صالون الرأي
يا جبل ما يهزك ريح!
By amrسبتمبر 29, 2019, 12:28 م
1573
كان الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، عندما يتعرض لضغوط خارجية، يردد تعبيره الشهير «يا جبل ما يهزك ريح»، وأنه سيواصل مسيرته النضالية فى تحقيق الحلم الفلسطينى.
ومات المناضل.. وعاشت مقولته.
فماذا تفعل بعض الرياح – حتى ولو كانت عاصفة – فى الجبال الصم الرواسخ؟.. سوى إثارة بعض الأتربة والزعابيب لفترة مؤقتة.. قد لا تتعدى الدقائق.
وأعتقد أن ما حدث فى مصر خلال الأسابيع الماضية لا يخرج عن ذلك، فمصر الحضارة العظيمة والتاريخ الطويل والأرض والشعب لا يمكن أن يؤثر فيها مثل هذه «الترهات»!، إنما هى محاولات بائسة لإثارة البلبلة وتعطيل «قطار» التنمية الذى يجوب البلاد من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها.
لقد بدأت تلك المحاولات بفيديوهات مصورة لمقاول شاب فتحت له الدولة أبوابها ليساهم فى بناء بلده، ولكنه خيّب الظن فيه، وتوهم أنه «يذيع» أسرارًا عن بعض المؤسسات أو الأماكن، محاولاً البحث عن «شُهرة» فشل فى الوصول إليها من خلال التمثيل ثم تمادى فى الأمر وتحول إلى خبير استراتيجى «يفتى» فى السياسة والاقتصاد والجغرافيا.
ولكن سرعان ما انصرف الناس عن متابعة فيديوهاته المشبوهة، بعد أن تجاوز الأمر مجرد «الفضفضة» من جانبه، و«التسلية» من قبل المشاهدين، خاصة بعدما اتضح للجميع أنه مجرد «أداة» لآخرين فى الخارج أو الداخل، وأنه يردد ما يملى عليه، أو ما خطط له من «سيناريوهات» أعدت سلفا قبل هروبه إلى الخارج.
ثم فضح نفسه – كما تردد – بزيارته المشبوهة لدولة «العثمانيين الجدد»، والتى اتخذت منها بعض الأبواق الإعلامية الهاربة «منصة» للهجوم وترديد الشائعات ضد البلد الذى ولدوا ونشأوا فيه وتعلموا فى مدارسه وجامعاته.
وسرعان ما انتهت ظاهرة هذا «المقاول» بعد أن اصطدمت بوطنية المصريين وثقتهم الكاملة فى رئيسهم وقواتهم المسلحة.
لقد فات هذا المناضل الوهمى وكل من ساندوه، أن المصريين لا يتسامحون ولا يغفرون لكل من يهاجم بلدهم من الخارج، فما بالك إذا كان هذا المهاجم «مصريًّا» يعيث فسادًا فى البارات والمواخير الأجنبية!
وفى كل الأحوال.. لم تزعجنى فيديوهات هذا المقاول الهارب ولا ما التقطته الأبواق الإعلامية فى الخارج محاولة النفخ فيه من ترديد شائعات وافتراض سيناريوهات خائبة.
ولكن الذى أزعجنى بالفعل هو رد الفعل السلبى على تلك «الحملة» المغرضة، سواء من قبل الإعلام المصرى المتنوع، أو من بعض المؤسسات التى اختارت الصمت، وهو ما دفع المواطنين العاديين للتصدى والرد مستخدمين صفحاتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعى.
لقد اكتشف المواطنون أن بعض نخبهم اختارت الصمت والفرجة! وهكذا كان حال الأحزاب أيضا.. إلا قليلاً!
بل إن البعض خرج من مخبئه مؤيدًا ومحرضًا، وفوجئنا بما يسمى بحزب «الكرامة» يعلن عن تجميد نشاطه بحجة الأجواء السلبية غير المشجعة على ممارسة العمل السياسى فى مصر!
فأى «كرامة» يدعيها البعض أو يحاول الوصول إليها عندما يتخاذل عن الدفاع عن بلده عندما تتعرض لهجمات إعلامية منظمة ومخططة كما بدا الأمر!
وهل يعتقد أعضاء هذا الحزب وقياداته والذين لا يتجاوز عددهم المئات، ولم يشعر بهم أحد من قبل، أن جماهير الشعب العامل سوف تخرج إلى الشوارع عن بكرة أبيها رافضة هذا «التجميد»؟
بالطبـع لـــن يحــدث.. لأن الأمــر ببساطة «كلنا عارفين بعض تمام المعرفة»، فالبعض يعيش فى وهم «الزعامة»، وهى بعيدة عنه بُعد الأرض عن السماء السابعة!
وهذا حزب ناصرى آخر يطلق على نفسه «العربى الديمقراطى» عانى كثيرًا من انقسامات وانشقاقات متتالية، يصدر بيانًا يعترف ويؤكد فيه أن «استهداف مصر هو حقيقة استرايجية، وليس فزاعة، كما يحلو للبعض أن يروج أو يستهين»، ثم يطالب بالتأكيد على «الوحدة الوطنية المصرية، ووحدة الشعب والجيش»، مشيرًا إلى أن البلاد لا تملك رفاهية التراشق السياسى أو تبادل الاتهامات.
ومن ثم فهو يطالب بحوار وطنى شامل لا يستثنى سوى من تلوثت أيديهم بدماء المصريين، وهو كلام جميل مانقدرش نختلف معاه أو نقول حاجة عنه!
ولكن المشكلة فيما انتهى إليه هذا البيان الذى بدأ هادئًا متزنًا، ثم انتهى إلى «تجنيب مؤسسات الدولة القائمة والمعنية بإداراتها، مطالبًا بتشكيل «لجنة لإدارة الأزمة»، فهل نحن فى أزمة فعلاً؟ نعم قد تكون هناك أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة بسبب إجراءات الإصلاح الاقتصادى، ولكن هل معنى ذلك أننا وصلنا إلى مرحلة «الأزمة» الملحة التى تحتاج إلى «لجنة خاصة» لإدارتها؟
على أية حال.. لقد عاد «مناضلو» الحزب إلى رشدهم فى نهاية البيان وطالبوا بخطوات عملية، لا نختلف معها خاصة: إعادة الاعتبار لإعلام الدولة وجعله منبرًا لتعدد الآراء الوطنية، وفتح مجال العمل السياسى أمام الأحزاب، والإفراج عن معتقلى الرأى من غير المتورطين فى جرائم جنائية أو إرهابية.
وأعتقد أن هذا ما سوف يحدث فى الأيام والشهور القليلة القادمة.
lll