صالون الرأي
ظاهرة انتشار المُخدرات – تحديات دولية
By mkamalيناير 20, 2019, 16:31 م
3141
تُعد ظاهرة انتشار المخدرات وتداولها وتعاطيها واحدة من أخطر التحديات التى تواجه دول العالم المعاصر لما تمثله من آثار سلبية مباشرة على الدول اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، كما تُساهم تلك الظاهرة فى زعزعة الاستقرار والتمرد وتأجيج العنف والصراعات المسلحة وانتشار الإرهاب وتفشى الفساد فى كل القطاعات لما لها من أبعاد سياسية واقتصادية، فضلًا عن تأثيراتها السلبية فى التماسك الاجتماعى خاصة أن أغلب المتعاطين من الشباب الذين يمثلون عصب أى دولة ومُستقبلها
ولذلك أضحت ظاهرة تُهدد دول العالم لا فرق بين دولة عظمى ودولة ضعيفة، وقد يراها البعض أنها من أخطر المُهددات على الأمن القومى والاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى، لما لها من قدرة على تقويض مؤسسات الدول وكل مواردها الاقتصادية والبشرية، بالإضافة إلى تقويض مؤسسات الديمقراطية ومؤسسات العدالة وتنفيذ القانون وبالتالى تقويض لكل أشكال التنمية فى الدول التى تنتشر بها.
ولجرائم المخدرات أشكال كثيرة تتنوع وفقًا لطبيعة الأفعال والمراحل التى تمر بها، فهناك زراعة المُخدرات وتصنيعها وإنتاجها وجلبها وتصديرها ونقلها والاتجار بها والحيازة والتعاطى، كما أن تلك الجرائم دائمًا ما تكون مرتبطة بجرائم أخرى فى المجتمع، مثل جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة والجرائم الجنائية الأخرى كالقتل والسرقة وتجارة الأسلحة وشبكات الدعارة والكثير من الجرائم والأعمال غير المشروعة، وتزداد ظاهرة المخدرات غالبًا فى الدول التى تُعانى من عدم استقرار سياسى واقتصادى والتى تنشغل فيها الأجهزة الأمنية بالأمن السياسى على حساب الأمن الجنائى، وتكمُن الخطورة عندما تنشأ علاقات مشبوهة بين عصابات المُخدرات وبعض الشخصيات الرسمية والمهمة فى الدولة، وتورط العديد من المسئولين الحكوميين والسياسيين وكبار رجال الدولة فى هذه الجرائم وبالتالى يستطيعون استغلال نفوذهم فى تسهيل عمليات التهريب و الترويج والاتجار وغض الطرف عن أنشطة غسل الأموال ومقاومة أى تشريعات أو قوانين أو اتخاذ تدابير وقائية تحد من انتشار تلك الجريمة وغيرها من الأنشطة المرتبطة بإنتاج وتجارة المُخدرات، وتوفير الحماية لتلك العصابات بما قد يُصعب من مهام المنظمات الدولية لمكافحة المخدرات فضلًا عن وجود بعض الدول والأقاليم تعتبرها موردًا اقتصاديًا لدخلها القومى بصرف النظر عن عدم شرعيتها.
تُعد عملية إنتاج وتجارة المخدرات إحدى صور الجريمة المُنظمة بل هى المصدر الرئيسى لشبكات الجريمة المنظمة، وأضحت المخدرات تأتى فى المرتبة الثانية من حيث الربحية فى العالم بعد السلاح وقبل الاتجار فى البشر والسبب الرئيسى لارتفاع الربحية هو الارتفاع الكبير فى عدد مُدمنى المُخدرات، فقد بلغ حجم تجارة المُخدرات غير المشروعة 320 مليار دولار سنويًا، وإذا أضفنا المواد المخدرة المسموحة قانونيًا تصل إلى 800 مليار دولار سنويًا (ميزانية عشر دول)، وعلى الرغم من طبيعة وتنوع المؤثرات العقلية فلا يتوفر عنها سوى بيانات محدودة، وصل عددها فى نهاية عام 2014 نحو 541 مؤثرًا عقليًا، بما يؤكد أن سوق المُخدرات الاصطناعية يزداد رواجًا وبصفة مستمرة .
وفى عام 2014 قُدر أن جماعات الجريمة المنظمة فى جميع أنحاء العالم تُحصل نحو خُمس إلى ثُلث إيرادتها من بيع المُخدرات، وقد حدد « اليوروبول» ( هى وكالة تطبيق القانون الأوروبية، وظيفتها حفظ الأمن فى أوروبا عن طريق تقديم الدعم للدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى خاصة فى مجال مكافحة الجرائم الدولية والإرهاب) أن نحو 5000 جماعة إجرامية ومُنظمة دولية تعمل فى دول الاتحاد الأوروبى فى عام 2017، قُدر ثُلثها ضالع فى الاتجار بالمخدرات، وهذا يؤكد أن الاتجار بالمُخدرات يستحوذ على النصيب الأكبر والأكثر انتشارًا على نطاق الجريمة المُنظمة مقارنة بالجرائم المُنظمة الأخرى المتعلقة بالممتلكات أو تهريب المهاجرين أو الاتجار بالبشر أو الاحتيال الضريبى أو غسيل الأموال أو أى نشاط آخر غير مشروع.
