رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

السفير عبد الرحمن صلاح: كانت الضربة القاصمة للمشروع التركي في المنطقة

81

تكبدت «تركيا» تكلفة سياسية واقتصادية باهظة جراء دعمها لجماعة الإخوان «الإرهابية»، ظنت لسنوات أنها ستستعيد مجد العثمانيين من خلال التنسيق مع الجماعات الإسلامية فى المنطقة، وتحت حكم حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان ظهرت استراتيجية تهدف إلى استعادة تاريخها كقوة إقليمية ذات تأثير تتحكم فى مصائر الشعوب، ومع هذا، أفشلت ثورة 30 يونيو المخططات التركية والدولية.

ووجدت أنقرة نفسها متورطة فى صراعات مع جيرانها، مما حد من قدرتها على تحقيق ما تريد ولم تحقق تركيا التوازن اللازم بين دورها الإقليمى ودعمها لتيار الإخوان فى المنطقة، وهو ما أثر سلبا على قدرتها فى استخدام الجماعة كوسيلة فعالة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية.

محمد وديع

أنقرة اليوم ليست كأنقرة الأمس و لا تزال لديها فرصة لاستعادة العلاقات مع القاهرة إذا ما قامت بتقييم سياساتها واستراتيجياتها بشكل شامل ووازنت علاقاتها الخارجية بشكل أكثر حكمة وتخلت عن التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية وإذا عززت الجسور بين الثقافتين التركية والعربية لتعزيز التفاهم والسلام من خلال الدبلوماسية فالحوار والتعاون هما مفتاح السلام الدائم فى منطقتنا.

السفير عبد الرحمن صلاح، سفير مصر السابق فى أنقرة كان شاهد عيان فى تركيا على فترة تولى الإخوان المسلمين مقاليد السلطة فى مصر..  حاورته أكتوبر للتعرف على التفاصيل المثيرة للأحداث، التى عاصرها والتحديات السياسية المعقدة التى واجهها.

وفى البداية، أكد السفير عبد الرحمن صلاح، مساعد وزير الخارجية السابق، أن الضربة القاصمة لطموحات أردوغان من مصر جاءت حين قامت ثورة شعبية ضد حكم الإخوان المسلمين بعد أن ثبت فشلهم ومحاولتهم الانفراد بالحكم، مشيرًا إلى أن الجيش المصرى ساند ولمرة ثانية الإرادة الشعبية وتخلص من الرئيس المنتخب محمد مرسى وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الجمهورية ليبدأ فترة انتقالية انتهت بانتخاب السيسي رئيسا للجمهورية.

المكالمة الأخيرة

وقال السفير: «أذكر أن مستشار أردوغان للشئون الخارجية فى رئاسة الوزراء والذى انتقل معه لرئاسة الجمهورية واسمه «إبراهيم كالين» اتصل بى ليسألنى عن مكان اعتقال محمد مرسى وكان ذلك يوم 7 يوليو وبعد أحداث الحرس الجمهورى. وكنت عائدا للتو من استوديو تليفزيون سى إن إن «ترك»، ومعى سكرتيرتى المترجمة التى أوضحت لى أنهم أذاعوا حديثى كاملا وترجموه بدقة للغة التركية ولكن الفيديو الذى أذاعوه  كخلفية لكلامى كان من تصوير وإعداد  الإخوان وحزب الحرية والعدالة المصرى وقناة الجزيرة القطرية ويركز على الضحايا المدنيين لمحاولة الإخوان اقتحام نادى الحرس الجمهورى اعتقادا منهم أن محمد مرسى لا يزال معتقلا هناك.

وتابع السفير: «أجبت مستشار أردوغان بأننى طبعا لا أعرف مكان اعتقال مرسى ولكنى لو كنت أعرف لما أبلغته «كالين» لأنه يبدو لى أن الإخوان المسلمين يديرون أجهزة الإعلام فى تركيا ونصحته بأن يوصى المسئولين الأتراك بفتح الباب للاتصال مع الإدارة الجديدة فى مصر بالأسلوب الذى يرونه، على الأقل لإدارة العلاقات الاقتصادية والثقافية القائمة بين البلدين، وألا يستجيبوا للصيحات العقائدية من الإسلاميين.

