رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

«ولاد رزق 3» ..عودة قوية للأبطال الضد

647

جاء الجزء الثالث من فيلم «ولاد رزق» قويا ومثيرا، بل لعله أفضل الأجزاء الثلاثة، وأكثرها إحكاما وإبهارا وظرفا، ولعله أيضا أحد أفضل أفلام العام.

لا أتحدث هنا عن ضخامة الإنتاج، فالضخامة لا تعني شيئا بدون سيناريو صلاح الجهيني المتماسك، والذي
لا يسير فقط على كتالوج أفلام العصابات، أو ما أسميها أفلام «أوشن»، ولكنه يسير أيضا على كتالوج سلسلة «ولاد رزق»، التي يمكن القول إنها قامت نهائيا بتمصير النوع، وأضافت لمسة محلية خاصة، تنبع أساسا من رسم ملامح أفراد عائلة رزق.

محمود عبد الشكور

ولم يكن الإنتاج الضخم ليصنع شيئا لولا براعة واتقان العناصر الفنية والتقنية بقيادة المخرج طارق العريان، ولولا أداء الممثلين، ووجود مفاجأتين مدهشتين فى هذا الجزء لاثنين من ممثلينا الرائعين هما: على صبحى فى دور كوري، وأحمد الرافعى فى دور سلطان الغول.

يحمل الجزء الثالث عنوانا فرعيا هو “القاضية”، ويستدعى كثيرا من شخصيات الجزءين السابقين، مثل صقر (سيد رجب)، ورؤوف (محمد ممدوح)، ورغم غياب رجب ( أحمد داوود)، أحد أعضاء أولاد رزق، إلا أن السيناريو يعوضه بشخصية أخرى هى الشايب ( آسر ياسين)، كما يعوض الفيلم غياب عاطف (أحمد الفيشاوي)، رفيق المغامرات، بشخصية لا تقل جاذبية وحضورا وظرفا هى كورى بأداء على صبحي، ويحافظ الجهينى أيضا على شكل البناء السردى الذى يميز السلسلة، فالحبكة تقوم على شخصية فى مأزق تروى ما حدث، وتشكل هذه الرواية، ويشكل هذا المأزق، مفتاح الحبكة كلها، وهذه المرة يقع رضا (أحمد عز)، فى قبضة رجل يدعى ياسين الغول (أحمد الرافعي)، يسأله عن ساعة ثمينة، سرقها أولاد رزق من تايسون فيوري، الملاكم الشهير، خلال منافسات موسم الرياض، عن هذه الساعة تدور الحبكة، وحول هوية ياسين الغول، ومنافسة صقر له فى الحصول على الساعة، يمكن العثور على مفتاح اللعبة.

من ملامح الكتالوج الخاص بالسلسلة أيضا، استمرار أولاد رزق فى أمرين: عالم الإنحراف والعمليات غير المشروعة، وعلاقة الأخوة والمساندة فيما بينهم، أو كما يقول رضا، وهو بديل الأب: “ضهرنا فى ضهر بعض”، ومازلت أقرأ السلسلة من هذه الزاوية، فالحكاية ليست عن الإنحراف فقط، وهذه العوالم السفلية فى مستوياتها الشعبية الفقيرة، وغير الشعبية الثرية، إنما الحكاية بالأساس عن هذه العائلة التى يساند بعضها بعضا، وتخضع لتوجيه الأب البديل رضا، وهو أمر يذكرنى على نحو ما  بأيقونة توعية أفلام العصابات، أو سلسلة “الأب الروحي”.

لكن الطابع المصرى جعل الشخصيات قريبة جدا من الجمهور، والمزيج بين الكوميديا والعنف والفهلوة والذكاء والحماقة يصل فى الجزء الثالث إلى قمته، وهو مزيج شديد الصعوبة، كما أن هذا الجزء يؤكد أيضا على الأصل الشعبى للأخوة الثلاثة رضا وربيع (عمرو يوسف)، ورمضان ( كريم قاسم)، بالإضافة الى كوري، والشايب، وأولاد رزق هم أبناء عين الصيرة، التى يعودون إليها دائما. وهذا العنصر الشعبى أساسى فى النجاح، لأنه جعل أولاد رزق نماذج لقدرة الفقراء على الصعود رغم خطورته، كما جعلهم يقتحمون الأماكن الثرية، ولا ننســــــــى أنهم رغم انحرافهم، إلا أنهم ينتصرون على من هم أكثر منهم انحرافا وسلطة وقوة.

إنها مرة أخرى قدرة الهامش على أن يكون متنا، ولو إلى حين، وقدرة ابن البلد، ضحية ظروفه، أن يكون رقما فى المعادلة، وبذلك تعوض سلسلة ولاد رزق الفقراء عن بعض إحباطاتهم، وتغير واقعهم على الشاشة، دون أن تنفى خطورة المغامرة، ودون أيضا أن تتجاهل حلم التوبة، الذى لا يصمد بسبب الظروف، ففى الجزء الثالث مثلا تكون العودة للمغامرة والسرقة بسبب ديون مستحقة على الأخوة لدى رجل مجنون تقريبا لعب دوره ببراعة أحمد فهمي.

