صالون الرأي
العلم الحديث وسيلته للهيمنة
By mkamalأكتوبر 28, 2018, 12:02 م
1930
بعد حصوله على جائزة نوبل للطب بفضل أبحاثه عن الملاريا، أنكر حديثه السابق عن دوره فى دعم الاستعمار وحروب الإمبراطورية البريطانية، وهو السير «رونالد روس»، وكان يعتبر الإبن البار لبريطانيا، وولد فى الهند وعمل جراحا فى الجيش البريطاني، وعند استخدامه للمجهر فى إجراء أبحاثه عن كيفية انتقال أحد الأمراض الإستوائية، كان هدفه تحصين الجنود البريطانيين من المرض، لكى يعزز من قدرتهم فى التوسع نحو السيطرة على المزيد من الأراضى الهندية، وكان ينظر إلى توسعات جيشه على أنها من الأعمال الخيرية، التى تسعى إلى نشر الصحة والنظافة وسط شعوب مناطق نفوذهم، وكان يعتبرهم من رعايا إمبراطوريته، وتعد هذه الذريعة حجة كل مستعمر فى غزو أى بلد، فأمريكا وقت حربها على العراق، أعلنت أنها ستنشر الحرية وسوف تبنى العراق الجديدة، وفى سبيل ذلك استخدمت قنابل وأسلحة محرمة دوليًا، وقتلت أكثر من مليون عراقي، وانتهكت حرمات العراقيين داخل السجون.
وبعد قضاء ما ادعته من مهمتها الإنسانية على الأراضى العراقية، غادرتها وتركتها نهبا للنزاعات والصراعات الطائفية، وكان نفس المبرر المعلن لحملة نابليون بونابرت على مصر، وهو نشر الثقافة والتعليم، وإذا به يخرب البلاد ويقتل العباد، واعترف الدكتور «كبلينج» الحاصل على جائزة نوبل وزميل الطبيب «روس»، بأن عبء الرجل الأبيض يقوم على إقرار الحكم المتحضر على شعوب المستعمرات البريطانية، ويفضح التاريخ الحديث دوافع المستعمر الغربى فى استخدام العلم لتوطيد حكمه، ومن هذا المنطلق بدأ تقرير «روهان ديب» المحاضر فى تاريخ جنوب آسيا بجامعة ريدنج البريطانية، وتناول فيه الارتباط بين العلم الحديث والاستعمار، وأنه لا يزال يرمى بظلاله على الدول النامية، ويرى روهان أن حديث الدكتور روس يضفى مبررًا أخلاقيًا للمستعمر، ولذا يدعو إلى ضرورة إلغاء مبدأ عدم المساواة، الذى يؤيده داعمى اتجاهات العلم الحديث، وإلى تغيير عقيدتهم بدلا من استخدامه كأداة للظلم.
ويحكى روهان أنه عثر الأوروبيين على عبد فى مزرعة ومعه عشبة نبات وذلك فى القرن الثامن عشر، وظنوا أنه نبات سام يحاول به العبد تدمير المزرعة، فقاموا بتعذيبه وشنقه، وكان موته سيذهب طى النسيان، لولا حرص بعض الأوروبيين على إجراء تحقيق للكشف عن سبب الحادث، وتوصلوا إلى سلامة العشبة النباتية وخلوها من السم، وبعدها تمكنوا من التعرف على قدرة النبات فى علاج الديدان والنمش وغيرها من الأمراض، ولذلك يزعم بعض مؤيدى نظرية المستعمر فى توظيف العلم الحديث لأغراضه، أن غير الأوروبيين يستحقون الاحتلال، لأنهم أدنى فكرًا وأقل تحضرًا، وهاجم أحدهم لغات هؤلاء الشعوب، كالعربية والهندية ووصفها بأنها لغات قاحلة وخالية من المعرفة، وتنطوى على خرافات وطب زائف، ووصف المؤرخ «أرنولد ديفيد» الاحتلال بـ «استعمار الجسد»، بمعنى أنه يستخدم الطب كسلاح من أجل تأمين سيطرته.
غير أن الواقع يكذب افتراءاتهم، فقد كانت هذه الدول المستعمرة مهدا للحضارات، وأن الاستعمار الذى توالى عليها سلب ونهب آلاف المخطوطات والوثائق، وخاصة من مصر وفلسطين واليمن والعراق، والشاهد أن المكتبة البريطانية وحدها تقتنى 15 ألف مخطوط عربي، ورصدت دراسات أن نحو 3 ملايين مخطوط موزعة على مكتبات كبرى فى دول أوروبا وأمريكا وإسرائيل، ولم تنحصر نظرة الهمجية تجاه الشعوب المحتلة على مؤيدى المستعمر القديم، بل مازال يؤمن بها رؤساء وقادة فى الغرب، فقد هاجم من قبل ونستون تشرشل المهاتما غاندى قائلا إنى أكره الهنود فهم شعب متوحش، وشمل وصفه العرب أيضا، وهذا ترامب فور توليه الحكم وضع قائمة بالدول العربية والإسلامية المحظور دخول مواطنيها أمريكا.
وتتضح حقيقة تسخير المستعمر للعلم فى العديد من اكتشافاته العلمية وتطويعها لتحقيق أطماعه، فقد وجه اكتشاف القوارب البخارية فى الاستكشافات الاستعمارية لإفريقيا، وكذلك الطائرات فى إجراء عمليات مسح جغرافى على أماكن نفوذه، ولقصف أى حركات تمرد، حتى أن ابتكار الراديو اللاسلكى قى تسعينات القرن التاسع عشر، جاء لحاجة المستعمر فى إجراء اتصالات سرية بعيدة المدى خلال حربه فى جنوب إفريقيا، ورغم مرور الزمن وظهور متغيرات وطفرات ثقافية كبري، ولحاق دول آسيوية بالنهضة الغربية وتسابقها على الريادة، وكذلك نبوغ كثير من علماء العرب حديثا واعتراف جامعات أوروبية وأمريكية بجهودهم، لا تزال المورثات الاستعمارية جاثمة على عقول العديد من علماء الغرب المعاصرين، من نظارات الغطرسة والاستعلاء، وقد أثبتت نتائج دراسة حديثة تلك الشواهد، حيث تم تعاون علمى بين جامعات غربية ومراكز بحثية لـ 48 دولة نامية، وأثناء البحث استأثر العلماء الغربيين بإجراء التجارب العلمية، واقتصار علماء الدول النامية على الأبحاث الميدانية.
وحتى لا يتم تعميم الحكم على جميع علماء الغرب، فإن الدراسة كشفت أن نسبتهم تتراوح بين 60% إلى 70%، والأقلية منهم تعترف بالقدرات العلمية لعلماء الدول النامية، ولذا ضج كثير من طلاب الدول النامية من هيمنة الغرب على النظريات العلمية، وطالبوا بسقوط العلم الحديث ويبدأونهم بوضع أسس علمية جديدة، ولكنها تعد رؤية خاطئة وفى منتهى الخطورة، أما الرأى الصائب الذى يدفع نحو البناء على ما توصل إليه الغرب، ومحاولة الانفلات من تبعيته والاعتماد على الذات، والخطوة الأكثر أهمية أن تحذو الدول النامية حذو دولا تتنافس حاليا على صعود القمة الاقتصادية، مثل سنغافورة ورواندا وماليزيا التى وجهت أولويات نهضتها نحو التعليم.