صالون الرأي
رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي ..فرص وتحديات
By amrفبراير 12, 2019, 18:40 م
2817
من المقرر أن تنطلق أعمال القمة الإفريقية الدورة رقم ” 32″ بمقر الاتحاد الإفريقى بالعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” خلال يومى 10، 11 فبراير 2019، يتسلم خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة الاتحاد الإفريقى من الرئيس الرواندى ” بول كاجامى” ، وتعد تلك القمة فرصة جيدة لمصر للعمل مع باقى الدول الإفريقية على تفعيل عدد من الأولويات يأتى أبرزها التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب الإفريقية، فضلا عن السلم والأمن، واستكمال عملية الإصلاح المؤسسى والمالى للاتحاد الإفريقى، وتفعيل التواصل الثقافى والحضارى بين الشعوب الإفريقية لتحقيق أجندة القارة 2063 .
وبمناسبة تلك الاحتفالية خرج علينا الكثيرون من المُحللين والخبراء الاستراتيجيين، ووضع كل منهما تصورًا وخططًا وأطروحات طموحة لما يجب أن تفعله الدولة المصرية فترة قيادتها للاتحاد الإفريقى خلال الفترة القادمة، وإذا تم تجميع تلك الأطروحات والطموحات نجد أننا نحتاج إلى عشرات السنين لتحقيقها، وتناسوا أن الاتحاد الإفريقى يواجه العديد من التحديات والمصاعب التى حالت دون تحقيق تقدم وتنمية فعلية لشعوب الدول الإفريقية، فضلا عن عدم قدرته على وقف أو تسوية الصراعات المسلحة التى تشهدها القارة الإفريقية بشكل كامل، وفى الواقع أن الاتحاد الإفريقى يشهد عملية إصلاح مالى وإدارى لجميع مؤسساته، حتى يكتسب مناعة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتجعله قادرًا على حسم العديد من قضايا القارة ووصولا إلى الاعتماد الذاتى على قدراته المالية، وبالتالى اكتساب الاستقلالية نحو اتخاذ قراراته منفردًا بعيدًا عن الإملاءات والضغوط الخارجية .
لا شك أن الدولة المصرية لديها خطط وبرامج طموحة تتناسب مع قدرتها على إعلاء شأن الاتحاد الإفريقى وتحقيق أهداف أجندة القارة الإفريقية 2063، وأن مصر على استعداد لتسخير جميع إمكانياتها وخبراتها لصالح العمل الإفريقى، خاصة وأن الرئيس عبد الفتاح السيسى يضع القارة الإفريقية على أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية، كما أن الدولة المصرية خلال الأربع سنوات السابقة استطاعت أن تتغلب على العديد من التحديات الداخلية والخارجية مما أعطى للدولة المصرية مناعة ضد المخاطر والتهديدات، فضلا عن إنجاز العديد من المشاريع العملاقة التى كانت بمثابة تحدٍ حقيقى لعامل الزمن، وكان ذلك بالتزامن مع مواجهة إرهاب دولى شرس تدعمه دول عظمى وأخرى إقليمية، كل هذا يجعل الدولة المصرية قادرة على نقل تجربتها إلى القارة الإفريقية فى مجالات عدة.
ولكن يجب علينا أن نتبع الأسلوب العلمى فى رسم السياسات وطرح البرامج والخطط القابلة للتنفيذ، حتى يكون لنا المصداقية وجذب انتباه الشارع الإفريقى وإقناعه بقدراتنا، فيجب أن نوضح له وقبل استلام رئاسة الاتحاد الإفريقى حجم وشكل التحديات التى تواجهها القارة بصفة عامة والاتحاد الإفريقى بصفة خاصة، حتى عندما تُنهى مصر رئاستها ونُقيم النجاحات فسوف يشهد التاريخ وتشهد شعوب القارة قدرة الدولة المصرية على تحقيق الأهداف وتغلبها على تلك التحديات، وإذا أخفقنا فى تحقيق بعضها فسوف يعلم الجميع أن حجم التحديات كانت أكبر من قدرتنا.