عنصر آخر مهم فى التفوق هو اتقان فكرة اللعبة مع الخصوم، ومع الجمهور على حد سواء، وهذا العنصر يصل الى ذروة أخرى فى الجزء الثالث، بحيث يمهد أيضا لوجود جزء رابع، بظهور متميز جدا لكريم عبد العزيز فى نهاية الفيلم، واللعبة هى فى صميم فكرة الدراما، وهى أيضا ليست سهلة، إذ تعتمد على طوفان من التفاصيل، ويجب ألا تكون غامضة تماما، بحيث لا يشعر الجمهور أنه غبي، ولكنك تقول ببساطة له :” أنت ذكى وشديد التركيز ولكن فاتت عليك هذه التفصيلة”، ولاشك أن سلسلة عصابة أوشن  الأمريكية هى الأصل، وهى أيقونة نوعية أفلام السرقة عموما، ولكن سلسلة أولاد رزق هى الأفضل بين الأفلام المصرية فى استلهام ألعاب العصابات، وفى منحها هذا الطابع الشعبي.

لا بد من الإشارة أيضا الى أن اللعبة الذهنية، وهى أقرب الى مبارة للشطرنج، تترجم  فى نفس الوقت وبالتوازى الى مطاردات وحركة، وصلت فى الجزء الثالث الى واحدة من أفضل وأطول المطاردات فى تاريح أفلام الحركة المصرية كتابة وتنفيذا، وهى المطاردة الطويلة فى مدينة الرياض، والتى تتوسط الفيلم، كما أن السرد ليس بسيط البناء، فالقصة يرويها رضا للغول، ولكننا نرى رضا أيضا وهو يرسم خطة السرقة لإخوته، وللشايب، وبعد أن ينتهى الفيلم، يقوم المتفرج بمراجعة هاتين الحكايتين، لكى يفرز ما حدث فعلا من الأكاذيب، ولكى يفهم بالضبط حدود تلك الألعاب الخطرة.

حقق الجزء الثالث تكاملا ممتازا فى عناصره الفنية بحيث يمكن أن نرشح الفيلم لجوائز الأفضل فى عناصـــــــــر كثيرة، مثل كتابة صلاح الجهيني، وإخراج طارق العريان، وتصويـــــــــــر مازن المتجول، ومونتاج أحمــــد حمدى ( تكفيه تتابعات المطاردة الطويلة المذهلة)، وموسيقى هشام نزيه (وإن كانت السلسلة تستحق جملة واحدة جذابة ترسخ فى الذاكرة مثل جملة سلسلة بوند)، وديكورات محمد عطية، وملابس مروة عبد السميع، مع إجادة معظم الممثلين، وخصوصا الثلاثى عز وعمرو ويوسف وكريم قاسم، وتميز سيد رجب، والثنائى على صبحى وأحمد الرافعي، ولا ننسى دور شريط الصوت، والمؤثرات الصوتية والبصرية، الملاحظ فقط أن آسر ياسين كان يؤدى بطريقة فاترة وأنيقة، لا تليق بشخصية من أصول شعبية .

أعود مرة أخرى إلى  فكرة أن هذه السلسلة أضافت نوعا جديدا، وبصورة قوية وناضجة، ورغم أنها تبدو غير أخلاقية وفظة وحافلة بالإيحاءات الجنسية والألفاظ الصادمة، إلا أنها تتعامل مع البشر كما هم، وترى الإنسان ككائن رمادي، وليس بالأبيض والأسود، وتكشف عن عالم محجوب وراء المظاهر اللامعة، وهى أيضا حكاية عن العائلة، وعن علاقة الأخوة، التى لولاها ما كانت هناك حكاية من الأساس، وهى ليست معركة بين الأخيار والأشرار، ولكنها معركة بين منحرفين أذكياء، ومنحرفين أغبياء أكثر شرا، فى هذه المنطقة الملتبسة، وفى عالم البطولة غير المثالية تكمن دراما غريبة، وصراعات مثيرة بلا ضفاف، وبدون سقف، وغير متوقعة بالمرة.

يحب الجمهور ولاد رزق لأنهم يشبهون الكثيرين فى الفهلوة وخفة الظل والحلم بالمكسب السريع واللذة السريعة، ولأن خلطة المغامرة والصراع والصعود والهبوط تليق بالدراما، ولأن الرحلة تبدو بلا نهاية، إذ سرعان ما تمهد النهاية لخطر قادم، ولجزء جديد، ولأن الحكايات تماثل الحياة فى خطورتها ومفاجآتها، ولأننا نحب اللعب جدا، بشرط أن نكون آمنين، أى أن نتفرج على الشاشة، لا أن نكون فى داخلها.

فإذا تحقق هذا الخليط بين وفاء الأخوة لبعضهم من ناحية، والغدر والشراسة مع الخصوم من ناحية أخرى، بين تمنّى التوبة من جهة، وممارسة الذنوب والانحراف من جهة أخرى، بين العنف من ناحية، والضحك الصاخب من ناحية أخرى، وبين تهور الحمقى، وذكاء لاعبى الشطرنج، وفهلوة أولاد البلد، صرنا أمام وجبة دسمة، متقنة الصنع، ترضى أطيافا واسعة من الجمهور.

تبقى كلمة لكريم عبد العزيز: لقد صفق لك الجمهور وأنت ضيف الشرف، حتى قبل أن تنطق بكلمة واحدة، مجرد ظهورك جعلهم يصفقون، هذه الثقة، وتلك المحبة  تستحقهما ياكريم عن جدارة، نظير موهبتك وجهدك، وهى أيضا مسؤولية مرعبة، تستلزم مضاعفة الجهد والعمل.