كتبت – هبة مظهر
جولة جديدة من التصعيد فى العلاقات الأمريكية التركية والتى بدأت بتهديدات سرعان ما تحولت إلى واقع ملموس بعد أن فرضت وزارة المالية الأمريكية عقوبات على وزيرى العدل والداخلية التركيين بعد تهديدات من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض عقوبات كبرى على تركيا إذا لم تطلق سراح القس الأمريكى اندرو برانسون الذى فرضت السلطات التركية وضعه تحت الإقامة الجبرية بعد سجنه لمدة 21 شهرا بتهمة دعم جماعة فتح الله جولن التى تتهمها أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب فى 15 يوليو 2016.
وعلى أثر ذلك فقدت الليرة التركية نصف قيمتها وتخطت حاجز 5 ليرات مقابل الدولار وهو ما اعتبر سعرًا تاريخيًا للعملة التركية التى تأتى فى مقدمة العملات الأسوأ أداء فى العالم منذ بداية العام الحالى.
وتوقع خبراء المزيد من الانهيار لليرة التركية فى الوقت الذى جدد فيه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مناشدته الأتراك تحويل مدخراتهم من الدولار واليورو إلى الليرة لرفع قيمتها فى مواجهة العقوبات الاقتصادية.
وفى تقييمها لآثار إجراءات المقاطعة الأمريكية، حذرت شبكة «إيه بى سى» الأمريكية من أن هناك ضربة أقسى يتوجب على أردوغان أن ينتظرها شخصيا وهى الأحكام المتوقعة فى قضية بنك خلق الحكومى التركى، ففى هذه القضية اتهامات ورد فيها اسم أردوغان نفسه باعتباره كان يعرف ويغض الطرف عن معاملات غسيل الأموال بأكثر من مليار دولار.
أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الاقتصادية الأمريكية فلفتت إلى أن إجراءات المقاطعة لاثنين من الوزراء فى حكومة أردوغان هى نموذج متطابق مع الإجراءات الأمريكية فى مقاطعة مساعدى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وأن عواقبها على تركيا ستكون أقسى بكثير منها على روسيا.
فى حين سلطت صحيفة «ذا جارديان» البريطانية الضوء على وصول العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها بعد فرض العقوبات على الحكومة التركية، وأوضحت أنه رغم أن أنقرة تواجه ظروفًا اقتصادية صعبة، فإنها مازالت تكابر وتتعهد بالرد، مشيرة إلى تعليق وزير الخارجية التركى بقوله إن تصرف واشنطن غير قابل للتفسير.
أما عن أوضاع رجال الأعمال بتركيا فهو ما ركزت عليه وكالة «بلومبرج» الأمريكية بعد فرض العقوبات وأوردت آراء خبراء وتجار يوضحون أن الاقتصاد التركى يواجه كارثة حقيقية وذلك بسبب تأثر الأسواق بالأخبار السلبية، وقال بعض التجار إن العقوبات كارثة لا يمكن الاستهانة بها وستحمل عواقب مالية ضخمة، ونبه آخرون إلى تباطؤ الاقتصاد، وهو ما سيدفع البنك المركزى لاتخاذ إجراءات جادة لحماية الليرة التركية، وحذروا من أن المستثمرين باتوا يحجمون عن السوق التركية بسبب المخاوف من خسارتهم.
كما نبه موقع «ناشيونال بوست» الأمريكى إلى أن العقوبات تأتى امتدادا لعدم قدرة الرئيسين التركى والأمريكى على حل خلافاتهما المتصاعدة والقائمة على مصالحهما، مشيرا إلى أن تقارب تركيا من روسيا كان له دورا فى تلك العقوبات وإصرار تركيا على شراء أسلحة محظورة بموجب العقوبات الأمريكية على موسكو.
ويتوقع محللون أن يتسبب غياب الجهود الدبلوماسية للإفراج عن القس اندرو برنسون فى فرض المزيد من العقوبات الأمريكية المباشرة، مشيرين إلى أنه رغم أن العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الولايات المتحدة على الوزيرين التركيين تعتبر فى حد ذاتها رمزية بدرجة كبير فهى لا تؤثر إلا على الأوضاع المالية الشخصية للوزيرين غير أن فرضها يمثل أحد العوامل الخارجية العديدة التى قد تؤثر على الاقتصاد وتسهم فى المزيد من انخفاض قيمة الليرة، مضيفين أنه يمكن للولايات المتحدة أن تتبع النهج نفسه الذى اتبعته مع روسيا بوضع كبار رجال الصناعة الداعمين لأردوغان فى القائمة السوداء.
ومن الوارد أن تستهدف العقوبات الأمريكية بعض ممولى مشروعات أردوغان التى تكلفت أكثر من 200 مليار دولار أمريكى على هيئة استثمارات فى المطارات والكبارى وقنوات الشحن التى يعتمد عليها أردوغان لتحقيق النمو.
ومن المحتمل أيضا أن تعطل العقوبات صفقة نظام الدفاع الصاروخى الروسى، فضلا عن مصرف هولبانك الحكومى الذى كثيرا ما يقدم القروض للحكومة والذى يقضى أحد مسئوليه التنفيذيين الكبار عقوبة السجن فى الولايات المتحدة لخرق العقوبات المفروضة على إيران، وكذلك رفض تسليم طائرات إف 35، وتقليص أو منع الاستثمارات الأمريكية فى تركيا، وفرض عقوبات على وزراء وأشخاص مقربين من النظام التركى ربما تصل لأفراد من عائلة أردوغان نفسه.
وبحسب ماكسى هوفمان، المدير التنفيذى بمركز أمريكان بروجريس البحثى الأمريكى، فإن الغرامة المتوقعة نتيجة للخروقات السابقة تقدر بملايين الدولارات ما يعنى المزيد من الانهيار لليرة التركية، مشيرا إلى أن عقوبات واشنطن ضد أنقرة ستكون طويلة وجادة ويمكن أن تتحول من عقوبات فردية إلى قطاعية تطلب واشنطن خلالها من حلفائها وغيرهم الانضمام إليها متوعدة بعقوبات، حيث تقدر قيمة الديون الأجنبية المستحقة على المصارف التركية نفسها بنحو 100 مليار دولار من المفترض سدادها خلال الأشهر الـ 12 المقبلة.