وأضاف صلاح: «فوجئت أن الرجل الذى حصل على الدكتوراة فى العلوم السياسية من الولايات المتحدة وكنا نعتبره أكثر براجماتية من داود أوغلو وكأن عقربا لدغه وأخذ يصرخ فى التليفون «عبد الرحمن، لا تحاول فلن نعترف أبدا بهذا الانقلاب ولن نكف عن التشهير به حتى تنجح الجهود الدولية لإسقاطه»، فأكدت له أننى أسمعه بوضوح ولا حاجة للصراخ إلا إذا كان يريد أن يسمع آخرين غيرى ما يقول أيضًا.

وأوضحت له أنهم واهمون فليست هناك حملة دولية ضد النظام الجديد فى مصر، والعالم كله قد اعترف بالتغيير الذى  طالب به الشعب المصرى وسانده الجيش عام 2011 وسيفعل نفس الشيء عام 2013 وكانت هذه آخر مكالمة بينى وبين «كالين» حتى يومنا هذا».

وأوضح السفير عبد الرحمن أنه رغم أن تركيا تنفى اليوم أنها تحالفت يوما ما مع جبهة النصرة وأمدتها بالسلاح والمعدات أو مع داعش وأنها بادلت أسراها لديهم بأموال وسلاح وأفرجت عن سجنائهم إلا أن كثيرا من الصحف التركية المعارضة فضحت تلك العلاقة وانتقدتها وساعدتها الأدلة التى كشف عنها رجال التحقيق من أتباع عبد الله جولن، كما أن انضواء بعض منظمات المعارضة السورية الأصغر التى تدعمها تركيا تحت وحدات الجبهة الإسلامية وتعاونها مع جبهة النصرة أدى فى النهاية إلى تزايد الضغوط الغربية على تركيا لقطع تلك الصلات، خاصة أن الموضوع تحول إلى مشكلة سياسية محلية فى كل الدول الغربية التى بدأ مواطنوها يفقدون حياتهم على أيدى الإرهابيين، الذين تدربوا وتسلحوا فى سوريا بمساعدة تركية وخليجية وغربية ولكن السياسة، خاصة الدولية بطبعها متقلبة وليس فيها حلفاء دائمون أو أعداء للأبد. وهذا ما لم يفهمه أردوغان أو تعمد تجاهله بسبب اعتماده على الكتلة الإسلامية للبقاء فى الحكم المنفرد فى بلاده».

وروى السفير كيف اكتشفت الإمارات محاولة انقلاب إخوانية وتورط الإخوان فى الأردن والمغرب فى محاولات لإثارة مظاهرات لجأ بعضها للعنف فى محاولة لإطلاق ربيع عربى آخر فى هذه الدول العربية قد أثار أيضا حفيظة السعودية التى بدأت قناة الجزيرة فى نشر تقارير حول إمكانية تقسيمها هى الأخرى إلى ثلاث دول إذا ما تعرض استقرارها للتهديد، ولذا أعلنت الدولتان اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وهو ما سبب فورا خلافا بدا مستترا ثم تفاقم «بين الدولتين» من ناحية و«بين تركيا وقطر» من ناحية أخرى.

وتابع مساعد وزير الخارجية السابق قائلا: «إن أكبر تطور إقليمى برز حينما ظهر أن التدخل الروسى لمناصرة الأسد فى سوريا قد بدأ يؤتى ثماره فى حين ظهرت المخاطر الأمنية على استقرار المنطقة وأوروبا لتهديد داعش والمنظمات السورية المتحالفة معها مثل جبهة النصرة ومشتقاتها.

وبدأت الولايات المتحدة والدول الغريبة اعتبار ذلك الخطر الإرهابى أكثر تهديدا لأمنها من استمرار بشار فى الحكم، خاصة أن بعض أفراد تلك المنظمات عاد من سوريا ليقوم بعمليات إرهابية فى العواصم الأوروبية الغربية فى عقر ديارهم».

التدخل فى ليبيا

وشدد السفير عبد الرحمن صلاح على أنه وقبل أن يغادر تركيا عائدا إلى مصر دعاه سفير ألمانيا فى أنقرة لغداء عمل مع سفراء كل من بريطانيا وليبيا وقطر؛ لمناقشة تطورات الربيع العربى.

