تلال من الأكياس السوداء على جوانب الشوارع، رائحة عفنة تنبعث منها، بجوارها صندوق ممتلئ عن آخره، مشهد نراه يوميًا فى الأحياء الفقيرة والعشوائية والراقية أيضًا، أكوام القمامة لا تفرق بين شارع وآخر، وحتى الطريق الدائرى على جوانبه وبجوار كل سلم أكوام من القمامة، وما تحت الدائرى مصيبة أعظم وأكبر.. القمامة هى أزمة كل الحكومات، وحل المشكلة أصبح يحتاج مشروعًا قوميًا.
ويوم الأحد الماضى قرأت تصريحًا للدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة يفيد بأن منظومة النظافة فى مصر فى حاجة لإعادة هيكلة لضمان إصلاحها بشكل متكامل.
وقالت إن الوزارة أعدت مقترحًا لإعادة تسعير رسوم جمع القمامة من البيوت بحيث يبدأ من 4 جنيهات إلى 24 جنيها للمنزل شهريًا، وأنه جار دراسته حاليًا تمهيدًا لإقرار الرسوم الجديدة، تصريح معالى الوزيرة مستفز لأنه يعنى رفع رسوم الخدمة 8 أضعاف.. عمومًا نشوف أصل الحكاية.
تفاقمت أزمة القمامة مع نهاية التسعينيات وتعاقدت حكومات مبارك مع شركات أجنبية بعقد مدته 15 عامًا بدأ فى 2002 وانتهى فى 2017.
واستمر تصاعد الأزمة، ومع نهاية العقد الأجنبى اتجهت حكومة م. شريف إسماعيل بالتعاون مع البرلمان بطرح مشروع قومى بإنشاء شركة قابضة لجمع القمامة لحل الأزمة، وتمتلك الحكومة 51% من أسهم الشركة، مقابل 49% لجامعى القمامة وشركات النظافة.
وتواجه فكرة إنشاء الشركة القابضة العديد من المعوقات والبيروقراطية، حيث تحتاج إلى ميزانية عالية فيما يتعلق بالمخصصات المتعلقة بإعادة التدوير، وإنشاء محطات قمامة فى كل المحافظات، كما أن الشركة القابضة تواجه عجزًا ماليًا يصل إلى 5 مليارات جنيه يجب أن توفرها الحكومة للبدء فى هذا الملف.
وواجه تطبيق تحصيل رسوم النظافة على فاتورة الكهرباء مشاكل كثيرة، وامتناع البعض عن سداد فواتير الكهرباء والبعض رفع دعاوى قضائية.
حتى جاء حُكم المحكمة الدستورية فى أول أغسطس الماضى بعدم دستورية قرار المحافظين بفرض رسوم النظافة التى يتم تحصيلها مع فاتورة الكهرباء، وهو ما وضع الجميع فى مأزق وأولهم وزارة الكهرباء التى تتولى التحصيل لحساب الإدارات المحلية.
حُكم الدستورية يتفق مع صحيح الدستور فى أن الضرائب والرسوم لا تصدر إلا بقانون ولا يجوز إصدارها بقرارات إدارية من أى مسئول فى الدولة.
حُكم المحكمة الدستورية جعل الحكومة تسعى لتعديل سريع لقانون النظافة، حيث سيتم إضافة مادتين لضمان الاستدامة المالية لمنظومة المخلفات والقمامة.
فوافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل الفقرة الرابعة من المادة (4) بالقانون رقم (38) لسنة 1967 فى شأن النظافة العامة وإحالته لمجلس النواب لمناقشته وإقراره.
والمادة المشار إليها تنظم قواعد تحصيل رسم شهرى نظير أداء الوحدات الإدارية المختصة بالمحافظات، وأجهزة المجتمعات العمرانية الجديدة سواء بنفسها أو بواسطة الغير، لخدمات جمع المخلفات والقمامة والتخلص منها بطريقة آمنة.
وحددت المادة الرسوم الشهرى الذى يتم تحصيله على أن يكون من 4 إلى 30 جنيهًا شهريًا بالنسبة للوحدات السكنية.
ومن 30 إلى 100 جنيه شهريًا للوحدات التجارية المستقلة والوحدات المستخدمة كمقار لأنشطة المهن والأعمال الحُرة، والمنشآت الحكومية والصناعية، والمراكز التجارية والفنادق، والأراضى الفضاء المستغلة للأنشطة التجارية.
وكان قسم التشريع بمجلس الدولة قد انتهى من مراجعة تعديلات قانون النظافة العامة الشهر الماضى وتم إرساله للحكومة لعرضه على مجلس النواب فى دور الانعقاد القادم.
بالفعل نحن فى أمس الحاجة إلى تشريع يضمن الاستدامة المالية لمنظومة جمع القمامة، ويجرم إلقاء القمامة والنفايات فى الشوارع والأماكن العامة ومعاقبة المخالفين بدفع غرامة مالية كبيرة، وهذا سيحد بالتأكيد من مشكلة انتشار القمامة.
نحن نعلم جميعًا أن منظومة جمع والتخلص من القمامة الحالية «مهترئة» وأستعير هذا الوصف من تصريح وزير البيئة السابق خالد فهمى أمام البرلمان، حيث أكد أن الموارد المالية المخصصة من أجل القمامة غير كافية.
فحجم القمامة يتجاوز 80 مليون طن سنويًا، والتخلص الآمن منها يمثل 20% فقط من حجم القمامة، بينما يتم تدوير 15%، والباقى يتم التخلص منه بشكل سيئ مثل الحرق والإلقاء فى الترع والمصارف، والمعدات لا تلبى غير 40% من الاحتياجات، ومعظم العمالة غير متخصصة والموارد المالية غير كافية.
وهناك أهمية كبرى لرفع الوعى البيئى لدى المواطنين، وضرورة بناء تلك المنظومة على شعور المواطن بتحسين مستوى خدمة النظافة المقدمة على أرض الواقع.
فنجاح المنظومة الجديدة يعتمد بشكل كبير على تعاون المواطنين مع أطراف المنظومة للقضاء على مشكلة القمامة التى تؤثر على البيئة والصحة والوجه الحضارى لمصر.
آخر الكلام
فى الصفحة الأولى لصحف الأربعاء الماضى، تصريح لوزيرة البيئة يقول: أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد أنه لا نية لزيادة رسوم جمع القمامة وأن قانون المخلفات الجديد سيعرض على مجلس النواب فى دور الانعقاد المقبل.
تصريح يوم الأربعاء ينفى تصريح يوم الأحد لنفس الوزيرة، فتصريح الأحد أثار استياء المواطنين، فتراجعت الوزيرة عن تصريحها فى نفس الأسبوع.. لله الأمر من قبل ومن بعد.