عرض المادة الوثائقية مثل، كريسبين بلانت، رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس العموم البريطاني، وإليزابيث نوجنت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون الأمريكية، بيتر أوبورن الصحفى البريطانى، داليا فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة لونغ آيلاند بالولايات المتحدة الأمريكية.
برز دور «أبو دية» بعد يونيو 2013، وعند هروب قيادات الإخوان إلى خارج مصر، قد امتلك مجموعة الشركات الإعلامية والإنتاجية مثل «إيه تو زد»، و«ريفليكشنز»، وNoon Multimedia لإدارة التمويلات القطرية، وتتولى هذه الشركات إنتاج البرامج والأفلام الوثائقية، لقنوات التنظيم الدولى للإخوان، بالشراكة مع مراد جهاد، أحمد الشناف، وأحمد زين، وجمال بسيسو.
بجانب الإشراف الإعلامى يدير عبد الرحمن أبو دية، مجموعة كبيرة من استثمارات الإخوان فى أوروبا، وتحديدا العقارات والبورصة، وشركات الإنتاج الفني، ويشرف على توجيه البرامج والسياسات للأبواق الإعلامية للتنظيم الدولى للإخوان، وإنتاج الأفلام الوثائقية، التى تستهدف الدولة المصرية.
لا يخفى على أحد، أن كل من كريسبين بلانت، وديفيد كيركباتريك، من أهم الشخصيات التى منحت قيادات جماعة الإخوان المسلمين فرصة التواصل مع دوائر صنع القرار الغربي، وتقديم مشروعها الفكرى داخل أروقة الساسة الأوروبيين، بجانب تلفيق الاتهامات للنظام المصرى والإساءة لسمعته على مدار العشر سنوات الأخيرة.
لقد لعب كريسبين بلانت، دورًا مهمًا فى التنسيق لاجتماعات وفود الإخوان الإرهابية مع الحكومة البريطانية؛ لتحسين صورة الجماعة وغسل سمعتها، ومطالبتها باستمرار دعم تواجد قيادات الإخوان وقواعدها التنظيمية على الأراضى البريطانية، كما وقف خلف تقرير أصدرته لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطاني، حرض خلاله وزارة الخارجية البريطانية لعقد لقاءات مع قيادات الجماعة بلندن، وعدم حظر نشاط التنظيم، للرد على الاتهامات التى توجه للإخوان بكونها جماعة تتبنى العنف والصدام المسلح، وهو التقرير الذى استخدمته الجماعة الإرهابية وروجت له فى مواجهة التحقيق البريطانى الرسمى الذى أجراه السير جينكينز، حول نشاط الإخوان فى بريطانيا خلال الأعوام الماضية.
إن إنتاج جماعة الإخوان لفيلم وثائقى يحمل تلفيقات بصرية وسمعية حول واقعة فض معسكر “رابعة المسلح”، نمط مرتبط بالمنهج الفكرى والحركى لتنظيمها السري، وتزييفها للتاريخ والوقائع والأحداث فى إطار تشويه خصومها والمعارضين لمشروعها.
لقد تناسى ممولو جماعة الإخوان، أن وسائل الاتصال والإعلام الحديثة تمثل أدلة تاريخية ثابتة لا يمكن طمسها، التى وثقت فى مضامينها عملية فض تجمع «رابعة» المسلح، وكذلك ممارستها وتطبيقها لأساليب العنف المسلح، منذ الإطاحة بمحمد مرسى.
إن عملية التعبئة والشحن التى تمت من فوق منصة تجمع «رابعة»، والمسجلة بالصوت والصورة، دللت على أن قيادات جماعة الإخوان بلورت الأزمة فى سياق دينى وليس سياسيا، وطرحتها فى إطار معركة بين الإسلام والكفر، فضلًا عن شعاراتها الثورية والحماسية بتفعيل “الجهاد المسلح”، ضد الأجهزة الأمنية المصرية، تمهيدًا لإعادة الجماعة إلى المشهد السياسى والرئاسي.
فقدم أحمد المغير فى 14 أغسطس 2016، اعترافات صريحة عبر صفحته الشخصية على “الفيس بوك”، تؤكد أن تجمع «رابعة»، كان مسلحًا ولم يكن سلميًا مثلما تدعى قيادات جماعة الإخوان، أن غرفة عمليات المعسكر، وضعت فرقاً مجهزة ومدربة للاشتباك مع الأجهزة الأمنية فى حال قيامهم بتنفيذ عملية فض التجمع الإخوانى.
وكشف أيضا عن تخزين قيادات الجماعة لأنواع متعددة وبكميات كبيرة من السلاح الآلي؛ لمواجهة قوات الجيش والشرطة خلال فض تجمع “رابعة” فى عام 2013، وأن أماكن تخزين السلاح فى ميدان «رابعة» كانت فى طيبة مول، وعدد من الأماكن السرية فى المناطق المحيطة، التى صنعتها الجماعة خلال فترة التجمع، مضيفا أن السلاح الذى تواجد خلال فى “رابعة”، كان يكفى للوقوف أمام أفراد الجيش والشرطة.