ويؤكد « التقرير العالمى لعام 2017» الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمُخدرات والجريمة أن الاتجار بالمخدرات لم يعد حكرًا على الجماعات الإجرامية الكبيرة التى تتسم بشكل هرمى مُحكم فى تشكيلها مثل الموجودة فى المكسيك واليابان وروسيا الضالعة فى تجارة المخدرات ، فحسب بل توجد جماعات صغيرة أخرى تمارس تلك الأنشطة الإجرامية، كما يؤكد « اليوروبول» أنه على الرغم من أن جماعات الجريمة المُنظمة فى أوروبا هى من نوع التنظيم الهرمى التى تنتهج العمل من القمة إلى القاعدة إلا أن لديهم أدلة على ازدياد ونمو الشبكات الأفقية الأكثر مرونة، وقدر اليوروبول أن تلك الشبكات تمثل من 30 إلى 40 فى المائة من جماعات الجريمة المُنظمة العاملة فى الدول الأوروبية.
لا شك أن أموال المخدرات قد تعزز الاستثمارات وتزيد من الناتج المحلى الإجمالى على المدى القصير، إلا أن تأثيرتها على المدى الطويل بالغة الخُطورة خاصة عندما تُشكل العائدات المرتبطة بالمخدرات جزءًا كبيرًا من اقتصاد أى دولة، لأن هذه العائدات المالية تستطيع أن تخلق منافسة غير عادلة تجعل المُنشآت التجارية المشروعة ضعيفة وغير قادرة على الاستمرار بل وأحيانًا تخرج من السوق بسبب عدم قدرتها على المنافسة أمام شركات تقوم بغسيل أموال المخدرات، والتى قد تُبالغ فى مصاريفها المالية للتمويه على نشاطها واحتقار السوق، مما يجعل الحكومات تفقد قدرتها على جذب استثمارات جديدة، وبالتالى ينشط الاقتصاد غير المشروع الذى يقوض سيادة القانون وينشر الفساد داخل المجتمع، ويؤدى إلى تضخم أسعار العقارات وتشوه أرقام الصادرات.
كما أن انتشار المُخدرات داخل المجتمعات له آثار سلبية على « الحوكمة» فهى إحدى الوسائل المساهمة فى نشر الفساد داخل طبقات المُجتمع، حيث يمكن رشو المزارعين وضباط الشرطة ورجال القضاة والعمال فى المصانع الكيماوية، والعاملين فى الجمارك، ورجال حراسة و تأمين الحدود، وبعض الأطباء والصيادلة الفاسدين، وتؤدى هذه الظاهرة لهروب الاستثمارات الأجنبية من الدولة، بما يزيد من مُعدلات البطالة داخل المُجتمعات وزيادة نسبة الفقر، و تفاوت شديد فى دخل المواطنين بما يشجع رغبة الفقراء فى تحقيق المكاسب السريعة من الاتجار فى المخدرات، ومما لا شك فيه أن الجماعات الإرهابية تستفيد من هذا المناخ الفاسد لكى تنشط وتتحرك بحرية كاملة سواء من خلال إنشاء تحالفات مع عصابات المخدرات أو المُتاجرة فيها بنفسها لتمويل أنشطتها الإرهابية، وتنتشر فى هذه الأجواء عمليات غسل الأموال بما لها من تأثيرات سلبية نحو الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى.
أضحت شبكات الجريمة المنظمة فاعلًا مؤثرًا فى التفاعلات السياسية والاقتصادية على المستويين الداخلى والخارجى، حيث تمثل جرائم المخدرات واحدة من أخطر الجرائم المنظمة لما لها من انعكاسات سلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتشهد كلا من المكسيك وكولومبيا حالات من عدم الاستقرار بسبب حروب المُخدرات، كما تعتبر المكسيك هى الطريق الرئيسى لتهريب المُخدرات من أمريكا اللاتينية باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وتقدر وزارة الخارجية الأمريكية أن 90% من الكوكايين الذى يتم استهلاكه فى السوق الأمريكية يمر عبر الأراضى المكسيكية بما يجعل للمشكلة أبعادًا إقليمية فضلًا عن البعد الداخلى، وقد انقسمت الآراء من قبل الحكومات ما بين رغبة البعض فى خلق شرعية مقننة لتعاطى المخدرات بحجة التقليل من التكلفة الاجتماعية الاقتصادية، ومطالبة البعض الآخر بالتشدد وعدم التسامح مع التعاطى والتوزيع.
