يوم السبت قبل الماضي 9 مارس، صعدت سيدة مصرية من المدينة الباسلة (بورسعيد) إلى مسرح مركز «المنارة» للمؤتمرات واثقة الخطى، بعد أن قدمها، مقدم الحفل صاحب الصوت المميز لدى المصريين جميعا العقيد «ياسر وهبة»، على أنها والدة الشهيد.. وجعلتني تلك الكلمات، أنتظر لأرى وأسمع بماذا سوف تنعي أم الشهيد ولدها.
ترجلت السيدة العظيمة (سحر الحبشى) صاعدة خشبة المسرح، ودار فى ذهنى ما قالته «الخنساء» عندما أبلغوها باستشهاد أبنائها الأربعة فى القادسية، حينما قالت: «الحمد لله الذى شرفنى باستشهادهم جميعاً فى سبيل الله».. وبدأت الحديث عن ابنها الشهيد البطل الجندى، «محمد صبرى عبد العال» بكلمات سبقتها دموع تحجرت فى عيونها إلا أن تأثيرها ظهر على نبرات صوتها المخنوقة، وهى تبدأ بكلمات كتاب الله: {وَلَا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتلُوا فى سَبِيلِ اللَّهِ أَمواتا بَل أحياءُ عِندَ رَبّهم يُرزقَونَ} سورة آل عمران.
ثم حيت الشهداء وأسرهم فى يوم الشهيد، ولأنها معلمة أجيال فقد علمت نجلها منذ الصغر معنى الوطن، وكيف لا وهى ابنة المدينة الباسلة التى شهد كل شبر فيها ملحمة بطولية فى مواجهة المحتل.
بدأت الأم الصابرة والمعلمة العظيمة تروى تفاصيل قصة حياة البطل الشهيد وكيف استطاع حبه لوطنه أن ينسيه حلمه ولا يتمنى من الدنيا شيئًا سوى الشهادة وهو يدافع عن تراب سيناء.
كلمات الأم كانت وصفًا لحياة الشاب الطموح الذى بدأ حياته العملية مبكرًا ونجح، وكبر معه حلمه، فأراد أن يواصل من أجل تحقيقه، ووجد أن عليه تأدية الواجب الوطنى أولًا، لينطلق نحو آفاق أرحب لتحقيق حلم التجارة.. التحق الشاب البطل بالتجنيد بعد أن سحب أوراقه من الجامعة.. انتهى من مركز التدريب ليلتحق بالقوة الأساسية له فى شمال سيناء، هنا نسى الشهيد البطل محمد صبرى، حلم التجارة أمام حلم أكبر وهو الشهادة فى سبيل الوطن.
وواصلت الأم العظيمة روايتها عن تفاصيل حياة البطل والإجازة الأخيرة التى كان يودع أصدقاءه وأهله فيها، وكأنه قد كشف عنه الحجاب.. تمنى الشهادة، فاستجاب الله له. واصلت الأم كلماتها وهى تروى كيف طلب من أصدقائه أن يرسموا له رصاصة على صدره.. فكانت بالفعل موضع الرصاصة التى استشهد بها.. سيدة عظيمة بحق؛ ككل أمهات الأبطال من الشهداء ومصابى العمليات اللائى تم تكريمهن فى يوم الشهيد.. عظيمات جدن بفلذات أكبادهن فداء للوطن.
(1)
واليوم ومصر تحتفل بالعيد المائة للمرأة المصرية، هناك تاريخ حافل بالبطولات والأعمال العظيمة التى قدمتها المرأة فى مساندة ودعم الوطن؛ بدءًا من «حميدة محمد»، ابنة حى الجمالية التى استشهدت يوم 16 مارس 1919 برصاص الإنجليز عندما كانت مع رفيقاتها فى الكفاح ضد الإنجليز يهتفن فى حى الحسين «سعد سعد يحيا سعد»، لتكون الدماء الذكية الشرارة الكبرى فى إشعال الثورة.
تاريخ طويل من النضال قدمته عظيمات مصر فكانت أول طبيبة مصرية «هيلانة سيداروس»، ابنة محافظة الغربية التى أوفدت إلى لندن عام 1922 لدراسة الرياضيات لتحول مسار دراستها إلى الطب وتعود عام 1930 من بريطانيا كأول طبيبة مصرية لتعمل فى مستشفى «كيتشنر» بالقاهرة.
ومن هيلانة إلى «نبوية موسى»، رائدة تعليم البنات، مرورًا «بسيزا نبراوى»، و«ملك حفنى ناصف»، و«عائشة تيمور»، و«فاطمة رشدى»، و«درية شفيق»، و«هدى شعراوى»، و«صفية زغلول»، و«روز اليوسف»، والأميرة «فاطمة إسماعيل»، راعية التعليم، و«مفيدة عبد الرحمن»، أول محامية مصرية، و«سميرة موسى»، أول عالمة ذرة مصرية، و«أمينة السعيد»، و«لطفية النادى»، و«سهير القلماوى»، وغيرهن من نساء مصر اللائى صنعن مجدا وساهمن فى بناء وطن.
