رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أشعلنا النار فى المياه تحت سفن الأعداء

568

عمرو حسين

قائد مجموعة فى عمليات إيلات القبطان عمر عز الدين لـ”أكتوبر”:

على مر التاريخ، أنتجت القوات البحرية المصرية أبطالا ألهبوا البحار تحت سفن الأعداء. بدأت معركتها الفعلية عندما دمرت المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر ١٩٦٧، فى عملية وصفت بالعملية الأصعب فى تاريخ البحرية المصرية. ليأتى القبطان عمر عز الدين فى الدفعة الأولى من سرية الضفادع البشرية ضمن لواء الوحدات الخاصة، ويقود مع زملائه عمليات تدمير الرصيف الحربي إيلات وناقلات الجنود بيت شيفع وبات يم.
“أكتوبر” التقت القبطان عمر عز الدين، أحد أبطال عمليات الإغارة على ميناء إيلات الإسرائيلي، يحكى لنا كواليس الملحمة التى نفذتها البحرية المصرية بضرب العمق الإسرائيلى؛ لتحطم أوهام العدو الذى كان يعتقد بأن امتلاكه “إيلات” سيرهب المصريين .

القبطان عمر عز الدين فى اثناء حواره مع محرر أكتوبر

جاءت الضفادع البشرية لتنفذ عمليات إيلات فى وقت كانت مصر تعانى من نقص حاد فى المعنويات على أثر ما حدث 5 يونيو 1967، فكانت عمليات إيلات سبيلا للقوات البحرية لاستعادة الثقة فى القوات المسلحة المصرية والبناء النفسى قبل البناء العسكرى، وتنفيذا لاستراتيجية العمق بالعمق فى مواجهة العدو، عرفنا بنفسك بك وبرافقك؟

“اسمى عمر على عز الدين، مواليد مدينة طنطا بمحافظة الغربية عام 1946، أبى رحمة الله عليه كان مهندسا زراعيا، كنا نتنقل فى كل أنحاء الجمهورية: من طنطا إلى سوهاج إلى أسوان للمنصورة لـ بنى سويف، حتى استقرت العائلة فى القاهرة، بعدما التحق أخى الأكبر بكلية الهندسة جامعة عين شمس، فالتحقت بمدرسة النقراشي وتخرجت فيها فى عام 1962، ثم التحقت بكلية الهندسة جامعة عين شمس، أسوة بأخى”.

“وفى بداية التحاقى بكلية الهندسة، تقدمت بطلب الالتحاق بالكلية البحرية العسكرية، ولكن أثناء دراستى فى الهندسة وصلنى جواب (تم قبولك فى الكلية البحرية) وبعد أسبوعين فى هندسة عين شمس، التحقت فى الكلية البحرية عام 1962 وتخرجت فى 1965”.
“تعلقت بلواء الوحدات الخاصة فى القوات البحرية، وبالتحديد الضفادع البشرية واخترتها، وهذا يعود لرغبتى فى القيام بالمهام الفدائية، ولها كشف طبى مخصوص، اجتزته بنجاح، وبدأت المشاركة فى فرقة غطس هجومية المختصة بعمل عمليات زرع الألغام”.

كان المزاج العام يتجه إلى الاستخفاف بقوات العدو الإسرائيلى حتى يوم 4 يونيو 1967، بل ويستهزئ بها، إلى أن جاء يوم 5 يونيو 1967 بواقع مرير، كيف عشت وعاش أفراد القوات البحرية هذين الشعورين المتناقضين بين عشية وضحاها؟

“أثناء تدريبنا فى فرقة الغطس الهجومية فى وحدة الضفادع البشرية، حدثت مأساة 5 يونيو 1967، وكنا شباب متحمسين، اتجهنا فور علمنا بما حدث، إلى قائد اللواء وقتها، اللواء بحرى أركان حرب حسن نزيه هلودة، وقولنا: عاوزين نحارب، وبحكمة بالغة احتوانا اللواء هلودة: هل حصلتم على شهادة التخرج وانهيتم التدريب؟ قلنا: باقى لنا 3 أشهر، رد علينا: أكملوا تدريباتكم حتى تصبحو ضفادع بشرية قادرة على تنفيذ المهام.. الشغل والعمليات قادمة وكثيرة”.