وقال السفير عبد الرحمن: «أشرت خلال الغداء إلى أن المخابرات البريطانية اكتشفت أمام السواحل الليبية سفينة تركية تنقل صواريخ تحمل على الكتف مضادة للطائرات ولا تحتاج لتوجيه لأنها تتبع الحرارة الصادرة من محرك الطائرة وأن الصفقة كانت ممولة من قطر وأن بريطانيا أثارت ذلك الموضوع مع الأمير القطرى. وفوجئت أن سفير بريطانيا وقطر التزما الصمت تماما ولم يعلقا وأوضح سفير ليبيا أنه ليس لديه معلومات حول هذه الصفقة بالذات ولكنه لا ينفى أن هناك صفقات تركية قطرية لليبيا من هذا النوع».

وتابع السفير: «أشرت للجميع إلى أن مثل هذه الصواريخ يمكنها أن تسقط طائرة مدنية ولا يمكن الدفاع ضدها وأن هذه الطائرات يمكن أن تحمل ركابا من مواطنيهم فساد الصمت بين الحاضرين».

ولخص السفير عوامل انهيار النموذج التركى كنموذج مثالى للإسلام فى المنطقة قائلا: « النموذج التركى كان مثار إعجاب العلمانيين المصريين أكثر بكثير من الإخوان المسلمين المصريين، الذين كانوا يستعينون بتركيا الناجحة المتقدمة والمقبولة فى الغرب كمرحلة أولى للوصول للحكم بمساندة غربية ويعتقدون أنهم بعدها سوف يؤسسون نموذجهم، الذى كانوا يتوقعون أن يحكم العالم العربى والإسلامي. وإذا ما كان لى أن أحاول اليوم تشخيص النكسات الأكبر، التى تسببت فى تحطم أسطورة النموذج التركى منذ عام 2013 وحتى عام 2018، يمكننى تلخيصها فى:

أولا: انهيار التحالف السياسى المؤيد لأردوغان داخليا وإعادة بناء التحالفات فى ظل توجه أردوغان للتحالف مع حزب الحركة القومية بدلا من الأكراد وحركة جولن؛ لدعم حكمه المطلق بتأييد من أغلبيته البرلمانية.

ثانيا: فشل الإسلام السياسى فى الحكم فى مصر وتونس وانكشاف المحاولة الإنقلابية فى الإمارات واستمرار الحرب الأهلية فى سوريا واليمن دون حسم، وظهور خطر الإرهاب الدينى المتمثل فى داعش وروافدها واتضاح ذلك الخطر للعالم الغربى من خلال عمليات إرهابية فى قلب أوروبا. وتغير أولوية السياسة الأمريكية من مناصرة وصول الإسلاميين للحكم عن طريق الانتخابات إلى مكافحة الإرهاب بالاستعانة بأنظمة الحكم القائمة فى الشرق الأوسط.

ثالثا: التدخل الروسى فى سوريا وإعادة الولايات المتحدة ترتيب أولوياتها لتركز على محاربة داعش كأولوية أولى تسبق وتفوق دعم الإسلام السياسى للوصول للحكم عن طريق الانتخابات وسقوط نظرية الفوضى الخلاقة.

زيارة البرلمانى الإخواني

وسرد السفير عبد الرحمن صلاح رواية زيارة أحد البرلمانيين الإخوان، الذى زار تركيا وتحدث عن الخلاف الحادث بين أردوغان وعبد الله جولن قائلا: «أذكر أننى فى مطلع عام 2013 استقبلت فى السفارة فى أنقرة أحد أعضاء البرلمان المصرى من قيادات الإخوان المسلمين ودعوت مجموعة من الإعلاميين الأتراك من مختلف الاتجاهات السياسية للقائه على غداء عمل فى مقر دار سكن السفير المصرى فى أنقرة. وفاجأنى الرجل بأن توجه إلى صديقى الصحفى، رئيس تحرير جريدة زمان باللغة الانجليزية وسأله عن سبب خلاف أردوغان مع جولن، الذى لم يكن قد ظهر بعد للعلن، وهو ما أتاح الفرصة للصحفيين العلمانيين، الذين حضروا اللقاء لكتابة مقالين حول اهتمام الإخوان المسلمين المصريين بالخلاف بين أردوغان وجولن والتساؤل عن أى فريق سوف يناصره الإسلاميون المصريون».