يشير تقرير الأمم المتحدة العالمى إلى أن هناك ربع بليون نسمة، أو 5% من سُكان العالم البالغين تعاطوا المخدرات مرة واحدة على الأقل فى عام 2015.
والأكثر مدعاه للقلق أن نحو 29,5مليون من متعاطى المخدرات هؤلاء يعانون من اضطرابات ناشئة عن التعاطى مما يدل على أن تعاطيهم للمُخدرات ضار إلى درجة أنهم أصبحوا مُدمنين لها وبحاجة إلى علاج، وللأسف لا يتلقى العلاج كل عام إلا أقل من سُدس الأشخاص المدمنين فقط، كما تُسبب المخدرات ما لا يقل عن 190,000 حالة وفاة مبكرة سنويًا ومعظمها بسبب تعاطى المؤثرات الأفيونية، ولا تزال المؤثرات الأفيونية، بما فيها الهيرويين أكثر أنواع المخدرات ضررًا من الناحية الصحية، ويرتبط تعاطى المؤثرات الأفيونية بخطر الجرعات المفرطة المميتة وغير المميتة، وخطر الإصابة بالأمراض المعدية مثل الإصابة بمرض نقص المناعة البشرية « الإيدز» أوالتهاب الكبد الوبائى من نوع (c) بسبب استخدام الحُقن غير المأمونة (هناك نحو 12 مليون شخص فى العالم يتعاطون المخدرات بالحُقن، ثمنهم أى 1,6 مليون مُصاب بمرض نقص المناعة البشرية « الإيدز» وأكثر من نصفهم 6,1 مليون مصاب بمرض إلتهاب الكبد الوبائى) فضلا عن المخاطر الأخرى المتمثلة فى العلل الطبية والنفسية المصاحبة لعملية الإدمان.
كما يُشير التقرير إلى وجود ازدياد وانتشار واسع فى سوق الكوكايين فى جميع أنحاء العالم فبعد انخفاض دام لمدة طويلة، زادت المساحة المزروعة لشجرة « الكوكا» بنسبة 30% خلال الفترة من2013- 2015 خاصة فى كولومبيا، وزاد تعاطى الكوكايين فى أمريكا الشمالية وأوروبا ( تشير تحاليل مياه الصرف الصحى إلى أن استهلاك الكوكايين فى أمريكا وأوروبا فى ازدياد) وقد تلاحظ أن مُعدل الزيادة فى الاضطرابات الناشئة عن تعاطى المخدرات لدى النساء أعلى منه لدى الرجال، حيث إن المرأة بمجرد أن تبدأ فى تعاطى مواد الإدمان فانهن يملن إلى زيادة مُعدل استهلاكهن بسرعة أكبر من الرجال ونتيجة لذلك تصاب النساء بسرعة أكبر من الرجال بالاضطرابات الناشئة عن تعاطى المُخدرات (أعراض الإدمان).
كما زاد الإنتاج العالمى من الأفيون بمقدار الثلث فى عام 2016مقارنة بالعام 2015 كما توسع سوق المخدرات الاصطناعية، كما نجد أكثر من 40 مليون يتناولون معظمهم من اليمن وإثيوبيا والصومال وكينيا وإريتريا.
تقدر تكلفة الإجراءات الدولية والمحلية لمكافحة انتشار المُخدرات والتوعية بأضرارها وعلاج المدمنين نحو 120 مليار دولار سنويًا، كما تمثل تجارة المخدرات نحو 8% من حجم التجارة العالمى.
تظل مشكلة تجارة وإنتاج المُخدرات تجارة غير مشروعة على الصعيد العالمى وظاهرة اجتماعية أمنية تتداخل فيها الأبعاد السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية فى كل مجتمع ، وقد سلمت الدول بأهمية تعزيز التعاون الدولى فى مُكافحة المخدرات العالمية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة فى مجال المكافحة غلا أنها بحاجة إلى وضع استراتيجية شاملة ومتكاملة للتصدى لتلك المشكلة الدولية,خاصة أنها أضحت عابرة للقارات والحدود، ولذلك يجب تكاتف كل الدول للقضاء عليها خاصة أنه من الصعب على أى دولة أن تتصدى بمفردها لتلك المشكلة، كما ينبغى على الحكومات أن تتأكد من مواءمة التشريعات الوطنية مع أحكام المعاهدات الدولية لمراقبة المخدرات والإلتزام بتعديل قوائم المواد المخدرة الخاضعة للمراقبة الوطنية عند إدراك مادة مخدرة ما فى أحد جداول معاهدة دولية لمراقبة المخدرات، أو عند نقل تلك المادة من جدول لآخر، وتفعيل نُظم الرقابة وتقوية مُستوى الإجراءات المتبعة فى عملية المكافحة بمراحلها المختلفة.