رئيس التحرير
شكرًا عزيزي المواطن.. عفوًا دكتور شوقي
By mkamalيناير 20, 2019, 14:42 م
1004
أصيب شاب ثلاثيني في حادث مروع.. تحدثت عنه وسائل الإعلام باهتمام شديد نظرًا لأن حوادث الطرق تقتل سنويًا أعدادًا كبيرة بالإضافة إلى عدد المصابين والتلفيات المادية، الجميع ينادي بضرورة إيجاد حل عاجل.
وصلت سيارة الإسعاف إلى مدخل الطوارئ كان الأهالي وأقارب المصاب قد سبقوها في الوصول إلى المستشفى، في انتظار المصاب.
كان الحادث مروعًا وبحسب محللين وخبراء وشهود عيان أكدوا أن حالة المريض ميئوس منها.. حتى المسعف الذى نقل المصاب عندما شاهد حجم الحادثة طلب من أهل الشاب أن يدعوا الله له بالشفاء والرحمة.. فقد أصيب بكسر فى العمود الفقرى، وكسر فى الجمجمة، ونزيف فى المخ، ورضوض فى جميع أجزاء الجسم، وكسور مضاعفة فى الحوض والقدم، ونظرًا لأن الحادث مرت عليه أكثر من ثلاث ساعات لم تصل خلالها سيارة الإسعاف إلى المصاب فقد تزايدت احتمالات الوفاة.. وقلة احتمالات الشفاء.. فكان المريض أقرب إلى الموت منه إلى الحياة.
عوامل كثيرة أثرت بالسلب على المصاب قبل أن يصل إلى باب الطوارئ بالمستشفى التى نقلته إليها سيارة الإسعاف.
ما إن هدأت السيارة المندفعة من بوابة المستشفى حتى جذب الأهالى «الترولى» نحو باب السيارة ليضعوا المصاب عليه.. ألسنتهم وقلوبهم تلهث بالدعاء له بالشفاء ليعود مرة ثانية إلى الحياة.. فقد كان مضرجًا بدمائه فاقدًا للوعى.. لم يتحرك أحد من الطوارئ لدفع «الترولى» الذى حُمل عليه المصاب.. وقف طاقم التمريض خلف طاولة عليها دفتر ورقى لتسجيل بيانات المصاب أولًا وسط توسلات الأهالى لهم بأن يدخلوه لكى يقوم الأطباء بتشخيص الحالة وما تحتاج إليه من علاج لسرعة إنقاذه.. إلا أن الطاقم بدم بارد كان ردهم: «يجب تسجيل بيانات المصاب أولًا وإبلاغ الشرطة لعمل محضر بالحادث».
صراخ الأهالى أحدث بالطوارئ ضجيجًا غير مسبوق.. جعل الجميع ينتبه.. ماذا يحدث؟
فى الوقت ذاته كانت وسائل الإعلام ما زالت تركز على خطورة المنحنى الذى وقعت فيه الحادثة.. وأكدت على أهمية وجود حل لهذا المنحنى الخطر.. كما أشارت إلى خطورة ما سببه تأخر سيارة الإسعاف على حياة المصاب.. والبعض تابع حالة المصاب وما حدث له فى مدخل الطوارئ وطالب بضرورة معاقبة المقصرين، خاصة أن حياة المصاب فى خطر وهو فى ريعان الشباب.
وذهب البعض الآخر إلى ضرورة مضاعفة العقوبة على السائق الذى صدم المواطن بسيارته وفر هاربًا فى غياب للضمير قبل القانون.. جميع من يقفون من الأهالى إلى جوار المصاب يتوسلون بضرورة إجراء حل سريع لإنقاذ المريض الذى قد يفارق الحياة وهو بين أيديهم.. حتى وإن كان ذلك سيكلفهم كل ما يملكونه من مال.
بعد أن انتهت فوضى الإجراءات الروتينية.. جاء طبيب يظهر من سمته وحديثه أنه استشارى تم استدعاؤه نظرًا لخطورة حالة المصاب بعد الكشف الأولى عليه.
استمع إلى تقارير الأطباء الذين فحصوا الحالة فى الطوارئ وجمعهم على طاولة جانبية متحدثًا باللغة الانجليزية حتى لا يفهم أهالى المصاب أن الحالة ميئوس منها وأن أى تدخلات جراحية فى الحالة تعتمد فى نجاحها على أربعة عناصر مهمة.. مهارة الجراح ومساعديه، وطاقم التمريض، وعزيمة المصاب، وتعاون أهل المريض.