“كان الدرس المستفاد هو أن أى واحد عاوز يفيد البلد، لازم يكون عنده علم وكفاءة، وفعلا أكملنا تدريبات الضفادع، ومن حسن حظى أن كنت فى بعثة سرية أوفدت إلى فرنسا عام 1968، لشراء أجهزة غطس حديثة، وكانت أول رحلة لى فى أوروبا، اختبرنا الأجهزة فى ميناء سانت مارى الفرنسى على البحر المتوسط، حصلنا على الأجهزة واشتغلنا بها فى العمليات”.
“أذكر أن بعد نجاح عمليات إيلات، روجت إسرائيل لرواية غريبة، وهى أن تنسب النجاح للجانب الفرنسي وتداولت أنباء عن تدريبات للضفادع البشرية المصرية فى فرنسا، وهذا لم يحدث، فنحن لم نتعلم أن نكون ضفادع بشرية فى فرنسا، ولكننا اختبرنا الأجهزة فقط”.

“كانت مصر ممنوعة من التزود بالسلاح الأوروبى، فرنسا وردت السلاح إلى يوغسلافيا، ويوغسلافيا وردت السلاح إلى الجزائر، وهى التى اشترت السلاح بالنيابة عن مصر، مصر واجهت صعوبات كثيرة فى الحصول على الأسلحة الحديثة. كنا نتدرب فى الضفادع البشرية على معدات إيطالية (ماركة بيريللى) من أيام الحرب العالمية الثانية (1940 – 1944) طبعا معدات قديمة، لما حصلنا على معدات حديثة كان لها تأثير كبير فى عمليات إيلات”.

“كان الشعور يوم 4 يونيو، يملأه الزهو وكنا نفهم أن إسرائيل بلد ضعيف جدا وأن الجيش المصري هيحدد ساعة الحرب وطريقة الانتصار ويستطيع أن يصل تل أبيب فى 48 ساعة، وهذا خطأ كبير، جعل الصدمة كبيرة فى 5 يونيو، وزاد على ذلك بيانات إذاعة صوت العرب عن سقوط الطائرات حتى 8 يونيو. ومع عودة زملائنا من الجبهة، كانت صدمة مهولة، وكان شعور أى ظابط أو جندى إن إحنا أصلا لم نحارب لم نأخذ فرصة، ودى أخطاء من القادة السياسيين إنهم وهمونا بأشياء غير حقيقية، ونحن كـ “شعب مصري” عندنا أغلى حاجة الأرض (الأرض عرض).. وجدنا أن جزء غالى أوى من أرضنا أخدته إسرائيل، وكانت إهانة وعار”.

كيف كانت الفترة من 5 يونيو 67 حتى أكتوبر 73 بالنسبة لكم ؟
“مسيرة 2000 يوم وليلة بين 5 يونيو وحتى 6 أكتوبر 1973، كانت أصعب الأيام والليالى على 12 ضابطًا وصف ضابط، قوام لواء الضفادع البشرية. تحولت إلى تنافس شديد جدا، كنا نبكي عندما لا يتم اختيارنا فى عملية وتسند إلى زميل آخر، وأذكر زميلى القبطان محمود سعد (قائد مجموعة تفجير الحفار) كان أمله أن يشارك فى عملية، وعندما لم يتم اختياره، عاد غاضبا إلى بيته فى طنطا، هذا الشعور كان سائدًا”.

“تغيرت القوات البحرية فى سبتمبر 1969 بتعيين العميد – وقتها – محمود فهمي عبد الرحمن (1929 – 2006) قائدا للقوات، وهو أصغر قائد للقوات البحرية فى تاريخها (39 عاما). كان فهمي جرىء جدا، وأخرج من الملفات، خطط هجومية ضد أهداف إسرائيلية، وكان دائما يقول (من المهم التخطيط المحكم للعمليات، وأن تكون الخطة قابلة للتنفيذ) كانت توجد خطط للهجوم على موانئ إيلات وحيفا وإشدود، وقال (يلا نشتغل)”.

«فى خلال 7 أشهر، بداية من نوفمبر 1969 إلى مايو 1970، تمكن لواء الضفادع البشرية من تنفيذ خمس اختراقات لميناء إيلات، بالإضافة إلى عملية الحفار فى غرب إفريقيا على بعد 7000 كيلومتر، وهذا رقم قياسي على مستوى العالم، حضرت أربعة من خمس اختراقات لميناء إيلات، وعرفنا إن العدو الإسرائيلي يُقهر عادى، ونقدر عليهم، والسر كله فى الجندي المصري».

