رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

البريكس.. آفاق جديدة لفرض نفوذ «القوى الوسطى»

393

وفى ذات السياق، كشفت تقارير صادرة عن وسائل إعلام عالمية أن توسع تكتل «بريكس» يكشف عن إجماع عالمي على تعطل النظام العالمي القائم، ويؤكد الحاجة إلى نظام عالمي جديد مما يضع مجموعة «بريكس» كثقل موازن لمجموعة السبعة، وغيرها من التحالفات التي يقودها الغرب، ومن ثم يعلن عن بداية حقبة جديدة للتعددية القطبية تشارك فيها الدول النامية صاحبة الاقتصادات الواعدة فى صناعة القرار السياسي العالمي، جنبا إلى جنب مع القوى العظمى، مما يكتب شهادة وفاة الأحادية القطبية، وفرض الهيمنة السياسية بوجهها الاقتصادي على غالبية الدول لصالح القوى المهيمنة… السطور التالية تكشف التفاصيل.  تعقيبا على توسع تجمع «بريكس» بانضمام 6 دول جديدة، شددت صحيفة «لوموند» الفرنسية على أن هناك إجماعا على أن النظام الدولي لا يعمل وأن هناك حاجة إلى نظام جديد، وذلك على الرغم من الخلافات بين أعضاء مجموعة البريكس، لافتة إلى أن تقدم أكثر من 40 دولة بطلب للانضمام  إلى التكتل يعد مؤشرا على هذا التحول.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أن  كلا من الصين وروسيا تستهدفان وضع مجموعة البريكس كثقل موازن لمجموعة السبعة وغيرها من التحالفات التي يقودها الغرب.

ونظرًا للتأثيرات الجيوسياسية لتكتل بريكس على السياسات الأمريكية ناقش كل من «أندرو تشيتهام»، و«آدم غالاغر»، كبار المختصين فى دراسة القضايا السياسية بمعهد الولايات المتحدة للسلام «معهد وطني غير حزبي ومستقل يقع مقره فى العاصمة واشنطن أسسه الكونغرس عام 1984؛ بغرض منع وحل النزاع الدولي العنيف»، عدد من القضايا المتعلقة بصعود تكتل «بريكس»، تتعلق بأسباب أهمية هذه القمة، وما يعنيه توسيع الكتلة لمستقبلها وما يعنيه كل هذه  التغيرات  بالنسبة للولايات المتحدة.

اتجاهات عالمية

بحسب «تشيثام»، فإن حضور كثيرين من مختلف أنحاء العالم قمة «بريكس»، التي انعقدت مؤخرًا فى جوهانسبرج، يشير إلى نجاح التكتل فى المضي قدما نحو تحقيق أهدافه فى التعددية، مشيرًا إلى أن عدد سكان دول البريكس مجتمعة قبل بداية التوسع  بلغ  3.5 مليار نسمة، وهو ما يمثل شريحة كبيرة من الأسواق الناشئة العالمية، واجتمعت البلدان معًا كمجموعة فى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لتجتمع حول قضايا التمويل والتنمية والتجارة. ومع ذلك، فقد نمت الكتلة الآن لتصبح رمزًا لجانب واحد من الدفتر فى عالم يتسم بالتنافس الاستراتيجي المرير والتعددية القطبية المتزايدة.

وأضاف أنه فى ضوء هذه التحولات، تقف الاقتصاديات المتقدمة لمجموعة السبع «كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة (والاتحاد الأوروبي)»، على الجانب المعاكس، لافتًا إلى أنه رغم أن البرازيل اعترضت على هذا التأطير المناهض للغرب، إلا أن الاهتمام الكبير بمجموعة البريكس فى مختلف أنحاء العالم ساعد الحملة الخطابية التي تشنها الصين وروسيا لتأطير «الغرب»، ضد باقي دول العالم، وأنه مع احتدام الحرب الروسية  الأوكرانية وتصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، تُدعى الدول على نحو متزايد إلى اتخاذ مواقف بالانحياز إلى معسكر أو آخر.

القوى الوسطى

ولفت «تشيثام» كبير المحللين السياسيين بمعهد الولايات المتحدة للسلام،  إلى أن الاستقطاب السياسي فيما بين تكتل بريكس والتكتلات الاقتصادية الغربية، وفي مقدمتها مجموعة السبع ، لا يشكل تكراراً للحرب الباردة، مشيرا إلى أن ما يسمى بـ «القوى الوسطى»، تتمتع بحصة أكبر كثيراً من النفوذ العالمي الشامل فى السياسة الدولية خلال الحقبة الراهنة، وأنه غالباً ما يُنظر إلى مجموعة البريكس على أنها مساحة رئيسية لمثل هذه القوى، وخاصة الدول غير الغربية فى الجنوب العالمي.

وأرجع «تشيتهام» أسباب  تقدم أكثر من 40 دولة بطلبات للانضمام إلى تكتل «بريكس» من خلال العضوية، إلى أنه من  المرجح أن تتمتع الدول بعلاقة خاصة مع أعضاء بنك التنمية الجديد، الذي أسسته دول البريكس ويوفر التمويل للعديد من الدول التي تبحث عن بدائل لنادي باريس الذي يهيمن عليه الغرب. بالإضافة إلى ذلك، يأمل العديد من الأعضاء المحتملين فى الحصول على نفوذ داخل تحالف صاعد من الدول غير الغربية التي تطمح إلى إعادة تشكيل النظام العالمي.

