الصحراء تتحول إلى جنة خضراء
أينما وليت وجهك فى ربوع توشكى، سترى الزرع والخير والنماء، بعد أن تحولت خلال سنوات قليلة من أرض جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، إلى جنة على الأرض، إنها توشكى التى توقفت منذ أواخر التسعينيات، وأشاع البعض أنها مشروع فاشل أهدرت فيه الأموال والجهود، ورغم ذلك كان إحياء مشروع توشكى أحد المشروعات القومية الضخمة، التى وضعتها القيادة السياسية نصب عينيها، وكان لها دور محورى فى إحياء المشروع ونجاحه خلال أقل من خمس سنوات.
إدارة الشئون المعنوية، نظمت جولة للصحفيين والإعلاميين بمزرعة توشكى إحدى مزارع الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية. وفى بداية الزيارة تحدث رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية عن توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي لإحياء العمل في منطقة توشكى مرة أخرى بعد أن أهمل المشروع منذ عام 2000، ولم يتم إنجاز المستهدف منه، بل شكك البعض فى أهمية المشروع، وكانت أول زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسي لتوشكى سنة 2015 ثم سنة 2016، وكانت زيارات فارقة بالنسبة لمشروع توشكى وإعادة إحيائه مرة أخرى.
د. نسرين مصطفى
وأوضح رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى اصحراوية أنه منذ 2017 وحتى 2019، تلقينا تكليفات مباشرة من الرئيس عبدالفتاح السيسي لدراسة إحياء مشروع توشكى من جديد، وإضافة مساحات كبيرة له، والتى بدأت باستصلاح مزرعة توشكى بمساحة 25 ألف فدان، ثم بدأت الشركة فى مشروع تنمية وزراعة جنوب الوادى بتوشكى بمساحة 500 ألف فدان عام 2019 والتى من التوقع أن تصل إلى 600 ألف فدان بنهاية 2024.
صعوبات وإنجازات
وعن الصعوبات التى واجهت المشروع يقول رئيس شركة استصلاح وزراعة الأراضى، هناك صعوبات كانت بالفعل موجودة رغم جودة الأرض وإمكانية زراعتها بناء على أبحاث ودراسات الجهات المختصة والمراكز البحثية المتخصصة، ورغم أن تلك الأبحاث قالت فى تقاريرها إن العمل فى تلك الأرض سيكون شاقا إلا أن الإرادة السياسية كانت واعية فكان لها دور أساسى فى التوجيه لتذليل كل العقبات، التى واجهت المشروع، وعلى رأس تلك الجهات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التى ذللت لنا أكبر مشكلة وهى المياه.
وأوضح رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية، أن الشركة أنشئت عام 1995، بهدف استصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية، وتقليل الفجوة الغذائية، وخلق فرص عمل للشباب، وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة، بدات الشركه باستصلاح 100 ألف فدان بمنطقة سهل بركة بالفرافرة. وعام 2017 بدأت باستصلاح مزرعة توشكى بمساحة 25 ألف فدان. وفى 2018 بدأت باستصلاح مزرعة عين دالة، بمساحة 12500 فدان، والبدء فى تنفيذ مشروع التمور بـ2.4 مليون نخلة بمساحة 37 ألف فدان بتوشكى. ومن أشهر أنواع التمور التى تزرع فى توشكى الزامبلى، والسكرى، والمجدول، والبارحى، والجويز، والعويد، والشيشي، والسيوى، ونبته سيف، وأبومعان وغيرها وجميعها على أعلى مستوى من الجودة.
وخلال الجولة داخل مزارع توشكى، قال إن هناك ما يزيد على 4 آلاف مدنى يعملون داخل الشركة، 250 فى مشروع توشكى، بجانب المئات من العمالة غير المباشرة، ومهن وصناعات مرتبطة بمشروعات الشركة الزراعية المنتشرة فى ربوع مصر.
وأضاف أن هناك الكثير من الشركات المدنية التى تشارك الشركة فى عملية التنفيذ ونجاح المشروعات، فحجم الطرق وحجم التشييد والبناء مهول يفوق كل التوقعات وهى عملية بدأت منذ 2015 كما قمنا بإنشاء مدن لسكن العمال.
وأضاف أن مزارع توشكى تروى من مياه النيل عن طريق ترعة الشيخ زايد، وليس بحيرة ناصر. أما مزارع الفرافرة والعوينات وعين دالة فتروى من مياه جوفية، نظرا للحرص الشديد على مياه النيل.
