صالون الرأي
التقارب الأوروبى الإفريقى – مصالح لا عواطف
By amrفبراير 02, 2019, 19:55 م
1427
قام الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى بزيارة إلى العاصمة النمساوية «فيينا» لمدة أربعة أيام بدأت يوم الأحد الموافق 16 ديسمبر 2018 على خلفية الدعوة التى تلقتها مصر من المستشار النمساوى «سيباستيان كورتز» والرئيس الحالى للاتحاد الأوروبى والرئيس الرواندى «بول كاجامى» الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، وتعد الزيارة هى الأولى من نوعها للرئيس السيسى والتى تأتى فى ضوء اقتراب تولى مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى مع بداية العام الجديد وبالتحديد فى 7 فبراير 2019، وللزيارة شقين الشق الأول «ثنائى» هو زيارة رسمية للنمسا تتعلق بالعلاقات الثنائية بين مصر والنمسا، والشق الثانى «متعدد» يتعلق بمشاركة مصر ضمن فعاليات المنتدى الإفريقى الأوربى والذى شارك فيه رؤساء وممثلى الحكومات الإفريقية والأوروبية.
وأهم ما جاء بالشق الأول للزيارة هو عقد مباحثات قمة بين الرئيس «السيسى» مع المستشار النمساوى «سيباستيان كورتز»، أكد خلالها الجانبان على أهمية استئناف أعمال اللجنة الثنائية المشتركة بين البلدين مع بداية عام 2019 والتى توقفت أعمالها منذ عام 2010، حيث تعد خطوة لإحداث طفرة فى إطار علاقات التعاون الثنائى فى جميع المجالات خاصة مجالات الاستثمار والتبادل التجارى، والسياحة، والحوكمة الإلكترونية، والإصلاح الإدارى، وميكنة الخدمات الحكومية، ودعوة المستثمرين ورجال الأعمال والشركات النمساوية للاستثمار فى مصر خاصة، وتنفيذ المشروعات القومية العملاقة كتنمية المحور الاقتصادى لمنطقة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، كما بحث الجانبان سبل تعزيز التعاون بين النمسا وإفريقيا فى ضوء رئاسة مصر المرتقبة للاتحاد الإفريقى.
وقد ثمن المستشار النمساوى الموقف المصرى للتعامل مع مجمل الأزمات والقضايا الإقليمية خاصة تفضيل مصر وتأييدها لعمليات التسوية السياسية بديلًا عن التدخلات العسكرية وهو ما يتوافق مع الموقف الأوروبى بصفة عامة والموقف النمساوى بصفة خاصة حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أثناء القمة الثنائية على ضرورة دعم جهود التسوية السياسية فى سوريا ومواصلة العمل على إعادة إعمار البلاد، والقضاء على الجماعات الإرهابية المتطرفة، ودعم مؤسسات الدولة بما يحافظ على وحدة الأراضى السورية ليحقق آمال وتطلعات الشعب السورى ويحد من معاناتة الإنسانية، وهذه القضية هى فى الحقيقة محل خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من الدول الأوروبية، حيث ترى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى ضرورة بناء مناطق آمنة فى سوريا فى سياق مواجهة الإرهاب، فى الوقت الذى ترفضه الكثير من الدول الأوروبية نظرًا لوجود تحفظات سياسية ولوجيستية وإنسانية على فكرة هذا المقترح لأنه سيقود فى اتجاه تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ «تركية – أمريكية – إيرانية – خليجية» والقضاء عمليًا على الدولة المركزية السورية، مع وجود حذر أوروبى لتنامى استخدام القوة العسكرية لتحقيق هذا الهدف. فضلًا عن وجود خلافات أخرى خاصة فيما يتعلق مثلًا بمصير بشار الأسد فى أى تسوية مستقبلية للأزمة السورية.
