صالون الرأي
المجتمع المدني.. وبناء الإنسان المصري
By mkamalأكتوبر 28, 2018, 13:05 م
2720
المجتمع المدنى قديم قدم المجتمعات الإنسانية، وإن كان المفهوم نفسه يعتبر حديثًا، ولا يزال محل جدل من حيث حدوده ومجالات نشاطه والوظائف المنوطة به وعلاقته بالدولة ومؤسساتها، ويرجع الجدل إلى دور المجتمع المدنى ومنظماته فى المجال السياسى، وهو دور مبالغ فيه إذا ما قورن بدوره فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والبيئية والتعليمية، وهناك مسئولية كبرى تقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدنى فى المشاركة فى توعية وتغيير ثقافة الشارع، الذى لديه قناعات سلبية تتلخص فى أن الدولة هى المسئولة عن كل شىء.. ويجب أن تغرس فى نفوس المصريين الرغبة والحماس للمشاركة فى تحمل المسئولية تجاه وطنهم.. وأن عليهم أن يكونوا مواطنين إيجابيين والمجتمع المدنى هو المكوِّن للمؤسسات والجمعيات الأهلية التى تقوم بالأعمال الخيرية فى المجتمع، وهى مؤسسات غير حكومية، والدولة تضع القوانين الخاصة بها وتراقب نشاطاتها.
ويعرّف البنك الدولى المجتمع المدنى بأنه عدد من المنظمات غير الربحية وغير الحكومية، التى تعتمد على النهوض بالاهتمامات والقيم الخاصة بالأشخاص المنضمين إليها.
وتعد منظمات المجتمع المدنى عناصر فاعلة وقنوات مهمة فى تقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية، حيث تلعب خبرات المجتمع المدنى وتجاربه دورًا متممًا للعمل الحكومى.
ومن الملاحظ أن الدولة ومؤسساتها الرسمية حتى فى أكثر الدول تقدمًا، باتت عاجزة بمفردها عن تلبية الحاجات المعيشية المتزايدة للمواطنين وتمكينهم من مواجهة التحديات الحياتية والتغلب عليها، وهو الأمر الذى جعل من إفساح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدنى للعمل وسط المواطنين ضرورة ملحة.
وفى مصر يوجد رأس مال اجتماعى ضخم.. وله اتجاهات عديدة، منها المؤسسات القائمة على تنشيط رأس المال الاجتماعى، والجزء الآخر هو مجموعة القيم الموجودة لدى المصريين وهى الترابط والتراحم والتكامل والتعاون والإيثار.
وهذه المؤسسات منها جمعيات خيرية، والاتحاد العام للجمعيات الأهلية يضم أكثر من 46 ألف جمعية، بالإضافة للمؤسسات الخيرية والتى تتبع أيضًا الاتحاد العام، والفرق بين الجمعية والمؤسسة هو أن المؤسسة يملكها أصحابها والجمعية مال عام، ولن تكفى هذه السطور فى رصد الدور الذى تقوم به هذه المنظمات، ويكفى أن نعلم أن المجتمع المدنى يقدم 30% من إجمالى الخدمة الصحية فى مصر، فالجمعيات والمؤسسات شريك قوى لوزارة الصحة فى تقديم الخدمات الصحية بجودة عالية وبشكل مجانى، أو بأسعار تناسب حالة المواطنين الاقتصادية، فعدد حضَّانات الأطفال المبتسرين التى توفرها الجمعيات تماثل عدد الحضَّانات الموجودة فى مستشفيات وزارة الصحة.
وفى النشاط التعليمى مئات من المنظمات التى توفر دور الحضانة والتعليم الفنى، وإعادة التدريب والتأهيل، وتدريب المعلمين، وتطوير عقول الطلاب وتشجيعهم على الابتكار ومساعدة المتفوقين، وعمل مبادرات كمبادرة «إنجاز» ومبادرة «إفهم» التى تقدم للطلاب العديد من التدريبات التى تزيد من مهاراتهم للالتحاق بسوق العمل فيما بعد.