بالعودة إلى تفاصيل العمليات الخمس على ميناء إيلات، نجد أنها جاءت ضمن استراتيجية العمق بالعمق، بعد الغارة الإسرائيلية على الزعفرانة فى السويس، وكان الاستهداف الرئيسي للعملية هو تفجير المدمرات بيت شيفع وبات يم المستخدمتين فى عملية الزعفرانة، فكيف سارت الأمور؟

“البداية فى 9 سبتمبر 1969، عندما أغارت ناقلتى الجنود والدبابات بيت شيفع وبات يم، على الرادار فى منطقة الزعفرانة فى خليج السويس. استخدمت إسرائيل الأقمار الصناعية فى دراسة المنطقة، ونفذت عملية إنزال جنود فى الزعفرانة، تمكنوا من إغلاق الطريق، واستشهدت فصيلة مكونة من 30 ضابطا ومجندا، واستعرضوا فى الإذاعة والتليفزيون الإسرائيلي”.

“كان لحادثة الزعفرانة تأثير سيئ جدا، فأعطى الرئيس جمال عبد الناصر، تعليماته بتغيير عدد كبير من القادة، ومنهم قائد القوات البحرية، وتم تعيين العميد – وقتها – محمود فهمي، وهنا بدأت مرحلة جديدة فى تاريخ القوات البحرية، وكان أول اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة عبد الناصر، حضره قادة القوات والوحدات والوزارات السيادية”.

“فى بداية الاجتماع، قال عبد الناصر: “زى ما إسرائيل ضربت فى العمق لازم نرد عليها فى العمق”، وقال قائد القوات الجوية لا نستطيع أن نصل إلى عمق إسرائيل، فقال محمود فهمي: “يا ريس أنا عندي رجالة من الممكن تضرب إسرائيل فى العمق”، سأله عبد الناصر: “إزاى” قال قائد القوات البحرية: “أن نضرب حيفا وإيلات وأشدود، الموانئ الثلاثة الرئيسية لإسرائيل، فقال عبد الناصر: “ماشي، خلينا فى إيلات لأن ناقلات الجنود اللى نفذت الزعفرانة، خرجت منها، ابدأ التنفيذ”.

“عند عودة قادة القوات البحرية إلى الإسكندرية، طلب من قائد لواء الضفادع البشرية الرائد رضا حلمى، تجهيز الرجالة والحضور بعد أسبوع لقيادة القوات، وخلال أسبوع التجهيز لعمليات إيلات، طلب قائد القوات أن يعاين ميناء إيلات بنفسه، وبالفعل سافر اللواء محمود فهمى بجواز سفر سياحى، إلى ميناء العقبة الأردنى، ويوجد على ميناء العقبة مركز مراقبة فى مواجهة ميناء إيلات، صعد فهمى بملابس مدنية ومعه نظارة معظمة وعاين ميناء إيلات. ثم تواصل مع الملحق العسكري المصرى فى الأردن، ومنظمة فتح التى كان لها نفوذ قوى فى ذلك الوقت”.
حملت ذكريات إيلات بطولة متفردة للرائد رضا حلمى، قائد أول اختراق لميناء إيلات، ضمن خطة تطويق إسرائيل من الشمال والجنوب، وكنت شاهد عيان، فماذا رأيت؟

“خطة القيادة السياسية كانت ممتازة، حيث قال الرئيس عبد الناصر: هنضرب إسرائيل من الشمال والجنوب فى نفس التوقيت. فى الشمال تحركت المدمرتان المصريتان (الناصر والظافر) الساعة 11 مساء باتجاه الموانئ الإسرائيلية فى سواحل سيناء، وكذا تدمير منطقتى رمانة وبالوظة، لاحتوائها على مخازن الأسلحة وعتاد الجيش الإسرائيلى”.

“فى نفس التوقيت، كان أول اختراق فى 8 /9 نوفمبر 1969، من الجنوب، حيث اتجهت 3 مجموعات – المجموعة فردين – الضفادع البشرية إلى إيلات لتدمير السفن الإسرائيلية، معانا 6 ألغام، كل لغم 50 كيلو جرام، بالإضافة إلى أنابيب الأوكسجين والأجهزة والبنزين على متن زوديك. وصلنا على بُعد 2.5 كيلومتر من ميناء إيلات فى الساعة 11 مساءا، وفجأة.. تم اكتشافنا من قوات خفر السواحل الإسرائيلية، وتوجهت الكشافات نحونا، فتحول الليل إلى نهار وحدثت ارتباك شديد بين مجموعات الضفادع البشرية على متن الزوديك”.