وفيما يتعلق بالأزمة الليبية استعرض الرئيس المصرى رؤية الدولة المصرية للحل السياسى فى ليبيا وجهودها من أجل توحيد ودعم المؤسسة العسكرية الليبية بهدف تمكينها من القيام بمهامها، ومؤكدًا على أهمية التزام المجتمع الدولى بالتنفيذ الكامل لمبادرة المبعوث الأممى «غسان سلامة» لحل الأزمة الليبية بجميع عناصرها، ونرى أن الموقف المصرى يؤكد مصداقية الدولة بالتمسك بمبادئ وقيم السياسة الخارجية المصرية والتى يأتى فى مقدمتها دعم السلام الإقليمى والدولى وفقًا لقواعد القانون الدولى، والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، فضلًا عن مبدأ عدم التدخل فى شئون الدول الأخرى، وهذه المبادئ والقيم يمكن أن تكون الجسر المشترك الذى يمكن أن تلتقى خلاله المصالح الأوربية والمصرية خاصة وأن العديد من الدول الأوروبية مازالت تدافع عن المبادئ والقيم الإنسانية.
وقد أشاد المستشار النمساوى بالإنجازات المصرية التى تحققت بالقضاء تقريبًا على الهجرة غير الشرعية عبر الأراضى المصرية، ومنع تسلل أى مراكب تقل مهاجرين غير شرعيين من الشواطئ المصرية باتجاه أوروبا منذ سبتمبر 2016 فضلًا عن استضافة مصر لملايين اللاجئين على أراضيها وتمتعهم بمعاملة متساوية مع المواطنين المصريين فى مختلف الخدمات، فضلًا عن توفير سبل معيشة كريمة لهم دون عزلهم فى معسكرات أو ملاجئ إيواء، وفى التقدير أن هذه الإنجازات لها دلائل كثيرة الأول منها هو إضافة جيدة لرصيد مصر فى مجال حقوق الإنسان، لم يحدث حتى فى أوروبا ومثال على ذلك موقف الحكومة الإيطالية الرافض لاستقبال سفن المهاجرين العالقة فى البحر المتوسط، الأمر الذى أثار جدلًا واسعًا داخل الاتحاد الأوروبى، خاصة من الدول التى تهتم بالقيم والمبادئ الإنسانية والثانى منها أن هذا الإنجاز هو نقطة التقاء أخرى تتفق مع توجهات العديد من الدول الأوروبية التى تعانى من ويلات الهجرة غير الشرعية على أراضيها. وفى هذا السياق أكد الرئيس السيسى أن استدامة تلك الجهود يتطلب مزيدًا من التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبى فى هذا المجال.
كما تناول اللقاء الثنائى مناقشة جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف فى ضوء ما تمثله تلك الظاهرة من تهديد حقيقى لمساعى تحقيق التنمية فى المنطقة والعالم، وأكد خلالها الرئيس المصرى على أهمية تضافر جهود المجتمع الدولى للقضاء على تلك الآفة على كل المستويات خاصة فيما يتعلق بتمويل الجماعات الإرهابية وتزويدها بالسلاح وتوفير الدعم لها، مستعرضًا نتائج العملية الشاملة «سيناء2018» والنجاحات التى حققتها الدولة المصرية فى مواجهة الإرهاب، وقد أشاد «كورتز» بالمقاربة الشاملة التى اتبعتها مصر فى الحرب على الإرهاب من خلال علاج جذور المشكلة عبر دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الأيديولوجيات والفكر المتطرف.
وقد شهد الرئيس السيسى والمستشار النمساوى التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة بين الجهات الحكومية المعنية للبلدين، بغرض التعاون فى عدد من المجالات أهمها «التكنولوجيا والابتكار، تشجيع ريادة الأعمال، تعزيز العلاقات الاستثمارية، التعليم العالى، السكك الحديدية».
وقد تناول الشق الثانى من زيارة العاصمة النمساوية فيينا مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى فعاليات الاجتماع السياسى لرؤساء الدول والحكومات فى إطار المنتدى الأوروبى الإفريقى رفيع المستوى حيث أكد زعماء الدول الإفريقية والأوروبية المشاركين فى الاجتماع على ما يلى:-
1 – تعزيز الشراكة الاقتصادية لدعم التنمية «المستدامة» ومواجهة الهجرة الغير شرعية من القارة الإفريقية إلى أوروبا.
2 – التعاون الثنائى لا يقتصر فقط على الهجرة غير الشرعية بل يشمل أيضًا العمل المشترك فى مجال التنمية المستدامة وإيجاد فرص العمل والتطور التكنولوجى.
