حوار : جمال رائف
في منطقة القرن الأفريقي، تحتل جيبوتي بقعة استراتيجية جعلت منها بوابة العبور إلى البحر الأحمر من جهة الجنوب، موقعها المميز جعلها مطمعًا منذ القدم، فقدم إليها الاحتلال الفرنسي الذي أخرجه كفاح الشعب الجيبوتي وتحقق الاستقلال عقب انتشار حركات التحرر الوطني في أفريقيا، والتي كانت مصر الداعم الرئيسي لها، جيبوتي يجمعها مع مصر علاقات يرجعها بعض المؤرخين إلى العصر الفرعوني لكن المؤكد أن علاقات الدولتين متينة وقوية خاصة مع تواجد مصالح اقتصادية مشتركة تتحقق وتنمو كلما تحقق الاستقرار في البحر الأحمر، اقتربنا أكثر من الدولة الصديقة عبر لقاء مع محمد ظهر حرسي، سفير دولة جيبوتي بالقاهرة ومندوبها الدائم بالجامعة العربية، في محاولة للتعرف أكثر عن عمق العلاقات بين البلدين وأيضا للحديث عن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي وما تمثله من أهمية هادفة لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية والسياسية على صعيد القارة الأفريقية.
هل حدث تطور فى العلاقات بين مصر وجيبوتى بعد ثورة 30 يونيو وبالتحديد بعد تولى الرئيس السيسى رئاسة الدولة المصرية؟
– على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين بالفعل بعد ثورة 30 يونيو هناك تطور ملحوظ فى بناء العلاقات بين مصر وجيبوتى، حيث قام الرئيس إسماعيل عمر جيله فى ديسمبر عام 2016 بزيارته الأولى لمصر والتقى خلالها الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى وامتدت الزيارة لمدة ثلاثة أيام لتكن زيارة غاية فى الأهمية، حيث أسست لنقلة نوعية فى تطور العلاقات بين الدولتين، حيث تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات فى عدة مجالات مختلفة.
ويعد القطاع الحيوى والمشترك بين الدولتين هو القطاع الملاحى، حيث ترتبط كل من قناة السويس وباب المندب وبالتالى موانئ جيبوتى فهم المدخلان الأساسيان للتجارة الدولية والتعاون المستمر يضمن استقرار حركة التجارة وتدفقها بشكل أكثر سهولة وأمنا ولهذا يوجد تنسيق وتعاون مستمر بين القاهرة وجيبوتى، خاصة أن أمن البحر الأحمر يعد من أهم التحديات المشتركة بين البلدين، حيث تمر ثلث التجارة العالمية و20% من إنتاج الطاقة ولهذا يوجد تنسيق بين مصر وجيبوتى على كافة الأصعدة مما سهل ضمان استمرار الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، بالإضافة لهذا كانت جيبوتى أولى الدول التى تتعاون مع مصر فى مجال مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية مما انطبع على تحسن الأوضاع فى البحر الأحمر.
فى نفس الإطار، كيف ترون فكرة تكوين تكتل خاص بالدول المتشاطئة على البحر الأحمر وكيف يساهم هذا فى دعم المصالح المشتركة لتلك الدول؟
– فكرة مهمة للغاية وندعمها ونعمل مع كافة الدول المتشاطئة على البحر الأحمر بما فيهم مصر والتى كانت لها المبادرة واتخذت بالفعل خطوات إيجابية نحو تحقيق هذا التكتل الهام وحضر الجانب الجيبوتى الاجتماع الذى عقد فى القاهرة قبل عامين وقريبا سينعقد الاجتماع الثالث وسنتواجد ومؤيدين لكافة القرارات التى ستخرج لتصب فى مصلحة هذه الدول خاصة فيما يضمن أمن وسلامة هذا الممر الملاحى الاستراتيجى وأيضا حمايته من أى تدخلات خارجية تؤثر بشكل ما على مصالح ومقدرات الدول المتشاطئة على البحر الأحمر.