نشأة الاتحاد الإفريقي (A U African Union) يُعد الاتحاد الإفريقى هو الوريث الشرعى لمُنظمة الوحدة الإفريقية التى تم تأسيسها فى 25 مايو عام 1963 بهدف توحيد الشعوب الإفريقية وبعث روح التضامن بينهما، وقد ولدت فكرة إنشاء الاتحاد الإفريقى فى النصف الثانى من التسعينيات من خلال مبادرة ليبية فى 9 سبتمبر 1999 “إعلان سرت” وقد أعقب الإعلان العديد من القمم لإنجاز ذلك المشروع، ففى عام 2000 أقُيمت قمة “لومى” والتى اعتُمد فيها “القانون التأسيسى للاتحاد”، ثم اعتُمدت الخطة التأسيسية للاتحاد فى قمة “لوساكا” 2001 بالتزامن مع تنفيذ مُبادرة إنشاء الشراكة الجديدة من أجل إفريقيا، “NEPAD” ثم أسُس الاتحاد الإفريقى فى 9 يوليو 2002 فى قمة دربن بجنوب إفريقيا وكان الرئيس الجنوب إفريقى “تابومبيكى” أول رئيس للجمعية العامة للاتحاد.
وفى الحقيقة إن الاتحاد الإفريقى لا يتمتع بشعبية كبيرة من قبل الشعوب الإفريقية ويواجه انتقادات كثيرة، حيث تتهمه الشعوب بالبيروقراطية الشديدة والتباطؤ فى حل مشاكل القارة والتقاعس عن محاربة الفساد وعدم معاقبة المتورطين فيه، وعدم الدفاع عن كل من حقوق الإنسان وقمع الحريات، كما أن إنجازات الاتحاد الإفريقى تبقى محدودة جدًا بالرغم من أنه يحاول أن يستلهم من الاتحاد الأوروبى فى طريقة تسيير شئونه السياسية والدبلوماسية.
أجندة الاتحاد الإفريقى
وقد احتفل الاتحاد الإفريقى فى قمة ” مايو 2013 بمرور 50 عامًا على إنشاء “منظمة الوحدة الإفريقية” وأصدر فى هذه القمة ما يعرف بإعلان “SOLEMN” ويشمل ثمانية أهداف للقارة ولتحقيق هذه الأهداف وضع الاتحاد ما يُعرف بأجندة 2063 لمدة 50 عامًا “أى تنتهى فى العيد المئوى” على تأسيس مُنظمة الوحدة الإفريقية، وبالتالى تم وضع خطة استراتيجية لمُستقبل إفريقيا بمساندة شعوب القارة وقد اعُتمدت الأجندة فى يناير 2015 لتُعبر عن التحول الاقتصادى والاجتماعى والتكاملى طويل الأجل للقارة الإفريقية، وقد كُلفت مفوضية الاتحاد الإفريقى فى ضوء تلك الأجندة الطموحة إعداد خطة تنفيذ لعشر سنوات قادمة تنتهى فى 2023 وهى الخطة الأولى “عشرية” من ضمن خمس خطط أخرى .
وتُعد أجندة 2063 “استراتيجية” وبمعنى دقيق فهى إطار استراتيجى للتحول الاقتصادى والاجتماعى للقارة خلال الـ 50 عامًا القادمة، فهى تدعو إلى الإسراع فى تنفيذ المُبادرات القارية السابقة، مثل “خطة عمل لاجوس”، “معاهدة أبوجا”، برنامج تطوير البنية التحتية فى إفريقيا “PIDA” برنامج التنمية الزراعية الشاملة، “CAADP” الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا، “Nepad” فضلا عن التصديق على مُبادرات جديدة تواكب التطورات العالمية بغرض النمو والتنمية المستدامة، وتعتمد هذه الأجندة على أفضل المُمارسات الوطنية والإقليمية والقارية فى تحقيق التنمية، وقد وضع عددًا من الأهداف – حوالى 18 هدفًا – لتحقيقها حتى 2063 جاءت معُظمها من الطُموحات الإفريقية السبع التى تم إعدادها من خلال عملية تشاورية مع المواطن الإفريقي، وتعمل الأجندة على اتساق السياسات، ولأول مرة تم جمع جميع المُبادرات القارية والإقليمية تحت مظلة واحدة، ومن المتوقع أن يؤدى ذلك إلى حدوث التكامل بين أقاليم ودول القارة.