(2)
تاريخ طويل من النضال والعمل من أجل الحفاظ على الوطن والدفاع عن قضاياه فكانت كتفا بكتف إلى جوار الرجل؛ ودائمًا ما كانت حجر الزاوية وعمود الخيمة التى تصنع الاستقرار وتبنى المستقبل.
ففى أوقات الشدائد التى واجهتها مصر كانت المرأة المصرية تقوم بدور مهم فى بناء الوطن، فترفع الهمم وتحفز الأبناء وترويهم بحب الوطن وتغذى عقولهم بالإيمان به والعمل من أجل الحفاظ عليه.
كانت المرأة المصرية فى الصفوف الأولى لثورة 1919 كما كانت فى المقاومة الشعبية فى بورسعيد فى مواجهة العدوان الثلاثى، وواصلت مسيرة الكفاح من أجل الوطن فى 1956.. استضافت أم الفدائيين السيدة «أمينة محمد الغريب»، أبطال المقاومة الشعبية فى بورسعيد وقد وصفها السفير «سعد عبد الله»، بهذا الاسم فى برقية كتبها لها قائلًا: «إلى روح السيدة أمينة الغريب التى احتضنتنى مع كثير من رجال المقاومة وجعلت من منزلها مركزًا لقيادة المقاومة الشعبية فى بورسعيد فى وجه الاحتلال البريطانى للمدينة وتفتيشهم للمنازل صباحا ومساء.. أقدم لها الدعاء الذى لا أملك غيره؛ أن يدخلها الله فسيح جناته على ما قدمته لوطنها.. لقد شعرنا من دفء رعايتها لنا أنها هى مصر وروحها؛ هى روح مصر، التى صدت البغاة (يقصد العدوان الثلاثى ).. ويمر الزمن وننسى الناس ولكن لا أنساها أبدًا.. وكنا قد طلبنا لها نيشان الكمال حينئذ ولكن بعد انتهاء العدوان سار كل منا فى طريق».
ووقع السفير سعد عبد الله تلك البرقية 7 مارس 1997.
ومن السيدة أمينة الغريب يمتد النضال لنراه فى السويس إبان حرب أكتوبر وبطولة المرأة المصرية فى دعم أبطال المقاومة الشعبية.
(3)
ومن ميدان إلى ميدان تتعدد بطولات المرأة المصرية ويحرص الرئيس السيسى على التأكيد دائما على الدور الذى تقوم به فى بناء الوطن وكيف خرجن مدافعات عن وطنهن والحفاظ على استقراره.. وفى ثورة 30 يونيو خرجت تتصدر الصفوف لاسترداد الدولة من التنظيم الإرهابى، الذى حاول اختطافها والتفت من حولها أسرتها فكانت بمثابة رأس الحربة فى تلك المعركة، كما كانت فى طليعة صفوف الناخبين لتثبت للعالم أن ما شهدته مصر هو إرادة شعب، ولم تكتف بهذا فقدمت الشهداء دفاعا عن الوطن.
وعندما التقى الرئيس والدة الشهيد «أحمد صلاح»، قال موجها حديثه لها: «اسمحى لى أن أقدم لك الشكر باسم كل المصريين وربنا يعوض عليك واحنا مقدرين ده»، مضيفًا: «إحنا ولادك وتحت أمرك وليا الشرف أكون من أولادك وليا عظيم الشرف أنى أقابلك».
قالت أم الشهيد: «لما الشهيد الصغير «إسلام» توفى قولت أنت الخير والبركة ولما التانى مات قولت أنت الخير والبركة وقولت الحمد لله يارب»، وأضافت: «أنا قدمت شهيدين للوطن ومش خسارة فى الوطن».. ووجهت حديثها للمصريين قائلة: «مصر عظيمة بالسيسى، وطالما هو معانا مصر مش هتقع أبدًا».. ورد عليها الرئيس قائلًا: «مصر عظيمة بكم وبشعبها ومفيش أعظم منك».
وتواصل المرأة المصرية دورها فى العمل والكفاح وتربى أجيالا يعشقون الوطن، ويحافظون على مقدراته.
وفى عهد الرئيس السيسى حصلت على العديد من المكتسبات وتستمر الدولة المصرية فى دعمها لما تقوم به من دور فعال فى بناء الوطن والحفاظ على المجتمع.
فتحية إلى المرأة المصرية يوم عيدها.. تحية لمن سهرت وربت وأنجبت وقدمت أبطالا يقفون على حدود الوطن يذودون عنه ويدافعون عن استقراره.
تحية لكل أم شهيد وبطل من أبناء القوات المسلحة والشرطة.
تحية لكل سيدة عظيمة حرصت على تربية أبنائها ووقفت لساعات فى مهن شاقة من أجل أن تحقق لأسرتها عيشة كريمة.
تحية لكل أم وزوجة وأخت وابنة حرصن على أن يكون الوطن فى المقدمة.. فربين أبناءهن على ذلك.
تحية لكل سيدة عظيمة من عظيمات مصر.