وهناك مجالات أخرى مثل الحفاظ على البيئة وحماية المستهلك ومكافحة الاحتكار وضمان الجودة، والعمل على مساعدة المرأة وتمكينها ومساعدة الأطفال وحمايتهم وتوفير الرعاية لهم، ومحو الأمية، ورعاية أهالى السجناء، والحفاظ على التراث الثقافى وبناء مؤسسات تعمل على نشر الثقافة، وتنظيم المسابقات الثقافية وتبنى المواهب.
وفى أى نظام ديمقراطى نجد أن منظمات المجتمع المدنى أحد الأركان الرئيسية، ولها دور أساسى فى نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، كما أنها شريك وداعم للدولة فى بناء وتنمية المجتمع فى كل المجالات، ولكن هناك نوع من الثقافة السلبية التى تسئ لكل العاملين فى مؤسسات المجتمع المدنى، بسبب التمويل الأجنبى أو الاتهام بتنفيذ أجندات خارجية، وبالطبع لا يوجد خلاف على أحقية الدولة فى تقنين وإدارة ملف التمويل الأجنبى بشكل يحافظ على مصالح الدولة والمواطنين.
وقد أثارت «قضية التمويل الأجنبى» فى أعقاب ثورة 25 يناير، والتى اتهمت فيها النيابة العامة 43 ناشطًا من بينهم 19 أمريكيًا بتأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية بدون ترخيص، وتسلم وقبول تمويل أجنبى من الخارج بما يخل بسيادة الدولة المصرية.
هذه القضية تسببت فى خلط الأوراق بين العمل السياسى والتنموى، وبعيدًا عن هذه القضية، تؤكد د. غادة والى وزيرة التضامن أن 98% من حجم تمويل الجمعيات من تبرعات المصريين، لذلك يجب الابتعاد عن الخلط المتعمد ما بين العمل الأهلى والعمل السياسى، وهناك فارق كبير ما بين التوعية السياسية والتوعية بالمشاركة المدنية الفعّالة، وما بين مساندة تيار سياسى بعينه أو الدعوة لمناصرة أيديولوجية سياسية معينة، وهو ما نصت عليه المادة (75) من دستور 2014: «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى تكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار وتمارس نشاطها بحرية ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شئونها أو حلها أو حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى، ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى».
وفى مايو 2017 صدر قانون رقم (70) بتنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة فى مجال العمل الأهلى، وكان مجلس النواب قد وافق على القانون فى 29 نوفمبر 2016.
ومن الواضح أن الدولة ليس لديها اعتراض على مفهوم المجتمع المدنى فى حد ذاته، ولكن من حقها إصدار القوانين التى تنظم عملها، واحترام القانون المنظم لعمل مؤسسات المجتمع المدنى هو قاعدة أساسية وركيزة أساسية لسلامة المجتمع ونموه وتطوره، ولذلك يجب التصدى لمحاولات تشويه المجتمع المدنى وتبرئته من شبهة تنفيذ أجندة أجنبية.
وتؤكد د. غادة والى أن الحكومة عندما صاغت استراتيجية 2030 لتتضمن أهداف التنمية المستدامة استعانت بالجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى وتتعاون فى تنفيذها للقضاء على الفقر والجوع – الصحة الجيدة والتعليم الجيد – المياه النظيفة – النظافة – العمل اللائق – الحفاظ على البيئة، كل تلك الأهداف تتعاون الحكومة مع المجتمع المدنى والجمعيات والقطاع الخاص لتنفيذها، كما تسند وزارة التضامن مشاريع وتوفر تمويلاً مباشرًا لعدد من الجمعيات الأهلية لتنفيذ عديد من البرامج.
وإذا كانت الحكومة تعتمد على منظمات المجتمع المدنى فى أداء أدوار إيجابية عديدة، فإن على هذه المنظمات اعتماد أنظمة رقابة داخلية فاعلة ونشر تقارير دورية عن الأنشطة ونتائج الأعمال، وأن تتمتع أنشطتها بالشفافية والمصداقية، فالهدف الأساسى هو خدمة المجتمع وحماية حقوق المواطن وبناء الإنسان.