رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

«الطرد الجماعي» وسيلة عقاب أوروبية لروسيا

1250

يبدو أن وتيرة النزاع بين روسيا والغرب تتخذ أبعادًا متصاعدة، فبعد أن اقتصرت طوال الأسبوعين الماضيين على التصريحات الغاضبة من الجانبين، ردًا على ما تدعيه الدول الغربية من ضلوع موسكو فى هجوم بغاز الأعصاب استهدف جاسوسًا روسيًا سابقًا فى بريطانيا.
اتخذت الأزمة أبعادًا جديدة بعد أن أعلنت 25 دولة على الأقل، بينها الولايات المتحدة و14 دولة من الاتحاد الأوروبى طرد دبلوماسيين روس من أراضيها، حيث أقدمت الولايات المتحدة على طرد 60 موظفًا روسيًا من البلاد، بينهم 12 ضابطًا بالمخابرات من بعثة روسيا فى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك.
وقالت مصادر فى الحكومة الأمريكية «يبعث هذا الإجراء الذى تضمن أيضًا غلق القنصلية الروسية فى مدينة سياتل برسالة إلى القادة الروس، من أجل تعزيز الأمن القومى للولايات المتحدة، وتقليل قدرات التجسس للكرملين»، وفى نفس السياق، أعلنت أوكرانيا أنها طردت 13 دبلوماسيًا روسيًا تضامنًا مع بريطانيا، كما طردت فرنسا أربعة دبلوماسيين روس.
وقال وزير الخارجية الدنماركى إن بلاده طردت اثنين من الدبلوماسيين الروس، مضيفًا «ندعم تمامًا أصدقاءنا البريطانيين، الدنمارك تعتبر القضية خطيرة للغاية، وأكد أن الرد الدنماركى استثنائي، نظرًا لأن الدولة لم تطرد من قبل دبلوماسيين روس بسبب حوادث فى بلاد أخرى»، وأعلن حلف شمال الأطلسى «الناتو» طرد سبعة من الدبلوماسيين العاملين فى البعثة الروسية فى مقر الحلف، ومن بين البلدان التى أقرت خطوة مماثلة ألمانيا، التى طردت أربعة دبلوماسيين روس.
مزيد من الإجراءات المحتملة
يأتى هذا التحرك المنسق بعد أن أصدر زعماء الاتحاد الأوروبى بيانا قالوا فيه إن الكتلة الأوروبية برمتها وافقت على تقييم لندن الذى يفيد بأنه من المحتمل جدا أن تكون روسيا مسئولة عما جرى، وأنه لا يوجد تفسير بديل معقول.
وأعلن «دونالد توسك» رئيس المجلس الأوروبى أن الإجراءات الإضافية التى تتضمن المزيد من عمليات الطرد فى الإطار المشترك للاتحاد الأوروبى غير مستبعدة خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من مشاركة العديد من الدول فى حملة طرد الدبلوماسيين الروس فإن هناك عدة دول رفضت منها دول فى الاتحاد الأوروبى مثل اليونان والبرتغال، كما أعلنت أستراليا أنها لا تنوى طرد أى من الدبلوماسيين الروس على أراضيها، كما أكدت بلجيكا أنها لا تعتزم حاليا إبعاد دبلوماسيين روس.
فى نفس الوقت أبدت لندن ترحيبها بالإجراءات التى اتخذتها العديد من الدول الأوروبية، فقالت رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماى» إن الإجراءات المتسقة التى جرى اتخاذها توضح بشكل جلى أننا نقف صفًا واحدًا فى توجيه أقوى إشارة لروسيا بأنها لا تستطيع الاستخفاف بالقانون الدولى، كما غرد وزير الخارجية البريطانى قائلًا «رد الفعل الدولى الاستثنائى من قبل حلفائنا يمثل فى التاريخ أكبر عملية طرد جماعى لضباط مخابرات روس على الإطلاق، وهذا سيساعد فى الدفاع عن أمننا المشترك».
ردود روسية غاضبة
هذا الإجراء العنيف من قبل العديد من الدول الغربية قوبل بردود فعل روسية غاضبة، وتعهدات بالرد بقوة، وفى هذا الإطار قال وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» إن واشنطن تنظم عملية ابتزاز كبرى لروسيا، مشيرا إلى أنه لم يعد هناك إلا قليل من الدول المستقلة فى أوروبا الحديثة، وأكد لافروف أن بلاده سترد بشكل مناسب على القرار الذى وصفه بأنه غير ودى واستفزازى، مشيرا إلى أن بلاده لا يمكنها التغاضى عن هذه الصفاقة.