وتابع السفير: «قد تلقيت عتابا بعد ذلك من صديق مقرب من أردوغان متسائلا عما إذا كنت أنا الذى أحطت هذا النائب الإخوانى بالخلاف المستعر بين أردوغان وجولن أم قام بذلك صديقى رئيس تحرير جريدة زمان الإنجليزية. ونفيت لصديقى الأمرين تماما وأكدت له أنه لو كان النائب المصرى قد سألنى لأحطته علما بما أعرفه ولأوصيته بعدم طرح هذا الموضوع الشائك على الإعلاميين. فأجابنى المسئول التركى أنه يعرف أن للإخوان المسلمين قنوات مفتوحة مع كل الإسلاميين الأتراك من مختلف التوجهات ولكنهم يعتبرون طرح مثل هذه التساؤلات من جانب برلمانى مصرى على.

وتابع السفير: «قد تلقيت عتاباً بعد ذلك من صديق مقرب من أردوغان متسائلاً عما إذا كنت أنا الذى أحطت هذا النائب الإخوانى بالخلاف المستعر بين أردوغان وجولن أم قام بذلك صديقى رئيس تحرير جريدة زمان الإنجليزية. ونفيت لصديقى الأمرين تماماً وأكدت له أنه لو كان النائب المصرى قد سألنى لأحطته علماً بما أعرفه ولأوصيته بعدم طرح هذا الموضوع الشائك على الإعلاميين. فأجابنى المسئول التركى أنه يعرف إن للإخوان المسلمين قنوات مفتوحة مع كل الإسلاميين الأتراك من مختلف التوجهات ولكنهم يعتبرون طرح مثل هذه التساؤلات من جانب برلمانى مصرى على إعلاميين أتراك بعضهم له موقف معاد للحكومة يعد بمثابة تحريض وأنهم سوف ينقلون شكواهم لقيادات حزب الحرية والعدالة فى مصر من هذا البرلمانى».

رفض تركى لزيارة أبو الغار

وقال السفير: «يهمنى أن أسجل هنا أننى تلقيت طلبا من الدكتور محمد أبو الغار لزيارة تركيا على رأس وفد من أعضاء الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى للتعرف على التجربة التركية وبناء علاقات تعاون مع حزب أردوغان. ولم أستطع حتى اليوم إبلاغ أبو الغار أننى نقلت طلبه للمسئولين فى الحكومة التركية والحزب الحاكم ولم يرد عليّ أحد منهم وحين سألت مستشار أردوغان عن سبب عدم الرد أجابنى بسؤال عما إذا كان أبو الغار هو فعلا صاحب فكرة إنشاء جبهة الإنقاذ بغرض إيجاد بديل للإسلاميين. وفهمت الرسالة التى  أخترت ألا أنقلها حتى الآن».

السيسي فى إسطنبول

وروى السفير عبد الرحمن صلاح مساعد وزير الخارجية الأسبق ذكرياته عن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لاسطنبول وقت أن كان وزيرا للدفاع قائلا: «جاءنى ملحق الدفاع فى السفارة فى نهاية أبريل 2013 منفعلاً حيث أتته أخبار من قيادته أن وزير الدفاع وقتها الفريق عبد الفتاح السيسي سوف يزور اسطنبول يوم 5 مايو ولمدة خمسة أيام لكى يحضر معرض اسطنبول الدولى لشركات السلاح ولكى يجتمع مع نظيره التركى ورئيس الأركان. وكانت تلك الأخبار مثيرة وغريبة بالفعل فالسيسي لم يقم قبل ذلك ومنذ تعيينه وزيرا للدفاع سوى بزيارة خارجية واحدة والأوضاع فى مصر متوترة للغاية بسبب الحشد الجماهيرى لمظاهرات يوم 30 يونيو الذى وصفته حركة تمرد وجبهة المعارضة كموعد أخير لكى يوافق الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تكون بمثابة استفتاء على رفض الشعب لحكم الإخوان الذى أثبت فشله خلال عام واحد من الحكم. وكانت هتافات المصريين فى الشوارع ضد الإخوان تدعو الجيش أيضا للتدخل لمساندة المطالبة الشعبية وتنحية الإخوان عن الحكم كما سبق أن حدث مع مبارك عام 2011. وكان جميع المراقبين المحليين والدوليين يتوقعون أن يلعب الجيش والسيسي على رأسه دوراً حاسماً فى تلك المواجهة التى توقع البعض أن تحدث حتى قبل 30 يونيو ولهذا كان تعجبى من سر توقيت هذه الزيارة الغريب».