وقد عرض الرئيس الرواندى “بول كاجامى” رؤية حول إصلاح وتحسين أداء منظمة الاتحاد الإفريقى خلال قمة “كيجالي” التى عُقدت فى رواندا عام 2016 وهو عرض اتسم بالابتكار والتطور والجراءة وقد ارتكزت خطة “كاجامى” على عدد من النقاط الأساسية أهمها ما يلى:
توفير التمويل الكافى لمُنظمة الاتحاد الإفريقى ذاتيًا دون طلب دعم مالى من الاتحاد الأوروبى أو الأمم المُتحدة أو غيرها.
يذكر أنه حسب المجموعة الدولية للأزمات لم تتجاوز نسبة تمويل الاتحاد الإفريقى لبعض المشاريع الخاصة به 14% خلال عام 2017 وهى نسبة محدودة للغاية وضد خطة الاتحاد التى تستهدف أن تبلغ نسبة مشاركته ذاتيًا حوالى 75% بمرور عام 2020.
إنشاء سوق إفريقية موحدة تتيح التنقل بين دولها للأفراد والمُنتجات والأموال بحرية كاملة، ويراهن كاجامى على نجاح هذا الطرح وتعظيم الفائدة المالية منه، كما اقترح رئيس البنك الإفريقى السابق الرواندى “رونالد كباروك” فرض ضريبة نسبتها 2,% على جميع المُنتجات التى تأتى من خارج الدول الإفريقية.
إنشاء قوة عسكرية افريقية مُشتركة تتدخل فى حال وقوع نزاعات بين الدول الأعضاء أو للحفاظ على السلم والأمن داخل دول القارة.
تجدر الإشارة إلى أن عملية حفظ السلام فى القارة تتكفل بها الأمم المُتحدة وبعض الدول الأوروبية.
عملية الإصلاح المؤسسى والمالى للاتحاد الإفريقى لترشيد النفقات وقد سعى “كاجامى” للحد من تقليل عدد القمم واللجان وخفض تبعية الاتحاد للمانحين الأجانب .
رأى “كاجامى” ضرورة أن تحول جميع الصلاحيات لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى بما يُمكنه من متابعة أداء الدول الإفريقية فى تنفيذ ما يتم الاتفاق بشأنه كما اقترح أن يركز الاتحاد الإفريقى أولوياته على “الأمن والسياسة والتكامل الاقتصادى”.
وعلى الرغم من أن خطة “كاجامى” طموحة وواقعية ووجود عدد كبير من الدول التى تساند خطة “كاجامى” (حوالى 21 دولة)، إلا أنه يبدو من الصعب فى الوقت الراهن تحقيق الخطة بالكامل ولا حتى فى المستقبل القريب لوجود عدد من التحديات التى تحول دون تنفيذها، يعد أهمها ما يلى:
هناك تحفظ من بعض الدول الإفريقية لدفع ضريبة على مُنتجات يتم استيرادها من بلدان غير إفريقية، وذلك على الرغم من موافقة نصف الدول الأعضاء على دفع الضريبة 2% من أجل تقليص تبعية الاتحاد الإفريقى للجهات المانحة الأجنبية التى تساهم فى الميزانية بنسبة أكبر من 50%..
معظم الدول الإفريقية القوية والكبرى داخل الاتحاد الإفريقى لديها بعض التحفظات على منح مفوضية الاتحاد الإفريقي، أى جزء من السيادة، حيث مازالوا يعتبرونها نوعًا من الأمانة العامة المكلفة بتطبيق ما يقرره رؤساء الدول.
توجد العديد من المنظمات التى ترتبط بالاتحاد الإفريقى من بينها منظمة وحدة المغرب العربى والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا …. الخ) كل هذا العدد من المنظمات جعل الاتحاد الإفريقى يظهر كمنظمة بيروقراطية.