توجه الاستشارى بحديثه إلى الأهالى قائلًا: أين أقارب المصاب؟
رد أكثر من 10 أفراد من بين مئات الأهالى فى صوت واحد: «نحن».
قال الاستشارى: سأكون صريحًا معكم.. الحالة خطر ويجب توقيع إقرار منكم بالموافقة على إجراء الجراحة للمريض وعلى مسئوليتكم؟
هنا انقسم الـ 10 أفراد وهمسوا فى أذن بعضهم وتفرقت وحدة الكلمة ما بين مؤيد ومعارض.
حتى أهالى القرية الذين رافقوهم بات لهم أكثر من رأى، ولكن سرعان ما اتفق الجميع على ضرورة التدخل السريع لإنقاذ حياة المصاب.. عندها طلب الطبيب من الأهالى التبرع بالدم.. واندفع طاقم التمريض بالترولى حاملًا المصاب نحو غرفة العمليات.
طلب الاستشارى قبل دخول غرفة العمليات استدعاء أستاذ جراحة عظام وأستاذ لجراحة العمود الفقرى وأستاذ لجراحة المفاصل واستشارى للتخدير وأستاذ للقلب وهو كان استشاريًا لجراحة المخ والأعصاب.
الجميع ناقشوا قبل دخول غرفة العمليات حالة المصاب والجراحة التى ستجرى حتى يعود المريض للحياة فكان الرأى: إجراء جراحة المخ والعمل على وقف النزيف الداخلى وإزالة آثاره حتى يفيق المريض من الغيبوبة التى وقع فيها.. بالتزامن مع إجراء جراحة بالعمود الفقرى وتثبيته حتى لا تتوقف الحركة فى الجزء الأسفل من الجسم ويصاب المريض بالشلل. أما الكسور المضاعفة بالحوض والساق فيتم تثبيتها لإجراء جراحة لها فيما بعد، وبعد أن يتم الاطمئنان على حالة المريض وكذلك الكدمات والسحجات والرضوض يتم علاجها. ثم بعد ذلك يدخل المصاب فى فترة العلاج الطبيعى لاستعادة نشاطه.
كل تلك القرارات اتخذها رئيس الطاقم الطبى والأساتذة المعاونون بعد دراسة حالة المريض وقبل إدخاله غرفة العمليات بدقائق وتم ترتيب جميع التجهيزات الطبية لذلك.
مرت أكثر من 6 ساعات على المريض بعدها خرج إلى غرفة العناية المركزة.. وهنا جاء دور طاقم الرعاية والتمريض لاستكمال ما تم داخل غرفة العمليات.. وتوقف دور الأهالى على أمر مهم وهو تقليل عدد المتواجدين بالمستشفى، خاصة أن عددهم فاق الـ 200 شخص فأحدثوا حالة من الارتباك داخل طرقات المستشفى وأمام غرف المرضى.
طلب الطبيب منهم ألا يبقى مع المريض سوى اثنين أو ثلاثة على الأكثر من أهله، ولكن دون جدوى، وبعد يومين فاق المريض من الغيبوبة، ولكنه لم يخرج من غرفة العناية المركزة وما زال يحتاج لأكثر من عملية فى العظام.
هنا بدأ مشهد جديد لدى أهالى المريض وتحدث البعض منهم.. لماذا لم تجرَ كافة العمليات فى آن واحد وهذا كان أفضل.. وكأنهم أهل للطب وخبراء فيه.. والبعض الآخر قال لو ذهبنا به إلى مستشفى خاص لكان الوضع أفضل من المستشفى الجامعى وكانت الحالة ستتعافى بسرعة، وإذا كانت الأزمة فى المصروفات المالية كنا دفعنا «مش مهم» المهم يخف المريض.
هذا المشهد الطويل الذى استنزف منى سطور مقالى يحدث فى بعض المستشفيات ولكننى وجدته أشبه بالضبط مع الحالة التى نتعامل بها مع قضية التعليم فى مصر، فالتعليم فى مصر قبل 2014 كان خارج التصنيف الدولى خاصة التعليم قبل الجامعى فكان ترتيبنا رقم 140.