ماذا عن القواعد العسكرية فى جيبوتى وما يثار حول أن كثرة هذه القواعد تعيق عمل جيبوتى نحو إحداث شراكات إقليمية خاصة فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر؟
– على العكس، فهذا الأمر لا يؤثر على علاقتنا مع كافة الدول الإقليمية أو حتى على الصعيد الدولى، فنحن لدينا خمس قواعد عسكرية لدول مختلفة تعمل بشكل أساسى على تأمين التجارة العابرة من البحر الأحمر ومعظم الدول صاحبة هذه القواعد تتواجد بغرض تأمين تجارتهم وليسوا محتلين فالاحتلال انتهى ولم يعد مجددًا وهناك قواعد مماثلة فى الصومال وإريتريا لنفس الغرض، والدول أصحاب تلك القواعد الموجودة فى جيبوتى قد قدموا عبر اتفاقيات محددة بالمساحة الجغرافية وأيضًا الفترات الزمنية، كما تقوم هذه القواعد على رفع القدرات الأمنية للقوات البحرية الجيبوتية وحرس السواحل وأيضا تقديم الدعم اللوجيستى للقوات الجيبوتية التى تعمل على تأمين المنطقة وقد أسهم هذا بشكل كبير فى القضاء على القراصنة بالبحر الأحمر، وقد نكون نحن أكثر دولة بها قواعد عسكرية ولكنها موجودة فى دول أخرى بنسب متفاوتة ولكن الموقع الجغرافى لجيبوتى هو ما أكسبها هذا العدد الكبير ولكن هذا لن يعيق بأى شكل من الأشكال التعاون مع الدول المتشاطئة على البحر الأحمر بل نحن نرحب ونسعى نحو إحداث تكامل إقليمى على صعيد هذا النطاق الجغرافى.
ما هى أهم الجوانب الاقتصادية التى تطورت فى العلاقات بين البلدين وما هى معدلات التجارة البينية بين الدولتين؟
– التعاون التجارى فى طريقة للنمو أسرع خاصة فى ظل القيادة السياسية الحالية وهو ما تشير إليه الأرقام وأيضًا الاتفاقيات الموقعة بين الدولتين فى أواخر عام 2016 والتى تعدت الثلاثين اتفاقية، بالإضافة إلى المباحثات والتفاهمات المثمرة، بين الرئيس إسماعيل عمر جيله والرئيس عبد الفتاح السيسى التى تطرقت لتعزيز التعاون الثنائى فى كافة المجالات الاقتصادية والتجارية بالإضافة لقطاعات الصحة والدواء والتعليم الفنى واستيراد وتصدير اللحوم والاشتراك فى المعارض والأسواق الدولية.
ما هى الجوانب والمجالات التى يمكن للبلدين التعاون خلالها فى الفترة الحالية والمستقبلية؟
– الجوانب المهمة والتى من الممكن أن تعزز زيادة التعاون الاقتصادى هى الجوانب المتعلقة بالتصنيع حيث جيبوتى فى حاجة لتطوير كافة مجالات التصنيع والتعاون بين الدولتين والاستعانة بالخبرات المصرية من الممكن أن يساهم بشكل واضح فى نمو هذا القطاع، أيضًا القطاع الزراعى وما لدى مصر من خبرات مميزة فى زراعة واستصلاح الأراضى الصحراوية الأمر الذى قد يسهم فى زيادة الرقعة الزراعية بجيبوتى وهو المجال الأهم بالنسبة لجيبوتى التى تستورد 99% من احتياجاتها من المحاصيل الزراعية ومصر بالطبع على رأس الدول المصدرة ولكن نحن لدينا الرغبة أن تأتى مصر لمساعدة جيبوتى فى الزراعة بدلا من الاعتماد على الاستيراد، هذا بالإضافة لزيادة التعاون فى المجالات اللوجيستية والموانئ أيضًا قطاعات التعليم والصحة وإنشاء فروع للجامعات المصرية بجيبوتى والتى ستخدم منطقة القرن الأفريقى بالكامل، ونفس الوضع بالنسبة للاستثمارات حيث تعتبر جيبوتى مركزا إقليميا بمنطقة الشرق الأوسط محاطة بعدد كبير من السكان فى الدول المجاورة لها وبالتالى الاستثمار فى جيبوتى يعود بالنفع على منطقة القرن الأفريقى بأكملها لذلك أدعو المستثمر المصرى لاستغلال الفرص الموجودة وقد تتيح له أيضا التوسع فى مختلف الدول الأفريقية.
