تقارير
الغش العقاري جريمة والفاعل «معلوم»
By amrيونيو 26, 2024, 14:45 م
2023
-كشفتها حوادث انهيارات متكررة بالمحافظات والمدن الجديدة
عالم العقارات فى مصر مليء بالخبايا والأسرار، بعد أن أصبح سوقا مفتوحا لا تحكمه القوانين، ومن بين هذه الأسرار والخبايا الغش فى مواد البناء، خاصة مع ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت، وغيرها من مدخلات البناء، الأمر الذى يدفع المقاولين وأصحاب الشركات العقارية بعدم التزامهم بالمواصفات القياسية المقررة وكود البناء المصرى فى بناء وإنشاء العقارات، والمهندسون يقتصر دورهم على استخراج شهادات من نقابة المهندسين فقط، والنتيجة عقارات غير آمنة، وجريمة بدون متهم، «أكتوبر» تفتح ملف ألاعيب المهندسين والمقاولين فى سوق العقارات وتحذر المواطنين من جرائم «الغش العقاري».
عمر البدري
قديما كانت جريمة الغش فى مواد البناء جناية عقوبتها السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على قيمة الأعمال المخالفة. وهذا الأمر كان يزيد من مسئولية مشيد العقار ويظل مسئولاً عن جريمة الغش لمدة عشر سنوات هى ميعاد انقضاء الدعوى الجنائية فى مواد الجنايات، تحتسب من تاريخ وقوع الغش، وهى تطابق مدة الضمان العشرى المنصوص عليها فى القانون المدنى.
وقديما أيضا كانت شدة العقوبة تصل لحظر التعامل نهائياً مع المقاول أو المشرف على التنفيذ بحسب الأحوال، وذلك للمدة التى تعينها المحكمة.
وظل هذا الوضع قائمًا إلى أن خرج علينا المشرع بقانون البناء الموحد الذى ألغى القانون سالف الذكر، وخفف من مسئولية مشيد البناء، واستبدل العقوبة بجنحة بعد أن كانت جناية! وأصبحت الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، والغرامة لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة بحد أدنى خمسين ألف جنيه، ولا تجاوز ثلاثة أمثال قيمة الأعمال المخالفة وخيّر المشرع المتهم ما بين الحبس أو الغرامة، وعادة تميل المحاكم إلى إلغاء عقوبة الحبس فى الاستئناف.
وتعاقب المادة 99 من قانون البناء مهندس الحى بالحبس والغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أخل بأى من مهام وظيفته، ويجوز الحكم فضلا عن ذلك بالعزل من الوظيفة، وتتعدد العقوبات بتعدد المخالفات. الجدير بالذكر أن هذه المادة نادرة التطبيق برغم انتشار الفساد فى المحليات، وإذا طبقت فتقتصر العقوبة على الغرامة – يسددها من عائد الفساد – دون الحبس أو العزل.
انهيار المباني
مؤخرا أصبحت كوارث انهيار المبانى تتكرر بصورة شبه يومية، على الرغم أن معظمها حديث البناء فى المحافظات توجد العديد من قرارات الإزالة، والترميم، والتنكيس، تصدرها الإدارات الهندسية بالمحليات، ويتحايل المخالفون على التنفيذ، بتقارير وشهادات هندسية مضروبة مقابل حفنة من المال والنتيجة انهيار أغلبها، ففى منتصف العام الماضى انهار الجزء الأمامى من عقار بمحافظة الإسكندرية، نتيجة إضافة طابق جديد إلى العقار فى الدور الرابع عشر، وعدم التزام الملاك بترميم المبنى الذى تم إنشاؤه منذ حوالى 50 عامًا، وقررت النيابة استدعاء كل من مدير التنظيم ومدير الإدارة الهندسية بحى المنتزه أول للتحقيق معهم.
المدن الجديدة
حتى المدن الجديدة طالها فيروس الغش العقارى، ففى بداية عام 2024 شهدت مدينة 6 أكتوبر وتحديدا فى الكيلو 28 واقعة مأساوية بعد انهيار مبنى تسبب فى مقتل أثنين وإصابة أربعة آخرين، وتم إخطار النيابة التى تولت التحقيق، وطلبت تحريات الأجهزة الأمنية عن ملابسات الحادث وسبب سقوط سقف المبنى.
وفى أغسطس 2023 شهدت مدينة القاهرة الجديدة واقعة مأساوية أخرى، بعد انهيار سطح مول تجارى مكون من 4 طوابق، دون إصابات نظرًا لكونه تحت الإنشاء، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وتم تحرير المحضر اللازم، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات بالواقعة.
وفى محافظة البحر الأحمر انتشلت الأجهزة الأمنية منذ أيام جثث 3 أشخاص انهار فوقهم سقف فندق بمدينة مرسى علم، وتم تحرير محضر بالواقعة وأخطرت الجهات المختصة لتولى التحقيقات وإيداع الجثث بمشرحة المستشفى.
