رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

الفلاشا.. نموذج ازدواج معايير الدولة العبرية

400

تظاهر إسرائيليون من ذوي البشرة السمراء، للمطالبة بالمساواة ووقف العنصرية ضدهم من جانب مجتمعهم، مشهد كان متكررا، على مدار السنوات الماضية، في تل أبيب وغيرها من مدن دول الاحتلال الإسرائيلي، وكان من «المنغصات»، للحكومات العبرية المتعاقبة، خاصة الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، الذي وجد في الحرب على غزة وقتل أطفالها ونسائها حلا لواحدة من مشكلاته الداخلية المتعددة.

علا عبد الرشيد

يقترب عدد الإسرائيليين من أصول إثيوبية إلى نحو 150 ألف شخص، يمثلون أقل قليلا من 2 % من تعداد السكان، بحسب تقرير لإذاعة «مونت كارلو»، غالبيتهم يمارسون أعمالا منخفضة الأجور لا تحتاج إلى تأهيل علمى.

قانون العودة

ويؤكد الإثيوبيون أنهم يتعرضون للاضطهاد، رغم أن أسلافهم لم يكونوا عبيدا لدى ذوى البشرة البيضاء، بل قدموا إلى إسرائيل طبقا لما أطلق عليه قانون العودة، الذى أطلقته دولة الاحتلال، مثلما وصل نظرائهم من دول أخرى.

وسلط تقرير مطول نشرته صحيفة «هآرتس» العبرية مؤخرا، الضوء على تباين معاملة اليهود من أصل إثيوبى فى المجتمع العبري، فبينما يلقون التقدير والترحيب جراء مشاركتهم فى الحرب على غزة، لا يبلغون ذات المعاملة فى فترات السلم أو بعد الانتهاء من مهامهم القتالية.

وقتل فى المواجهات مع المقاومة الفلسطينية فى غزة، منذ 7 أكتوبر الماضي، 22 جنديا إسرائيليا من أصل إثيوبى، مشكلين نحو 3% من إجمالى قتلى جيش الاحتلال البالغ عددهم 626 قتيلا ماتوا منذ هذا التاريخ.

انتماء مزعوم

ورأت الصحيفة العبرية، أن نسبة قتلى الجنود الإسرائيليين من أصل إثيوبي، كبيرة مقارنة بعددهم، مرجعة هذا الارتفاع لإقبال تلك الفئة على الخدمة العسكرية خلال السبعة أشهر أخيرة، لسببين الأول أن يلقون التقدير الذى يفتقدونه فى الأيام العادية، والثانى مزاعمهم بأن مشاركتهم هى نوع من الوطنية والانتماء لكيان الدولة العبرية.

ويطلق على اليهود من أصل إثيوبى فى إسرائيل «الفلاشا»، تشمل المهاجرين من إثيوبيا وأبنائهم، الذين نقلت السلطات الإسرائيلية الجزء الأكبر منهم فى إطار العملية السرية «سولومون» فى تسعينيات القرن الماضي، وشاركت فيها الموساد، فيما تتزايد روايات حول جذورهم إذ يسمون أنفسهم «بيتا إسرائيل» أو «بيت إسرائيل»، فيزعمون أن أصولهم ترجع إلى النبى سليمان وملكة سبأ بلقيس.

تيار مختلف

واعترف الحاخام الأكبر السابق لليهود الشرقيين «السفارديم» فى إسرائيل، يوسف عوفاديا، بيهودية الفلاشا عام 1973، بإعلانهم قبيلة من سلالة سبط «دان»، بحسب روسيا اليوم، التى أشارت إلى أنه رغم أن التيار الإثيوبى من الديانة اليهودية أحد أقدم فروع اليهودية، إلا أنه يختلف عن بقية يهود العالم، وفقًا لإحصائيات جيش الاحتلال، فإن 67% من الإسرائيليين الرجال فى الداخل، والبالغ أعمارهم 22 عامًا الآن، وكانوا مؤهلين للتجنيد، أدوا بالفعل خدمتهم العسكرية، فى حين أن النسبة بين ذوى الأصول الإثيوبية وصلت إلى 83 %، بحسب «هآرتس».

ممارسات تمييز

ويشكل اليهود من أصول أثيوبية، فى مدينة «كريات ملاخي» العبرية، أكثر من 15 % من السكان، عبر الكثير منهم عن فخرهم بشعورهم بالانتماء إلى دولة الاحتلال عقب اندلاع الحرب، لكنهم فى الوقت نفسه تحدثوا عن تواصل ممارسات التمييز بحقهم، كما أشارت «هآرتس»، التى أوردت أيضا، حديث، شيران وساريت، الشاباتان الإسرائيليتان، ابنتا الثلاثينيات، عن التناقض الذى يعيشه مجتمعهما الآن، فمن ناحية، هناك شعور بالوطنية الحقيقية والتعبئة الهائلة بسبب الحرب، فضلا عن جمع التبرعات والأموال لمساعدة الضحايا ودعم المجهود الحربي، والشعور بأن أبناء مجتمعهم يدفعون أثمانا باهظة من أجل بلادهم، دون أن يحصلوا على التقدير والامتنان من الحكومة أو المجتمع أو حتى الإعلام العبري..

وأرجعت إحدى الإسرائيليتين، عدم التقدير لجهود أبناء طائفتهم، لأنهم ليسوا نافذين بالقدر الكافى، وفى بعض الأحيان لا يريدون الدعاية، كما أن المجتمع ليس قويًا بما يكفى لرفع مستوى الوعى بقصتهم، فيما قال آشر سيوم 40 عامًا، قائد سرية فى وحدة احتياط فى لواء مشاة، إنه كل بضعة أيام يسمعون عن مقتل جندى من أبناء طائفتهم، ما جعله وغيره منه يعتقدون أنهم بالفعل جزء من المجتمع العبري، مستطردا: « لكن يبدو أننا عدنا إلى سابق عهدنا لاحقا».

وظائف دنيا

وأشار تقرير، نشره مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي، فى مايو الجاري، إلى أن 9 %، من المعتقلين فى إسرائيل بين عامى 2019 و2023 كانوا من أصل إثيوبي، وهذا يعنى أنها أكبر فئة تتعرض لتلك الممارسات، مقارنة بأعدادهم القليلة فى البلاد، فيما أظهرت نتائج دراسة أجريت عام 2022 فى جامعة بن جوريون، أن نسبة حاملى الشهادات الأكاديمية حتى سن 27 عامًا بين المنحدرين من أصل إثيوبى ضئيلة، خاصة بين الرجال، وبالإضافة إلى ذلك ورغم أن نسبة الشباب من أصل إثيوبيا، الذين يعملون أعلى منها فى المجموعات السكانية الأخرى، فإن القليل منهم ينتمون إلى فئات الدخل المرتفع.

وبحسب تقرير صدر عام 2021 عن مركز أدفا لتحليل السياسات فى تل أبيب، فقد ارتفع معدل توظيف النساء من أصل إثيوبي، بشكل حاد فى الفئة العمرية 25-64 عامًا من 20.3 % فى عام 1995، إلى 75.1 % فى عام 2016، لكن تقريرا صدر عن وزارة العمل، وجد أنه على الرغم من ارتفاع معدل التوظيف بين الأشخاص من أصل إثيوبي، فإن العديد منهم يعملون فى وظائف معظمها «دنيا» لا تتطلب مهارات معقدة أو شهادات أكاديمية، مثل العمال المتعاقدين فى مجال التنظيف والأمن، دون أفق عمل واضح ومستقر.