ومع بدء الجولة التقينا بالدكتور حسن أبو اليسر، الأستاذ بمعهد بحوث وقاية النباتات التابع لمركز البحوث الزراعية لوزارة الزراعة، الذى أوضح أن هناك 4 مراكز ومعاهد ومعمل تابعين لوزارة الزراعة تعمل مع الشركة داخل مزرعة توشكى وهى معهد بحوث وقاية النباتات، ومعهد بحوث أمراض النباتات، ومعهد بحوث البساتين، والمعمل المركزى لبحوث النخيل والتمور.
وأكد أبو اليسر، أنه يتم استخدام أساليب الرى الحديث داخل مزرعة توشكى، حيث يحصل كل نبات على الكمية المخصصة له من المياه بعد أن تم إجراء الأبحاث والدراسات على طبيعة الأرض والزراعات، التى ستتم زراعتها وعوامل الجو وكمية المياه.
وكشف الأستاذ بمعهد بحوث وقاية النباتات أن هناك متخصصا مقيما داخل المزرعة من تلك المعاهد والمراكز يقدم المادة العلمية والاسترشادية مدعومة بمواد تطبيقية من أجل تحقيق أقصى استفادة إنتاجية بأقل إمكانية استخدام المياه.
مشروع التمور
كانت أول محطات الجولة بمزرعة توشكى مشروع التمور، والمستهدف منه زراعة 2.4 مليون نخلة على مساحة 37 ألف فدان.
يقول المهندس الزراعى بلال شحاتة: أعمل بمزرعة توشكى منذ 5 سنوات أى مع بداية المشروع والمسئول الآن عن حصاد بلح خلاص فى إحدى مزارع توشكى وأشعر بتطور كبير، فنجحنا فى تحويل صحراء إلى مدينة متكاملة يعيش بها عدد كبير من المهندسين الزراعيين والعمال، كما وفرت فرص عمل للشباب، حيث شاركت فى استصلاح 30 ألف فدان، فالشعور بالتعمير فرحة لأى شاب فحولناها من صحراء إلى جنة على الأرض.
كما التقينا مع بعض العاملين بجنى البلح، يقول أحمد يسري، أحد المزارعين القائمين بجمع النخل: حضرت زرع هذا النخل عندما كان صغيرا منذ أربع سنوات وكان يزرع فى أرض صحراوية شديدة، وكنا ننتقل من مزرعة إلى أخرى داخل توشكى حسب موسم الحصاد، وسعيد لأنى أقوم بعمل نافع لبلدى وأدعو الشباب للعمل والبناء لخير بلدنا.
أما محمود أبو الحياس، مواطن من الأقصر فيقول: أعمل داخل مزرعة توشكى، منذ خمس سنوات ونصف؛ أى منذ تم الإعلان عن حاجة المشروع لوظائف متنوعة، ويقول كانت بحلم أنى أجد عملا فى أقصى الجنوب، كى أكون قريبا من مسقط رأسى والحمد لله أتلقى معاملة جيدة، ومرتبا جيدا، ومكانا للإقامة مريحا، حيث أقيم فى المزرعة 15 يوما، وأنزل أجازة 12 يوما لزيارة أسرتى.
ويقول محمد عبد الغنى، الذى يعمل فى مزرعة توشكى منذ 6 سنوات: أعمل فى حصاد البلح المجدول. وكانت المزرعة صحراء، إلا أننا خضرناها، وكبرت قصاد عنينا ذى ابننا لذا نحبها كثيرا، ونرتاح بالعمل فيها، خاصة مع توافر مكان للسكن وراتب مناسب.
مزرعة الليمون
وكانت المحطة الثانية مزرعة الليمون، التى تبلغ مساحتها 110 أفدنة تضم 7 آلاف شجرة ليمون، بمعدل 65 شجرة ليمون لكل فدان، بالإضافة إلى مناطق أخرى، حيث يتم تجميع الليمون الأخضر ويطرح فى الأسواق المحلية.
يقول السيد أحمد قناوي، أحد العاملين بجنى الليمون، ويتخطى عمره الأربعة عقود: أعمل داخل مزرعة توشكى منذ سنوات، وشاهدت التطور الكبير، الذى حدث بتوشكى فهو أمر لا يصدق تحولت من صحراء إلى جنة خضراء.
ويقول المهندس وائل عياد مدير مشروع شرق الريف المصرى «المرحلة الثانية» إن المشروع كان مخططا له عدة سنوات، لكن تكليفات رئاسية بأن يتم تنفيذ المشروع قبل بدء الموسم الزراعى الجديد، وهذا فرض على الجميع العمل لإنجاز المهمة المكلف بها.