وجميع وسائل الإعلام ليس لها قضية سوى قضية التعليم والخبراء يتحدثون عن تجارب بلدان ودول حققت نهضة حقيقية كان التعليم فيها هو حجر الزاوية ونقطة الانطلاق.
كان حجم الإنفاق على التعليم قبل ذلك يتراوح بين 2 إلى 2.5% من حجم الدخل القومى.. والآن تم رفعه ليصل إلى 4% بإجمالى 474 مليار جنيه بزيادة 54% عن 2014/2015 وتم دراسة الحالة التعليمية وبدأ العلاج بوضع مناهج جديدة تتوافق مع متطلبات العصر.. وأسلوب مختلف فى التناول العلمى للمادة العلمية من أجل الوصول إلى مُخرَّجْ تعليمى (خريج) قادر على المنافسة فى سوق العمل.
وعندما قررت مصر أن توجه اهتمامها إلى التعليم وتكون لها تجربة رائدة قامت بدراسة أكثر من نموذج ووضعت نموذجًا مصريًا يتوافق مع الحالة وطبيعتها.. فكان القرار بناء جيل جديد وفق منهج كامل نحصد ثمار مخرجاته بعد 15 عامًا والعمل على إصلاح المنظومة بعض الشىء وقدر الإمكان حتى لا نهدر بشكل كامل تلك الأجيال.
وكان القرار أن تكون اللغة العربية هى الأساس فى جميع المراحل التعليمية.. فاعترض أولياء أمور الطلاب فى المدارس التجريبية على الوزير واستجاب الوزير لطلبهم فكانت مناهج الرياضيات والعلوم تدرس باللغة الإنجليزية، ولكن تلك المناهج لا تصلح سوى للناطقين باللغة الإنجليزية، وعندما حاول الوزير توضيح الأمر لأولياء الأمور قبل أن يستجيب لطلبهم.. رفضوا بشدة وكانت النتيجة مناهج يشكو منها الطلاب والأهالى والمدرسون فى وقت واحد (التجريبى) ولو لم يرضخ الوزير وأصر على تنفيذ المشروع الذى وضعته الهيئة المسئولة عن تطوير التعليم لكان الحال أفضل.
ومع ذلك رضخ د. طارق شوقى لمطالب الأهالى غير المدروسة والنتيجة طلاب لا يتقنون العربية ولا الإنجليزية، وشهادات تعلو الجدران بلا فائدة، ومع بدء التجربة الجديدة فى الثانوية.. كان روتين المدارس لها بالمرصاد، فى ظل ضعف رقابة الوزارة عليها.. فالطلاب لا يقضون فى المدرسة سوى أربع ساعات على الأكثر.. الدروس الخصوصية لم تنته، وجيوب الأهالى لم تبرد من لهيب أسعار «السناتر»، والسبب أن المدرسة دورها ما زال غائبًا.
حالات تسريب الامتحانات لم تتوقف، و«التابلت» لم يصل كل المدارس الثانوية والمدرسين رغم تدريبهم إلا أنهم ليست لديهم رغبة فى إصلاح التعليم.
كان من الواجب إجراء اختبار نفسى لهم قبل بدء تطبيق المنظومة الجديدة، حالة المريض (التعليم) نعلم أنها صعبة ولكن تراخى الأطباء وأطقم التمريض والهيئات المعاونة والأهالى قد يتسبب فى وفاة المريض بشكل نهائى.
عفوًا د. طارق شوقى.. يجب تطبيق المنظومة الجديدة بحزم ومحاسبة المقصرين بكل قوة.. فقطع يد السارق لا يستهدف تشويه الإنسان الذى كرمه الله، ولكنه الحد الذى يعد تطبيقه ردعًا لكل من تسول له نفسه السرقة.
نحن نحتاج أن يفيق المريض (التعليم) من الغيبوبة وأن يخرج من غرفة الإفاقة ويمارس حياته الطبيعية، لأن ما ننفقه على العلاج ضخم ونأمل أن تنجح التدخلات الجراحية، وتذكر أن مشرط الجراح أكثر دقة وقوة.
وشكرًا عزيزى المواطن.. نرجو منك أن تنتظر قليلًا ولا تكن خبيرًا فى التعليم حتى نرى ولو لعام واحد تقييمًا للتجربة، فلا يستطيع أحد أن يحكم على مذاق الثمار إلا بعد نضجها، خاصة أن استجابة الوزارة لرغباتكم كانت نتيجتها شكواكم المتكررة من صعوبة المناهج.