من جانبها، شنت الصحف ووسائل الإعلام الروسية هجومًا عنيفًا على الدول الغربية، فذكر موقع روسيا اليوم فى تقرير مطول أن الغرب يسارع إلى تأجيج حرب دبلوماسية ضد موسكو، فحتى الآن، بحسب التقرير، لايزال الغموض يسود فى هذه القضية المشبوهة والمبنية على ترجيحات ضعيفة أعلنتها لندن الرسمية، فى حين لم تقدم الشرطة البريطانية بعد أى فرضية موحدة، كما حدث فى مدينة سالزبورى فى الرابع من مارس، لكن ذلك لم يمنع لندن من تمسكها باتهام موسكو بتسميم سكريبال، عقيد الاستخبارات البريطانية فى التسعينيات من القرن الماضى، ونقل الموقع الروسى عن «سيرجى سوداكوف» البروفيسور فى أكاديمية العلوم العسكرية الروسية قوله «قضية سكريبال كانت غريبة، وبدت منذ البداية كأنها عملية استفزازية مدبرة، لكنها ضعيفة التنفيذ، وجرت تحت ضغط الوقت، حيث استخدمتها بريطانيا لإطلاق حرب دبلوماسية ضد روسيا.
صفقة لندن وواشنطن
وحسب وداكوف، فإن اتهام روسيا بتسميم سكريبال جزء من صفقة مبرمة بين لندن التى تمر بمرحلة صعبة جراء انسحابها من الاتحاد الأوروبى وواشنطن، وأوضح سوداكوف أن واشنطن ولندن هما المستفيدتان الأساسيتان من «حملة سكريبال»، إذ أن الدافع الرئيس للقضية لكليهما هو مكاسب اقتصادية وسياسية، وبالنسبة للولايات المتحدة فهدفها الأول تهميش روسيا فى سوق الطاقة الأوروبية واستبدال الغاز الطبيعى الروسى بالغاز المسال الأمريكى المضغوط، فضلا عن الحفاظ على هيمنة واشنطن فى العالم عبر تشكيل، فى أسرع وقت، تحالف جديد لإضعاف روسيا برئاسة فلاديمير بوتين خلال فترة ولايته الجديدة، بأكبر قدر ممكن، والسبب الثالث الذى أشار إليه سوداكوف، أن الإدارة الأمريكية التى باشرت حربا تجارية مع الصين، تحرص على نيل دعم أوروبا فى معركته، أما بريطانيا، فتسعى إلى تقليل العبء المالى على الميزانية جراء خروجها من الاتحاد الأوروبى والاستفادة من الغطاء الأمريكى وضماناته بهذا الشأن.
خطوات أكثر عدوانية
الواقع أن العديد من الصحف العالمية ركزت على رد الفعل الروسى، وكيف ستواجه أوروبا الإجراءات المحتملة التى تتخذها موسكو، فى هذا الإطار، ذكرت رويترز فى تقرير لها بشأن تداعيات إجراءات الطرد الجماعى على العلاقات الروسية الأمريكية، فقالت أن توقعات مسئولين وخبراء أمريكيين تشير إلى تدهور العلاقات أكثر من ذلك على الأقل فى الأجل القريب ويحذرون من أن خطوات روسيا المقبلة قد تتجاوز مجرد الرد بطرد دبلوماسيين أمريكيين، ونقلت رويترز عن «ماثيو روجانسكى» الخبير فى شئون روسيا بمركز ويلسون للأبحاث فى واشنطن قوله «خطر التصعيد لا يأتى فقط من قرارات المعاقبة واحدا بواحد» مشيرًا إلى إمكانية اتخاذ خطوات أكثر عدوانية فى مجالات من الشرق الأوسط إلى عالم الانترنت».
أما صحيفة التايمز البريطانية فذكرت إن التاريخ سيسجل تضامن الغرب فى غضبهم ضد روسيا التى استخدمت غاز كيماوى على أراض تابعة لعضو فى حلف للناتو، مضيفة أن قرار طرد الدبلوماسيين الروس من الدول الغربية لم يأخذ وقتًا طويلًا بل بضع ساعات، وأضافت أن بعض الدول الأوروبية أكدت أن هذه الخطوة ستدمر وسيلة اتصال هامة مع الكرملين وأى حوار يمكن أن يبدأ مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يمكن أن يرجعه إلى صوابه، وتابعت الصحيفة أنه من المستحيل الافتراض بأن طرد دبلوماسى بوتين سيغير الطريقة التى يتصرف فيها.
وختمت بالقول إن على الغرب أن يكون مستعداً للدفاع عن نفسه إزاء أى تصعيد، وهذا يتطلب تضامن بين الحلفاء والقيادة الأمريكية.