رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

عندما تخلص النيات !

1397

وكما قال شاعرنا العربى (أبو الطيب المتنبى):
على قدر أهل العزم تأتى العزائم
وتأتى على قدر أهل الكرم المكارم
تعظم فى عين الصغير صغارها
وتصغر فى عين العظيم العظائم
نعم.. «على قدر أهل العزم تأتى العزائم».. خاصة عندما يمتلك «المسئول» الشجاعة فى اتخاذ القرار السليم فى الوقت المناسب، فضلًا عن المبادرة باقتحام المشاكل المعلقة والمزمنة، والعمل على إنهائها وبما يحقق مصلحة جميع الأطراف فى أسرع وقت ممكن وبأبسط الإجراءات القانونية المتاحة.
هذا بالضبط.. ما فعله قيادات البنك المصرى العريق «بنك مصر».. الذى أسسه طلعت حرب رائد النهضة الاقتصادية المصرية فى مطلع القرن الماضى.
وهذا أيضًا هو «الفارق» بين قيادات مسئولة، وأخرى غير ذلك، فالأولى تحاول الإنجاز بعزيمة صادقة وجهد متواصل، تُراعى مصلحة الوطن ككل وبما لا يضر بمصلحة المؤسسة التى تقودها.
أما الذين غير ذلك.. فإنهم يقضون مدة تولى المنصب كيفما انقضى، يستمتعون بمباهج المنصب وبما يوفره من أموال وجاه وسلطان.. وحتى يقضى الله أمرًا كان مفعولا.
والمصرفى الكبير الخلوق محمد الإتربى رئيس بنك مصر من الفئة الأولى الذين يراعون الله، ثم ضميرهم ومصلحة الوطن فى كل ما يفعلونه، وقد قيد الله له مجموعة من مساعديه على شاكلته من الجدية والنزاهة والاحترام، يتقدمهم نائبه الهادى الرصين عاكف المغربى، وكذلك الصديق المحترم أحمد إبراهيم رئيس قطاع الديون المتعثرة، ونجمة الإعلام والعلاقات العامة بالجهاز المصرفى د. فاطمة الجولى رئيس قطاع الاتصالات بالبنك، وأيضًا الخبراء الأفاضل بإدارة الشئون القانونية.
تلك المجموعة المحترمة بقيادة محمد الإتربى قررت التصدى للمشاكل المعلقة بين البنك وعملائه، وعملت على حلها بما يحقق مصلحة جميع الأطراف..وعلى رأس تلك المشاكل.. كانت مشكلة الديون المتراكمة على المؤسسات الصحفية القومية لبنك مصر والتى امتدت لأكثر من خمسين عامًا، وقد تجاوزت المليارين ونصف المليار جنيه بسبب عدم السداد وتراكم الفوائد المركبة!
ومن حسن الحظ.. أن تواكب مع ذلك قيادات جادة لبعض المؤسسات الصحفية القومية قدمت مبادراتها إلى قيادات بنك مصر.. وأعلنت استعداداتها لإنهاء مشكلة هذه الديون التى تعيق مؤسساتهم من العمل بحرية فى الأسواق، فضلًا عن إدراجهم فى «القائمة السوداء» وهى منارات ثقافية شكلت العمود الفقرى لقوى مصر الناعمة على مدى مئات السنين الماضية.
وسرعان ما التقت رغبة الطرفين، خاصة عندما توفر حسن النية.. وقوة العزيمة، وبدأت المفاوضات التى لم تستغرق سوى عدة شهور قليلة انتهت بتوقيع «اتفاقيات» التسوية، وكانت البداية مع مؤسسة «روزاليوسف»، ثم تلتها «دار المعارف»، وبعدهما كانت «دار الهلال».. وبعد أيام قليلة ستتم التسوية مع «دار التحرير» للطبع والنشر.
ولست أرغب فى «إرباك» القراء بمبالغ الديون على كل مؤسسة، وكذلك طرق السداد ومدته.. إلخ، ولكن ما أرغب التأكيد عليه أن التنفيذ يتم بكل جدية بعد مضى أكثر من عام على تسويات روزاليوسف ودار المعارف، وأن السداد كان «عينى» أى من خلال إيجار ممتد لعدة سنوات لمبانٍ ومخازن أو خدمات طباعية وإعلانية، والمعنى أنه لا يوجد بيع ولا تنازلات.. حيث احتفظت المؤسسات بأصولها، وحصل البنك على مستحقاته فى إطار من التعاون المثمر لكلا الطرفين.
وما يهمنى التركيز عليه هنا.. أن بنك مصر قام بدوره المنوط به.. باعتباره هو وغيره من البنوك المصرية يمثلون الشرايين التى تنقل الدماء لجميع أجزاء الجسد، الذى هو «المجتمع» فى تلك الحالة.
فالبنوك تجمع الأموال من أفراد المجتمع، وعليها أن تحافظ عليها وتحسن توظيفها وبما يحقق مصلحتهم، ونظرًا لأن المؤسسات الصحفية القومية مملوكة للشعب «المجتمع» فكان لا بد من إقالتها من عثرتها ومساندتها حتى تعود إلى «تراك» السباق مرة أخرى.
وهذا تمامًا ما فعله بنك مصر.. وقياداته المحترمة، حيث حافظوا على ممتلكات المجتمع من الإفلاس والخسارة، بل إنهم ساندوها ودعموها لتعود إلى سابق عهدها كمنارات ثقافية وصحفية فى مصر والعالم العربى.
وبالطبع كل ذلك تم ويجرى تنفيذه بعلم وموافقة كافة الجهات والمؤسسات المعنية وعلى رأسها البنك المركزى والهيئة الوطنية للصحافة.
وليس جديدًا عندما نقول إن المؤسسات كالأفراد فى هذا المجال «الديون» التى هى همّ بالليل.. ومذلة بالنهار.. فهى عبء على الكاهل.. وقيد على الحركة، بل إنها لا تشجع الآخرين على التعامل معك.. حيث تصبح الديون كالصفة «عدم سداد الالتزامات».. وهو مالا يشجع على الدخول فى التزامات جديدة!
من هنا تأتى أهمية ما جرى.. حيث «فكت» بعض المؤسسات الصحفية قيودها.. وتحررت من أغلالها، ونتمنى أن يمتد هذا التحرر للمؤسستين الشقيقتين (الأهرام والأخبار).
وقد تكون هذه التسويات التى تمت بين بنك مصر وبعض المؤسسات الصحفية.. لم تأخذ حقها من الإعلام والنشر بكثافة.. لأننا كنا – كصحفيين – طرف أساسى فيها.. ولم نشأ أن نهلل لأنفسنا كما يفعل غيرنا من الفنانيين أو الرياضيين!
وها أنا أفعل.. ما كان يجب أن يقوم به زملائى من الصحفيين.. خاصة الاقتصاديين منهم والمتخصصين فى تغطية أنشطة الجهاز المصرفى.. ويبدو أن زمار الحى لا يطرب!
يبقى الشكر الواجب للأصدقاء قيادات بنك مصر وعلى رأسهم المصرفى محمد الأتربى، كما يجب الإشادة بمبادرات الزملاء رؤساء مجالس الإدارات عبد الصادق الشوربجى بروزاليوسف، وسعيد عبده بدار المعارف، ومجدى سبلة بدار الهلال، وسعد سليم بدار التحرير.
مع الشكر الواجب أيضًا للزملاء فى الهيئة الوطنية للصحافة بقيادة الزميل الفاضل كرم جبر لموافقاتهم على تلك التسويات ورعايتهم لها.