“فى الحقيقة كان تصرف الرائد رضا حلمى قائد لواء الوحدات الخاصة.. غريب جدا، توجه إلى (البِرِوّة) مقدمة الزوديك وزود السرعة مهاجما اللانش الإسرائيلي، كان الرد الإسرائيلى أغرب، حيث انطفأ الكشاف ولاذ الجنود الإسرائيليين بالفرار من أمامنا، وأصدر الرائد حلمى تعليماته بعدم استكمال العملية لأننا أُكتِشِفنا. ولم تكن هناك نتائج ملموسة، ولكن فى الواقع اكتسبنا معرفة كبيرة بميناء إيلات وبمعرفة أن عدونا جبان”.

استهدفت عملية إيلات الأولى تدمير ناقلتى الجنود ولم تجدهم، ولكن الضفادع البشرية لا تعود بخفى حنين، نفذتم عملية أخرى أهلت للعملية الثانية، فما هى؟

“فى 15 / 16 نوفمبر 1969، خرج الـ 6 أفراد المشاركين فى العملية التى لم تنجح، لتنفيذ الاختراق الثانى أو العملية الأولى، ونقول عليها العملية الأولى؛ لأن لها نتائج ملموسة، المجموعة الأولى (ملازم أول عمر عز الدين مع الرقيب محمد العراقي) والمجموعة الثانية (ملازم أول حسنين جاويش مع الرقيب عادل الطراوى) والمجموعة الثالثة (ملازم أول نبيل عبد الوهاب مع الرقيب محمد فوزى البرقوقى).. دخلنا الميناء وكانت المفاجأة الأولى أننا لم نجد بيت شيفع أو بات يم، وكان لدينا تعليمات بتدمير أى سفن عسكرية إسرائيلية فى الميناء، لأن العدو الإسرائيلى شن غارات على أهداف مدنية مصرية كما حدث فى بحر البقر وفي خزانات النفط فى السويس”.

“وجدنا سفينيتن، سفينة كبيرة أسمها داليا، وسفينة أقل أسمها هيدروما، كنت أقدم فرد فى المياه، قررت التوجه مع الرقيب العراقى إلى السفينة داليا ومعنا لغمين، وتوجيه المجموعتين إلى السفينة هيدروما.. كانت المفاجأة الثانية أن تعطل جهاز الغطس لدى زميلى، وهذا يهدد بكشفنا، فأصدرت التعليمات له: “إرجع انت”، وحملت اللغمين باتجاه داليا، وظللت أردد “وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ” وتم تركيبهما بنجاح، ونجحت المجموعتان فى تركيب 4 ألغام فى السفينة هيدروما ولم نُكتشف ونجحت العملية”.
“فى أثناء العودة إلى نقطة الالتقاط، لم نجد الزوديك، فهو أشبه بالبحث عن أبرة فى المحيط، أكملت طريقى إلى ميناء العقبة الأردنى سباحة لمسافة 16 كيلومتر. كانت مسافة عادية لأن تدريباتنا المعتادة على مسافة 20 إلى 30 كيلومتر”.

استشهاد البرقوقى

“المجموعة الثانية عادت أيضا إلى ميناء العقبة، أما المجموعة الثالثة فكانت لها بطولتها الخاصة، وهى العلامة البارزة فى عملية إيلات الأولى، حيث استشهد بنفس راضية، الرقيب البرقوقى فى بطولة ملحمية، ليكمل نبيل عبد الوهاب بطولة أخرى، حيث سحب جثمان زميله بأسنانه لمسافة 16 كيلومتر حتى ميناء العقبة، وهذا ما يميز الجندى المصرى”
“كان من أهم مكاسب عملية إيلات الأولى هو عودة صورة الجيش المصرى كما كانت، وتحدثت كل الدول العربية عن تنفيذ الجيش المصري لأول عملية تضرب إسرائيل فى العمق.. الحقيقة جمال عبد الناصر كان سعيد جدا، ومنحنا أنواط عسكرية، لكننا لم ندمر بيت شيفع وبات يم”.