تعد اعترافات “المغير” ليست الدليل الوحيد على مؤامرة الخيانة التى حيكت خيوطها فى ليل مظلم، وخططت لها قيادات جماعة الإخوان، فى ظل اعتراف عدد من قواعدها للتنظيمية بهدف التجمع البشرى فى ميدان رابعة “العدوية” فى محيط شرق القاهرة، وصناعة تمركز جغرافى يعزز الانقسام الداخلي، ومن ثم السقوط فى غياها الحرب الأهلية.
لقد احتوى تجمع رابعة الإخواني، على غرفة عمليات، خصصتها الجماعة داخل إحدى القاعات بمسجد «رابعة»، وشكلت هيئة استشارية لإدارة المشهد داخلياً وخارجياً، فى ظل تعطيل عمل “مكتب الإرشاد” مؤقتًا، ومثلت ساحة اللقاءات السياسية والإعلامية، مع مندوبى الرئيس أوباما، وممثلى الإدارة الأمريكية حينها، بجانب ضباط الاستخبارات الغربية، ومرسلى الصحف والمجلات العالمية، الذين لعبوا دوراً فى صناعة حالة مظلومية وكربلائية الجماعة دوليًا.
كما رغبت جماعة الإخوان من خلال التجمع البشرى فى “رابعة” فى تحقيق مجموعة من الأهداف داخلياً وخارجياً، أهمها تشويه صورة الأجهزة الأمنية والعسكرية، أمام الرأى العام الدولي، ومحاولة تمرير سيناريو التدخل الخارجى العسكرى عن طريق الحلفاء الديمقراطيين فى الإدارة الأمريكية، فضلاً عن إثارة الوقيعة بينهما وبين الشارع المصري، وتورطيهما ظاهرياً فى عمليات قتل ممنهج فى إطار الخداع العام، عقب فشلها فى تحقيق إدارة شئون الدولة والانتقال من دائرة التنظيم السرى والحركي، إلى فقه الدولة ومقوماتها الدبلوماسية والسياسية.
الغريب فى مزاعم اتهام جماعة الإخوان للأجهزة الأمنية المصرية، باستخدام القوة فى عملية فض تجمع “رابعة”، أن فراغات الطلقات النارية التى أودت بحياة عشرات القتلى من أتباع وأنصار محمد مرسي، وجدت فى داخل تجمع “رابعة” بكثافة، وليس خارجه، ما يعنى أن الطلقات النارية التى صوبت تجاه القتلى خرجت من وسط التجمع الإخواني، الذى كان مسلحاً فى حقيقته، ولم يكن سلمياً، كما يزعم أتباع الجماعة وحلفائها فى الخارج.
لقد كانت الأجهزة الأمنية المصرية، على علم تام بما يدور داخل غرفة عمليات “رابعة”، وامتلكت المعلومات والتفاصيل حول مخطط الجماعة، ومن ثم نفذت عملية فض التجمع الإخواني، بدقة عالية لعرقلة توريط الأجهزة الفاعلة، وتفويت الفرصة على حلفاء الإخوان فى الخارج فى تمرير سيناريوهات التقسيم.
وفى نهاية عام 2013، شاركت فى تسجيل حلقة خاصة من داخل قطاع “سلامة عبد الرؤوف”، بالإدارة العامة للعمليات الخاصة بقوات الأمن المركزي، وخلال التسجيل التقيت اللوء مدحت المنشاوى، مدير إدارة العمليات الخاصة، ونائبه اللواء مجدى أبو الخير، وبحكم أنهما مسئولان عن فض تجمع “رابعة”، تحدثت معهما بشكل مباشر عن الممرات الآمنة، وكواليس اتخاذ قرار فض التجمع الإخواني.
كانت إجابتهما فى الحقيقة تحمل دلالة قوية على رؤية الأجهزة الأمنية ومعرفتها بالمخطط الإخوانى من صناعة التمركز الجغرافى البشرى لتحقيق فكرة الاستقواء بالخارج وتبرير التدخل الدولى والعسكري، إذ قالا نصًا: (المعلومات والتقارير الأمنية أكدت أن التجمع كان مسلحا، عشان كده طلب منا ضبط النفس، وعدم الانجرار وراء أى استفزاز عشان هم بيرتبوا لمشهد بعينه وعايزين يصنعوا حالة ويصدروها للغرب، وتبقى حجة على المؤسسات العسكرية والأمنية، يعنى مكنش فى تعليمات بالضرب أصلاً، لكن اتفاجئنا بالرصاص خارج علينا من داخل التجمع الإخواني، وفى لحظة اتنين من ولادنا ماتوا أمام عينينا، الشهيد النقيب شادى مجدى عبدالجواد، والشهيد محمد محمد جودة).
إن زيادة وتيرة نشاط جماعة الإخوان وحلفائها الغربيين، محاولة الإساءة للنظام السياسى المصري، خلال المرحلة الأخيرة، يستهدف فى المقام الأول التأثير على الاستحقاق الرئاسى المقبل، والمقرر تنفيذ إجراءاته فى أبريل 2024.