صالون الرأي
رغم الهجمة الشرسة يصعدون القمة
By mkamalأكتوبر 22, 2018, 14:56 م
1290
كل من اختار طريق الهجرة من العرب والمسلمين، يتحلون بالعزيمة والإصرار على مواجهة التحديات، وهم يعلمون أن انكسارهم لا يعنى سوى القضاء على وجودهم، وحين نتابع أخبارهم نراهم يتقلدون المناصب الرفيعة فى دول المهجر، بعد مشوار كفاح مرير ونشأتهم وسط ظروف قاسية، ويؤمنون بداخلهم أن هذه البلدان الغربية أو اللاتينية أو الآسيوية، لا تعترف إلا بأصحاب الكفاءات، وكل من يمتلك الإبداع والتطوير فى منظومة العمل، ويأتى كذلك فوزهم بقيادة كثير من المجالات، وسط هجمات متصاعدة ضد العرب والمسلمين، ولذا يعد نجاحهم ضربًا من الخيال ومعجزة بشرية، وتتآمر ضدهم منظمات ومراكز بحثية مدعومة لوجيستيا وبملايين الدولارات، وتعمل على تأصيل الكراهية ضدهم، وسط شعوبهم التى باتوا ينتمون إليها، وخاصة بعد تنامى اليمين المتطرف، وذكرت صحيفة النيويورك تايمز أن عددًا من هذه المنظمات فى أمريكا تتلقى تمويلا بـ 57 مليون دولار لتحقيق هذا الهدف.
ورغم تلك الظروف القاسية التى تجرعتها منذ طفولتها، استطاعت أن تكون أول مسلمة تشغل منصبًا رفيع المستوى فى الحكومة الألمانية الحالية، وهو المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية، ومن قبل ترأست رئاسة قسم حوار الثقافات بوازرة داخلية الحكومة المحلية فى ولاية برلين، وتعد خطوة غير مسبوقة لم تشهدها من قبل ألمانيا فى تولى عربى دورًا مهمًا بحكوماتها، ولم يكن اختيار سوسن لهذا المنصب، إلا نتاج مشوار شاق بدأ برحلة هجرة عائلتها الفلسطينية إلى لبنان، بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، ومكثت فيها عدة سنوات ثم هاجرت إلى ألمانيا، وظلت فى ألمانيا إلى حين بلوغها 15 عاما بدون جنسية وبدون أوراق إقامة دائمة، ومع ظروف أمية والديها ونشأتها وسط 11 أخًا وأخت، استطاعت التغلب عليها وتمكنت من الحصول على شهادة الثانوية العامة، ثم التحقت بالجامعة وتخصصت فى دراسة العلوم السياسية، لإدراكها منذ صغرها أن السياسة تساهم فى تحديد مصير عائلات.
ومن الملفت للنظر تكرار تولى النساء المسلمات المناصب القيادية فى بلاد المهجر، رغم تعرضهن إلى ضربات شديدة، ويشير تقرير الحكومة البريطانية إلى الاعتداء الممنهج على الأقلية المسلمة فى بريطانيا التى تبلغ 2.7 مليون شخص، بواقع 80 ألف جريمة كراهية فى عام 2017، وكان أحد ضحاياها فى أبريل الماضى مريم مصطفى الطالبة المصرية بالهندسة، التى تلقت ضربًا مبرحًا على يد فتيات سود، حتى فارقت الحياة بعد تحويلها إلى المستشفي، ولم ترضخ المسلمات للهجمة الشرسة، وأثبتت نجاة القاسم ذات الأصل المغربى نجاحها فى تولى منصب وزيرة حقوق المرأة، وفى العمل كناطقة باسم حكومة جان مارك فى عهد رئاسة الرئيس هولاند، وكانت تعتبر أصغر وزيرة فى الحكومة الفرنسية، ولم تفارقها الابتسامة طوال حياتها، رغم نشأتها فى أسرة فقيرة مع 6 أشقاء.
وفى مشهد ثان عن عائلة مسلمة أخرى فقيرة تعيش فى المهجر، ولم تنال أى قسط من التعليم، فالأب عامل مغربى والأم سيدة منزل جزائرية، ومن بين أشقائها الـ 11خرجت رشيدة داتى لتتولى الحقيبة الوزارية لوزارة العدل فى الحكومة الفرنسية فى عهد رئاسة ساركوزي، وبذلك تكون أول وزيرة عربية تتقلد مقعد وزارى بفرنسا، وقبل توليها الوزارة كانت المتحدثة الرسمية لساركوزى خلال الانتخابات الرئاسية، وشغلت رئيسة بلدية الدائرة السابعة فى باريس، وفازت فى البرلمان الأوروبى فى 2009، ولكى تتمكن من مواصلة التعليم فى بداية حياتها، عملت مساعدة تمريض لتنفق على دراستها، ثم حصلت على درجة الماجستير فى القانون العام، وبعده نالت الماجستير فى العلوم الاقتصادية، والتحقت بالمحاماة ولم لبثت أن عرجت إلى العمل السياسي.
ولاتزال لوحة الشرف تزخر بالرائدات العربيات، اللاتى صعدن قمة المجتمع الأوروبي، وكان سبيلهم الوحيد كفاءتهن وجهودهن الذاتية المتواضعة، فهن لم يملكن المال الوفير أو الدعم من الجهات ذات الأجندات الخاصة، وفى هولندا انتخبت خديجة عريب – مغربية الأصل – رئيسا لمجلس النواب الهولندي، وحصلت خديجة نائبة الحزب العمالى على 83 صوتا من أصل 134 صوتا خلال عملية التصويت، وتجدر الإشارة هنا إلى أنها لم تكن المسئولة العربية الوحيدة التى تولت منصبًا كبيرًا فى هولندا، فقد شغل أحمد أبو طالب رئيسا لبلدية روتردام ثانى أكبر مدينة فى هولندا، وتعد هولندا وفرنسا من الدول العشر الأولى الأكثر جذبًا للمهاجرين، بينما تحتل الولايات المتحدة المركز الـ27 فى المؤشر العالمى لجذب المهاجرين.
وفى غرب أوروبا فازت نجاة درويش فى يناير 2018 بمقعد فى برلمان كتالونيا، وتعتبر أول مسلمة تجلس فى البرلمان الإقليمي، وتقول إن ما حققه المهاجرون فى كتالونيا كان بفضل عملهم الدءوب منذ قدومهم إلى البلاد، وتلقت دراستها هناك وبعدها عملت خبيرة فى التدريب والتوظيف بمجلس بلدية ماسنو ببرشلونة، وتعيش مع زوجها وطفليها، وخاضت مناقشات حول معاناة المسلمات المحجبات فى كتالونيا، وشاركت فى أنشطة متعلقة بالهوية ودمج المهاجرين، ولم تقتصر الريادة العربية والإسلامية على النساء وإنما شارك معهم الرجال، فمن وقت قريب فاز صادق خان بمنصب عمدة لندن، بعدما خاض معركة ضارية من أجله، ويفتخر أمام الجميع بأن والده كان سائقا على شاحنة وأن أمه عملت خياطة، حتى حصل على شهادة الحقوق، وانتقد رسائل الكراهية التى ترسل إلى بيوت المسلمين، وكان هو واحدًا من بينهم رغم مكانته ومنصبه، وإذا كانت كل المؤشرات تؤكد أن المسلمين والعرب، لا ينعمون بالاستقرار فى ظل تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصاعد اليمين المتطرف، فلذا نوجه لهم التحية لقدرتهم على التفوق، وفى انتظار ما يسفر عنه المستقبل.