شهدت العملية الثانية تطورا استخباراتيا لتسهيل تنفيذ عمليات الضفادع البشرية، وجاءت بتدمير بات يم وإصابة بيت شيفع، كيف لمستم هذا التطور؟
“قبل الاختراق الثالث أو العملية الثانية فى 5 / 6 فبراير 1970، حدثت منافسة يبن 12 ضابطا وصف ضابط داخل لواء الضفادع البشرية، وكان زملاؤنا فى ضيق شديد لعدم اختيارهم للمرة الثانية. فتم اختيار مجموعات جديدة لعملية إيلات الثانية، كانت المجموعة الأولى (ملازم أول عمرو البتانوني مع الرقيب على أبو ريشة) والمجموعة الثانية (ملازم أول رامى عبد العزيز مع الرقيب فتحى محمد أحمد)”
“اختلفت العملية الثانية عن الأولى، لأننا كنا نتحرك مسافة حتى الحدود الأردنية السعودية، وهي تبُعد 22 كيلومتر عن ميناء إيلات، كان التحرك محفوفا بالمخاطر، فلا توجد دولة تعلم بالعمليات، لا الأردن، ولا السعودية، وكنا نتحرك متخفيين فى مدقات حتى نصل منطقة الإنزال، وفي العملية الثانية استطاعت القوات المصرية الحصول على مساعدة ضابط أردني وطني، سهل لنا الاختراق الثالث والرابع والخامس، وأصبح الموضوع يشكل سهولة، حيث اقتربنا إلى مسافة 4 كيلومترات من منطقة إيلات”.
“أشير هنا إلى أن فيلم الطريق إلى إيلات، تناول الوصول إلى ميناء إيلات عبر الاختراق الأول، والذى تضمن الممرات الجبلية”.
“أقامت المجموعتان فى فندق (هوليداى إن) فى الأردن، وكننا ننزل على أننا جنود أردنيين نتبع الضابط الأردنى، وكنا بعد تنفيذ العملية نسلم أنفسنا إلى سلطات ميناء العقبة الأردنى، صادفنا توفيق كبير فى العملية الثانية، حيث توجهت المجموعة الأولى (البتانونى وأبو ريشة)، إلى ناقلة الجنود بيت شيفع، والمجموعة الثانية (عبد العزيز وفتحى) إلى ناقلة الجنود بات يم، وكان توقيت انفجار اللغم بعد ثلاث ساعات”.
“من حسن الحظ أن الألغام وضعت تحت مخزن ذخيرة، فكان تفجير بات يم مدويًا ومضيئا فى سماء خليج العقبة، ما أدى إلى تدمير السفينة وغرقها بالكامل، تنبهت إسرائيل سريعا إلى وجود الضفادع البشرية المصرية تحت مياه الميناء، أصدروا تعليماتهم بشحط السفينة بيت شيفع، (سحبها للرمال) لأنهم لن ينزلوا للبحث عن ألغام تحت الماء وهناك احتمال لانفجارها، وبالفعل انفجرت الألغام فى جسم السفينة على الشاطئ، أصيبت السفينة ودخلت مياه فى جسم السفينة لكنها لم تغرق، فكانت النتيجة تدمير بات يم بالكامل وإصابة بيت شيفع”.

رغم أنف موشيه ديان ومن أجل بيت شيفع، اخترقتم الشباك الحديدية تحت المياه، وتحديتم العبوات الناسفة ونُفذت العملية الثالثة، التفاصيل؟
“فى نهاية فبراير 1970، وعلى أثر تفجير ناقلتى الجنود فى الميناء، أعلن موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلى (1967- 1973) فى تصريح مستفز: (مفيش مصري هيعدي الميناء بعد ذلك) وبعد شهرين أعلنت إسرائيل عن الانتهاء من إصلاح بيت شيفع ودخولها الخدمة فى أبريل 1970، فجاءت معلومات مصرية فى 8 و9 و10 إبريل بعودة الناقلة البحرية للخدمة، وعلينا أن نتجهز للعملية الثالثة”.
“أجرى موشيه ديان عدة تدابير احترازية تحول دون تمكن الضفادع البشرية، فكانت السفن الإسرائيلية تخرج من الميناء مع غروب الشمس وتعود 7 صباحا، بحيث يكون الميناء فارغ ليلا، وجرت العادة أن الضفادع البشرية تشتغل فى الظلام، بالإضافة إلى شبكة من الأسلاك الحديدية تغلق الميناء من الأسفل، وإلقاء القنابل فى المياه كل يوم وفى فترات زمنية قريبة جدا، فكان القرار أننا سوف نفجر بيت شيفع فى وضح النهار”.