نقص التمويل واستمرار الصراعات المسلحة والتحديات الأمنية.
الديون الحكومية وصلت إلى 60% من الدخل القومى والمفروض ألا تتعدى 40% طبقًا لتقرير اللجنة الاقتصادية والإفريقية التابعة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من تلك التحديات إلا أن الاتحاد الإفريقى يسعى جاهدًا إلى إحداث تكامل بين الأقاليم المختلفة لتحقيق الوحدة الإفريقية، وطرح أجندات عمل يراعى فيها التخصص وتقسيم العمل وهذه المنهجية لها مرونة عالية، حيث يقوم الاتحاد الإفريقى بتكليف رؤساء دول بعينهم لإعداد تقارير دورية فى العديد من القضايا المهمة وقد شهدت قمة يناير 2018 التى عقدت بعنوان “محاربة الفساد” تقديم عدد من التقارير التى كُلف بها عدد من الرؤساء الأفارقة، فقدم رئيس جنوب إفريقيا “جاكوب زوما” تقريرًا حول تعزيز الشراكة بين الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة وقدم رئيس غينيا “الفاكوندى” تقريرًا حول الطاقة المتجددة، وتولت الجزائر لجنة الحرب ضد الإرهاب والتطرف العنيف وهذه المواضيع تلقى اهتمامًا داخل أروقة الاتحاد الإفريقى كما تناقش خلال الجلسات.
وفى نفس السياق يسعى الاتحاد الإفريقى أيضًا إلى تمكين المُنظمات الإقليمية لتنفيذ أهدافه بكفاءة عالية، وذلك بعد احتوائها داخل المنظمة الأم، كما يسعى أيضا إلى عملية إعادة ترتيب وتنسيق الأطُر القانونية والتشريعية والتنظيمية من خلال صياغة أجندات عمل داخل الاتحاد بما ييسر من إنجاز الأهداف المحددة لأجندة عمل 2063.
كما يعمل الاتحاد على إعلاء وتفعيل الدور الذى تضلع به لجنة الحكماء بالاتحاد الإفريقى بما يعزز من فكرة الحوار بين الفرقاء للوصول إلى حلول وسط من خلال التنسيق بين الاتحاد والمنظمات الدولية والشركاء الدوليين.
يذكر أن لجنة حكماء إفريقيا أُنشأت فى ديسمبر 2007 وهى هيئة استشارية للاتحاد الإفريقى وتتألف من خمسة أعضاء معينين لمدة ثلاث سنوات ودورها تقديم المشورة إلى مجلس السلم والأمن بشأن المسائل المتعلقة بالصراعات وإدارتها وحلها، ويتم اختيار الأعضاء طبقًا للتوزيع الجغرافى للخمس مناطق (شمال – جنوب – شرق – غرب – وسط).
يعكس ما سبق أن الخارجية المصرية لديها خطة واعية تتلاءم مع الواقع الإفريقى من واقع خبراتها التراكمية فى هذا المجال، تضم التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمى، والعمل على تعجيل وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة ودخولها حيز التنفيذ خلال فترة رئاستها للاتحاد الإفريقى، ودعم مشروع البنية التحتية فى إفريقيا الذى قد يساعد فى الإسراع بتحقيق عملية التكامل والاندماج الإقليمى وتعزيز التجارة البينية، فضلا عن تعزيز علاقات التعاون بين الاتحاد الإفريقى وشركاء التنمية، وكذلك تعزيز الآليات الإفريقية لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، وبالتالى فمن المقرر أن يتم تدشين مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات فى العام الجارى، كما أن مصر لن تبخل على أشقائها الأفارقة فى دعم وتعزيز مكافحة الإرهاب وخلق آلية فعالة وسريعة لتبادل المعلومات وتدريب كوادر إفريقية فى القاهرة على أساليب مكافحة الإرهاب وإنشاء المركز الإفريقى لدول الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب كخطوة أولى لإنشاء المركز الإفريقى لمكافحة الإرهاب لدول القارة بالكامل ويكون مقره فى مصر أيضًا.