موجة تعددية

وأوضح السياسي الأمريكي أنه على مدى ما يقرب من 80 عاما، كان المسار التقليدي للتأثير والتغيير فى النظام الدولي يتم من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف، إلا توسع بريكس يكشف عن موجة جديدة من «التعددية»، وهو عبارة عن أسلوب من المشاركة الدبلوماسية يعطي الأولوية للتحالفات الصغيرة والمتوسطة الحجم من الدول ذات التفكير المماثل. وسوف يتفاقم هذا الاتجاه، الذي يشهد صعوداً فى الغرب أيضاً، بفِعل توسع مجموعة البريكس.

وقد تقدمت أكثر من 40 دولة بما فى ذلك إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإندونيسيا ونيجيريا وإثيوبيا بطلبات للانضمام.وتشعر العديد من هذه القوى المتوسطة أيضًا بالإحباط بسبب النظام الدولي الليبرالي، وتشعر بالغضب مما تعتبره هيمنة أمريكية، مع وجود العقوبات الأمريكية والغربية على رأس قائمة المضايقات. بالنسبة لهم، تقدم مجموعة البريكس بديلا.

إحدى الطرق المباشرة التي قد يؤثر بها قبول أي من هذه الدول على البريكس هي عملية صنع القرار فيها. تعمل مجموعة البريكس بالإجماع، على أن إضافة المزيد من الأعضاء يعني أن التوصل إلى توافق فى الآراء سيكون أكثر صعوبة، حيث أن كل دولة لها مصالحها وأولوياتها وعلاقاتها الخاصة.

وقد تكون البلدان التي تنضم إليها أيضاً حاسمة فى مسار مجموعة البريكس. فهل تتطور إلى ذلك النوع من الكتلة المناهضة للغرب، الذي تسعى إليه الصين وروسيا؟ فإيران، على سبيل المثال، ستكون سعيدة للغاية إذا اتبعت خطى الصين وروسيا فى تقديم بديل للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن دولة مثل المملكة العربية السعودية – على الرغم من المشاكل العديدة فى علاقتها مع واشنطن – من المرجح أن تكون أقل ميلاً نحو مثل هذا التوجه، لأنها تقدر علاقاتها الأمنية مع واشنطن.

الأمن القومي

وأشار «تشيثام» السياسي الأمريكي، إلى أنه عند وضع استراتيجية لمخاوف الأمن القومي على المدى القصير والمتوسط والطويل، يجب على الولايات المتحدة أن تراقب عن كثب تطور مجموعة البريكس، مؤكدًا أنه فى حين أن المنافسة المتزايدة باستمرار مع الصين ستظل محورية فى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن فهم النفوذ النسبي المتنامي ونقاط الاختناق المحتملة التي تحتفظ بها القوى الرئيسية الأخرى أمر بالغ الأهمية أيضًا، وأن تعزيز الارتباطات القوية مع أصدقاء، مثل الهند، وجنوب إفريقيا أمر بالغ الأهمية ــ حتى مع إظهار الأخيرة ارتباطاً أوثق مع روسيا. وأنه من الممكن أن تكون مثل هذه الشراكات بمثابة ثقل موازن، مما يضمن عدم انحراف مسار مجموعة البريكس نحو التحالف المناهض للغرب.

لا ينبغي أن يغري هذا واشنطن بالاعتماد بشكل مفرط على الدبلوماسية المصغرة على حساب الجهود المتعددة الأطراف. يعد الانخراط حتى مع الخصوم فى منصات أكبر أمرًا ضروريًا للتصدي بشكل تعاوني للتحديات الهائلة فى عصرنا.

الاتجاه الجيوسياسي

وأشار «غالاغر»، المحلل السياسي بمعهد الولايات المتحدة للسلام، إلى أن قمة البريكس جاءت خلال فترة مضطربة وشبه متوترة فى السياسة الدولية، وقد أدت المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين والحرب الروسية الأوكرانية، إلى إبراز خطوط الاتجاه الجيوسياسي، الجديد.

وأوصى السياسي الأمريكي بضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة فى الاعتبار أنه على مستوى العديد من البلدان، بما فى ذلك الشركاء التقليديون، يشعرون بالإحباط من النظام الدولي الليبرالي وغير راضين عن الأحادية القطبية فى فترة ما بعد الحرب الباردة. لقد شهد نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي صممته وقادته الولايات المتحدة واحدة من أكثر فترات السلام والازدهار العالميين ديمومة فى التاريخ الحديث. لكن لا شيء يدوم إلى الأبد. ينبغي على الولايات المتحدة أن تأخذ هذه المخاوف على محمل الجد، وأن تفكر فى كيفية إعادة صياغة، أو على الأقل تعديل، النظام المتعدد الأطراف الحالي لمعالجة هذه الإحاطات والمخاوف، والعمل مع الحلفاء والشركاء لمعالجة التحديات الرئيسية اليوم. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف تتدخل قوى أخرى، على الأرجح بطرق لا تخدم مصالح الولايات المتحدة.

وحول القوة المتزايدة لتكتل «بريكس» على الصعيد الاستراتيجي والجيوسياسي،قالت «مارجريت مايرز»، مديرة برنامج آسيا وأمريكا اللاتينية فى منظمة الدول الأمريكية، أن توسع «البريكس» يعد خطوة أكثر رمزية من أي شيء آخر، ومؤشر على دعم واسع النطاق من الجنوب العالمي لإعادة ضبط النظام العالمي.