وتابع السفير: «أرسلت للخارجية فى القاهرة لإبلاغهم بما عرفته بشكل شفوى من ملحق الدفاع واقترحت أن أرتب أيضاً لوزير الدفاع لقاءات مع كل من رئيس الجمهورية عبد الله جول ورئيس الوزراء أردوغان، وفوجئت أن الرد جاءنى مساء نفس اليوم بالموافقة مع تفضيل السيسي أن تتم كل اللقاءات فى اسطنبول التى يرغب فى أن يظل فيها فترة زيارته كلها دون أن يغادرها إلى أنقرة. وقد تعذر لذلك ترتيب لقاء له مع الرئيس جول وكاد اجتماعه مع أردوغان ألا يتحقق لأنه كان خارج تركيا حتى يوم سفر السيسي ولكن أردوغان قرر العودة يومها مبكراً إلى اسطنبول للقاء وزير الدفاع المصرى الذى لم يكن معروفاً  بعد لدى الدوائر التركية».

دولما بهجة (ومعناها الحديقة المحشوة فى البحر لأنه مبنى داخل خليج البوسفور وكان آخر مقار حكم السلطان العثمانى) وكذلك يبعد عن كل المناطق السياحية التى كنت أرغب أن اصطحب وزير الدفاع لزيارتها مما اضطرنى لأن أجمع فى يوم واحد من برنامج الزيارة كل هذه الزيارات مع غداء استضافته القنصل العام المصرية السفيرة وفاء الحديدى فى مقر القنصلية المصرية فى منطقة بيبك، وهو المبنى التاريخى الذى نفتخر نحن المصريين بامتلاكه منذ عهد الوالدة باشا أم الخديوى عباس حلمى الثانى وزوجة الخديوى توفيق».

وأردف السفير صلاح:» حين وصل وزير الدفاع الفندق من المطار وجلست معه فى الجناح المخصص لإقامته والذى يطل على المدخل الشمالى البعيد للبوسفور ولا يُرى منه سوى معالم الجانب الآسيوى من اسطنبول اعتذرت له عن الخطأ الإدارى الذى تسبب فى الحجز فى هذا الفندق وأشرت إلى إن التعويض تمثل فى أننا حصلنا على الجناح الأكبر فى الطابق الأخير من الفندق وأن الأمن اشترط ألا يقيم أحد فى نفس الدور وبالتالى سوف يستمتع الضيف المصرى بهدوء تام ما كان يستمتع به فى أى فندق فى وسط مدينة إسطنبول الصاخبة وفنادقها المزدحمة. وانفرجت أسارير السيسي وشكرنى لأنه كان يرغب فعلاً فى بعض الهدوء الذى لا ينعم به فى القاهرة. واليوم أعتقد أنه كان يحتاج لهذا الهدوء والانعزال ليحسم قراره بشأن أمر جلل».

واستطرد السفير: «وجدت وزير الدفاع مهتما بالاستماع منى لتفاصيل العلاقات مع تركيا ومقترحاتى لتطويرها فى المجال العسكرى فأشرت إلى إن  الأتراك مستعدون لتخصيص 200 مليون دولار من قرض المليار دولار المخصص لمصر لتمويل صفقات سلاح ومعدات عسكرية منتجة فى تركيا. وأضفت أننى أرى أن استقطاع جزء من قرض مخصص للأغراض الاقتصادية لشراء سلاح سوف يكون له أثر سلبى لدى الرأى العام فى ظل ظروف الأزمة الاقتصادية التى تواجها مصر وإننى اقترح لذلك أن يطلب السيسي من نظيره التركى أن يكون هذا القرض إضافيا ولكن بنفس شروط تمويل قرض المليار دولار أى سعر الفائدة المنخفض وفترة السماح الطويلة وكذلك مدة السداد. فوافق السيسي فوراً على اقتراحى وطلب منى نقاط حديث مكتوبة قبل مقابلته مع وزير الدفاع التركى ووعدته بذلك وأشرت اننى أتوقع أن  تتم مقابلته مع رئيس الوزراء قبل سفر السيسي وأننى أعتقد أن أردوغان هو الذى يمكنه حسم الموافقة على طلبنا إذا ما تم الاتفاق خلال زيارة السيسي على أنواع السلاح والمعدات التى نحتاجها. فوجه السيسي كبار الضباط المرافقين له للانتهاء من ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة وقبل انتهاء الزيارة و قبل الاجتماع مع أردوغان. والحقيقة اننى أُعجبت بسرعة استجابة السيسي  لاقتراحاتى ومطالعته بدقه لكل ما قدمته له من مذكرات للمعلومات ونقاط حديث خلال الزيارة والتزامه بها، وذلك على الرغم من اننى لم أره سوى خلال يومين من الأيام الخمسة التى قضاها فى اسطنبول لإجراء المباحثات وزيارة المعرض والقنصلية والأماكن السياحية ودعوته على العشاء  مع أعضاء الوفد ولكنه لبى الدعوة وحده مع ملحق الدفاع لتناول الكباب والمشويات والحلوى التركية التى أعجبته جداً وأصر أن يطلب لأعضاء الوفد على نفقته الشخصية منها غداء فى اليوم التالى لأنهم لم يتمكنوا من تلبية دعوتى للعشاء معه لأنه كان اليوم الوحيد المتاح لهم للنزول إلى إسطنبول للتسوق والسياحة وقد سمح لهم بذلك. واختار السيسي أن يبقى طوال ثلاثة أيام فى الجناح الذى يقيم فيه فى أطراف إسطنبول، وهو ما فسرته بعد شهرين بأنه كان يحتاج لفترة من التفكير الهادئ والراحة قبل الأيام العصيبة التى سوف يواجهها بعد ذلك والقرارات المصيرية التى سوف يحتاج لاتخاذها».