استخدمتم حطام بات يم لتدمير بيت شيفع، فكيف كانت إمكانية تنفيذ خطة المخابرات فى الاختبار الرابع؟

“وضعت المخابرات المصرية خطة بناءً على تصوير بات يم “الغرقانة”، ويظهر جزء من مقدمتها على سطح الماء، تقوم الخطة على تحرك مجموعة ليلا للاختباء فى جسم السفينة (بات يم) ومعهم الألغام، وتم تحديد مجموعة واحدة لأن المقدمة صغيرة جدا ولا تسمح إلا باختباء فردين فقط فى الجزء الظاهر من السفينة، وتُبعد (بات يم) عن رصيف ميناء إيلات 200 متر، وعندما يأتي الصباح تغطس المجموعة فى الـ 200 متر، لو رآنا العدو فأننا شهداء، ولو نفذنا العملية فأننا منتصرين، وفي الحالتين إحنا كسبانين”.

“بالفعل دخلت الخطة حيز التنفيذ فى 23 / 24 أبريل 1970، والفكرة كانت بسيطة جدا، والحقيقة كان لي الشرف لأني كنت الأقدم، وبالفعل ذهبت أنا وعلي أبو ريشة، ووصلنا فعلا إلى الجزء الظاهر فى مقدمة السفينة، ودخلنا فى مكان صعب أوي، لا يكفى فردين ولا يصلح للانتظار 10 ساعات، إلا لو كنت تحت المياه، ولو كنا قعدنا تحت المياه الأكسجين كان هيخلص، لأن الحد الأقصى للأكسجين ساعة أو ساعة ونصف، فقررت الرجوع، القائد أشاد بقرارى قائلا: تصرفت بالطريقة الصحيحة، رديت: مقدمة السفينة لا تصلح لتنفيذ الخطة، ولكن الاستفادة كانت فى معرفة أن الإسرائيليين زادو فى تفجير العبوات الناسفة تحت المياه وكانت كل 3 دقائق تقريبا، ورأيت الشباك تحت المياه، وتمكنا من العبور من تحت الشباك، وأخذنا ثقة أنه بالرغم من هذه الصعاب، بل إننا ممكن أن نخترق وندخل”.

مثلت آخر العمليات فى ميناء الإيلات، دافعا كبيرا أمام الإسرائيليين للمطالبة بوقف إطلاق النار، بسبب سقوط القتلى وتدمير الرصيف الحربى، فماذا فعلتم بهم؟

“الاختراق الخامس، والعملية الثالثة، ودي كانت آخر عملية فى الميناء الإسرائيلي، كانت يوم 14- 15 مايو 1970، وكانت إسرائيل تحتفل بذكرى إنشاء دولة الاحتلال عام 1948، ولكن هذا بالنسبة لنا ذكرى اغتصاب فلسطين، فقولنا ننكد عليهم فى يوم فرحتهم، زي ما نكدنا عليهم بعد كدا فى يوم الغفران”.

“اتجهنا إلى تنفيذ خطة بديلة، تقوم على دخول مجموعات الضفادع ليلا إلى ميناء إيلات، ووضع ألغام شديدة التفجير فى جسم الميناء ورصيف تواجد بيت شيفع، يصل وزن اللغم إلى 150 كيلو جرام، ونصنعه من مادة تأثيرها يساوى 1.5 تأثير مادة TNT، ونزود ضبط التفجير إلى 12 ساعة، بحيث نصل 12 ليلا، ويتم التفجير 12 ظهرا، نكون متأكدين أن السفينة موجودة، إذا لم تصيبها المتفجرات فإن الموجة الانفجارية كفيلة بتدميرها”.