كيف ترون الواقع الآن فى مصر وما تنجزه من نمو اقتصادى؟
– الأمور فى مصر فى تحسن مستمر بل وسريع، خاصة بعد أن خاضت مصر غمار الإصلاحات الاقتصادية الصعبة وهذا الإصلاح يستحق التحمل لأن نتائجه ستكون إيجابية وتصب فى صالح تقدم الدولة المصرية فقط الأمر يحتاج لبعض الصبر وسيجنى المصريون ثمار الإصلاح الاقتصادى، يكفى النظر للتعاملات المصرية مع المؤسسات النقدية الدولية والثقة التى اكتسبتها مصر من تلك المؤسسات والتى تخرج فى شكل إشادات أو التغيير الإيجابى فى التصنيف المالى والائتمانى مما يجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر وساهم تحرير سعر الصرف بشكل كبير فى هذا الأمر بعد أن كان تعدد سعر الصرف عقبة كبيرة أمام المستثمر الخارجي، أما على جانب المشروعات القومية فقد قمت بزيارة العديد من المشروعات فى منطقة محور قناة السويس والعاصمة الإدارية وهى تعبر عن تتطور كبير جدا فى وقت صغير للغاية وللعلم ثمار هذه المشروعات القومية لن تجنيها مصر فقط بل سيجنيها العالم الأفريقى والعربى بأكمله المشروعات القومية سيحصد ثمارها المصريون والأفارقة.
مصر تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقى خلال هذا العام.. كيف تنظرون لهذا الأمر، وما هى أهم الملفات المتوقع أن تهتم بها القاهرة؟
– بداية، نحن فى جيبوتى جنبًا إلى جنب مساندين الدولة المصرية أثناء فترة رئاستها للاتحاد الأفريقى وهذا الدعم والمساندة هو ما يحدث دوما فى جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة وكافة المحافل الدولية وبالتاكيد ثقل مصر السياسى والتاريخى والثقافى سيساهم بشكل كبير فى إثراء العمل الأفريقى خاصة فى المجال الاقتصادى من خلال دعم التعاون بين التكتلات الاقتصادية فى القارة لإحداث تكامل قارى خاصة مع اقتراب اتفاقية التحرر الجمركى القارية من النفاذ وأيضًا المساهمة فى استكمال خطوات إعادة الهيكلة الإدارية والمالية الخاصة بالاتحاد والتى أنجزت رواندا شوطًا كبيرًا بها، أيضًا فى مجالات مكافحة الإرهاب لما حققته مصر من نجاح ملحوظ فى هذا الأمر من الممكن أن تنقل هذه الخبرات إلى باقى الدول الأفريقية التى تعانى هذه الظاهرة ولهذا يجب أن يكون هناك استفادة أفريقية كبيرة من الخبرة المصرية فى محاربة ومكافحة الإرهاب، على الأصعدة الخاصة بدعم القضايا السياسية والاقتصادية العالقة بالقارة من المتوقع أن تستخدم مصر دبلوماسيتها العريقة لتحريك الماء الركد فى بعض من هذه القضايا مما يعزز الأمن والاستقرار بالقارة الأفريقية.
ما هى مقترحاتكم بشأن الملفات التى يمكن أن تكون ضمن أولويات الأجندة المصرية خلال فترة رئاستها للاتحاد الإفريقى؟
– جميع الملفات تحمل أهمية ولكن إذا تحدثنا عن الأولويات، فنجد الملف الاقتصادى هو الذى يتصدر المشهد خاصة فيما يتعلق بالتنسيق بين التجمعات الاقتصادية القارية وقدرة هذه التجمعات فى الاندماج فى عمل اقتصادى مشترك يحقق شراكة أفريقية حقيقة تؤدى بالتالى إلى تكامل اقتصادى مما يساهم بالتبعية فى تحقيق تنمية مستدامة تمكن الدول الأفريقية من النهوض والتقدم، استقلال القرار الأفريقى أيضا من الأمور الهامة والتى ستساهم فى تحقيق المزيد من المكاسب لدول الاتحاد، ثم يأتى الملف الأخطر وهو ملف الإرهاب والذى يمثل عائقا حقيقيا أمام استكمال خطوات التنمية فى أفريقيا، والتى تعيقها أيضا النزاعات بين بعض الدول وهو ملف لعناية شديدة خاصة أنه يعزز من انتشار الإرهاب وبالتالى فض النزاعات ونشر السلم والأمن بالقارة من الملفات الهامة والتى أتوقع أن يحظى بعمل كبير من قبل الجانب المصرى.
على صعيد آخر، تواجد مصر كبوابة أفريقية على أوروبا قد يساهم وعبر رئاسة مصر للاتحاد الافريقى فى دعم الشراكة الأوربية الأفريقية بشكل كبير وهذا قد ينطبق أيضا على علاقة الاتحاد بالتكتلات الأخرى فى آسيا ومختلف دول العالم، سوف يساهم التوازن السياسى الذى تمارسه مصر عبر علاقتها الخارجية فى إحداث توازن أفريقى فى التعامل مع هذه التجمعات والتكتلات وبالتالى إحداث استقلال فى القرار الأفريقى.