مزارع العنب والمانجو
وكانت المحطة الثالثة فى مزرعة العنب، أثناء حصاد جزء منه، وقال محمد محمود أحد عمال الحصاد: سعيد بالعمل فى جنى ما زرعته من العنب وأعمل فى المزرعة منذ خمس سنوات، ولا أريد ترك المكان فأنا أعيش فى مكان نظيف متوفر به كل ما احتاجه، وكذلك أتقاضى راتبا مناسبا، فقد تزوجت وكونت أسرة أثناء عملى بالمزرعة، وأشكر كل من القائمين على مزرعة توشكى، فهم أمناء على العاملين ويسعون دائما إلى بذل كل ما فى وسعهم لتكون المزرعة آمنة وصحية.
وجاءت الجولة الأخيرة فى مزرعة المانجو، التى وصفها أحد العمال ويدعى سعيد محمد والابتسامة مرسومة على وجهه: دى جنه وأنا سعيد للعمل بها، فالزراعة مهنة جميلة تزرع الثمرة، ثم تجنيها منتهى العمار، ولا أرغب فى الانتقال لأى مكان أخر، فالسعادة أن أرى زرعتى تكبر وتثمر لتكون محصولا يشرح القلب، وأدعو الشباب يشتغلوا هنا فى المزارع؛ لأنها تقوم بالزراعة بشكل صحيح وبالعلم.
محطة رفع المياه
ومن ضمن المحطات التى شاهدناها، وكان العمل بها على قدم وساق، محطة رفع مياه. يقول المهندس إسلام عشرى، والذى يعمل فى إحدى شركات المقاولات بالمشروع، أن محطة الرفع بالكيلو 8 تبلغ أبعادها 600 متر فى 150 مترا، وتشمل 12 طلمبة، كما تبلغ القدرة الكهربائية للمحطة 11 ميجافولت أمبير، كما أن كميات الحفر الإجمالية للمحطة 3 ملايين م3، كما أن قدرتها 36 م3/ الثانية.
وأضاف عشرى، أن ما تحقق من إنجاز تنفيذى يتماشى مع المعايير العلمية والفنية سيذكر فى التاريخ، فقد استطاع المصرى تذليل العقبات وتحدى الفشل وأنجز مشروعات خلال مدة وجيزة، كانت تحتاج إلى سنوات وسنوات.
ولم يتوقف الأمر على الرجال، بل وقفت المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل لبناء مصر، حيث التقينا مع المهندسة رانيا فاير، مدير عمليات المشروع المهندسة بشركة أوراسكوم، والتى صرحت أن مدة تنفيذ المشروع كانت 24 شهراً، لكن توجيهات رئاسية صدرت بتنفيذ المشروع خلال ثمانية أشهر فقط، لكى يتم اللحاق بموسم الزراعة الجديد.
وأضافت أن الطاقة الإنتاجية لمحطة الرفع تبلغ 6.2 مليون متر3 فى اليوم، وكشفت أن 95% من الخامات المستخدمة فى المشروع، صناعة مصرية 100 %وهو الأمر الذى يدعو إلى الفخر، فرغم الأزمة الاقتصادية، التى يمر بها العالم؛ بسبب توقف سلاسل التوريد، إلا أننا تمكنا من الاستمرار فى العمل والبناء، فكانت الأيد العاملة المصرية قادرة على تحقيق المستحيل.
وفى نفس السياق، يقول المهندس حسام سيد متولي، مدير مشروع محطة الرفع، إن المحطة يوجد بها 12 طلمبة، وكان التحدى الأكبر، هو فى مدة تنفيذ المشروع وفقا للتوجيهات الرئاسية، إلا أن المصرى أكد أنه قادر على استمرار ملحمة البناء التى يشارك فيها 1500 عامل ومهندس واستشارى يعملون على مدار 24 ساعة لتنفيذ المشروع، الذى يعمل على رفع المياه 20 مترا رأسيا، ويضخ 4.6 مليون متر مكعب فى اليوم.
المكافأة الكبرى
وفى نهاية الجولة الصحفية التى استمرت لست ساعات تقريبا جاءت المداخلة الهاتفية من الرئيس عبد الفتاح السيسى للحديث مع الصحفيين والإعلاميين، والتى تحدث الرئيس خلالها عن أهمية دورهم فى تعريف الشعب المصرى، بما يتم إنجازه ودورهم فى معركة الوعى والرد على الأكاذيب التى تهدد الأمن القومى المصري.
وأضاف الرئيس نستهدف زراعة من 3 إلى 4 ملايين فدان خلال مدة زمنية لا تزيد على سنة من الآن، ونسعى لإنهاء العمل فى البنية التحتية؛ تجهيزا لموسم القمح خلال شهر أكتوبر القادم.