وقال مساعد وزير الخارجية: «لاحظت أيضاً أن السيسي متدين باعتدال ومهتم جداً بدور المرأة التركية فى مجتمعها وأبدى إعجابه بنظافة الشوارع والمساجد والمتاحف فى إسطنبول رغم أنها مدينة كبيرة ومزدحمة وأخذ يسألنى عن كل مبنى نمر به وكنت أعجز أحيانا عن الإجابة فيسأل مرافقينا الأتراك وكان مهتماً بالاستماع لرأيى فى سياسة أردوغان الخارجية بالتفصيل قبيل اجتماعه مع اردوغان». ووجدته خلال الاجتماع مع رئيس الوزراء التركى يستخدم كل نقاط الحديث التى اقترحتها عليه حول العلاقة الاستراتيجية التى يمكن بناؤها بين البلدين، ولكنه أضاف تعبيره عن الإعجاب بالشخصية الكاريزمية والشعبية التى يتمتع بها أردوغان فى العالمين العربى والإسلامى وأنه يعتقد إن مصر تتطلع لتطوير العلاقة معه والاستفادة من مكانته لدى العالم الغربى أيضاً ووجدت وزير الدفاع التركى الذى حضر اللقاء يشير بإبهامى يديه علامة الاستحسان ويهمس فى أذن أردوغان بطلبنا للقرض الإضافى بمبلغ  200 مليون دولار لشراء أسلحة ومعدات عسكرية تركية، فرد أردوغان فوراً أنه يسعده الموافقة فوراً على منح هذا القرض الإضافى ويشيد بأهمية التعاون العسكرى بين أهم دولتين فى الشرق الأوسط، فتدخلت مقترحاً أن يتم الإعلان عن ذلك كأحد نتائج هذا الاجتماع فوافق أردوغان فوراً على ذلك ووجه وزير دفاعه بأن يتفق معى على صياغة بيان مشترك لهذا الغرض. وقضيت فترة انتقالنا بالسيارة للفندق ثم المطار لإعداد مشروع البيان والحصول على موافقة الفريق السيسي عليه وإرساله إلكترونيا بالتليفون لوزير الدفاع التركى الذى وافق عليه أيضا ثم أرسلته لمعاونى وزير الدفاع المصرى لكى يصدر كبيان إعلامى مشترك وحيد عن تلك الزيارة الأولى والناجحة للسيسى لتركيا».

وبرر السفير سرده لتفاصيل هذا اللقاء بين السيسي وأردوغان:»  سردت تلك القصة  لتوضيح أن الاجتماع الأول بين أردوغان والسيسي كان ودياً للغاية بل ومثمراً جداً وهو ما أضحكنى عندما سمعت بعض مؤيدى الإخوان المسلمين فى البلدين لاحقاً يدّعون أن أردوغان حذر مرسى من السيسي بعد لقائه به لأنه بحاسته السياسية السادسة اكتشف مايضمره السيسي من خطط للإطاحة بمرسى بعد عودته من اسطنبول بشهر ونصف شهر.  ولا بد أن أذكر إن انطباع السيسي الذى ذكره لى فى السيارة بعد اللقاء عن أردوغان كان أيضاً ايجابيا للغاية واعتقد أن ذلك كان ومازال يمثل جزءاً من السبب فى أن السياسة المصرية لم تحاول الرد على الهجوم البذئ الذى تعرضت له مصر من أردوغان وأعوانه بعد 30 يونيو «2013».

