من منا لا يتذكر عمق ورومانسية المشهد الذى جمع الفنان العبقرى أحمد زكى والقديرة أمينة رزق فى فيلم «ناصر 56» عندما دخلت عليه السيدة العجوز التى أرهقت مدير مكتبه طلبًا وإلحاحًا لكى تقابل رئيس الجمهورية، وهى تحمل فى يديها “توب” من «خيش» بدت عليه علامات الدهر واضحة ومؤثرة، فسألها عن حاجتها بكل أدب بعدما طلب منها الجلوس.. فتعطيه هذه السيدة «التوب» وتروى له قصة قصيرة عن جدها الذى مات فى حفر “القنال” ورفضها على مدار السنوات الطويلة التى مضت أن تعطى «التوب» لأحد أو أن تقبل «العزاء» حتى سمعت قرار تأميم قناة السويس، فرأت أن فى هذا اليوم رد إليها حقها وأخذت بثأر جدها ورأت أنه لا أحد أحق بهذا «التوب» غير صاحب القرار الشجاع الجرىء الذى أعاد الحق لأصحابه فقررت أن تعطيه هذا «التوب».
ولم يكن هناك شيئا أكثر تأثيرًا وواقعية من تلك اللحظة التى قام فيها جمال عبدالناصر يسلم عليها ويقدم لها تعازيه فى وفاة جدها.
.. هذا المشهد الذى يعد أحد أكثر مشاهد السينما المصرية عبقرية بعد مشهد محمود المليجى فى فيلم “الأرض” وهو مربوط فى الحصان يجره بكل قوة وقسوة لكنه تمسك بأرضه إلى آخر نفس.
هذا المشهد يجسد الحكاية منذ بداية الحفر و”السخرة” ودماء المصريين التى سالت فى القناة قبل المياه حتى التأميم وعودة الحق لأصحابه.
.. وبين الحفر والسخرة والتأميم وصولا إلى حفر قناة جديدة بعرق وأموال المصريين تتجسد سيمفونية الوطنية الخالدة للشعب المصرى الذى يبهر العالم منذ بداية الخليقة وحتى الآن.
.. فى هذه الأيام نحتفل بالذكرى الثالثة لحفر قناة السويس الجديدة، تلك القناة التى أحدثت طفرة فى دخل القناة بشكل عام وقريبا ستتحول إلى ركيزة كبرى من ركائز الاقتصاد المصرى بعدما يتم تنفيذ مشروع تنمية محور قناة السويس.
تحية واجبة لكل شهدائنا الذين ضحوا بدمائهم فى مرحلة الحفر الأولى للقناة، وتحية واجبة لكل من ساهم وضحى وبذل جهدًا فى حفر القناة الثانية وخيّب ظن أهل الشر الذين وصفوها وقتها بـ “الترعة” وحلموا بعدم قدرتنا على تنفيذها فى عام واستيقظوا جميعًا على كابوس أفزعهم عنوانه قدرة وإرادة المصريين ومضمونه (قناة السويس الجديدة).
حفظ الله الجيش.. حفظ الله الوطن