3 – دعوة الشركات الأوروبية المشاركة فى المنتدى إلى زيادة جهود الاستثمار والتنمية وخلق فرص استثمار فى القارة الإفريقية، لاسيما وأن المساعدات أصبحت لا تعد الحل الأمثل لمواجهة مخاطر الفقر المتنامية.
4 – المنتدى يجسد نظرة جديدة للعلاقات بين إفريقيا وأوروبا لأنه يركز على القضايا التى تهم القارتين معًا.
5 – التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة الحرة فى إفريقيا سوف يعزز التعاون الثنائى بين القارتين على مستوى القطاع الخاص.
6 – الهجرة غير الشرعية يمكن مواجهتها من خلال العمل المشترك بين الجانبين، حيث تم تفنيد العوامل المغذية لها والمتمثلة فى الفقر والنزاعات المسلحة والأوبئة والكوارث الطبيعية.
7 – إمكانية أن تلعب الشركات الأوروبية دورًا أكثر أهمية وبديلًا عن الحكومات فى دعم الوظائف والاستثمار فى إفريقيا.
8 – التوقيع على اتفاقيتين للتعاون على هامش المؤتمر بين الاتحاد الإفريقى والاتحاد الأوروبى، الأولى منهما تتعلق ببرنامج ضمان الاستثمارات فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والثانية خاصة بدعم منطقة التجارة الحرة فى إفريقيا.
9 – الدعوة إلى زيادة حجم الاستثمارت الأوروبية فى إفريقيا خاصة وأن القارة الإفريقية تعد سوقًا كبيرًا يسكنه 1,2 مليار نسمة. مع أهمية توفير الموارد المالية اللازمة للاستثمار فى الشباب الإفريقى وتوفير فرص عمل له.
وفيما يتعلق بمشاركة الرئيس السيسى فى فعاليات المنتدى الإفريقى الأوروبى تناول الرئيس رؤية مصر حول أهمية تدعيم القدرات الإفريقية لما سيعود بالنفع وينعكس على حل القضايا السياسية فى القارة الإفريقية وحماية المواطنين الأفارقة من الهجرة غير الشرعية ومخاطرها، فضلًا عن انعكاساتها السلبية على دول الاتحاد الأوروبى، ومؤكدًا أن القارة الإفريقية مؤهلة أكثر من غيرها للتعامل مع الأدوات المستحدثة فى القرن الواحد والعشرين وأن القارة الإفريقية حققت على مدار السنوات العشر الماضية معدلات نمو إيجابية، وأن التحول الرقمى والتكنولوجى من أهم محفزات النمو الاقتصادى وأحد دعائم التنمية المستدامة , كما أشار سيادته إلى أن 60% من سكان إفريقيا شباب ويحتاجون إلى 12 مليون فرصة عمل سنويًا، كما تناول احتياج القارة الإفريقية إلى إنشاء شبكة كوابل ألياف ضوئية متطورة لربط دول القارة بعضها البعض. وأن مصر قد أطلقت مبادرة لتدريب 10 آلاف شاب مصرى وإفريقى كمطورى ألعاب وتطبيقات تكنولوجيا.
وكانت رؤية الرئيس السيسى واضحة ومؤكدة على قدرة مصر على رئاسة الاتحاد الإفريقى عام 2019، وقدرتها على تعزيز التكامل الإفريقى بين دول القارة، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية، وتحقيق مزيدًا من الاندماج فيما بين الدول الإفريقية على جميع المستويات، خاصة تطوير المنظومة الاقتصادية الإفريقية وتنويعها وكذلك المنظومة الصناعية باعتبار كل ما سبق ضمن أولويات أجندة الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقى، من منطلق إيمان القيادة السياسية المصرية بأن التنمية والتحديث هما السبيل الوحيد لمواجهة التحديات المعاصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنع التدخلات الخارجية فى ظل التغيرات التى طرأت على قمة النظام الدولى، ومواجهة الإرهاب الدولى والدول الراعية له، ومعالجة التطرف بجميع أنواعه ومحاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتغلب على المرض والجهل والفقر بما يحقق التنمية المستدامة لشعوب القارة الإفريقية.