وفى فبراير الماضى أصيب ٤ بسبب سقوط سقف مصنع تحت الإنشاء أثناء مستوى الصب وذلك بمنطقة الـ١٠٠ فدان بمدينة بدر وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات بالواقعة.
الأجهزة المعنية
المهندس سليمان محمد مسئول سابق بهيئة المجتمعات العمرانية أكد أن الغش العقارى ليس فى مواد البناء فقط، مشيرًا إلى وجود أسباب أخرى منها على سبيل المثال ظاهرة «المشاركات» المنتشرة بالمدن الجديدة، وبيع قطعة الأرض بأكثر من توكيل، وأوضح أن هذه الظواهر انتشرت بعد قيام وزارة الإسكان بطرح الأراضى المتميزة، والأكثر تميزا، والتى من المفترض أن يكون تخصيصها لشخص بحاجة لبناء مسكن خاص به ولأسرته، إلا أن هذا لم يحدث ويتم المتاجرة بهذه الأراضى بموجب توكيلات، فضلا عن طرحها للمشاركة فى البناء بموجب عقد، وأكد أن كل هذه الحيل تتلاشى معها المسئولية حيث لا يوجد مالك محدد يمكن محاسبته فى حال وجود غش أو تلاعب فى مراحل البناء، وأكد سليمان أن هذا النوع من البناء يكون هدفه الاستثمار، والاستثمار المربح لا يتم إلا بوجود تلاعب فى مواد البناء والابتعاد عن المواصفات القياسية وهذا غالبا ما يحدث.
وعن دور الأحياء بالمحافظات أو أجهزة المدن الجديدة أكد سليمان أن دورها مقصور على استيفاء الأوراق وشهادات الإشراف وتقارير المهندسين، مضيفًا: فى المدن الجديدة مثلا يقتصر دور أجهزة المدن على المعاينات للتأكد من الردود ومطابقتها للرسومات المعتمدة، وأضاف سليمان أن أجهزة المدن الجديدة أو الإدارات الهندسية بالأحياء ليس لديها أى دليل مؤكد على وجود غش فى عملية البناء لأن ذلك ليس من اختصاصها، إنما هى مسئولية المقاول والمهندس المشرف.
وعن كيفية منع «الغش العقاري» قال المهندس سليمان: منظومة البناء فى مصر بحاجة إلى قانون واضح وشفاف، قانون يحدد المسئوليات ويجعل كل من المالك والمهندس ومقاول البناء مسئولين أمام القانون كل حسب اختصاصه فالمالك يعاقب لأنه يسعى للربح حتى ولو كان على حساب حياة وسلامة المواطنين، وكذلك الأمر بالنسبة للمقاول الذى لا يلتزم بالمواصفات الهندسية المطلوبة فى عملية البناء، أم المهندس فيعاقب أيضا لأنه سمح بكل ذلك وغاب دوره الإشرافى واستخدام صلاحياته فى إيقاف الأعمال لمخالفتها شروط البناء.
شهادة مهندس
نصر جيلانى مهندس مدنى كشف عن العديد من المفاجآت فى هذه القضية مؤكدا على تفشى جريمة «الغش العقاري» فى كل مكان فى مصر والتى بدورها تقلل من العمر الافتراضى للمبنى، فضلا عن تعرضه للانهيار السريع فى حال تعرض البلاد لهزة أرضية شديدة فضلا عن حدوث هبوط فى الأرضيات وشروخ فى الحوائط، وأرجع جيلانى ذلك للعديد من الأسباب أولها قانون البناء الذى استهان بحياة المواطنين وجعل أرواحهم أرخص من العقوبة التى ينالها المهندس المستهتر وهى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، والغرامة لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة بحد أدنى خمسين ألف جنيه فهى عقوبة غير رادعة، أما السبب الثانى هو غياب دور المهندس المشرف على عملية البناء واقتصار دوره على استخراج شهادة الإشراف لكونها مستند مهم لاستخراج رخصة البناء، أما السبب الثالث يرجع للوائح وقوانين نقابة المهندسين التى لا تسمح بمنح المهندس سوى 5 شهادات إشراف كل شهرين، وأن نقابة المهندسين تسمح للمهندسين بإلغاء شهادات الإشراف بعد أن قدمها كمستند لاستخراج الرخصة وهكذا يتم تداول شهادات الإشراف بعيدا عن أهميتها وهدفها الأساسى، أما السبب الرابع من وجهة نظر المهندس نصر جيلانى فيتمثل فى روتين العمل فى الأحياء، وأجهزة المدن الجديدة حيث يكتفوا بالأوراق فالمهم لديهم شهادة إشراف المهندس المعتمدة من نقابة المهندسين التى بدونها لا يسمح باستخراج رخصة البناء، وللقضاء على هذا العبث على حد وصف جيلانى أكد على أهمية تغليظ العقوبة لكل من يتسبب فى انهيار عقار وأن تطول العقوبة كلا من المالك والمقاول والمهندس وأن تكون عقوبة المهندس أشد والتى يجب أن تصل لحد الشطب من جداول النقابة ومنعه من مزاولة المهنة ، وتفعيل دور الإشراف الهندسي، وأن تجبر النقابة المهندسين على الإشراف الفعلى ويأخذ حقه من المالك كاملا ومن ثم يعطى حق النقابة مشيرا إلى أن هذا الإجراء لو تم تطبيقه سيوفر فرص عمل كثيرة لشباب المهندسين.