“توجهنا فى مجموعتين (4 أفراد)، المجموعة الأولى بقيادة عمر عز الدين، والمجموعة الثانية بقيادة ملازم أول نبيل عبد الوهاب ومعه النقيب فؤاد رمزى، وهجمنا فى 15 مايو، تم اختيارنا لأننا نعرف السكة جيدا، ورايحين جايين على هناك، وأثناء تنفيذ العملية ونحن تحت المياه، حدثت مفاجأة أخرى، أجهزة توازن الألغام تأثرت بالعبوات الناسفة التى يلقيها الجنود الإسرائيليين فى المياه، وصعدنا نحن الأربعة إلى سطح المياه والألغام تفككت، وانفجرت أذن زميلى على أبو ريشة، فطلبت منه العودة إلى نقطة الالتقاط”.
“من الحظ الجيد أن الجندى الإسرائيلى الذى ألقى العبوة الناسفة، استدار عائدا ولو نظر تحت قدمه لرآنا، يرانا أثناء صعودنا إلى سطح الماء، وبحثنا عن أحجار أو حديد لوضع وزن على اللغم لينزل لأسفل ونكمل الغطس، إلا أن الرصيف الإسرائيلي كان نظيف جدا، تبادر إلى ذهننا أن نربط الألغام بحزام الرصاص الذى نرتديه، وأصبحنا نحن والألغام كتلة واحدة، ولكننا أكملنا مهمتنا وتم تركيب الألغام، وتمكنا من العودة”.

“حدثت مشكلة أخرى لم ننتبه إليها إلا بعد عودتنا، وهى أن اللغم الأول انفجر الساعة 7 صباحا، وكان من المفترض أن ينفجر الساعة 12 الظهر. انفجر أثناء دخول بيت شيفع إلى الميناء، ومع الأسف، المركب لم تصب”.

“ومن المعتاد فى طريقة عمل الضفادع البشرية، أنه بعد انفجار لغم فى أى ميناء، فإن الضفادع البشرية تنزل إلى المياه لمعاينة الأسباب والأضرار ويكون ذلك بعد نصف ساعة وأكثر، وبالفعل نفذت إسرائيل الإجراءات اللازمة، ونزلوا بعد نصف ساعة، وكان من حظهم السيئ، انفجار اللغم الثانى أثناء وجود الضفادع البشرية الإسرائيلية فى المياه، وقالت الإحصائيات المصرية أنه قتل 14 شخصا من الإسرائيليين، ولكن العدو يقول أنهم 6 إصابات وقتيل واحد، بالإضافة إلى تدمير الرصيف الحربى بالكامل”.

“وبعد انتهاء عمليات ميناء إيلات، توجهت الخطط البحرية المصرية إلى ميناء حيفا، إلا أن القيادة السياسية وقعت اتفاقية وقف إطلاق النار فى أغسطس 1970، إلى أن جاء 6 أكتوبر 1973 والعبور العظيم”.

كانت القوات البحرية ذراعا قوية فى حرب أكتوبر 1973، ما هى التكليفات التى أسندت إلى لواء الضفادع البشرية فى حرب أكتوبر؟

“عملت الضفادع البشرية عملية واحدة يوم 7 أكتوبر، وكان العدو أثناء احتلاله سيناء يسرق النفط، حيث توجد حقول بحرية وحقول برية فى منطقة بلاعيم: (بلاعيم البحرية – وبلاعيم البرية)، وكان التكليف بتدمير المنشآت الإسرائيلية التي توجد فى حقل بلاعيم البحري، وفي نفس الوقت، يتولى فريق من الصاعقة البحرية تدمير خزانات النفط الموجودة فى حقل بلاعيم البري”.
“نحن لا نعتبرها من العمليات الكبرى، لأننا تخيلنا أننا سوف نواجه جنود الاحتلال الإسرائيلى، إلا أنه عند وصولنا فى اليوم التالي، وجدنا كل المنشآت فارغة، ولا يوجد أى جنود.. أكملنا المهمة، ووضعنا الألغام بنجاح وتم تدمير الحقل بالكامل، وتم إغراق الرصيف الرئيسي، وغابت الإثارة عن العملية، لأن (الجندي الذي لا يُقهر) هرب من أرض المعركة مبكرا”.

ما هى التكريمات والأنواط التى حصلتم عليها؟
“كرمنا الرئيس جمال عبد الناصر، ومنحنا نوط الجمهورية العسكرى. والرئيس أنور السادات منحنا نوط الترقية الاستثنائية، والرئيس عبد الفتاح السيسي أعطانا (النجمة العسكرية) وهى أعلى وسام عسكرى.




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.