وقال السفير عبد الرحمن صلاح: «لا بد وأن أذكر هنا أيضاً بعض ما جرى فى اجتماع السيسي مع أعضاء القنصلية المصرية فى اسطنبول والذين انطلقوا بصراحة شديدة يطلبون منه تخليص الشعب المصرى من حكم الإخوان. وكان رده هادئاً وردد بعض ما جاء بتصريحاته العلنية من التحذير من عواقب تدخل الجيش لصالح أحد الأطراف السياسية ضد أطراف أخرى. ولما ذكّره أحد الدبلوماسيين بما حدث فى عام 2011 إزاء مبارك أشار السيسي أن الأمور وقتها كانت واضحة حول أين يقف الشعب المصرى وكان لابد للجيش من الوقوف فى صفه، وحين سألوه وماذا إذا تكرر الموقف فى 30 يونيو أجاب بأنه لا بد من الانتظار للحكم على ما سوف يحدث وقتها وأن لكل مقام مقال»، وحين انفردت بالسيسي فى السيارة فى طريق عودتنا الطويل للفندق اعتذرت له عن الصراحة المبالغ فيها التى تحدث بها زملائى أعضاء القنصلية ولكنه رد علىّ بأنه يسمع نفس الآراء داخل نطاق عائلته ومن معارفه الشخصيين فسألته عما إذا كان قد اتخذ قراره إذا ما تكرر سيناريو 2011، أجابنى أنه يحتاج إلى معرفة العديد من المدخلات والتطورات التى قد تحدث قبل 30 يونيو، ثم وجدته يغير الموضوع ليسألنى عن الوقت الذى احتاجه أردوغان لكى يطور اسطنبول لتتحول لتلك المدينة الجميلة  التى نراها بعد أن كنت قد ذكرت له أنها كانت أقذر وأكثر تخلفاً من القاهرة حتى مطلع التسعينيات ثم ظل السيسي صامتاً لحوالى عشر دقائق، واليوم أعتقد انه كان طوال هذه الرحلة يفكر فى خطواته اللاحقة والتى نعرف الآن تفاصيلها، ولا بد أن أذكر هنا أن أردوغان خلال مقابلته مع السيسي أشاد عدة مرات بدور الجيش المصرى فى مساندة الإرادة الشعبية المصرية فى يناير 2011 واحترامه لتلك الإرادة المتمثلة فى نتيجة الانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة للرئيس المنتخب محمد مرسى. وألمح أردوغان عدة مرات إن لديهم فى تركيا تجارب سلبية للغاية لتدخل الجيش التركى فى السياسة ضد الإرادة الشعبية وإزاحة مسئولين منتخبين عن طريق انقلابات عسكرية عنيفة ودموية أو صامتة ومستترة، وأنهم فى تركيا معجبون بالانجاز المصرى فى مجال احترام الجيش لإرادة الشعب المصرى والذى تحقق خلال فترة قصيرة بعد الثورة المصرية عام 2011 فى حين أنه احتاج لوقت طويل فى تركيا لكى يستقر ويتأصل ومازال محل شد وجذب. كما لو كان أردوغان يتنبأ بأنه بعد ثلاث سنوات سيواجه محاولة انقلاب جديدة!!!

 وقد كان السيسي حريصاً جداً فى رده بالتأكيد على أن الجيش المصرى طوال تاريخه كان مؤيداً لإرادة الشعب المصرى ومعبراً عن تلك الإرادة وأنه سوف يظل كذلك وهو جيش محترف وطنى وغير مسيس ولا يسمح لجنوده وضباطه بممارسة السياسة أو التحيز لاتجاهات سياسية ولهذا ينظر له الجميع بدون استثناء على أنه أحد أهم ضمانات الاستقرار ودعائم الدولة الوطنية. ولم يكن ممكنا لأى مستمع لهذا الحوار أن يصدق أن أردوغان سوف يخرج بعد أقل من شهرين ليتهم بهتانا الرجل الذى كان يستمع لحديثه بكل الإعجاب والتقدير.