رأى المهندسين
لخطورة هذه القضية كان لزاما علينا أن نسأل نقابة المهندسين كيف تحمى المواطنين من خطورة جريمة الغش العقارى؟
أوضح دكتور مهندس محمد عبد الغنى عضو اللجنة الاستشارية العليا بنقابة المهندسين أن النقابة ليس لها دور محدد فى حماية المواطنين من هذه الجريمة، وأوضح أن المهندسين الذين يقومون بالإشراف على مشروعات عقارية هم تابعين لنقابة المهندسين، ومن هنا يجب على المواطن الذى يقبل على شراء عقار أن يتحقق من أن الشركة أو المطور العقارى لديها مهندسين محترمين وذو سمعة طيبة وليس لديهم أى مخالفات، وذلك من خلال النقابة. وأشار د. محمد عبد الغنى إلى أن هذا خط أول للحماية وهو التحقق من جدية المطور والمالك فى مشروعاته السكنية، وأنه يعمل وفق القانون، ولديهم عناصر عمل ذات كفاءة ومهنية.
وشدد عبد الغنى على ضرورة قيام المقاول أو المطور أو مالك قطعة الأرض بإبلاغ نقابة المهندسين فورا فى حال وجود خطأ هندسى أو تلاعب لتقوم النقابة بدورها بالتحقيق مع المهندس المسئول عن العمل وفى حال تأكد النقابة من ثبوت التقصير تتخذ ما لديها من إجراءات قد تصل لحد الشطب من جداول النقابة ومنعه من مزاولة المهنة.
وعن ظاهرة التعاقدات الشخصية مع المهندسين بموجب شهادات الإشراف المعتمدة من نقابة المهندسين، أوضح د. محمد عبد الغنى أن شهادة الإشراف مستند رسمى تطلبه الجهة الإدارية لاستخراج رخص بناء لقطع أراض تخص مواطنين وذلك من خلال التعاقد مع المهندس، وأضاف هذه الشهادات مؤقتة وفى أغلب الأوقات تكون وهمية ويقوم المهندس بإلغائها بمقابل مادى، مؤكدا أن هذا يعد تلاعبًا ويعرض المواطنين للخطر لأن صاحب الأرض يقوم باستكمال مشروعه السكنى بدون إشراف هندسى، ومن هنا يأتى دور نقابة المهندسين فعند إلغاء الشهادة يتم إخطار جهاز المدينة فى المدن الجديدة، أو الأحياء فى المحافظات بإلغاء شهادة الإشراف ومن ثم يجب ان يقوم الجهاز الإدارى بإيقاف العمل فورا فى المشروع وهذا لا يحدث للأسف، وفى حال قيام المهندس بتكرار إيقاف شهادات الإشراف قبل 6 أشهر وهى مدة كافية لإنهاء المشروع يوضع المهندس تحت المسائلة، مشيرا إلى أن تكرار إلغاء شهادات الإشراف يعد متاجرة تعرض المواطن والاستثمار العقارى للخطأ ونقابة المهندسين لن تسمح بذلك، وعلى النقابة أن تضع نظام متابعة شديدة لوقف هذه الظاهرة.
تحذير قبل الشراء
يقول نبيل طاحون محام: حتى لا يقع المواطن ضحية للغش العقارى هناك إجراءات عديدة يجب عليه القيام بها قبل شراء أى عقار، وحذر طاحون من ضرورة مراجعة مستندات الملكية والتأكد من كونها مسجلة، والتأكد من الصفة القانونية للبائع، ويجب مراجعة تراخيص البناء، بالإضافة إلى عدة بنود يجب توافرها فى عقود البيع العقاري.
فينبغى أن يتضمن العقد اسم المشترى واسم البائع ومحل الإقامة ومهنة الطرفين، وهناك مجموعة بنود يجب أن يشتمل عليها العقد منها:
البند الأول: يجب أن يُقر البائع بالبيع للمشتري، وتحديد مواصفات العقار بالتفصيل من حيث المساحة وعدد الأدوار، وإذا كانت شقة يجب كتابة بيانات العقار الموجودة به.
البند الثاني: أن يُقر المشترى بمعاينته للشقة أو العقار.
البند الثالث: تحديد ثمن البيع وطريقة السداد.
البند الرابع: تحديد وقت التسليم.
البند الخامس: أن يضمن البائع كافة الحقوق العينية والشخصية وأن يُقر بخضوعه للمُسائلة القانونية وغير القانونية.
البند السادس: تحديد قيمة الشرط الجزائى المُلزم دفعه من قبل البائع أو المشترى فى حالة إخلال أيٍّ منهما بأى بند من بنود العقد.