رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

فى وداع النبيل.. نبيل زكى

1426

برحيل الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ نبيل زكى الذى غيّبه الموت قبل أيام، فإن مصر فقدت رمزًا رفيع القدر والمكانة من رموز الصحافة والفكر السياسى والحياة الحزبية.
ومثلما اتسم أداؤه وتميزت مسيرته بالهدوء والرصانة فقد جاء رحيله هادئًا أيضًَا متزامنًا مع صخب انتخابات نقابة الصحفيين الذى خيّم على المشهد الصحفى، وهو من كان حضوره طاغيًا فى ذلك المشهد بمقالاته وتحليلاته السياسية وحواراته التليفزيونية وعطائه الحزبى فى حزب التجمع.
لقد ظل نبيل زكى يحظى باحترام وتقدير جموع الصحفيين فى مصر والعالم العربى سواء من جانب أبناء جيله ومن رافقوه فى بلاط صاحبة الجلالة وفى العمل الحزبى أو ممن عايشوه واقتربوا منه وتعلموا منه من الأجيال اللاحقة.
الراحل الكبير احترف العمل الصحفى من بوابة العمل السياسى والحزبى فى أواخر خمسينات القرن الماضى منذ التحاقه بجريدة الأخبار.. محررًا بقسم الشئون الخارجية حيث تبدت كفاءته من اليوم الأول وأجاد بقدر إجادته للغة الإنجليزية وبقدر إجادته أيضًا وبنفس القدر للغة العربية، وظل يتدرج فى المناصب القيادية وصولاً إلى منصب مدير التحرير ومسئولًا عن القسم الخارجى حيث غادر «الأخبار» لتولى رئاسة تحرير جريدة الأهالى وإن ظل مرتبطا بالأخبار من خلال عموده الأسبوعى «كلمة سر».

كانت بداية معرفتى بالأستاذ نبيل فى منتصف السبعينات عقب تخرجى فى قسم الصحافة بكلية الإعلام ضمن الدفعة الأولى، وحيث كانت الأخبار وتحديدًا قسم الشئون العربية المحطة الأولى فى مسيرتى المهنية وبترشيح من أستاذى وأستاذ جيلى جلال الدين الحمامصى.
فى صالة التحرير التى يتوسطها القسم الخارجى مع ضوضاء أجهزة «التيكرز» التى تبث أخبار العالم من خلال وكالات الأنباء.. اقتربت من الأستاذ نبيل زكى إذ كان لابد من الاقتراب لتسليم الأخبار والموضوعات إلى «الديسك» المجاور للقسم الخارجى.

فى تلك الفترة الذهبية فى تاريخ الصحافة المصرية
و «الأخبار» والتى شهدت انفراجة كبيرة لحرية الصحافة.. بدأت بإفراج الرئيس السادات عن الأستاذ مصطفى أمين وعودة توأمه الأستاذ على أمين من منفاه الاختيارى ومن ثم عودة التوأمين إلى دارهمًا.. دار أخبار اليوم..
.. فى تلك الفترة الذهبية كان ثلاثة من كبار الصحفيين يديرون القسم الخارجى وهم الأساتذة مصطفى غنيم ود. محمد العزب موسى ومعهما الأستاذ نبيل، وكان معهم محررون جدد يبدأون العمل الصحفى ويتعلمون منهم، ومازالوا يدينون لهم بالفضل، خاصة الأستاذ نبيل زكى الذى استمر لفترة اطول، وكان من بينهم الزميلة خريجة الدفعة الأولى الأستاذة أمانى دسوقى التى أسمعها حتى الآن تذكر فضله المهنى عليها وعلى زملائها.

لم يكن نبيل زكى كاتبًا صحفيًا متخصصًا فى الشئون الدولية فقط، بل كان محللاً سياسيًا رفيع المستوى تميز بعمق التحليل والرؤية الثاقبة بأسلوب سهل ممتنع على النحو الذى تصل معه الرسالة الإعلامية إلى القارىء أو المشاهد العادى مثلما يتلقاها المتابع والمتخصص.
ولذا فقد كان ضيفًا تتهافت عليه القنوات التليفزيونية والفضائيات، حيث كان متحدثًا مفوهًا متمكنًا وشارحًا ومحللاً متميزًا للقضايا العربية والدولية والمصرية أيضًا، ومازلت أذكر أنه شرفنى بقبول استضافتى له فى عدة حلقات من برنامج صالون دريم الذى كنت أقدمه على شاشة قناة دريم فى سنواتها الأولى، حيث أضفى بحضوره الطاغى وتحليلاته المتميزة وحديثه المتدفق المبهر قيمة كبرى على تلك الحلقات، بقدرما شرفت بشهادته لى فى إدارة الحوار.
ثم إن أكثر ما تميز به نبيل زكى.. شجاعته فى إبداء رأية.. متمسكًا فى نفس الوقت بالموضوعية والانتقاد الهادئ الرصين بغير تجاوز لآداب الحوار والاختلاف دون تجريج، ولذا حاز احترام الجميع من كل التوجهات.

الأستاذ نبيل زكى لم يكن كاتبًا ومحللاً سياسيًا فقط بل كان له إسهاماته المعتبرة والمقدرة فى الفكر السياسى والتى تضعه فى مصاف المفكرين السياسيين، ثم إنه أيضًا سياسى محترف رفيع المستوى فى المشهد الحزبى المصرى، بوصفه عضوًا ومؤسسًا وقياديًا بارزًا فى حزب التجمع الديمقراطى الوحدوى والذى يضم التيارات السياسية الشيوعية والاشتراكية والناصرية والتى تمثل اليسار السياسى المصرى.

غير أنه مما يشهد له به أنه لم يكن متعصبًا لفكره السياسى والحزبى، وإنما اتسم أداؤه بقدر كبير من الموضوعية وتفهم قواعد الاختلاف فى الرؤى وعلى النحو الذى يتسع للحوار مع كل التوجهات بغير تشنج أو دروشة حزبية يمارسها كثير من المنتمين لكثير من التيارات السياسية والحزبية والفكرية، فكان يعلو فوق «أيدلوجيته» وذلك سر تميزه بشهادة الجميع.

ولعل الأوساط الصحفية المصرية لا تزال تذكر أن جريدة الأهالى التى يصدرها حزب التجمع شهدت أزهى فتراتها الصحفية خلال المدة التى تولى خلالها رئاسة تحريرها، إذ إنه يمكن القول بأنه وبحسب المعايير المهنية قد «صحفها»، وأضفى عليها الصبغة الصحفية بالاهتمام بالأخبار والموضوعات والتحقيقات المتنوعة بأكثر من الاهتمام بالمقالات فقط، ومن ثم فقد أحدث نقلة نوعية للجريدة.. جذبت القراء وزادت معها أرقام التوزيع، إذ إنه حال بينها وبين أن تكون أقرب إلى المنشور السياسى الحزبى الذى يخاطب أعضاء الحزب وحدهم.

يبقى فى السيرة الذاتية المهنية والسياسية للأستاذ نبيل زكى والتى تشهد بها كتاباته وتحليلاته وأحاديثه.. أنه مفكر سياسى عروبى شديد التمسك والاعتزاز بعروبته وبالثوابت القومية بكل إخلاص ودون تزيد أو مزايدة.

فى وداع الراحل الكبير الذى داهمنى رحيله المفاجئ.. لعل فى هذه السطور بعض العزاء للصحافة والحياة السياسية والحزبية المصرية والعربية ولشخصى المتواضع العارف لقدره.. فى فقد النبيل.. نبيل زكى.n